يوم التسوق المفتوح أو «الأوبن داى»، هو شكل جديد وأنيق ل«دلالة» زمان الشعبية، فقد أصبحت تجارة رائجة تديرها بعض سيدات المجتمع الراقى، عالم نسائى يدور بين الجدران وداخل البيوت. البيت قد تحول لسوق تجارى فى ساعات. حالة من الهرج والمرج تشيع فى كل ركن من أركان المنزل الواقع بشارع جانبى هادئ بالهرم، فالصالون، فرنسى الطراز، قد توارى خلف الأرفف المتنقلة العملاقة التى تحمل الملابس المحلية والمستوردة من تركيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، واكتست الموائد بحقائب اليد والإكسسوارات وأغطية الرأس الملونة. فى جانب من الصالة الواسعة، مكتب صغير لابد وأن تمر عليه الزائرات قبل المغادرة لمعرفة الحساب وأساليب السداد. كل حجرة من الحجرات تحولت إلى كبائن جماعية لقياس الملابس واستعراض آراء الحاضرين، حتى دورة المياه لم تخل من الزبونات اللاتى قد لا تجدن شبرا خاليا على أرض الغرف. صوانى الشاى والبسكويت تدور بين مدعوات «الأوبن داى» (اليوم المفتوح) الذى تعده السيدة نهال، 60 سنة، مديرة العلاقات العامة بإحدى الشركات الكبرى. السيدة نهال تجوب المصانع لتنتقى القطع المتميزة بسعر المصنع وتتصل بصديقاتها اللاتى يجلبن الملابس المستوردة ليعرضن لديها مقابل نسبة خاصة تقدر غالبا بعشرين فى المائة. ثم تبدأ فى حصر وتسعير القطع التى قد يصل عددها إلى أكثر من 5 آلاف قطعة، تقوم بتجهيزها للمدعوات بعد الاتصال بهن تليفونيا. وتضع لافتة إعلانية صغيرة على باب شقتها الموجودة بالدور الأرضى مكتوبا عليها بالفرنسية Chez Nihal، (منزل نهال) لاجتذاب نساء الجيران الراغبات فى الشراء. « زبونى ليس زبون شارع ولكن معظم السيدات من المعارف سواء من عائلتى أو عائلة زوجى أو من زملاء ومعارف العمل والنادى وتدريب الإيروبكس إلخ، لذا فأنا على دراية تامة بشخصيتهن ونمط حياتهن وبالتالى أكون ملمة بنوعية الملابس التى تحتاجها كل واحدة وكذلك الأذواق الملائمة. وعلى هذا الأساس أجلب بضاعتى وأضمن تسويقها». والسيدة تستفيد من أناقتها الشخصية وتقترح على كل معارفها من النساء ما يناسبهن من خطوط الموضة، بل يلجأ إليها البعض «لتكسيهم» بالكامل ثقة منهم فى ذوقها الرفيع. تتعالى «قفشات» ونكات السيدات، وقد جلست بعضهن لاحتساء القهوة والمحاسبة. تقول فرات، 65 سنة، ربة منزل: «أفضل شىء فى نظام يوم التسوق المفتوح هو طريقة القسط. فأنا أشترى ملابسى كل فصل وأسدد ثمنها على ستة أشهر قبل فاتورة الفصل القادم، وبهذه الطريقة لا أشعر بوطأة سعر الكسوة سواء لى أو لابنتى التى تحصل على كسوتها بنفس الطريقة». بالنسبة للكثيرات يعد هذا اليوم فرصة لاستعراض قصات الشعر الجديدة وتبادل الحكايات والأخبار: من فقدت وزنها وكيف؟ من تبدل مقاسها من48 إلى 42؟ من أجرت عملية تجميل فى الأنف؟ «إضافة للدردشات النسائية فهو يوفر الوقت والجهد، كما أننى أتمكن من شراء قطع غير منتشرة فى السوق»، هكذا تؤكد هبة، 37 سنة مدرسة. من خلف مكتبها عكفت سهام على إدارة العمل، فقد خصصت صفحة لكل زبونة فى كشكولها المكون من أكثر من 150 صفحة، فهى تدون معلومات عن كل سيدة : الاسم، رقم المحمول، من طرف مين إذا كانت الزبونة جديدة، المشتريات وطرق السداد، وتترك باقى الصفحة بيضاء حتى تدون قيمة كل قسط وتاريخ سداده. «بعض النساء اللاتى يعرضن عندى بضاعتهن قد يحتجن إلى فلوسهن فى غضون ثلاثة أشهر على سبيل المثال، فالبعض يحصل على الملابس من خلال قرض بنكى وبالتالى يخاف أن تأكل الفائدة المكسب. فى هذه الحالة أقوم بسداد المبلغ المستحق نيابة عن زبونى الذى أسعى على راحته وأعطيه فرصة للتقسيط لا تقل عن ستة أشهر»، تلخص نهال الطريقة التى اعتادت أن تتعامل بها، فقد دأبت منذ خمسة عشر عاما على إقامة «أوبن داى» أو يوم تسوق مفتوح مرتين سنويا مع قدوم فصلى الشتاء والصيف وغالبا ما تختار عطلات نهاية الأسبوع لتعقد مثل هذه اللقاءات لثلاثة أسابيع متتالية. وفى الواقع عادة «الأوبن داى» أو يوم التسوق المفتوح ليست بجديدة على مصر، فهى نفس فكرة «تاجرة الشنطة» أو «الدلالة» إلا أنها اكتسبت طابعا أكثر أناقة وانتشرت بين نساء الطبقة الوسطى وما علاها، فتغيرت المسميات والملامح من طبقة إلى أخرى ومن الريف إلى الحضر. ورغم أن بعض نساء الطبقة الراقية قد طورن الفكرة جريا وراء التميز من خلال شراء الملابس المستوردة، إلا أن الدائرة اتسعت لتشمل قطاعات أكبر من الطبقة الوسطى. يصعب حصر حجم الظاهرة لاسيما أنه نشاط يتم عادة فى الخفاء بعيدا عن قطاعات العمل الرسمية، لكن مما شك فيه أنه يتزايد باطراد كما تؤكد إيمان موسى خبيرة علم الاقتصاد الاجتماعى بإحدى شركات التسويق، وتوضح: «سيستمر هذا النشاط ويتطور لعلاقته الحميمة بنظام القسط الذى أصبح يشكل نسق حياة لأبناء الطبقة الوسطى، فضلا عن شيوع المجتمعات النسائية المغلقة فى الآونة الأخيرة. فهذه النوعية من التجارة لا تحتاج لإمكانات كبيرة أو إجراءات روتينية معقدة، وربحيتها تعود بشكل مباشر للمنظمين لأنها لا تخضع للضرائب». رحلتا الشتاء والصيف ومن منزل السيدة نهال بالهرم إلى حى مدينة نصر تتغير وجوه السيدات وإن جمعهن الهدف نفسه، فمنزل ريهام يتحول هو الآخر لسوق مع بداية كل موسم. كثيرات ممن تفضلن الملابس التركية يكن على موعد موسمى فى هذا البيت العامر بالملابس، فصاحبته تقوم برحلتى الشتاء والصيف للبحث عن الملابس فى أسواق الجملة التى حفظتها عن ظهر قلب. وهى تستغل عقدة الخواجة المتأصلة لدى الزبونات لكى تسوق بضاعتها رخيصة الثمن، ولدى تسرب أنباء رجوعها من تركيا تنهال عليها التليفونات، حيث تتسابق النساء على خطف القطع الأفضل! ورغم أن السعر يشمل ثمن تذكرة الطيارة والإقامة وهامش الربح الخاص بها إلا أنها تضمن التسويق خاصة بين صفوف زميلاتها من المدرسات. وتقول: «ربيت زبونا أصبح لا يستغنى عن الملابس التركية، فأنا أفتح أبواب بيتى للمعارف خلال شهر فى أى وقت نهارا أو ليلا حسب ظروف الزبائن. وإذا تبقت بعض القطع فأنا لا أتردد فى طرحها بأسعار مخفضة خلال الأوبن داى التالى». وترى الصحفية الاقتصادية سلمى عادل أن ظاهرة يوم التسوق المفتوح ازدهرت فى ظل زيادة وطأة الضرائب والجمارك على بعض المشروعات فى الآونة الأخيرة، وقد انتشرت خلال فترات وقف الاستيراد فى الستينيات ومطلع الثمانينيات، عندئذ انتعش سوق المستورد المهرب عن طريق مضيفات الطيران والطيارين الجويين الذين تفننوا فى حمل أكبر كمية من الملابس داخل حقائب سفرهم الشخصية التى لا يتم تفتيشها. وتتوقع سلمى عادل تراجع هذه السوق فى ظل وجود العديد من فروع المحال العالمية فى مصر حاليا. بالفعل ظروف هذا النشاط مريحة للغاية فلا فواتير كهرباء ولا ميزانية للعمالة ولا ضرائب.. وإن كان هامش المخاطرة عاليا، فسهام التى اعتادت أن تقيم يومها المفتوح اختلفت ذات مرة مع إحدى معارفها من العيار الثقيل بسبب القسط.. فما كان بهذه الأخيرة إلا أن وشت بها، خاصة أن زوجها له علاقة بشرطة مكافحة الأموال العامة. وتورطت سهام فى قضية تهرب ضريبى وساءت سمعتها فى الشارع بسبب كبسة البوليس.