وزير الإسكان يوجه بسرعة إنهاء مشروعات «مارينا 8»    وزير الخارجية يؤكد أهمية تعزيز التعاون بين مصر والمنتدى الاقتصادي العالمي    لوبوان: استراتيجية الأمن القومي الأمريكية تهاجم أوروبا    الدوري الإنجليزي.. موعد مباراة ليفربول وليدز يونايتد والقناة الناقلة    حريق ضخم في منزل بالفيوم ينتهي بإنقاذ السكان وإصابة شخص    الرئيس السيسي يوجه بزيادة المدارس اليابانية في مصر ل 500 مدرسة    مواقيت الصلاه اليوم السبت 6ديسمبر 2025 فى المنيا..... اعرف صلاتك بدقه    «أموي» يرد على أسئلة المتعاملين مع «الجمارك»: لا رسوم جديدة على المستوردين مع تطبيق «ACI» على الشحنات الجوية في الأول من يناير المقبل    جدول صرف مرتبات شهر ديسمبر 2025 لجميع العاملين بالدولة    اكتمال النصاب القانوني لعمومية المحامين لزيادة المعاشات    السيسي يوجه بمحاسبة عاجلة تجاه أي انفلات أخلاقي بالمدارس    الرئيس الفلسطيني تطورات الأوضاع في غزة والضفة الغربية مع المستشار الألماني    لحظة بلحظة، سعر الليرة السورية أمام الدولار في مصرف دمشق المركزي    الأوقاف تعلن مواعيد المقابلات الشخصية للمتقدمين لشغل وظائف بالشئون القانونية    حارس بتروجت: تتويج بيراميدز بإفريقيا "مفاجأة كبيرة".. ودوري الموسم الحالي "الأقوى" تاريخيا    السيسي يثمن دور الخبراء اليابانيين في دعم العملية التعليمية بمصر    آخر تطورات سعر الريال السعودى أمام الجنيه فى البنوك المصرية اليوم السبت    «الأرصاد» تُحذّر من أمطار رعدية وسيول في تلك المناطق    مصدر: تحديد موقع أحد التماسيح بمصرف الزوامل في الشرقية    تحليل فيروسات B وC وHIV لمتعاطي المخدرات بالحقن ضمن خدمات علاج الإدمان المجانية في السويس    تأجيل محاكمة زوجة بهاء سلطان بتهمة سب خالتها    عمرو دياب يتألق فى الدوحة بحفل استثنائى وحضور جماهيرى غفير    رانيا المشاط: الالتزام بسقف الاستثمارات عند تريليون جنيه العام الماضي فتح المجال لمزيد من استثمارات القطاع الخاص    وزير الأوقاف يعلن عن أسماء 72 دولة مشاركة في مسابقة القرآن الكريم    مستشفى أبو كبير المركزي ينجح في إنقاذ طفل ابتلع بطارية (صور)    دراسة أمريكية توضح.. لماذا لم يتم إدراج البطاطس في النظام الغذائي الصحي؟    وكيل طب قصر العيني: اللقاءات العلمية بين التخصصات المتداخلة محور أساسي في خدمة المرضى    طبق البيض ب 112 جنيه.. أسعار البيض فى القليوبية اليوم السبت 6-12-2025    اندلاع حريق ضخم يلتهم محتويات مصنع مراتب بقرية العزيزية في البدرشين    محافظ الشرقية يتابع الموقف التنفيذي لسير أعمال إنشاء مجمع مواقف مدينه منيا القمح    الاحتلال الإسرائيلي يداهم منازل في مدينة جنين وبلدة عرابة جنوبا    رئيس الموساد الجديد يثير عاصفة سياسية في إسرائيل.. وتقارير عن استقالات جماعية    بعد الهجوم على منى زكي.. حمزة العيلي يوجه رسالة للجمهور: أنتم سندنا ومحدش فينا خالِ من العيوب    أسماء جلال تستمر في نشاطها الفني باللعب في مساحات تمثيلية آمنة    «ساعة بلا كتاب.. قرون من التأخر» شعار معرض القاهرة ونجيب محفوظ شخصية العام    الجيش الباكستاني: مقتل 9 مسلحين خلال عمليتين أمنيتين بإقليم "خيبر بختونخوا"    القومي للمرأة ينظم فعالية «المساهمة في بناء المستقبل للفتيات والنساء» بحديقة الأزهر    وزير الأوقاف: مصر قبلة التلاوة والمسابقة العالمية للقرآن تعكس ريادتها الدولية    البيئة: مصر تتولى رئاسة المكتب التنفيذي لاتفاقية برشلونة لمدة عامين    فليك يعلن قائمة برشلونة لمباراة ريال بيتيس في الليجا    السجن 3 سنوات لعامل بتهمة الاتجار فى المخدرات بسوهاج    الصحة: فحص أكثر من 7 ملابين طالب بمبادرة الكشف الأنيميا والسمنة والتقزم    وزيرا الأوقاف والرياضة يفتتحان فعاليات المسابقة العالمية ال32 للقرآن الكريم| صور    بحضور وزير الأوقاف بدء المؤتمر العالمي لافتتاح المسابقة العالمية للقرآن الكريم في "نسختها ال32"    أدوار متنوعة ومركبة.. محمد فراج يحقق نجاحا مختلفا في 2025    القومي للمرأة: مبادرة ملهمات عربيات تبني نموذج القدوة والتنمية    946 شكوى للأوقاف و9 آلاف للبيئة.. استجابات واسعة وجهود حكومية متواصلة    مواعيد مباريات اليوم السبت 6- 12- 2025 والقنوات الناقلة    الصحة: توقعات بوصول نسبة كبار السن من السكان ل 10.6% بحلول 2050    منتخب مصر المشارك في كأس العرب يواجه الإمارات اليوم بحثا عن الانتصار الأول    وزير الري يتابع أعمال حماية الشواطئ المصرية للتعامل مع التأثيرات السلبية لتغير المناخ    لاعب بلجيكا السابق: صلاح يتقدم في السن.. وحصلنا على أسهل القرعات    بيراميدز يسعى لمواصلة انتصاراته في الدوري على حساب بتروجت    استكمال محاكمة 32 متهما في قضية اللجان المالية بالتجمع.. اليوم    بعتيني ليه تشعل الساحة... تعاون عمرو مصطفى وزياد ظاظا يكتسح التريند ويهيمن على المشهد الغنائي    رئيس وزراء الهند يعلن عن اتفاقية مع روسيا ومرحلة جديدة من التعاون الاقتصادي    مروة قرعوني تمثل لبنان بلجنة تحكيم مهرجان الكويت المسرحي بدورته 25    مصر والإمارات على موعد مع الإثارة في كأس العرب 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العرب قبل الإسلام: عن أى جاهلية نتحدث؟
نشر في الشروق الجديد يوم 12 - 01 - 2019

قبل بداية الحديث عن التاريخ السياسى للإسلام منذ بدء الرسالة فى القرن السابع الميلادى وحتى انهيار الإمبراطورية (الخلافة) العثمانية فى الربع الأول من القرن العشرين، لابد من إلقاء بعض الضوء على تاريخ شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام. أهمية إلقاء هذا الضوء على هذه المرحلة ليس فقط لهدف علمى أو منهجى، ولكنه لهدف شعبى بالأساس، فالخطاب الإسلامى السائد فى الأوساط الشعبية هو اعتبار مرحلة ما قبل الإسلام مرحلة ظلام دامس بلا حضارة أو مقومات حياة عادلة، والحقيقة أن هذا غير دقيق، فالعالم عموما وشبه الجزيرة خصوصا عرفت الحضارة والعلم والفنون والعمارة والشعر والأدب قبل الإسلام، والملاحظ هنا هو ذلك الفرق الشاسع بين الرسالة النقية التى نشرها الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) على الأقل كما يفهما كاتب هذه السطور وبين الخطاب الإسلامى الشائع، فلم يُعرف عن الرسول أبدا التقليل المعمم أو الانتقاص المجحف للحضارات السابقة على الإسلام، بل على العكس تماما، فقد أكد الرسول أن رسالة الإسلام «مكملة» و«متممة» للرسائل السابقة وهو أمر تغير مع الظروف التاريخية فعمد علماء المسلمون لاحقا لأسباب ربما تتعلق بتدهور الحضارة الإسلامية أمام التقدم الغربى إلى التقليل بل والحط من الحضارات والرسائل الأخرى وهى أمور قد أتناولها لاحقا.
بل وحتى الآيات القرآنية التى استخدمت لفظ «الجاهلية» مثل (154 آل عمران، 50 المائدة، 33 الأحزاب، 26 الفتح)، فقد جاءت هذه الآيات جميعا لتتحدث عن مواقف بعينها، من أجل التصحيح وفقا للرسالة الإسلامية وهو أمر بعيد كل البعد عن الحط من حضارات الآخرين كما اعتادت الخطب الإسلامية أن تفعل.
***
قبل نزول الرسالة الإسلامية فى القرن السابع الميلادى، كانت منطقة شبه الجزيرة العربية تمر بمراحل صعود وهبوط قبل وبعد المسيح، جنوب الجزيرة العربية (اليمن وبعض مناطق عمان حاليا) عرفت العديد من الحضارات القديمة مثل سبأ وحمير ومأرب، كانت حضارات متقدمة ومساهمة بشدة فى التطور الإنسانى والحضارى بمعايير عصرها، بينما كان شمال شبه الجزيرة (المسكون بالقبائل العربية) أقل تقدما وحضارة بسبب قسوة الطقس وظروف البيئة الصحراوية والتنقل والترحال الدائم للبدو. ورغم ذلك وبعد ثلاثة قرون من نزول المسيحية فإن شمال شبه الجزيرة العربية كان فى تقدم وتحضر مستمر، فمع القرن الثالث الميلادى نظم العرب أنفسهم وقاموا بإنشاء الجيوش وتنظيم حركة التجارة وبناء اقتصاد أكثر تطورا من خلال شبكة مواصلات بدائية، وعرف العرب وقتها الشعر ونظموا المهرجانات الثقافية كما عرفوا الحج نحو مكة وإن ظلت علاقتهم بممالك الجنوب مضطربة.
كانت تجارة العبيد هى البضاعة الأكثر رواجا فى تلك الفترة كما كانت فى مناطق أخرى من العالم، لكن كانت الأديان الإبراهيمية تسهم كثيرا فى ضبط علاقات المجتمعات العربية وغير العربية فى شبه الجزيرة، فانتشار المسيحية واليهودية فى الكثير من المناطق الشمالية والشرقية والجنوبية لشبه الجزيرة كان من أهم ملامح التطور الحضارى للسكان فى تلك المنطقة، فعرف العرب مفهوم التوحيد والكتب المقدسة والصلوات المنتظمة وبدأت هويات دينية جديدة تتشكل إلى جانب الهويات القبلية أو العصبية. ورغم ذلك، فلم تتمكن هذه الهويات الجديدة من إعادة تنظيم المجتمع سياسيا واقتصاديا وثقافيا بشكل جذرى كون أن الرسالتين اليهودية والمسيحية إما تميزت بالمحدودية والانتقائية فى الدعوة (اليهودية)، أو التركيز على الجوانب الروحية دون السياسية أو المجتمعية (المسيحية)، ومن هنا فلم تتمكن هذه الديانات من توحيد شبه الجزيرة أو تقديمها كقوة عظمى تنافس الحضارات والإمبراطوريات المجاورة (الإمبراطورية الفارسية فى الشرق، والبيزنطية فى الشمال وحمير فى الجنوب).
***
قبل نزول الرسالة الإسلامية مباشرة كانت التركيبة المجتمعية لمنطقة شبه الجزيرة شديدة الهيراركية والقبلية، فقد كان الانتماء القبلى أهم بكثير من الانتماء الدينى، فبقدر قوة وأهمية قبيلتك بقدر ما قد تتمكن من تحقيقه فى المجتمع. كانت مكة أيضا واحدة من أهم مدن غرب شبه الجزيرة العربية وكانت مركزا للتجارة والمواصلات والتبادل الثقافى فى تلك الفترة، فى تلك الأجواء ظهر الرسول مبشرا بدعوته فى عمر الأربعين وقد كان له من المكانة ما كان لقبيلته (قريش) غير أن الرسول نفسه لم يكن سوى رجل عادى لم يكن معروفا بالسطوة والجاه بقدر ما كان معروفا بالأمانة والصدق والتواضع وقطعا رفض عبادة الأوثان.
ورغم أن الرسول محمد كان لا يقرأ ولا يكتب (رغم أن بعض الكتابات التاريخية غير الإسلامية تشكك فى تلك الحقيقة)، إلا أنه كان شخصا يتسم بسعة الأفق وبعد النظر والحس السياسى. فلأنه كان يعرف جيدا أن مجتمعا بهذه التقاليد وهذه الهيراركية وهذه العصبية وهذه الحياة القاسية من الصعب قلبه رأسا على عقب، فقد اتبع أسلوب التغيير التدريجى الذى انتهى بثورة غيرت من الأوضاع المجتمعية والاقتصادية كثيرا.
***
لم تتعامل الرسالة الإسلامية مع العرب على أنهم مجرد مفعول بهم، كما أنها لم تنكر بعض ما حققوه من حضارة، ولم تغفل أبدا تقاليدهم ولا عاداتهم، فبدأت الدعوة سلمية، تعاملت بحرص مع مواضيع الخمر والإماء والعبيد والربا وغيرها من المحرمات الإسلامية، سعت إلى التماس عناصر القوة الحربية والسياسية بشكل تدريجى، فحينما اضطر الرسول أن يهاجر ضعيفا من مكة إلى المدينة لم يكابر أو يقاوم، وحينما ذهب إلى المدينة فقد عقد الصلح المشهور ووقع الدستور الشهير يفضل الكاتب أن يسميه معاهدة لأن لفظ دستور به الكثير من التزيد والمبالغة وعاش بجانب اليهود وغير المسلمين حتى تمكن من العودة إلى مكة فاتحا ومسيطرا.
فى تقديرى فإن الحديث عن الغزوات كوسائل عنيفة للتغيير ومتناقضة مع المبادئ السلمية للرسالة الإسلامية، تغفل الكثير من الحقائق السائدة لهذه المرحلة التاريخية والتى لم تعرف سوى هذه اللغة فى التغيير، كان الرسول برجماتيا إلى أقصى مدى، وعرف من فنون السياسة ما مكنه من التغير والسيطرة وإقناع آلاف (لاحقا ملايين ومليارات) البشر بالرسالة الإسلامية ومبادئها.
لم يتعامل الرسول أبدا مع العرب غير المؤمنين برسالته على أنهم جهلة أو أنصاف بشر، بل احترم قوتهم ولغة بيئتهم واعترف بالحضارات السابقة للرسالة الإسلامية ولكنه عزم فى الوقت نفسه على التغيير والسيطرة وفرض منطق وثقافة جديدة غيرت ومازالت من تاريخ الحضارة البشرية.
التعامل مع الرسول إذا على أنه مجرد قائد روحى أو دينى لا يمكن أبدا أن يمكننا من فهم فترة دعوته وحكمه، فقد كان قائدا دينيا وسياسيا فى الوقت ذاته، كان بشرا وليس ملاكا، كان حقيقيا وليس مصطنعا، كان من الأرض وقد عاد إليها ولم يكن من السماء، هذا كان سر التفوق والانتصار والنجاح وليس تلك الصفات العنترية الأسطورية التى يحاول مسلمو هذا العصر إلصاقها به ظنا منهم أنها تضفى المزيد من الهيبة على الإسلام ورسوله. ما قبل الإسلام لم يكن جاهلية تامة وما بعد الإسلام لم يكن عنجهية أو تكبرا أو فوقية كما يعتقد البعض، وهذا هو محور الحديث فى المقالة القادمة.
أستاذ مساعد العلاقات الدولية الزائر، جامعة دنفر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.