غدا.. مفوضي القضاء الإداري تودع رأيها في طعون مرشحي انتخابات مجلس النواب (تفاصيل)    ردا على هذيان السيسى حول زيادة الوقود .. فايننشال تايمز والايكونوميست: الإصلاح أبعد ما يكون عن سياسات حكومة الانقلاب    شركة مياه مطروح تنفذ سلسلة ندوات توعوية بمدارس المحافظة    «الفاصوليا» ب25 جنيهًا.. استقرار أسعار الخضروات في المنيا اليوم الإثنين 20 أكتوبر    «نقابة العاملين»: المجلس القومي للأجور مطالب بمراجعة الحد الأدنى كل 6 أشهر    76 ألف طن قمح رصيد صوامع الغلال بميناء دمياط اليوم    ليه الهيئة قالت لأ؟ التفاصيل الكاملة لرفض عرض «ساجاس» على «السويدي إليكتريك»    أبو الغيط يدعو إلى بث روح الإبداع وخلق بيئة حاضنة للمشروعات الناشئة    مفاجأة..رفض عرض مدحت خليل لشراء شركته راية لخدمات مراكز الاتصالات لتدني السعر    مصر في عصر السيارات الكهربائية.. كل ما تحتاج معرفته عن الفرص الحكومية والتوسع الصناعي    الكرملين: موقف بوتين من السلام في أوكرانيا ثابت    مصر تواصل الدعم الإغاثي لغزة.. وتستعد لمرحلة جديدة من إعادة الإعمار    مدرب المغرب: لم أتمكن من النوم قبل نهائي كأس العالم للشباب    القاهرة الإخبارية تكشف فعاليات اليوم الثاني والختامي من مؤتمر أسوان للسلام والتنمية المستدامة    بعد الكشف عن استهداف ترامب.. كم مرة تعرض الرئيس الأمريكى لتهديد الاغتيال؟    عائشة معمر القذافى تحيى ذكرى اغتيال والدها: فخر المسلمين والعرب    إسرائيل تهنئ رئيسًا جديدًا لدولة قطعت العلاقات معها بسبب حرب غزة    «شرفتم الكرة العربية».. الأهلي يهنئ منتخب المغرب بلقب العالم    سيدات يد الأهلي يبحث عن لقب إفريقيا أمام بترو أتلتيكو    روح الفريق بين الانهيار والانتصار    موعد مباراة الأهلي والاتحاد في الدوري.. والقنوات الناقلة    أبطال أوروبا - أدار نهائي اليورو.. لوتكسيه حكما لمواجهة ليفربول أمام فرانكفورت    ميلان يقلب تأخره أمام فيورنتينا وينفرد بصدارة الدوري الإيطالي    صدمة لجماهير الأهلي بسبب موعد عودة إمام عاشور    تموين المنيا تواصل حملاتها المكثفة وتضبط 233 مخالفة تموينية متنوعة    درجات الحرارة تعاود الارتفاع.. بيان مهم من الأرصاد يكشف حالة الطقس غدًا    إصابة 7 أطفال في حادث انقلاب تروسيكل بالسويس    والد الطفل المتهم بقتل زميله بالإسماعيلية ينفي اشتراكه في الجريمه البشعه    ضبط 3 أشخاص بالمنيا تخصصوا في النصب على أصحاب البطاقات الائتمانية    مراقب برج ينقذ سيدة من الموت أسفل قطار في المنيا    صندوق مكافحة الإدمان: 2316 سائق حافلات مدرسية خضعوا لكشف تعاطى مخدرات    تشغيل 6 أتوبيسات جديدة بخط الكيلو 21 لتيسير حركة المرور أوقات الذروة    «لم يكن أبا عظيما».. شريف عرفة يفجر مفاجأة عن الراحل أحمد زكي    لليوم الثاني على التوالي.. متحف اللوفر مغلق غداة عملية السرقة    هاني شاكر يُشعل مسرح الأوبرا بأغنية "نسيانك صعب أكيد" والجمهور يشاركه الغناء| صور    محافظ الجيزة: الانتهاء من تطوير 14 محورا حول الأهرامات والمتحف الكبير    يديرها عباس أبو الحسن.. بدء جلسة شريف عرفة بمهرجان الجونة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 20-10-2025 في محافظة الأقصر    اليوم العالمي لهشاشة العظام.. ما أهمية الكالسيوم للحفاظ على كثافته؟    مجدي يعقوب: مصر بقيادة الرئيس السيسي تظهر للعالم معنى السلام    تعرف على أخر تطورات أزمة سد النهضة وتوفير المياه للمشروعات الزراعية والشرب    باكستان ترسم الخطوط الحمراء: لا سلام دون أمن    هشام جمال: "حفل زفافي أنا وليلى كان بسيط"    فى احتفالية 50 سنة على مشوارها الفنى..نجيب وسميح ساويرس يقبلان يد يسرا    الأمين العام الجديد لمجلس الشيوخ يعقد اجتماعا لبحث آليات العمل    دار الإفتاء توضح حكم تصفح الهاتف أثناء خطبة الجمعة    انطلاق مبادرة "ازرع شجرة باسمك" بجامعة بني سويف    هيئة الدواء تحذر من تداول عبوات مغشوشة من دواء "Clavimox" مضاد حيوي للأطفال    وزير العمل: القانون الجديد يحقق التوازن بين طرفي العملية الإنتاجية    في زيارة مفاجئة.. وكيل صحة شمال سيناء يتفقد مستشفى الشيخ زويد    توتر وقلق.. 4 أبراج عرضة لاكتئاب الشتاء (من هم)؟    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 20 أكتوبر 2025 في بورسعيد    وزير الصحة يبحث خطة تطبيق منظومة التأمين الصحي الشامل في المنيا    نحافة مقلقة أم رشاقة زائدة؟.. الجدل يشتعل حول إطلالات هدى المفتي وتارا عماد في مهرجان الجونة    صححوا مفاهيم أبنائكم عن أن حب الوطن فرض    ملخص وأهداف مباراة المغرب والأرجنتين في نهائي كأس العالم للشباب    د. أمل قنديل تكتب: السلوكيات والوعي الثقافي    سهام فودة تكتب: اللعب بالنار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف أصبحنا نعيش في عصر «الكرسي»؟
نشر في الشروق الجديد يوم 21 - 11 - 2018

ربما سيرى مؤرخو المستقبل عندما ينظرون إلى حقبتنا الحالية التي يُطلق عليها اسم "الأنثروبوسين" أن التقنية المُمَيِزة لعصرنا الحديث هي الكرسي، وليس أجهزة الكمبيوتر، وأن لهذه القطعة من الأثاث تأثيراً كبيراً على أجسادنا.
لماذا لم يرد ذكر للكراسي في الكتاب المقدس، أو في كل الأبيات الثلاثين ألفاً التي نَظَمَها الشاعر الإغريقي الأسطوري هوميروس؟ كما لا يوجد أي ذكرٍ لها في مسرحية "هاملت" التي أُلّفَتْ عام 1599.
لكن بحلول منتصف القرن التاسع عشر، اختلفت القصة تماماً. ففي رواية "بليك هاوس" (المنزل الكئيب) لتشارلز ديكنز، وعلى نحوٍ مفاجئ، ذكرت الكراسي أو أشير إليها 187 مرة، فما الذي تغير؟
وفي وقتٍ أصبح الجلوس يُوصف في بعض الأحيان بأنه عادةٌ سيئةٌ قد تُعتبر بمثابة "تدخينٍ من نوعٍ جديد"، بتنا الآن نعرف أن قضاء وقتٍ أطول من اللازم في الجلوس على الكراسي مضرٌ بالصحة.
فالمسألة لا تقتصر على كون الكراسي واستخدامها أمرا غير صحي، بل يمتد إلى أنه أصبح في حكم المستحيل أن يتجنبهما الإنسان الحديث، على غرار عدم قدرته تقريباً على تحاشي تلوث الهواء.
عندما بدأتُ إجراء الدراسات والأبحاث الخاصة بوضع كتابي الذي تناول الكيفية التي يُسهم بها العالم بتفاصيله من حولنا في إحداث تغييراتٍ في أجسادنا، أصبت بالدهشة والمفاجأة حينما اكتشفت كم كانت الكراسي نادرة الوجود في المعتاد قديماً.
والوضع بات مغايراً الآن، فقد صارت هذه الكراسي في كل مكان؛ في المكاتب والقطارات والمقاهي والمطاعم والحانات والسيارات وقاعات الحفلات الموسيقية ودور السينما، وعيادات الأطباء والمستشفيات وصالات المسارح والمدارس، وقاعات المحاضرات، وفي كل مكانٍ في منازلنا (أستطيع أن أضمن لك أن لديك عدداً من الكراسي في منزلك يفوق ما تظن).
من جهةٍ أخرى، إذا طُلِبَ مني تقديم تقديرٍ - ولو حتى مُتحفظٍ - لعدد الكراسي في العالم، فسأجد مشقةً في أن أهبط بهذا التخمين ليكون أقل من 8 إلى 10 لكل شخص.
وبتطبيق هذا المنطق، سيكون هناك أكثر من 60 مليار كرسي على كوكبنا.
بالتالي يتعين حتماً اعتبار الكراسي إحدى العلامات والإشارات ذات السمة العالمية التي تؤشر إلى بدء حقبتنا الجيولوجية الحالية "الأنثروبوسين". فبوسعك العثور على الكراسي في مختلف قارات الأرض، مثلها مثل باقي علامات دخولنا إلى فترةٍ زمنيةٍ جديدة.
لوحةٌ لنابليون في قصر فرساي تعود إلى عام 1809 وتظهر الإمبراطور الفرنسي جالساً بينما ظل كل من حوله وقوفاً
ولا يوجد سببٌ واحدٌ واضح ٌيفسر الظهور المفاجئ لذاك العدد الكبير من الكراسي في العالم. فالأمر ناجمٌ عن احتشاد عوامل مثل العادات والموضات السائدة والأوضاع السياسية القائمة وعادات العمل وسلوكياته المتغيرة، فضلاً عن الرغبة الشديدة في نيل أكبر قسطٍ ممكنٍ من الراحة.
ولا يحتاج هذا العامل الأخير أي تفسيرٍ أو توضيحٍ، خاصةً أنه يدخل في إطار ثقافةٍ يعد فيها الاستمتاع بالراحة والرفاهية من أقوى الدوافع المؤثرة على المستهلك خلال عملية اتخاذه لقراراته الشرائية.
وبينما بدأت الكراسي في الظهور بأعداد أكبر قليلاً في ما يُعرف ب"الحقبة الحديثة المبكرة" بين عاميْ 1500 و1800، يبدو أنها أصبحت أكثر انتشاراً وشعبيةً خلال الثورة الصناعية.
وبالرغم من أنه كان من اليسير نسبياً في فترة ما قبل القرن الثامن عشر اقتناء كرسي؛ لم تكن له استخداماتٌ تُذكر بالنسبة لغالبية سكان العالم في تلك الفترة. فحتى اليوم، ليس من السهل على المرء الجلوس لفتراتٍ طويلةٍ على كرسيٍ خشبيٍ صلبٍ غير مبطنٍ بشيء، كذاك النوع الذي كان سائداً في تلك الحقبة.
أما الكراسي المُنجدة فقد كانت باهظة التكاليف وقتذاك أيضاً. لكن الولع بصيحةٍ جديدةٍ تتمثل في ما أُطْلِقَ عليه اسم "ثقافة الجلوس باسترخاء"، تلك التي انطلقت من البلاط الملكي الفرنسي في القرن الثامن عشر وانتشرت في بقاعٍ أخرى في العالم، ساعدت على جعل استخدام الكرسي في هذه الفترة المبكرة من تاريخ علاقتنا به أكثر شيوعاً وانتشاراً.
وخلال القرون التي سبقت ذلك، كانت الكراسي تُربط باستمرار بمفاهيم مثل القوة والسلطة والثروة والتمتع بمكانةٍ ساميةٍ. وبلغ الأمر حد استخدامها من قبل أهل الريف بتبجيل، وكأنها التاج الذي يُوضع على رؤوس الملوك والحكام.
وإذا طالعنا "المطوية الأولى" - وهي مجموعة مسرحياتٍ للشاعر الإنجليزي الشهير وليام شكسبير نُشِرَتْ عام 1623 - سنجد إشارةً على هامش إحدى صفحات مسرحية "الملك لير"، بشأن الحركة المطلوبة من الممثلين على خشبة المسرح، توضح أن الملك سيدخل في مشهدٍ ما محمولاً على أكتاف مجموعة من الخدم، وهو جالسٌ على "كرسي". ولا يزال اعتبار الكراسي رمزاً للمكانة السامية قائماً حتى الآن. فالمرتبة الأعلى في مجالي الأكاديمي يُطلق على صاحبها اسم "أستاذ كرسي".
وفي اللغة الإنجليزية تُستخدم كلمة 'chair' - التي يمكن ترجمتها ب"رئيس" - للإشارة إلى شخص يدير اجتماعاً ما، كما يُطلق على رئيس الشركة بالإنجليزية لقب chairman` أو chairwoma، أي رئيس أو رئيسة. فضلاً عن ذلك، ثمة حقيقةٌ مُعترفٌ بها دولياً تفيد بأن الكرسي الأفضل في أي مكتبٍ بمبنى إداري، دائماً ما يخص رئيس المكان.
ومع اكتساب استخدام الكراسي طابعا أكثر ديمقراطية (خاصة بعد الثورة الفرنسية وقوانين الإصلاح الكبرى التي سُنَتْ في بريطانيا عام 1832)، ترافق ذلك مع تغيرٍ بطيء الوتيرة في أنماط العمل لدينا. فغالبية الأعمال التي أُنجِزت في العصر الفيكتوري، كانت تُعرف بأنها إما أعمالٌ يدويةٌ أو تتم بين جدران المصانع.
لكن مع اقتراب نهاية القرن التاسع عشر، بدأ سوق العمل في التغير بدوره في ظل تسارع وتيرة الموجة الثانية من ثورةٍ تكنولوجية كان من بين الاختراعات التي ظهرت في غمار موجتها هذه ابتكاراتٌ مثل، الآلة الكاتبة وإرسال البرقيات بالتلغراف بجانب التوسع في استخدامات الكهرباء.
كما أصبحت الفئة الجديدة من أصحاب المهن، التي بات يُطلق عليها اسم "كتبة المكاتب"، الأسرع نمواً بين مختلف الفئات المهنية الأخرى خلال النصف الأخير من تلك الفترة. فقد أشار تعدادٌ للسكان أُجري عام 1851 إلى أن عدد من يؤدون أعمالاً إداريةً كان يقل قليلاً عن 44 ألف شخص. وبعد عقدين، أصبح عدد من يؤدون عملهم جلوساً في معظم الوقت أو كله نحو 91 ألفاً، أي بزيادةٍ تفوق نسبتها الضعف.
الآن أصبحت تلك الفئة الأخيرة من المهنيين تمثل الأكثرية. وعبر العقود المختلفة من القرن العشرين، نمت حولنا غابةٌ من الأنشطة الأخرى - التي تُؤدى في وضع الجلوس غالباً أو على الدوام - وذلك لتتناسب مع الطبيعة الجديدة لحياتنا في أماكن العمل.
وإذا عدنا إلى القرن التاسع عشر، سنجد أنه شهد تزايداً كبيراً ومطرداً في شعبية عادة مثل قراءة الروايات. وأعقب ذلك ظهور مزيد من أشكال الترفيه والتسلية المرتبطة بالجلوس على المقاعد والكراسي بفعل اختراع السينما والراديو والتليفزيون.
وفي الآونة الأخيرة، قادتنا أنشطةٌ مثل ممارسة ألعاب الكمبيوتر ومشاهدة البث الحي المباشر عبر الأجهزة الإلكترونية المختلفة - وغير ذلك من الأنشطة التي تحدث خلال الجلوس أمام شاشةٍ ما - إلى أن نجلس دون حراك، وكأننا في حالةٍ تأمل أو تَفَكْر. ومن هذا المنطلق صار إنسان حقبة "الأنثروبوسين" بحاجة إلى الكراسي للقيام بكل هذه "الأنشطة".
وهكذا فإذا كانت الحياة الحديثة تقدم لنا "باقةً" من السلوكيات التي تعتمد على الجلوس أغلب الوقت، إن لم يكن كله، فإن الكراسي هي "السيقان" التي تعتمد عليها هذه الباقة. فوجودها ضروريٌ للغاية، لكي يتمكن المرء من عيش حياة حديثة يبدو الجانب الأكبر مما نزاوله فيها غير قابل للحدوث أو التصور بدونها.
وأفاد بحثٌ أجرته جمعية "بريتيش هارت فاوندايشن" المعنية بصحة القلب في بريطانيا بأننا نقضي ما يصل إلى تسع ساعاتٍ ونصف يومياً جالسين. وهذا يعني أن إنسان العصر الحديث يقضي 75 في المئة من وقته دون نشاطٍ حركيٍ، وهو ما يترتب عليه عدد من المشكلات.
فصحة أنسجتنا الصلبة والرخوة أو اللينة يمكن أن تبلغ - بفعل التأثير السلبي لانعدام الأنشطة الحركية - درجةً من السوء، يصلح معها الاستشهاد بمقولة "العضو الذي لا تستخدمه يضمر".
تتطلب الأنشطة التي تسود حياتنا الحديثة من قبيل ممارسة ألعاب الفيديو أو تصفح مواقع الإنترنت أو مشاهدة التليفزيون أن نظل جالسين
فالعضلات والعظام تتأثر سلباً أو إيجاباً جراء زيادة العبء عليها أو التوقف عن استخدامها، لتصبح العظام أكثر كثافةً أو هشاشةً، وتزيد قوة العضلات أو تضعف.
ولذا فمن شأن الجلوس لوقت طويل للغاية في وضعٍ تكون فيه غالبية عضلات ظهورنا بعيدةً عن بعضها البعض، أن تكون آلام الظهر هي السبب الرئيسي للإصابة بالإعاقة على مستوى العالم، خاصةً وحالة العمود الفقري لدى كلٍ منّا ضعيفةٌ إلى هذا الحد، بسبب كل العوامل السابقة.
وبينما صار لدينا بيئةٌ نطلق عليها اسم "بيئة الأنثروبوسين"، في إشارةٍ إلى أنها تأثرت وتشكّلت بفعل ما أحدثه البشر على سطح الأرض، فقد يكون بوسعنا بالقدر ذاته تصنيف أنفسنا باعتبارنا بشر عصر "الأنثروبوسين" أيضاً.
فبينما كان البشر في العصر الحجري القديم يقضون نحبهم في معظم الأحيان خلال فترة الطفولة، وكان العنف والإصابة بجروحٍ سببيْن شائعيْن لمفارقتهم الحياة في مراحل لاحقةٍ من العمر، يختلف الوضع مع أحفادهم المعاصرين الذين يموتون غالباً بسبب اضطراباتٍ في التمثيل الغذائي، من قبيل المعاناة من داء السكري من النوع الثاني وأمراض القلب وبعض أنواع مرض السرطان. وكل ما سبق يرتبط بقوةٍ بانعدام النشاط الحركي، أي باستخدام الكراسي للجلوس عليها.
وفي عام 2012، أُجريت دراسةٌ للتعرف على تأثيرات انعدام النشاط الحركي. وقارن القائمون عليها بين بياناتٍ متعلقة بالسلوك جُمِعَتْ من 7813 امرأة، ليجدوا أنه كان لدى من كُنّ يجلسنّ منهن لعشر ساعاتٍ يومياً، قُسَيْمٌ طَرَفيٌ أقصر.
والقُسَيْم الطَرَفي أو التيلومير هو منطقةٌ موجودةٌ في خلايا الجسم البشري، يشير طولها أو قصرها إلى مدى شيخوخة هذه الخلايا. وأشارت الدراسة إلى أن العادات الحياتية التي انطوت على الجلوس لوقتٍ طويل، أدت إلى زيادة العمر البيولوجي لأولئك النسوة بواقع ثمان سنواتٍ تقريباً عن عمرهن الحقيقي.
بل إن بعض الدراسات تشير إلى أن ممارسة القليل من التمارين لا تجدي في إصلاح الأضرار الناجمة عن الجلوس لفتراتٍ طويلةٍ، وما يحدث بسببه من تأثيراتٍ سلبية.
وتشهد هذه الدراسات وغيرها على صحة حقيقةٍ مفادها أنه يتعين علينا التفكير ملياً بشأن مواصلة تكريس مزيدٍ من الوقت والجهد في علاقة الحب الحديثة نسبياً والمشبوبة بالعواطف، التي تجمع بيننا وبين الكراسي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.