لم تكن القمة الباكستانية الأفغانية التى استضافتها مدينة استانبول التركية مطلع أبريل الماضى سوى إشارة جديدة على طبيعة الدور الذى تحلم به تركيا تحت حكم حزب العدالة والتنمية برئاسة رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان. فتلك القمة التى جمعت بين الرئيسين الباكستانى آصف زردارى ونظيره الأفغانى حامد قرضاى وبحضور الرئيس التركى عبدالله جول جاءت فى توقيت تدهورت فيه العلاقات بشدة بين كابول وإسلام أباد فدشنت تركيا بها حضورا قويا فى واحدة من أكثر مناطق العالم أهمية للاستقرار الدولى، حيث الحرب فى أفغانستان والأزمة الداخلية فى باكستان، وأيضا الصراع الهندى الباكستانى فى شبه القارة الهندية. ويقول المحلل السياسى الألمانى كارستن فايلاند فى مقالة بموقع منظمة «أوبن ديموقراكسى دوت كوم» إن التحركات التركية الأخيرة تشير إلى تحولات واضحة فى سياساتها الإقليمية خاصة مع وجود مهندس السياسة الخارجية لحكومة أردوغان البروفيسور أحمد داوود أوغلو على رأس وزارة الخارجية. ويشير المراقبون إلى الزيارة المنتظرة لرئيس الوزراء التركى أردوغان ورئيس الأركان إلى باكستان خلال الشهر الحالى باعتبارها مؤشرا إضافيا على رغبة أنقرة فى لعب دور مهم على الساحة الإقليمية خارج دائرة نفوذها التقليدى فى آسيا الوسطى والشرق الأوسط. فالتقارير القادمة من أنقرة وإسلام أباد تشير إلى أن أردوغان سيزور إسلام أباد برفقة وفد كبير يضم مسئولين سياسيين وعسكريين ورجال أعمال فى الوقت الذى تبحث فيه حكومة باكستان عن أى دعم خارجى لمواجهة الموقف المتفجر على الصعيد الداخلى. ويرى فايلاند أن التحركات التركية على محاور متعددة تهدف إلى جمع أكبر عدد من الأوراق فى يد حكومة أنقرة من أجل الاستفادة بها سواء فى الداخل أو فى الخارج. فتعاظم الدور التركى على الصعيد الخارجى يعزز قوة الحكومة فى مواجهة معارضيها سواء كانوا فى الأحزاب السياسية أو فى المؤسسة العسكرية. فى الوقت نفسه لا يغيب عن المحللين أن تنامى هذا الدور يعزز فرص تركيا فى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى، حيث يمكن القول إن تركيا تطرق أبواب الغرب من الشرق حيث توجد باكستان. فالحكومة التركية الجديدة وضعت الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى صوب عينيها باعتباره هدفا استراتيجيا فى موقف بدا ينطوى على كثير من التناقض. وأبواب الاتحاد الأوروبى التى ظلت موصدة أمام تركيا فى عهد حكومات ترفع شعار العلمانية فوق كل شعار بدت مواربة أمام تحركات حكومة ذات انتماءات إسلامية. وفى الوقت الذى تطرق فيه أنقرة أبواب بروكسل حيث مقر المفوضية الأوروبية بدت تركيا تتحرك على الصعيد العالمى باعتبارها قوة محورية من الملف العراقى إلى الوساطة بين إسرائيل وسوريا والدخول بقوة على ملف الصراع الفلسطينى الإسرائيلى وصولا إلى قلب القارة الآسيوية حيث باكستان مرورا بإيران. ويرى خبراء أن زيارة أردوغان المقبلة لباكستان تكشف أيضا عن جانب من التنافس التركى الإيرانى المكتوم من أجل تعزيز الوجود فى شبه القارة الهندية وبخاصة فى باكستانوأفغانستان. كما أن تعزيز العلاقات مع باكستان يعطى تركيا ثقلا أكبر لدى واشنطن فى ضوء الرغبة الأمريكية فى احتواء الأوضاع الداخلية فى باكستان ومواجهة القوة المتنامية للحركات الأصولية سواء فى باكستان أو أفغانستان. ويمكن القول إن تركيا تستطيع أن تلعب دورا مهما بالنسبة للأمريكيين فى هذه المنطقة من العالم، حيث تتمتع تركيا بقبول شعبى واضح لدى الباكستانيين باعتبارها قوى إسلامية سنية لا يثير حضورها تلك الحساسية التى يمكن أن يثيرها الحضور الأمريكى وكذلك الحضور الإيرانى الشيعى. ويفتح هذا السيناريو الباب أمام تنافس تركى إيرانى على النفوذ فى تلك المنطقة خاصة أن إيران ترى لنفسها مصالح استراتيجية فى كل من باكستانوأفغانستان بحكم الجوار الجغرافى والعلاقات الدينية مع الشيعة فى كلا البلدين. فى المقابل فإن تركيا تحت حكم أردوغان تسعى إلى مد حضورها السياسى والاقتصادى إلى مناطق بدت فى الماضى بعيدة لكنها أصبحت الآن ذات أهمية استراتيجية للأتراك الذين يحلمون بأمجاد الإمبراطورية الغابرة.