رئيس ضمان جودة التعليم: الجامعات التكنولوجية ركيزة جديدة فى تنمية المجتمع    إتاحة الاستعلام عن نتيجة امتحان المتقدمين لوظيفة عامل بالأوقاف لعام 2023    قطع المياه عن نجع حمادي.. وشركة المياه توجه رسالة هامة للمواطنين    الحكومة: نرصد ردود فعل المواطنين على رفع سعر الخبز.. ولامسنا تفهما من البعض    «حماس» تصدر بيانًا رسميًا ترد به على خطاب بايدن.. «ننظر بإيجابية»    محامي الشحات: هذه هي الخطوة المقبلة.. ولا صحة لإيقاف اللاعب عن المشاركة مع الأهلي    رونالدو يدخل في نوبة بكاء عقب خسارة كأس الملك| فيديو    أحمد فتوح: تمنيت فوز الاهلي بدوري أبطال أفريقيا من للثأر في السوبر الأفريقي"    هل يصمد نجم برشلونة أمام عروض الدوري السعودي ؟    حسام عبدالمجيد: فرجانى ساسى سبب اسم "ماتيب" وفيريرا الأب الروحى لى    هل الحكم على الشحات في قضية الشيبي ينهي مسيرته الكروية؟.. ناقد رياضي يوضح    محامي الشحات: الاستئناف على الحكم الأسبوع المقبل.. وما يحدث في المستقبل سنفعله أولًا    مصارعة - كيشو غاضبا: لم أحصل على مستحقات الأولمبياد الماضي.. من يرضى بذلك؟    اليوم.. بدء التقديم لرياض الأطفال والصف الأول الابتدائي على مستوى الجمهورية    32 لجنة بكفر الشيخ تستقبل 9 آلاف و948 طالبا وطالبة بالشهادة الثانوية الأزهرية    استمرار الموجة الحارة.. تعرف على درجة الحرارة المتوقعة اليوم السبت    اعرف ترتيب المواد.. جدول امتحانات الشهادة الثانوية الأزهرية    صحة قنا تحذر من تناول سمكة الأرنب السامة    أحمد عبد الوهاب وأحمد غزي يفوزان بجائزة أفضل ممثل مساعد وصاعد عن الحشاشين من إنرجي    دانا حلبي تكشف عن حقيقة زواجها من محمد رجب    الرئيس الأمريكي: إسرائيل تريد ضمان عدم قدرة حماس على تنفيذ أى هجوم آخر    "هالة" تطلب خلع زوجها المدرس: "الكراسة كشفت خيانته مع الجاره"    حدث بالفن| طلاق نيللي كريم وهشام عاشور وبكاء محمود الليثي وحقيقة انفصال وفاء الكيلاني    أبرزهم «إياد نصار وهدى الإتربي».. نجوم الفن يتوافدون على حفل كأس إنرجي للدراما    مراسل القاهرة الإخبارية من خان يونس: الشارع الفلسطينى يراهن على موقف الفصائل    عباس أبو الحسن يرد على رفضه سداد فواتير المستشفى لعلاج مصابة بحادث سيارته    "صحة الإسماعيلية" تختتم دورة تدريبية للتعريف بعلم اقتصاديات الدواء    ثواب عشر ذي الحجة.. صيام وزكاة وأعمال صالحة وأجر من الله    أسعار شرائح الكهرباء 2024.. وموعد وقف العمل بخطة تخفيف الأحمال في مصر    العثور على جثة سائق ببورسعيد    الأمين العام لحلف الناتو: بوتين يهدد فقط    سر تفقد وزير الرى ومحافظ السويس كوبرى السنوسي بعد إزالته    نقيب الإعلاميين: الإعلام المصري شكل فكر ووجدان إمتد تأثيره للبلاد العربية والإفريقية    كيف رفع سفاح التجمع تأثير "الآيس" في أجساد ضحاياه؟    "حجية السنة النبوية" ندوة تثقيفية بنادى النيابة الإدارية    ضبط متهمين اثنين بالتنقيب عن الآثار في سوهاج    «الصحة»: المبادرات الرئاسية قدمت خدماتها ل39 مليون سيدة وفتاة ضمن «100 مليون صحة»    وكيل الصحة بمطروح يتفقد ختام المعسكر الثقافى الرياضى لتلاميذ المدارس    وصايا مهمة من خطيب المسجد النبوي للحجاج والمعتمرين: لا تتبركوا بجدار أو باب ولا منبر ولا محراب    الكنيسة تحتفل بعيد دخول العائلة المقدسة أرض مصر    للحصول على معاش المتوفي.. المفتي: عدم توثيق الأرملة لزواجها الجديد أكل للأموال بالباطل    القاهرة الإخبارية: قوات الاحتلال تقتحم عددا من المدن في الضفة الغربية    «القاهرة الإخبارية»: أصابع الاتهام تشير إلى عرقلة نتنياهو صفقة تبادل المحتجزين    «ديك أو بط أو أرانب».. أحد علماء الأزهر: الأضحية من بهمية الأنعام ولا يمكن أن تكون طيور    الداخلية توجه قافلة مساعدات إنسانية وطبية للأكثر احتياجًا بسوهاج    ارتفاع الطلب على السفر الجوي بنسبة 11% في أبريل    «صحة الشرقية»: رفع درجة الاستعداد القصوى لاستقبال عيد الأضحى    وزير الصحة يستقبل السفير الكوبي لتعزيز سبل التعاون بين البلدين في المجال الصحي    مفتي الجمهورية ينعى والدة وزيرة الثقافة    الأونروا: منع تنفيذ برامج الوكالة الإغاثية يعنى الحكم بالإعدام على الفلسطينيين    الماء والبطاطا.. أبرز الأطعمة التي تساعد على صحة وتقوية النظر    «الهجرة» تعلن توفير صكوك الأضاحي للجاليات المصرية في الخارج    رئيس الوزراء الهنغاري: أوروبا دخلت مرحلة التحضير للحرب مع روسيا    «حق الله في المال» موضوع خطبة الجمعة اليوم    بمناسبة عيد الأضحى.. رئيس جامعة المنوفية يعلن صرف مكافأة 1500 جنيه للعاملين    السيسي من الصين: حريصون على توطين الصناعات والتكنولوجيا وتوفير فرص عمل جديدة    الحوثيون: مقتل 14 في ضربات أمريكية بريطانية على اليمن    أسعار الفراخ اليوم 31 مايو "تاريخية".. وارتفاع قياسي للبانيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



موسى الصدر: ما الذي يجعل من قضيته ملفاً لا يغلق؟
نشر في الشروق الجديد يوم 22 - 01 - 2019

لا تغيب الساعات الأخيرة قبل مغادرة موسى الصدر لبيروت باتجاه العاصمة الليبية طرابلس الغرب عن ذاكرة الصحفي اللبناني واصف عواضة الذي كان حاضرا في الغرفة المجاورة لمكان الاجتماع بين الصدر وأعضاء المكتب السياسي في حركة أمل. "كان نقاشا محتدما" كما يقول لبي بي سي عربي، مضيفا أن الفريق المعارض للزيارة تمسك برأيه حتى النهاية في مواجهة فريق مؤيد لها يقوده محمد يعقوب، وهو رجل دين اختفى مع الصدر في رحلته الأخيرة إلى ليبيا ومعهما الصحفي عباس بدرالدين.
قبل يوم فقط من هذه المشادة التي انتهت بتغليب رأي يعقوب على آخرين نشر الصدر مقالته الداعمة للثورة الإيرانية في صحيفة لوموند الفرنسية تحت عنوان "نداء الأنبياء".
كانت هذه المقالة آخر شيء سمعه العالم من الصدر الذي تحول إلى لغز كبير لم يستطع أحد بعد حله. فرجل الدين الشيعي كان فاعلاً على جبهات عديدة في تلك المرحلة. البداية كانت مع الحركة التي كان يقودها ضد إسرائيل بعد غزوها للبنان للمرة الأولى في 14 مارس/ أذار 1978، والدور التي لعبته جماعته في الحرب الأهلية اللبنانية وخلافاته مع اليسار اللبناني والعلاقة المعقدة بين تنظيمه وحركة فتح، فضلاً عن نشاطه في الثورة الإيرانية من استضافة شخصيات "ثورية إيرانية" في لبنان من أمثال مصطفى شمران وإبراهيم يزدي وصادق قطب زاده وأحمد الخميني، وصولاً إلى صلاته على المفكر الإيراني المعروف، علي شريعتي، بعد وفاته المثيرة للجدل في بريطانيا، وسحب الجنسية الإيرانية منه على يد سفير طهران في بيروت آنذاك منصور قدّر.
الصدر وبهشتي والقذافي
كان جليا أن للصدر أعداء كثيرين، وبعض هؤلاء ليسوا بأعداء مباشرين، إنما أعداء بالواسطة، لذا فلائحة المستفيدين من غيابه أو تغييبه طويلة لدرجة تجعل الكثيرين متواطئين محتملين مع الزعيم الليبي معمر القذافي، المتهم الأول بإخفاء الصدر، في القضية.
خلال السنوات الأربعين الماضية حيكت الكثير من القصص حول مصير الصدر ورفيقيه وكيف اختفوا بغمضة عين. كاتب هذه الكلمات استمع إلى بعضها من رواتها، وبعضها الآخر قرأها أو سمعها بالواسطة. آخر رواية تلك التي ذكرها الكاتب الأميركي كاي بيرد في كتابه "الجاسوس النبيل" والتي كررها أندرو سكوت كوبر في كتاب "سقوط الجنة" عن الأسرة البهلوية، ومما جاء فيها أن المسؤول عن قرار تصفية الصدر كان رجل الدين الإيراني محمد حسيني بهشتي الذي أوعز للقذافي بالقيام بذلك.
وبحسب الرواية فإن القذافي دعا الصدر وبهشتي معا إلى لقاء تحت رعايته في ليبيا لحل الخلافات بينهما في شأن قيام دولة دينية في إيران (ولاية الفقيه). وقد استنكف بهشتي عن القدوم إلى ليبيا، وطلب إلى القذافي احتجاز الصدر لديه، لأنه عميل للغرب.‬
الرواية التي ينقلها بيرد عن عميل وكالة الاستخبارات الأمريكية، روبرت إيمز، والتي نقلها بدوره عن قناة اتصاله بحركة فتح الفلسطينية علي حسن سلامة، تنتهي بمحاولة ياسر عرفات التوسط لإطلاق سراح الصدر. لكن القذافي يتصل ببهشتي عارضاً عليه الأمر، فيصر الأخير على أن الصدر يشكل خطراً مباشراً، لا على الثورة في إيران فحسب، بل على حياة مؤسس الثورة آية الله الخميني أيضاً، ويعدم الصدر ويدفن في مكان مجهول.
"خطر الشوعيين والجنبلاطيين"‬
‬لكن رسالة اطلعت عليها بي بي سي عربي وترد ترجمة بعض ما جاء فيها في هذا النص تضعف الرواية. فكل من بهشتي والصدر كان ينظر إلى الزعيم الليبي كخصم، لا سيما وأنه كان يدعم اليسار اللبناني الذي كان في تلك المرحلة مناوئا لنشاطات الصدر.
يضاف إلى الرسالة لقاء أخير بين الرجلين في ألمانيا الغربية قبل أشهر قليلة من اختفاء الصدر وثّق له في كتاب مذكراته صادق طبطبائي، زوج شقيقة الصدر وأحد رجال الدائرة الضيقة المحيطة بالخميني في السنوات الأولى للثورة. كما أن مساعداً سابقاً للصدر، حسين شرف الدين، كان قد تحدث لبي بي سي في وقت سابق عن خلوات سنوية عقدها الرجلان في بلدة جباع اللبنانية لتنسيق جهودهما في إطار الثورة الإيرانية والعمل على الساحة اللبنانية.
بالعودة إلى الرسالة المؤرخة في عام 1977، يشكو فيها الصدر لبهشتي من أخطار "الشيوعيين والجنبلاطيين وأعوانهم من العرب الليبيين والعراقيين الذين يضعون المقاومة في معرض أخطار عالمية كبيرة"، مضيفا أن "المقاومة في العقود الأخيرة رتبت وضعها الداخلي فحركة فتح أخرجت من صفوفها محور أبو صالح وأبو موسى وحتى محور أبو إياد تم تنحيته جانبا".
ويختم الصدر "على الرغم من عمق جراح الماضي التي تسببوا بها لنا إلا أنهم يحاولون وعلى الخصوص " أبو عمار وأبو جهاد" من خلال الإجراءات مراعاتنا بلطف وأن يعوضوا عن الماضي".
الرسالة واحدة من عشرات الرسائل بين الرجلين، ويقول نجل الصدر، صدر الدين الصدر، لبي بي سي إن والده وبهشتي كانا روحا واحدة والأكثر عجباً طرح اسم القذافي كمصلح بينهما مع معرفة موقفهما منه، مضيفا "كل الشواهد أثبتت أن الإمام الصدر وأخويه كانوا لدى القذافي، ومن بعده بيد فلوله ولا شيء في كل هذه الفترات يثبت أن سوءا وقع لهم، بل العكس، حتى الروايات المتشائمة، مثل رواية مسؤولية أبو نضال، تؤكد نظريتنا أنهم على قيد الحياة".
ماهي رواية أبو نضال؟
في نيسان/ أبريل من العام 2011 كنت في ليبيا لتغطية أحداث الثورة على نظام العقيد معمر القذافي، وهناك التقيت بوزير الداخلية الليبي المنشق عبد الفتاح يونس، الذي كان حينها قائداً عسكرياً للثوار وسألته عن مصير الصدر فكان جوابه أن الصدر ورفيقيه قتلا بعد وصولهما إلى ليبيا بأيام على يد صبري البنا، المشهور بأبي نضال، وهو مؤسس وقائد "حركة فتح المجلس الثوري"، وأضاف حينها يونس أن أبو نضال دفن الثلاثة في حديقة منزله في طرابلس، ثم قال "إن أردت المزيد من المعلومات حول هذا الأمر عليك بالتواصل مع موسى كوسا، فهو يعرف تفاصيل ما جرى في ذلك الوقت".
تقاطعت رواية يونس مع رواية كانت تتردد في لبنان سابقاً من خلال بعض الصحفيين المقربين من ليبيا حول ذات الأمر. لكن مراجعة تاريخ علاقات المجلس الثوري وتقاطعاته العربية تظهر أن أبو نضال وإن كان على علاقة سطحية بالقذافي حينها، لكنه لم يكن قريباً إلى درجة أن ينفذ عمليات في ليبيا بحرية تامة، لا سيما أنه كان مقيما في بغداد وتحت رعاية الرئيس العراقي آنذاك، أحمد حسن البكر. لكن معاوناً سابقاً لأبي نضال وهو عاطف أبي بكر ذكر في دردشة مع الكاتب أن المجلس الثوري "نال الحظوة عند القذافي على مرحلتين الأولى بين 1977 و 1978، والثانية وهي الأهم لأنها انطوت على دعم كبير وكانت بين 1984 و 1993. وفي تلك المرحلة كان المجلس أداة القذافي ومخابراته وكانت جماعته قد غادرت العراق نهائيا أخر عام 1983".
رواية مسؤولية أبو نضال بدت وكأنها الرواية غير الرسمية لنظام القذافي. وكان سيف الإسلام القذافي أول من لمّح إليها في لقاء تلفزيوني في تشرين أول/ أكتوبر من العام 2002 مع تلفزيون المستقبل اللبناني حين قال إنه لا يستبعد تورط مجموعات غير ليبية في الجريمة. ويضيف أن "أبو نضال كان واحداً من هذه المجموعات، لأنه عاش مدة في ليبيا حيث عثرنا في بيت كان يقيم فيه على بقايا جثث لأشخاص قام بتصفيتهم ودفنهم، وبعضهم من المقرّبين منه، كما كان هناك أشخاص آخرون قتلهم على ما يبدو".
نفى المجلس الثوري أن يكون متورطا في الحادثة مؤكدا أنه لم يكن له وجود في ليبيا وقت الحادثة. وجاء النفي على لسان القيادي فيه خالد عوض، فتصريحات القذافي جاءت بعد شهرين فقط على الموت الغامض لصبري البنا (أبو نضال) في بغداد.
لبنان يصدر لائحة اتهام للقذافي بشأن موسى الصدر.
ثم تكررت الرواية على لسان أكثر من مسؤول ليبي وآخرهم عبد الله السنوسي، الرئيس الأسبق للاستخبارات العسكرية الليبية في عهد القذافي، الذي قال خلال التحقيق بحسب ما نقلت صحيفة الرأي الكويتية أن القذافي سلّم الصدر لأبي نضال الذي تولى إعدامه فورا.
رواية السجن
لا تتوافق رواية القتل الفوري مع ما يقوله القاضي اللبناني حسن الشامي، الذي يرأس لجنة بلاده لمتابعة قضية اختطاف الصدر ورفيقيه. وأكّد الشامي، الذي نشر قبل فترة على صفحته على فيسبوك صورة يقول إنها لإحدى الزنازين التي مرّ فيها الصدر، لبي بي سي أنه وبحسب المقابلات التي أجراها في ليبيا مع عشرات الأشخاص خلال السنوات الماضية وصل إلى شبه يقين أن الصدر مرّ في ثلاثة سجون في ليبيا حتى أواخر التسعينات. ويقول إن كل الروايات التي تتحدث عن سيناريو القتل ليست متكاملة، "الرواية الكاملة تعني تفاصيل مثبتة، أدلة وتواريخ وقرائن وتسلسل وأسماء، وهذا ما لم يتوفر في كل ما تم تداوله".
ويرسم الشامي خطاً زمنياً للصدر ورفيقيه في ليبيا، ويرى أن المصادر المتقاطعة لديه تؤكد أنهم "منذ أغسطس/آب 1978 تاريخ الاختطاف وحتى 1981 وضعوا معا في بيت في مدينة جنزور قرب طرابلس، في منطقة أمنية مخصصة لاحتجاز السجناء السريين، ولم يكن يُسمح لأحد بالاقتراب من هناك. وهناك ثلاثة مصادر أكدت هذا الأمر، وأحد هؤلاء كان هانيبال القذافي، الذي أكد هذه الرواية ولكنه رفض أن يكمل أكثر من ذلك مشترطا إطلاقه لتقديم المزيد من المعلومات"، كما يقول.
ويضيف القاضي اللبناني "المرحلة الثانية كانت مكتب النصر، وهو سجن سري للسياسيين عبارة عن جناح في سجن أبو سليم الضخم، هذه المرحلة تمتد من منتصف الثمانينيات وحتى منتصف التسعينيات، والمرحلة الثالثة إلى العام 2000 على الأقل في القاعدة العسكرية الجوية في سجن سري تابع لها في سبها".
ويختم الشامي حديثه بأن السلطات الليبية الحالية لم تلتزم مع لبنان في مجموعة من الوعود التي تعهدت بها ومنها "الوعود العلنية الرسمية من قبل القيادات التي جاءت بعد الثورة باعتبار ملف الإمام الصدر أولوية وطنية، ونوع ثان من الوعود هو الالتزام الخطي بمذكرة التفاهم التي لم ينفذوا منها واحداً بالمئة، ونوع ثالث من الوعود المحاضر التي تم توقيعها مع مكتب النائب العام في العام 2016 والتي تم توقيعها في تونس وليبيا، ولم يلبوا أي طلبات لنا منذ العام 2016".
أما هانيبال القذافي، ابن الزعيم الليبي الراحل الذي استشهد به الشامي، فهو موقوف في لبنان منذ عام 2015 بعدما قامت مجموعة باختطافه بعد استدراجه من سوريا التي كان لاجئاً فيها. حينها وجهت التهمة بالمسؤولية عن العملية للنائب السابق في البرلمان اللبناني حسن يعقوب، نجل الشيخ محمد يعقوب الذي اختفى مع الصدر.
ونشرت صحف لبنانية إفادة هانيبال الذي كرر ما ذكره الشامي ولكنه برأ والده من الاختطاف ملقيا بالمسؤولية على عبد السلام جلود، الشخصية الثانية في نظام القذافي.
وكان احتجاز القذافي الإبن في لبنان قد أثار أيضاً الكثير من الجدل لا سيما مع تصريحات محامي عائلة القذافي خالد الزايدي، الذي قال إن استمرار اعتقال هانيبال القذافي في لبنان رغم تبرئته في القضايا التي حوكم بسببها، إجراء "ظالم وغير قانوني"، ويسيء إلى سمعة القضاء اللبناني.
هذا الجدل دفع بوزير العدل في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية لتحويل القضية لرئيس هيئة التفتيش القضائي للتأكد من خلوه من أي مخالفات أو تجاوزات للنصوص المرعية وضمانات المتقاضين و"تبيان الفوائد التي يجنيها لبنان من الابقاء على هانيبال القذافي موقوفاً في سجونه لمعرفة حقيقة تغييب إمام السلام والاعتدال ورفيقيه".
الصدر وسط صراع الأجنحة الإيراني
وبالتوازي كانت تصريحات مفاجئة تخرج من طهران على لسان رجل الدين المنتمي للتيار الإصلاحي محمد موسوي خوئينيها يتهم الصدر بأنه لم يكن مؤيداً للثورة ضد الشاه بأي شكل من الأشكال على حد تعبيره. وقال إن الصدر التقى بالشاه ولم يكن مهتماً حتى بالمساعدة في إنشاء مجلة لتغطي أخبار الثورة.
وتأتي تصريحات خوئينيها بعد أقل من عام على تصريح جلال الدين الفارسي أحد الشخصيات الإيرانية التي كانت في لبنان خلال فترة حكم الشاه، والذي قال في مقابلة مع وكالة أنباء فارس في فبراير/شباط 2018 إن الصدر كان "يجب أن يقتل" لأنه كان قريباً من الشاه وبعيداً عن الثورة وكانت لديه أفكار حول توحد الأديان والمذاهب. ويضيف أن الصدر كان يقول إنه "يجب أن نتوحد مع المسيحيين ويجب أن يذهب الشيخ إلى الكنيسة والقس يجب أن يحضر إلى المسجد. هذا الكلام صدر منه وكان "يستوجب الوقوف ضده" وأن القذافي قتله.
في مقابلته هذه أكد الفارسي الذي كان من أوائل المرشحين للرئاسة في إيران بعد الثورة ورفض ترشيحه بسبب أصوله الأفغانية، أن القذافي كان شخصية كبيرة وكانت له علاقة معه ويفتخر بها.
قضية الإمام الصدر تهدد القمة العربية
تسلط تصريحات خوئينيها الأخيرة والفارسي السابقة الضوء مجدداً على موقع الصدر ضمن صراع الأجنحة داخل الثورة الإيرانية قبل انتصارها في فبراير/ شباط 1979. فالفارسي مثلاً، إلى جانب شخصيات كمحمد منتظري نجل نائب الخميني المعزول حسين منتظري، ومحمد صالح الحسيني، كانوا أقرب إلى جبهة اليسار في لبنان وعلى علاقة مميزة بحركة فتح والنظام الليبي، بينما كان الصدر راعياً لحركة "نهضة إيران" التي كان يقودها أول رئيس وزراء بعد الثورة مهدي بازركان ووزير الخارجية السابق إبراهيم يزدي ووزير الدفاع مصطفى شمران الذي قتل خلال الحرب الإيرانية-العراقية.
وانعكس هذا الصراع قبل الثورة على اتجاهات الدولة الإيرانية الجديدة، وتجلى ذلك بقيام الفريق القريب من ليبيا بدعوة عبد السلام جلود إلى طهران التي زارها في أبريل/ نيسان 1979 على رأس وفد من 55 شخصاً. وقابل الخميني، الذي وبحسب جلود، سأله عن الصدر فكان جوابه له بأنه غادر ليبيا إلى إيطاليا. مع خروج حركة "نهضة إيران" من الحكم بدأت العلاقة الإيرانية الليبية بالتطور بشكل كبير لا سيما في ظل الحصار على إيران واحتدام الحرب مع العراق حيث قام القذافي بتزويد إيران بصواريخ سكود، وساهم في تمتين هذه العلاقة الفريق الذي كان يقوده محمد حسين منتظري.
ونقلت حينها صحيفة "النهار" اللبنانية عن منتظري تبرئة ليبيا من اختطاف الصدر حيث قال إن العلاقات مع ليبيا جيدة، "وفي ما يتعلق بموضوع الإمام الصدر فالأيادي التي أخفته كانت صهيونية أمريكية من أجل ضرب الدور الليبي" وأضاف منتظري "لو كانت ليبيا حقا تريد موسى الصدر لكانت استهدفته في صيدا أو صور أو بيروت أو أي مكان آخر خارج ليبيا".
تبع ذلك تصريح لوالد منتظري، آية الله حسين منتظري، الذي كان رئيسا لمجلس قيادة الثورة حيث قال في رسالة للخميني في أبريل/ نيسان 1980 "في الظروف الحالية، طرح قضية الإمام موسى الصدر ستؤذي العلاقة مع ليبيا، وستكون لمصلحة الولايات المتحدة الأميركية".
هل قُتل الصدر؟
في يونيو/ حزيران القادم سيبلغ العمر الفعلي لموسى الصدر 91 عاماً، وهو ما يجعله عجوزاً طاعناً في السن، وبغض النظر عن العوامل الطبيعية أو غير الطبيعية، ليس هناك ما يُثبت أنه فارق الحياة، هكذا تقول عائلته. لذلك فأبناؤه وبناته يتمسكون بالأمل في أنه في مكان ما على قيد الحياة. المكان هذا برأي عائلة الصدر كان يعرفه العقيد معمر القذافي والدائرة المقربة منه، إلا أن العقيد قُتل والدائرة المحيطة مبعثرة.
مع ذلك ورغم التعقيدات التي تحيط بالقضية من أكثر من جانب، إلا أن خيوطها إن جمعت يمكن أن تساعد على الأقل في كتابة رواية أقرب إلى الدقة. وهذا ما قد يكون مفيداً لمعرفة جزء من حقيقة لغز هو الأكثر غموضاً في التاريخ السياسي الحديث لمنطقة الشرق الأوسط، والذي كانت له تداعيات حولت مسارات دول كإيران والعراق ولبنان وبلا أدنى شك ليبيا، التي تستمر بدفع ثمن اختفاء موسى الصدر ورفيقيه على أراضيها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.