سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
جولة في كتاب يوميات لورد ملنر (2) : لم نتصور أن يثور المصريون.. والسلطان حسين كان يشعر بالقلق قبل وفاته مكماهون أخبرني أن اضطرابات الثورة انطلقت من تركيا وألمانيا...وونجت رد عليه : بأنه لا يعرف شيئا عن حقيقة ما يجري في البلاد
استنتجت بشكل صائب ودقيق أن الوجود البريطاني لن يحظى بالقبول الشعبي على الإطلاق أحداث الثورة كانت مفاجأة كاملة لنا فلم يتصور أحد أن المصريين سيتصرفون على هذا النحو بدأت "الشروق" من أمس، وتواصل على مدار شهر مارس عرض مجموعة من الكتب، الحديثة والقديمة، التي تروي جوانب مختلفة لتأريخ وتوثيق أحداث ثورة 1919 من الأسباب إلى المآلات. وأول كتاب نتجول بين صفحاته هو ترجمة كاملة لوثيقة إنجليزية عن أحداث ثورة 1919 ضمن الأرشيفات الوطنية للمملكة المتحدة في لندن، ينتمي إلى وزارة المستعمرات في مجلد بعنوان "لجنة ملنر 1919-1920". لجنة ملنر هي لجنة شُكلت في 22 سبتمبر 1919 من قبل الحكومة البريطانية، للوقوف على أسباب ثورة 1919 في مصر. المجلد الأصلي يسجل الأحاديث التي أجراها أعضاء اللجنة مع شخصيات ذات نفوذ في مصر، وداخل المجلد وثيقة مكونة من 70 صفحة فولسكاب مكتوبة على الآلة الكاتبة عنوانها "الأحاديث التي أجراها اللورد ملنر خلال رئاسته اللجنة الخصوصية المنتدبة لمصر". الكتاب هو أحدث ما نشر في السوق المصرية عن ثورة 1919، صدرت طبعته الأولى عن دار الشروق 2019، ويقع الكتاب في 173 صفحة، من القطع المتوسط، أعدته وحررته منى عبدالعظيم أنيس مديرة قسم التحرير بدار الشروق، وترجمه للعربية د. صلاح أبو نار، وكتب مقدمته المفكر والمؤرخ المستشار طارق البشري. ***************************** بداية الرحلة يروي ملنر: غادرت لندن في 29 نوفبمر متجها إلى القاهرة، وقبلها أجريت أكثر من حديث حول القضية المصرية، أراها جديرة بالتدوين المختصر. كان أحد هذه الحوارات مع السير هنري مكماهون، عندما جاء لمقابلتي في شارع جريت كولدج في 26 نوفبمر 1919. في لقائنا هذا كان أهم ما سمعته منه رأيه حول السخط المصري الراهن على نظام الحماية، يرى مكماهون أن كل هذا الاستنكار الحاد الموجه إلى النظام، والتأكيد على ما سببه إعلانها من قلق هائل للمصريين وعجزهم عن فهم معنى هذا الإعلان، ليس سوى أوهام لم تحدث في الواقع. جاء مكماهون إلى مصر في نهاية عام 1914 ليتولى منصب المندوب السامي البريطاني، وغادرها عند نهاية عام 1916، ووفقا لما سمعت منه لم تظهر خلال العامين اللذين قضاهما في مصر علامات تشير إلى سخط المصريين على الحماية، أو مؤشرات على وجود حالة اضطراب مكتوم. ويرى مكماهون أن المزاعم من نمط الرفض الشعبي المبكر لنظام الحماية، تشكل جزءا أساسيا من الدعاية المختلقة التي أطلقها "الوطنيون" والأصل الحقيقي لهذه الاضطرابات الأخيرة التي شهدتها مصر ينبغي عدم البحث عنه في أي من تلك الأسباب المزعومة التي يرجعونها إليها، فهذه الاضطرابات يمكننا إرجاعها إلى هذا التحريض المخطط على الثورة، الذي انطلق من مصادر تركية وألمانية، وانهمك الألمان في تمهيد الطريق له قبل الحرب. في اليوم التالي 27 نوفمبر، التقيت بونجت Wingate والذي منحني صورة أخرى مختلفة نسبيا عن القصة، أقر ونجت صحة رأي مكماهون في ولاء (السلطان) حسين كامل لنا، والاحترام الذي استطاع أن يبثه في نفوس المصريين. وأخبرني ونجت بالفرنسية وفي صياغة واضحة أن مكماهون كان ملكا بلا سلطة، لا يعرف ما الذي يجري فعليا في البلاد، ووفقا لما سمعته من ونجت كان حسين (السلطان) يعرف حقيقة مشاعر المصريين ويشعر بقلق غريب تجاه المستقبل، ودائم التساؤل عما إذا كان هناك من يستطيع الحفاظ على حالة الهدوء والسكينة في بلاده بعد رحيله. مقابلة مع السلطان "العصبي جدا" يروي ملنر الأحداث بعد وصوله القاهرة قائلاً: التقيت الجنرال اللنبي Allenby في دار المندوب السامي البريطاني، الذي كان متفائلا في رؤيته لما يجري، ويعتقد بأن الأحداث في طريقها إلى التهدئة. وبعد ذلك وفي الظهيرة، استقبلت موريسون Murison الذي قدم لي رواية جديرة بالاهتمام لما حدث في مصر منذ أواخر مارس (1919) القاهرة كلها، بل البلاد كلها، حل بها الجنون لعدة أيام، من الصباح حتى المساء كانت الشوارع تمتلئ بالحشود، رجال ونساء وأطفال يهتفون ويغنون ويرعدون " يحيا الوطن". في نفس اليوم 8 ديسمبر، اصطحبني اللنبي لمقابلة السلطان فؤاد الذي كان عصبيا إلى حد ما، ويغطي على عصبيته بالثرثرة، وبعد نصف ساعة من لقائي بالسلطان، اصطحبت أعضاء اللجنة من أجل مقابلته، لكن هذا اللقاء لم يشهد شيئا سوى العموميات بعد الزيارتين اللتين قمت بهما للقصر عدت إلى الفندق، وهناك جاء والرند Walrond لزيارتي واستغرقنا حديث طويل، كان متشبعا برؤية والرند المحلية لما يجري، وكانت رؤيته قاتمة تماما ويعتقد أن المتطرفين أصابوا المعتدلين برعب عميق، حتى أصبحوا تحت سيطرتهم، وأننا لن نجد مصريا يغامر بالتواصل مع اللجنة. توجهت في نفس اليوم وبرفقتي ماكسويل Maxwell إلى المطرية، وأجرينا حديثا مطولا مع السير اليكساندر بيرد Alexander Bird، الذي أخبرني مرة تلو أخرى أن ما جرى كان مفاجأة كاملة له، وأنه لم يتصور أن المصريين وبالفلاحين بخاصة سوف يتصرفون على هذا النحو الذي تصرفوا به. وغداً حلقة جديدة.....