امتداد لتاريخ من الحضور الوطني تحت القبة.. وجوه سياسية وفنية وإعلامية ضمن المعيّنين ب«الشيوخ»    محافظ الغربية ووزير الاوقاف يشهدان احتفالية مولد السيد البدوي    أحمد حمدي يكتب: «إخوان 2025.. التحالفات العابرَة للأيديولوجيا» 8    أكمنة ثابتة ومتحركة| «التأمين العالي» سر اختيار شرم الشيخ لاستضافة «قمة السلام»    صلابة أقوى، علماء يكتشفون فوائد للقهوة في خرسانة البناء    ترامب: 200% رسومًا جمركية على الهند وباكستان إذا اندلعت حرب بينهما    امتحان جديد لضمير العالم.. من يحمي اتفاق السلام؟    ترامب: لن نحتاج نشر الجيش الأمريكي بغزة لنزع سلاح حماس    الأرجنتين تضرب موعدًا مع المغرب في نهائي كأس العالم للشباب    محسن صالح: شخصية الخطيب ستتغير في الولاية المقبلة للأهلي    من الشمال إلى الجنوب، تحذير من 4 ظواهر جوية تضرب البلاد اليوم    تجهيزات مسرح النافورة لفعاليات مهرجان «الموسيقى العربية» ال33    مهرجان الجونة السينمائي يعلن عن لجان تحكيم دورته الثامنة    عصام عطية يكتب: صناعة التاريخ    بلومبرج: أسعار النفط ترتفع 1% بعد تصريح ترامب بشأن توقف الهند عن شراء الخام الروسي    رسميًا.. موعد صرف مرتبات شهر أكتوبر 2025 للعاملين في الدولة    دوري المحترفين.. «وي» يواجه الترسانة في الجولة التاسعة    عيار 21 يسجل رقمًا قياسيًا.. ارتفاع أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة عالميًا ومحليًا    في العمرة.. سهر الصايغ تشارك جمهورها أحدث ظهور لها أمام الكعبة    إصابتان برصاص الاحتلال الإسرائيلي شمال القدس    منتخب الأرجنتين يهزم كولومبيا ويواجه المغرب فى نهائى مونديال الشباب    ننشر أسماء مرشحي انتخابات النواب 2025 بالفيوم بعد غلق باب الترشح    التفاصيل الكاملة لانقطاع يوتيوب.. خلل غامض يربك المنصة والمستخدمين    عمرو محمود ياسين عن حالة زوجته: بنطمنكم لكن الطبيب منع الزيارة لحين استقرار الحالة    لماذا يجب الحصول على تطعيم الإنفلونزا الموسمية كل عام؟    مساعد وزير قطاع الأعمال: خطة طموحة لإحياء الشركات المتوقفة واستثمارات ب180 مليار جنيه    الأخبار السارة تأتي دائمًا من بعيد..    أوسكار يجتمع مع حكام تقنية الفيديو بعد عودته من تشيلي    أحمد الجندي: هدفي ذهبية أولمبياد لوس أنجلوس.. وظروف طارئة منعتني من التواجد بقائمة أسامة أبوزيد في نادي الشمس    شوقي غريب يرشح 6 لاعبين من منتخب الشباب ل حسام حسن    كريم ذكري: شيكابالا لم يعتزل بمحض إرادته بل أُجبر على الابتعاد عن الملاعب (تفاصيل)    وليد خليل يعلق ل ستاد المحور على قرار علاء عبد العال باستبعاد ثلاثي الفريق قبل مباراة كهرباء الإسماعيلية    سد العجز في المعلمين 2025.. ضوابط العمل بنظام الحصة ومكافآت المستعان بهم    بعد استبعادها من القائمة الوطنية.. أمين مستقبل وطن بسوهاج تقدم استقالتها "مستند"    رسمياً.. حقيقة تعديل مواعيد الدراسة بعد بدء التوقيت الشتوي 2025 في مصر    وفاة شاب فى حادث تصادم دراجة بخارية بعربة كارو بحى المناخ فى بورسعيد    نجاة 3 أشخاص بعد سقوط سيارة في ترعة المريوطية بالهرم    السيطرة على حريق أتوبيس بالقناطر الخيرية بسبب ماس كهربائي    بسبب تسريب غاز.. إصابة عاملين في حريق مطعم بالدقهلية    "الوطنية للانتخابات": ترشح 417 على المقاعد الفردية في اليوم الأخير لتقديم الأوراق بانتخابات مجلس النواب    "بعد تكريمه من المحافظ".. عامل نظافة يحصل علي ماجيستير بالقانون ويترشح لانتخابات النواب في البحيرة (صور)    أسعار الموز والتفاح والفاكهة بالأسواق اليوم الخميس 16 أكتوبر 2025    الناتو: اجتماع ترامب وزيلينسكي المرتقب خطوة مهمة لإنهاء الحرب في أوكرانيا    سفير تركيا: قمة شرم الشيخ للسلام شكّلت نقطة تحول تاريخية لمصر والمنطقة والعالم    بعض المهام المتأخرة تراكمت عليك.. حظ برج الدلو اليوم 16 أكتوبر    د.رؤوف رشدي يكتب: مع بوادر سلام شرق أوسطي.. هل هي حقًا نهاية التاريخ أم نهاية أطروحة فوكوياما؟    .. ورضي الله عن أعمال الصالحين الطيبين لاغير    مشكلة الميراث    أخبار 24 ساعة.. الحكومة: المساعدات الإنسانية المرسلة لغزة حوالى 600 ألف طن    بعد تراجع الدولار.. هل تنخفض أسعار الدواء في مصر؟    بخطوات بسيطة.. حضري ألذ كيكة بصوص القهوة    نم جيدًا وتناول هذه الفيتامينات.. 6 طرق علمية لمقاومة نزلات البرد في الشتاء    إنقاذ حياة مريضة بمستشفى سوهاج العام بعد إصابتها بثلاث لدغات عقرب    غادة عبد الرازق تعود بقوة في رمضان 2026 ب«عاليا»    مصرع مسجل خطر في تبادل النيران مع الشرطة بقنا    هل يجوز شراء شقة بنظام التمويل العقاري بقصد الاستثمار؟.. أمين الفتوى يجيب    هل الألعاب الإلكترونية المدرة لأرباح مالية حلال أم حرام؟.. أمين الفتوى يوضح    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 15-10-2025 في محافظة الأقصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار حول احتجاجات الأوروبيين.. فى الشوارع وفى لجان الانتخابات
نشر في الشروق الجديد يوم 15 - 12 - 2018

فى حوار كان لى مع عدد من الباحثين الأوروبيين منذ أيام قليلة، ذكر أحدهم أن المواطنين فى دول الاتحاد الأوروبى صاروا يتوزعون إلى أغلبيات يحركها الخوف من الحاضر والمستقبل وتستسلم لمقولات الكراهية التى يروج لها اليمين المتطرف وأقليات تريد الحفاظ على الحرية وتبحث عن قوى سياسية تقدمية تعبر عن آمالها فى مجتمعات منفتحة وعادلة.
انهالت الاعتراضات على الرجل هادئ الطباع ما إن توقف عن الحديث وجرت فى مجملها باتجاه تفنيد إدانة الأغلبيات كوقود بشرى لنيران اليمين المتطرف. جاء الاعتراض الأول من باحث اجتماعى بولندى شدد على أن الناخبين فى بلاده أعطوا اليمين المحافظ والمتطرف أغلبية برلمانية بعدما صبروا طويلا على الأحزاب اليسارية والتقدمية التى أخفقت فى تقديم حلول حقيقية للأزمات الاقتصادية والاجتماعية وللتوترات المرتبطة بعضوية الاتحاد الأوروبى وقضايا كالهجرة واللجوء. قال: فى بلادى لم تصوت الأغلبية لليمين حبا فى مقولات الكراهية أو طلبا لمجتمع «يطهر» من الأجانب، بل صوتت له لأن اليسار لم ينتج سوى عموميات عن ضرورة مواصلة السياسات الإنسانية والالتزام بالاندماج الأوروبى ولم يتناول بجدية المعاناة الاقتصادية والاجتماعية للناس. قال، ولو كان اليسار تبنى أفكارا سياسية شجاعة كرفع الحد الأدنى للأجور وإعادة النظر فى النظم الضريبية التى تحابى الأغنياء وتلقى بالعبء الضريبى الأكبر على عاتق الفئات متوسطة ومحدودة الدخل لتغيرت نتائج الانتخابات.
***
وظفت قاضية فرنسية الملاحظة بشأن عجز اليسار عن تبنى أفكار سياسية شجاعة لكى تعرج على احتجاجات «السترات الصفراء» ولتدلل على أن قطاعات واسعة بين مواطنيها لم تعد تشعر بأن السياسة الرسمية والأحزاب المشاركة بها يمينا ويسارا تمثل المصالح الحقيقية للناس وتدافع عنها وتضطلع بترجمتها إلى قوانين وسياسات قابلة للتنفيذ. قالت: طبقت حكومة ماكرون سياسات اقتصادية واجتماعية (فرض ضرائب جديدة على الوقود مثالا) تنتقص من حقوق متوسطى ومحدودى الدخل وفعلت ذلك فى لحظة مجتمعية تتسع بها الفجوة بين الأغنياء والفقراء وتتحول بها أطراف المدن الكبيرة (باريس نموذجا) لقنابل موقوتة اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا. قالت، ليست احتجاجات السترات الصفراء سوى «احتجاجات خبز» تقليدية كتلك التى تشهدها بلدان العالم النامى ولم يكن العنف الذى شهدته غير ترجمة مباشرة لليأس من أن تستمع السياسة الرسمية أو أن يستمع المشاركون بها من قيادات حزبية وبرلمانية إلى أنين الناس إن هم لم يخرجوا بصخب إلى الفضاء العام. قالت، ولن ترتب التنازلات الاقتصادية والاجتماعية التى قدمها ماكرون فى أعقاب الاحتجاجات غير تثبيت تلك القناعة فى وعى الأغلبية. فسياسة اليوم وساستها يرفضون التوقف عن محاباة الأغنياء وتهميش متوسطى ومحدودى الدخل تارة باسم مقتضيات الاندماج الأوروبى وضغوط العملة الموحدة وتارة باسم العولمة الاقتصادية وشروط المنافسة فى الأسواق.
ومن القاضية الفرنسية انتقلت الكلمة إلى باحث إيطالى فى العلوم السياسية يدرس حاليا صعود اليمين المتطرف والشعبوى والعوامل المجتمعية التى تدفع قطاعات مؤثرة من المواطنين لانتخابه. جاء التحليل متسقا مع عجز الأحزاب المشاركة فى السياسة الرسمية عن تبنى أفكار شجاعة توفر وإن القليل من الحلول الحقيقية للأزمات القائمة. قال: فى إيطاليا يتواكب التدهور الاقتصادى وارتفاع معدلات الفقر والبطالة والاستدانة الحكومية مع فوارق فى الدخل تزداد بعنف بين الأغنياء والفقراء ومع ضغوط اجتماعية بفعل تحديات الهجرة واللجوء من جهة والمنافسة الأوروبية الأوروبية فى سوق العمل. اليوم، ترى العاملة أو الموظفة الإيطالية متوسطة الدخل قدرتها على الحفاظ على نمط حياتها وحياة أسرتها تنهار وتتنافس فى سوق العمل مع عاملات وموظفات من بلدان أوروبا الشرقية والوسطى وتلمح التوترات المجتمعية بفعل الفقر والبطالة والهجرة فى ازدياد. قال: وإزاء كل ذلك لم تقدم الأحزاب السياسية التقليدية فى اليمين واليسار غير استجابات خائفة وجزئية ولم تقو على سبيل المثال على طرح أفكار كفرض ضرائب إضافية على الأغنياء والالتزام بتوجيه العائد إلى الفئات متوسطة ومحدودة الدخل. بل ترك الأمر برمته جانبا حتى جاءت الأحزاب اليمينية المتطرفة والشعبوية، وادعت تبنيها لأفكار للعدالة الاجتماعية ومزجتها بمقولات كراهية ضد الأجانب وضد الاتحاد الأوروبى وبمقولات تستحث النعرات الوطنية، وبذلك المزيج حققت نجاحاتها المتتالية فى صناديق الانتخابات.
***
اختتم مؤرخ ألمانى الحوار بملاحظات حول احتجاجات الأوروبيين ومدلولاتها. عرف بنفسه سياسيا قائلا أنه من ناخبى الحزب الاشتراكى الديمقراطى ويسارى من يساريى الحركات الطلابية فى 1968، ثم نأى بأفكاره بوضوح عن تعميم الاتهامات للأحزاب التقليدية فى اليمين واليسار بالعجز عن تبنى أفكار سياسية شجاعة. قال، تواجه الأحزاب التقليدية تحديات كبرى ترتبط بتراجع الأهمية المجتمعية للقطاعات السكانية التى اعتادت تمثيلها. فالحركات والنقابات العمالية التى ولد اليسار الأوروبى من رحمها لم تعد ما كانت عليه حتى ثمانينيات القرن العشرين، والفئات السكانية متوسطة الدخل وقاطنة المدن تخلت عن رؤيتها المحافظة التى دفعتها لانتخاب الأحزاب المسيحية الديمقراطية وغيرها من أحزاب اليمين التقليدى فى النصف الثانى من القرن العشرين. يواجه اليمين واليسار تلك التحديات وتتشكل أحزاب سياسية بعيدا عن الوسط كاليمين الشعبوى واليسار الراديكالى وتنافس أحزاب جديدة على الوسط كالخضر بأفكارهم عن البيئة والمساواة الكاملة بين النساء والرجال، غير أن اتهام الأحزاب التقليدية بالعجز يتسم بعدم الدقة. قال، فى ألمانيا جاءت أفكار التحديث الكبرى خلال العقود الماضية من الاشتراكيين الديمقراطيين والمسيحيين الديمقراطيين، حيث أقر الاشتراكيون سياسات كالحد الأدنى للدخل وتغيير النظم الضريبية للحفاظ على دولة الرفاهة الاجتماعية والإبقاء على خدمات التعليم والرعاية الصحية المجانية بينما تبنى المسيحيون الديمقراطيون سياسات الاندماج الأوروبى من العملة الموحدة إلى ضم الأعضاء الجدد فى شرق ووسط القارة. قال، فى المقابل لا تفعل الأحزاب الأخرى سوى الترويج تارة لمقولات الكراهية والخوف وثانية لمقولات فتح الأبواب للمهاجرين واللاجئين دون قيود وثالثة لمقولات عن البيئة والمساواة بين النساء والرجال بينما تتجاهل الفجوة الواسعة بين الأغنياء والفقراء داخل المجتمعات الأوروبية والفجوة الواسعة داخل الاتحاد بين الشمال الغنى والجنوب الفقير. قال، أخيرا، إن اتصفت الأحزاب التقليدية اليوم بشىء من الابتعاد عن قطاعات سكانية مؤثرة وبتطبيق سياسات اقتصادية واجتماعية غير ملائمة (حكومة ماكرون نموذجا) وبالتخاذل عن تطبيق سياسات ضرورية مثل الضرائب الإضافية على الأغنياء (الضريبة المقترحة حاليا فى ألمانيا على الميراث مثالا)، إلا أن احتجاجات المواطنين فى الشارع كما فى احتجاجات السترات الصفراء واحتجاجاتهم فى صناديق الانتخابات بالتصويت لليمين المتطرف والشعبوى حتما ستعيد الأحزاب التقليدية إلى دوائر الفاعلية السياسية وتدفعها إلى تبنى الجرىء والشجاع من الأفكار. ففى ذلك سبيل البقاء الوحيد لها وللديمقراطيات الأوروبية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.