عزلة خلقتها عاصفة طارئة بالجزائر، دفعت الكاتب أحمد الليثى ناصف من مدير عام لشركة متعددة الجنسيات، للدخول إلى عالم الكتابة عن طريق أدب الرحلات، بجانب عمله فى مجال «البيزنس»، لينتج كتابه الأول «مشاوير فى بلاد كتير»، ليأتى الكتاب محملا بالعديد من المشاهد الإنسانية والتجارب الحياتية الغنية، أتاحها له ترحاله المتكرر إلى عدة بلاد مختلفة فى منطقة الشرق الأوسط، محاولا من خلاله تصحيح الأفكار الخاطئة الملتصقة بأذهاننا عن تلك البلدان، مبتعدا عما بها من خلافات سياسية أو معتقدات دينية. كيف جاءت فكرة تدوين الكتاب؟ فى أثناء وجودى فى الجزائر حدثت عاصفة أدت إلى انقطاع التيار الكهربائى عن المنطقة التى أسكنها، فشعرت بالانعزال عن العالم، ولم يكن أمامى إلا أن أصاب بالاكتئاب أو النظر إلى الجانب الإيجابى فى المشكلة، فاخترت الأخير، وبدأت بتسجيل التجارب لبعض مما شاهدته فى ال30 عاما الماضية، خلال عملى بمنطقة الشرق الأوسط، مستعينا على ذلك ببطارية جهاز «اللاب توب». الكتابة الساخرة من أقصى أنواع الكتابة.. هل شعرت بالخوف من حكم القارئ على ما تكتب؟ عندما شرعت فى الكتابة لم أكن أفكر فى النشر، ولهذا لم أتخوف، ولكننى عندما أعدت كتابته للنشر كنت حريصا على خروجه بشكل طريف يبعث على الابتسامة للقارئ، مع إيمانى بأن أذواق الناس تختلف ومحاولة إرضائهم جميعا غاية لا تدرك. كتابك حافل بالتجارب الجديدة والمختلفة.. ما الذى تخوفت من كتابته؟ ليس تخوفا، لكنى تجنبت الكتابة عن آراء أو مواقف سياسية، وكان قرارى منذ اللحظة الأولى الابتعاد عن الاتجاه الدينى والعقائدى والسياسى لتلك البلدان وشعوبها. تناولت تجارب فى 10 دول.. ماذا عن التجارب الأخرى؟ هذا هو الكتاب الأول لى، وقد اخترت تناول 10 تجارب فقط كمحاولة لاستكشاف عالم جديد، وبدأت بالفعل فى استكمال بقية التجارب فى الجزء الثانى بعنوان «مشاوير أبعد فى بلاد أكتر»، وسيتضمن 10 تجارب أخرى أو يزيد. قلت إنك لم تكن تخطط لنشر الكتاب؟ ماذا الذى جعلك تغير رأيك؟ بعد كتابة جزء كبير منه، تساءلت لم لا أشارك الناس ما كتبت؟ كما نصحنى بعض أصدقائى بذلك، ولهذا فالنشر جاء فى مرحلة متأخرة وكنتيجة حتمية للكتابة. التجربة الأولى تكون محفوفة بالمغامرة، هل هذا صحيح؟ هذا السؤال هو قصة حياتى، ولكن التطور للأمام هو الشىء الطبيعى للإنسان، والتجربة الأولى أفادتنى كثيرا وتعلمت منها، وجعلتنى حريصا على إضفاء الكثير من المتعة فى الكتاب الثانى، وفى النهاية أنا شخص يحاول.. أما التوفيق فهو بيد الله. ألم تتخوف من الكتابة عن «أدب الرحلات» فى عصر «اليوتيوب»؟ كان تحديا كبيرا، ولكن كل ما كتبته هو تجارب شخصية عايشتها بنفسى، ووصفت أشياء لها علاقة برائحة المكان وأجوائه وطبائع الشعوب، وأتحدى أن يجد شخص ما كتبته موجود على «اليوتيوب»، بالإضافة إلى أن التكنولوجيا لا تزال تجد صعوبة فى وصف ما عايشه الإنسان بنفسه، على الرغم من أنها تسعى إلى ذلك. ما هو الوقت الذى عملت فيه على إنجاز الكتاب؟ اشتغلت تقريبا خمس سنوات ما بين البحث والإعداد والنشر، وإيجاد الوقت والمزاج للكتابة، فأنا لا أكتب إلا إذا امتلكتنى الرغبة فى ذلك، وحتى إن ألزمت نفسى بالكتابة فإنها تخرج بشكل سيئ، بالإضافة إلى أننى لم أكن فى عجلة من أمرى، لأننى لم أكن أفكر فى تقديمه للنشر. ما تحدثت عنه يسمى «عثر الكتابة» وهى أمر عانى منه كبار المؤلفين.. فكيف تخطيته؟ الكتابة لا تعاند، فأحيانا أسافر ثم أعود لاستكمال ما بدأت، وأحيانا أسهر لأكتب فلا أزيد سطرا، ولكننى أخترت إقامة علاقة صداقة مع الكتابة، فإن وجدت لدى المزاج للإبداع كتبت، وإن رفضت أن تمنحنى ودها امتنعت، ولهذا فأنا لم أتخطّها، بل تركتها تأتى وتذهب وقت ما تريد. أسلوبك ينم عن رصيد كبير فى قراءة الأدب الساخر، فلمن تقرأ؟ قرأت الكثير وكانت البداية مع أنيس منصور وكتابه الممتع «200 يوما حول العالم»، ثم استكملت المسيرة مع جلال عامر، وتوفيق الحكيم، ومحمد عفيفى، ومحمود السعدنى، فضلا على أن طبيعتى تميل إلى السخرية من الأشياء، كما أن السخرية فى أصلها سمة من سمات المصريين، وسلاحهم فى التغلب على المواقف الصعبة بالسخرية منها. أى من هؤلاء الكُتاب تأثرت بأسلوبه أكثر؟ الساخر الأعظم جلال عامر، فهو حالة فريدة يظل من الصعب تكراره، وقد فقدناه وافتقدناه. اعتمدت على الذاكرة فى الكتابة فأى المناطق كانت غائمة؟ ساعدتنى الصور الفوتوغرافية على التذكر، فمثلا فى تونس كتبت عن لقائى بمايكل جاكسون، وقد مر عليه أكثر من 20 سنة، وكانت الصعوبة فى كيفية دمج هذه السنوات مع الأحداث التى أكتب عنها دون أن يشعر القارئ بالفارق الزمنى، وهو ما تكرر مع إيران. قلت إن للكتاب جزءا ثانيا.. هل ستقدمه أيضا بأسلوب الكتابة الساخرة؟ أسلوب الكتابة يشبه شكل الإنسان والكتابة الساخرة تشبهنى، ولهذا فلا أظن بأننى سأتخلى عنها، وفى الجزء الثانى سأكتب عن تجارب أقرب فى الفترة الزمنية. هذا يعنى أنك لم تفكر فى كتابة رواية؟ فكرت فيها بشكل سريع، لكننى أعلم أن الرواية تحتاج إلى شخص يمتلك الموهبة والقدرة التخيلية على الإبداع، وأنا بعيد عن هذا، ففى كتابى لم أقم بتأليف شىء بل سردت تجارب مرت بى، فأنا شخص تطبيقى وعملى، لا وجود للخيال فى حياتى إلا فى وضع الأهداف التى أطمح إليها، ولكن من يدرى ما الذى يحدث غدا. أى من البلاد التى زرتها أقرب إلى الروح المصرية؟ الشعبان التونسىوالإيرانى.. فنحن متشابهان إلى حد بعيد فى الكثير من الأشياء ومنها مثلا ثقافة المطبخ، وتقاليد الزواج، وعلاقة الرجل بالمرأة. على الرغم من الروح الساخرة فى الكتاب.. فإن القارى يلحظ أنك تحمل قدرا من الهم الإنسانى تجاه ما تناولت.. حدثنا عن ذلك؟ العمل مع الشركات متعددة الجنسيات، يعلمك ألا يكون لك أى انحياز أو لون سياسى تجاه أشخاص أو أنظمة معينة، ومع ذلك فإن العاملين فى هذا المجال يجب أن يكونوا على دراية تامة بالشعوب وظروفهم الاقتصادية، ليتمكنوا من الترويج وبيع منتجاتهم، وهذا العمل هو ما جعلنى قريبا إلى حدا بعيد من هذه الشعوب، وفهم معاناتهم. يقول المتنبى: «وكم ذا بمصر من المضحكات.. ولكنه ضحك كالبكاء».. ما البلد الذى وجدت هذا البيت يعبر عن حاله؟ ليبيا.. فهى واحدة من أغنى الدول حسابيا فى العالم، لكن سكانها يعيشون فى ظروف غير آدمية.. وهذا بالطبع قبل الثورة، فقد رأيت بلدا غنيا لكن أغلب سكانه فقراء، وبعيدا عن أى حسابات سياسية، فإن هذا المؤشر كان يؤكد أن هناك خللا لا أدرى أين هو تحديدا، لكنه موجود. سافرت إلى كثير من البلاد وسط ظروف استثنائية وحروب؟ ما الذى علمته إياك هذه المشاهد؟ ما توصلت إليه هو أن لكل شىء أكثر من وجه، تماما كقصة قبائل البوشمن مع جنود الإنجليز حيث اتهم الإنجليز البوشمن بالوحشية لأنهم يأكلون لحوم البشر، بينما اتهم البوشمن الإنجليز بالوحشية لأنهم يقتلون البشر ولا يأكلون لحومهم! ولهذا تعلمت دوما أن أسمع وجهتين النظر. الكتاب عودة لأدب الرحلات، لماذا يعانى هذا النوع من الندرة؟ أدب الرحلات يختلف عن كل أنواع الكتابات الأخرى، فهو الوحيد الذى لا تستطيع أن تكتبه وأنت تجلس فى غرفتك ومستعينا بخيالك، بل يتطلب الخروج والسفر والنشاط الحقيقى على أرض الواقع، بالإضافة إلى أن تكاليفه المادية عالية ويحتاج إلى تفرغ. برأيك ما الفرق بين الكتاب الساخر وكتاب النكت؟ هو نفس الفرق بين نجيب الريحانى ومحمد نجم، مع الاحترام لنجومية الاثنين، لكن مازال نجيب الريحانى بأفلامه الأبيض والأسود يضحكنا بدون قول نكتة أو إيفيه، بل بموقف وسياق عام، بينما الآخر يحاول إضحاكنا بقول إيفيه بهدف استجداء ضحكة أو ابتسامة ليس فيها عمق، وأعتقد أن الشعب المصرى ذكى يعشق النكتة العميقة التى ترصد وضعا ما. ماذا عن تجربتك مع الكتاب الصوتى؟ أحب الاستماع إلى الكتب الصوتية بخاصة التى يقرؤها مؤلفها، وهذا ما حاولت فعله من خلال تسجيل كتابى مع تطبيق «اقرألى»، وكانت تجربة ممتعة، ومجهدة فى نفس الوقت، فقراءة فصل واحد قد تستغرق أكثر من 3 ساعات، وحتى الآن انتهيت من تسجيل جزء كبير من الكتاب. هل تعتقد أن الكتاب الصوتى يؤثر سلبا على الكتاب الورقى؟ هناك تأثير سلبى على الكتاب الورقى لكن ليس بسبب الكتب المسموعة، بل بسبب الكتب الإلكترونى التى تأخذ حصة من نصيب الكتب الورقى، وهذا ينطبق على أمور كثيرة فى حياتنا وليست الكتب فقط.