فى 600 صفحة صدر للمؤلف الأمريكى مايكل هارت كتابه الأشهر فى عالمنا المعاصر الخالدون مائة أعظمهم محمد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والذى ضم قائمة لأعظم مائه شخصية أثرت فى تاريخ البشرية. المؤلف هو عالم فلكى رياضى ويعمل فى هيئة الفضاء الأمريكية وقد ترجم كاتبنا الكبير الأستاذ أنيس منصور الكتاب للغة العربية ونشره فى مجلة أكتوبر فى فى أواخر السبيعنيات، وأكتوبر تستعيد من ذاكرة تراثها وذخائرها هذا العرض الذى قدمه الأستاذ أنيس منصور مع بدايات العام الثالث لصدور المجلة فى أكتوبر 1978 واستعرض فى أولى حلقات الفصل الأول من الكتاب شخصية الرسول عليه الصلاة والسلام والتى قال عنها المؤلف الأمريكى مايكل هارت: «إن الامتزاج بين الدين والدنيا هو الذى جعلنى أؤمن أن محمدًا عليه الصلاة والسلام هو أعظم الشخصيات أثرا فى تاريخ الإنسانية كلها». يقول الكاتب الأمريكى: ?? لقد اخترت محمدًا ( صلى الله عليه وسلم ) فى أول هذه القائمة ولابد أن يندهش كثيرون لهذا الاختيار ومعهم حق ذلك. ولكن محمدًا عليه السلام هو الإنسان الوحيد فى التاريخ الذى نجح نجاحًا مطلقًا على المستوى الدينى والدنيوى. وهو قد دعا إلى الإسلام ونشره كواحد من أعظم الديانات وأصبح قائدًا سياسيًا وعسكريًا ودينيًا وبعد 13 قرنًا من وفاته أثر محمد عليه السلام مايزال قويًا متجددًا. وأكثر هؤلاء الذين اخترتهم قد ولدوا ونشأوا فى مراكز حضارية ومن شعوب متحضرة سياسيًا وفكريًا.. إلا محمدًا( صلى الله عليه وسلم ). فهو قد ولد سنة 570 ميلادية فى مدينة مكةجنوب شبه الجزيرة العربية فى منطقة متخلفة من العالم القديم بعيدة عن مراكز التجارة والحضارة والثقافة والفن. وقد مات أبوه وهو لم يخرج بعد إلى الوجود وأمه وهو فى السادسة من عمره وكانت نشأته فى ظروف متواضعة وكان لا يقرأ ولا يكتب. ولم يتحسن وضعه المادى إلا فى الخامسة والعشرين عندما تزوج أرملة غنية. ولما قارب الأربعين من عمره.. كانت هناك أدلة كثيرة على أنه ذو شخصية فذة بين الناس. وكان أكثر العرب فى ذلك الوقت وثنيين، يعبدون الأصنام وكان يسكن مكة عدد قليل من اليهود والنصارى وكان محمد ( صلى الله عليه وسلم ) على علم بهاتين الديانتين.. وفى الأربعين من عمره امتلأ قلبه إيمانا بأن الله واحد أحد وأن وحيًا ينزل عليه من السماء.. وأن الله قد اصطفاه ليحمل رسالة سامية إلى الناس. وأمضى محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ثلاث سنوات يدعو لدينه الجديد بين أهله وعدد قليل من الناس.. وفى 613 ميلادية أذن الله لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) بأن يجاهر بالدعوة إلى الدين الجديد فتحول قليلون إلى الإسلام.. وفى 622 ميلادية هاجر الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) إلى المدينةالمنورة.. وهى تقع على مدى 200 كيلو متر من مكةالمكرمة وفى المدينةالمنورة اكتسب الإسلام مزيدًا من القوة.. وأكتسب رسوله عددًا كبيرًا من الأنصار. وكانت الهجرة إلى المدينة نقطة تحول فى حياة الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وإذا كان الذين تبعوه فى مكة قليلين فإن الذين ناصروه فى المدينة كانوا كثيرين.. وبسرعة اكتسب الرسول والإسلام قوة ومنعة وأصبح محمد ( صلى الله عليه وسلم ) أقوى وأعمق أثرا فى قلوب الناس.. وفى السنوات التالية.. تزايد عدد المهاجرين والأنصار.. واشتركوا فى معارك كثيرة بين أهل مكة من الكفار.. وأهل المدينة من المهاجرين والأنصار.. وانتهت كل هذه المعارك فى سنة 630 بدخول الرسول منتصرًا إلى مكة.. وقبل وفاته بسنتين ونصف السنة شهد محمد ( صلى الله عليه وسلم )الناس يدخلون فى دين الله أفواجًا. ولما توفى الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) كان الإسلام قد انتشر فى جنوب شبه الجزيرة العربية.. وكان البدو من سكان شبه الجزيرة العربية مشهورين بشراستهم فى القتال.. وكانوا ممزقين أيضًا رغم أنهم قليلو العدد.. ولم تكن لهم قوة أوسطوة العرب فى الشمال الذين عاشوا على الأرض المزروعة. ولكن الرسول استطاع لأول مرة فى التاريخ أن يوحد بينهم وأن يملأهم بالإيمان وأن يهديهم جميعًا بالدعوة إلى الإله الواحد ولذلك استطاعت جيوش المسلمين الصغيرة المؤمنة أن تقوم بأعظم غزوات عرفتها البشرية.. فاتسعت الأرض تحت أقدام المسلمين من شمالى شبه الجزيرة العربية وشملت الإمبراطورية الفارسية على عهد الساسانيين وإلى الشمال الغربى واكتسحت بيزنطة والامبراطورية الرومانية الشرقية.. وكان العرب أقل بكثير جدًا من كل هذه الدول التى غزوها وانتصروا عليها. وفى 642 انتزع العرب مصر من الإمبراطورية البيزنطية.. كما أن العرب سحقوا القوات الفارسية فى موقعة القادسية فى 637 وفى موقعة نينوى فى 642.. وهذه الانتصارات الساحقة فى عهد الخليفتين أبى بكر الصديق وعمر بن الخطاب.. لم تكن نهاية الزحف العربى والمد الإسلامى فى العالم.. ففى 711 اكتسحت القوات الإسلامية شمال أفريقيا حتى المحيط الأطلسى.. ثم اتجهت القوات الإسلامية بعد ذلك إلى مضيق جبل طارق وعبروا إلى أسبانيا وساد أوروبا كلها شعور فى ذلك الوقت.. بأن القوات الإسلامية تستطيع أن تستولى على العالم المسيحى كله. ولكن فى 732 وفى موقعة تور بفرنسا.. انهزمت الجيوش الإسلامية التى تقدمت إلى قلب فرنسا.. ورغم ذلك فقد استطاع هؤلاء البدو المؤمنون بالله وكتابه ورسوله,. أن يقيموا إمبراطورية واسعة ممتدة من حدود الهند حتى المحيط الأطلسى وهى أعظم إمبراطورية أقيمت فى التاريخ حتى اليوم وفى كل مرة تكتسح القوات الإسلامية بلدًا.. فإنها تنشر الإسلام بين الناس. 1-2