رموز اليسار سر «وكسة» الحالة الثقافية المصرية.. وأدب السيرة الذاتية بالعالم العربى ملىء بالأكاذيب تلقيبى ب«ملك البلوك» صحيح.. لست مطالبا بدور «الأم تريزا» لتحمل الجميع «دار الشروق» تهتم بالكاتب وتعطيه مستحقاته دون نصب.. وأصدقاء «فيس بوك» يتعاملون «كأنهم أصحاب بيت» مثقف من طراز فريد، يجيد عدة لغات؛ بحكم عمله كمدير لشركة مصر للطيران، يكتب كل الأشكال الأدبية، فتتميز أعماله بدفء إنسانى، ويكتب بحروف هادئة لا تخلو من ثورة ساخرة ذات مغزى. يجبر أسامة غريب، جمهوره على الابتسام والبكاء فى آن واحد، فيكتب كما لو أنه يمارس مع القارئ لعبة «أكمل النقط»، ولذلك تلقى كتاباته حفاوة كبيرة. وفى حواره مع «الشروق»، أجاب باستفاضة عن كل الأسئلة دون تردد، فهو مستمع جيد، وكاتب كريم فى إجاباته، وإلى نص الحوار.. تُصنف ككاتب ساخر رغم كتابتك المقال والقصة والرواية.. كيف ترى فكرة تصنيف الكُتاب؟ أنا شخص لا أعترف بالتصنيفات، فهناك فقط كاتب جيد أو ردىء، وتصنيفى ككاتب ساخر يزعجنى، ليس بسبب التصنيف نفسه، بل لأن من يصنفنى به لا يعرف بالأساس من هو «الكاتب الساخر»، ولديه تصور أنه شخص خفيف يكتب اسكتشات، وحاجات لطيفة لإضحاك الناس، والحقيقة أن الكتابة الساخرة هى أعلى وأرقى الكتابات الإبداعية على الإطلاق، وتحتاج موهبة حقيقية، فالكاتب الساخر هو الوحيد الذى يستطيع أن يكتب كل أنواع الأدب، والعكس صحيح. هل تستاء حينما تجد أعمالك على أرفف الكتابات الساخرة؟ نعم.. ليس لأنها فى أرفف الكتب الساخرة تحديدًا، لكن لأنها لا توجد وسط أعمال الكُتاب الساخرين الحقيقيين، أمثال «محمد عفيفى، وبلال فضل، وأحمد رجب، ومحمود السعدنى»، لكن توضع مع كُتب «شلاطة وبلاطة»، وهذا يعنى أن من يضع كتاباتى فى هذا المكان لا يدُرك قيمة الأدب الساخر الحقيقى، ويضعها مع الكتب السطحية غير الحقيقية. لماذا اخترت كتابة الرواية فى أحدث أعمالك «عازفة الكمان»؟ «عازفة الكمان»، كانت فى البداية مشروع قصة قصيرة، إلا أنها عصتنى وأرغمتنى على أن تصبح عملا روائيا، فلماذا أجنى على هذا الإبداع وأبتره، فالكتابة عندى فكرة حين تأتينى لا أعرف إلى أين ستقودنى، تتحول فيما بعد لتكون قصة قصيرة، أو مقالا، أو تفرض نفسها لتصبح رواية كما حدث مع «عازفة الكمان». تناولت فى مجموعتك القصصية «سامحينى يا أم ألبير» فترة الصبا والشباب.. هل تفكر فى كتابة سيرتك الذاتية؟ فى البداية كان من المفترض أن تكون اسم المجموعة القصصية، «من 15 إلى 20» لكن المسئولين بدار الشروق اقترحوا علىّ تغيير الاسم، وهذا ما تم فى نهاية الأمر، حيث اخترت الاسم من إحدى القصص الواردة فى المجموعة، ولم أفكر فى كتابة سيرة ذاتية كاملة، لكنه شىء وارد الحدوث، وهناك مئات المقالات التى كتبتها؛ تضمنت حكاياتى، لكن هذه هى المرة الأولى الذى «أقر وأعترف» أن هذا المذكور أعلاه هو أنا. كيف ترى أدب السيرة الذاتية؟ السيرة الذاتية مليئة بالأكاذيب، ونادرا ما يكتب شخص عن حياته بشكل واضح، يحدث ذلك فى الغرب لأن المجتمع لا يمسك سياطا يجلد بها أصحابها، أما هنا من المستحيل أن يكتب شخص بشكل صريح عن علاقته بربه مثلًا، أو عن تجاربه الجنسية الأولى، وهى التى لا يحق لأحد من الأساس التدخل فيها، لكن لا يستطيع أن يفعل ذلك؛ لأن المجتمع لن يرحمه. ما رأيك فى الجوائز العربية؟ الجوائز فى العالم العربى يحددها الحاكم «طويل العمر»، فهو من يقيّم الأدباء، ويختار هو أو أحد أتباعه من يفوز بها، ولكن درجة القبح والفجاجة تتفاوت بحسب البلد. هل تؤمن بفكرة نزول الوحى؟.. ومتى تكتب وأنت كثير الترحال؟ أنا لا أؤمن بفكرة الوحى، فمثلًا الكتابة للصحافة تحتاج التزاما يوميا بغض النظر عن مكان وجودى، وبمرور الوقت تعلمت أن أسجل الأفكار التى تطوف فى ذهنى كى لا أنساها، فأصبحت أمتلك بهذه الطريقة «بنك أفكار» أستعين به للكتابة وقت أشاء، وقد أكتب مقالا وأنا أجلس فى مكتبى بالقاهرة، أو على مقهى بباريس، أو فوق شط نهر فى فيتنام، طالما كان معى «اللآب توب» فأنا أكتب. الطريقة الساخرة فى نقد السياسات الخاطئة موهبة أم وعى أم مزيج من الاثنين؟ الاثنين معا، فالموهبة ودرجة عالية من الوعى؛ لأنه إذا وجدت الموهبة دون وعى، فهذا يخلق لنا كاتبا منحازا للسلطة الظالمة، ورأينا ذلك مع كتاب كثيرين لا يشق لهم غبار فى الكتابة الساخرة، لكنهم كانوا منحازين للسلطة طول الخط. هل ترى الكتابة عملية عسيرة؟ أحيانا تكون عملية يسيرة وأحيانا أخرى متعثرة، فهذا يتوقف على نوع الدفقة الشعورية الآتية للكاتب، فمثلا وأنا فى الخارج تأتينى الأفكار فيضانًا؛ وهذا فى رأيى يرجع بسبب تغيير المكان، على الرغم من أن الأفكار تكون مصرية خالصة، لا تخص أحدا سوى القاهرة وناسها، لكنها لا تأتيك إلا بعد البعد عنها، وكأن نوافذ الخيال تفتح على مصرعيها، فأبدأ بتسجيلها وأحتفظ بها لأكتب منها فيما بعد، القصص والمقالات والقصائد والروايات. تواجه انتقادات بعدم قبولك الرأى الآخر ولقبك البعض ب«ملك البلوك».. ما ردك؟ هذا كلام صحيح واتهام حقيقى، وكما يقال «شرفا لا أدعيه، وتهمة لا أنفيها»، والموضوع ببساطة أن وسائل التواصل الاجتماعى جعلت الناس تصدق أنهم أصدقاء حقيقيون، ويتعاملون «كأنهم أصحاب بيت»، وأصبح النقد والتطاول شيئا طبيعيا، وأنا لست مطالبا أن أقوم بدور «الأم تريزا»، أتحمل الجميع، وأواسيهم، فأنا أقبل الاختلاف إذا كان ينبهنى لنقطة غائبة عنى، وبرأيى أحسن شىء فعله مارك زوكربيرج، هو أمر«البلوك»، فهناك نوعان من البشر يستحقون «البلوك» بلا رحمة أو تردد وهما «الأغبياء والسفلة». البعض يكتب كوسيلة هروب من الواقع.. ماذا عنك؟ أنا أكتب لألوذ وأحتمى بالعوالم التى أصنعها، ولأقاوم بكتاباتى هذا العالم القاسى الذى أحياه، وأحيانًا أختفى وأفر إن جاز التعبير إلى أن يطمئن قلبى فأعود من جديد. أين تكمن أزمة المؤسسة الثقافية فى مصر؟ فى رموز اليسار، الذين يهيمنون عليها بما يقارب من ال50 سنة، ويتوارثونها كتركة، فهم المتحكمون فى الحالة الثقافية، وهم المالكون لمفاتيح النقد والنشر ومنح الجوائز، وهم من يقررون بأن هذا الكاتب يستحق لقب الكاتب الكبير، وذاك كاتب عادى، ومن لا يستحق لقب كاتب بالأساس، فهؤلاء بالأساس هم «سر وكسة الحالة الثقافية المصرية»، ولكن هذه الشرنقة التى أقاموها كُسرت مؤخرًا، بعدما زاد عدد الكُتاب والقراء الذين استطاعوا أن يختاروا بأنفسهم كتابا من خارج المؤسسة اليسارية. لماذا حرصت فى أغلب كُتبك أن يكون هناك إهداء لشخص.. وماذا يمثل الأهداء بالنسبة لك؟ الإهداء بالنسبة لى هو «تكريم» لشخص أحبه، ويكون الكتاب هو الفرصة الكبيرة لأقول له هذا على الملأ، ولكنى خالفت هذه العادة فى الرواية الأحدث، فبعد أن كتبت اسم الشخص الذى يستحق أن أهديها له، حدث ما غيّر فكرتى عنه، فقررت أن تخرج بدون إهداء؛ حيث لم أجد من يستحقه. أغلب أعمالك مع «دار الشروق».. حدثنا عن تعاملك معها؟ «دار الشروق» دار محترمة وكبيرة ونزيهة تهتم بالكاتب، وتستمع إليه، وتستجيب إلى طلباته، كما أنها تخرج الأعمال بالشكل اللائق، وتطرحها فى كل مكان، وهذا كله «تدليل للكاتب»، فضلا عن أن «دار الشروق» من دور النشر القليلة التى لا «تنصب» على الكاتب، وتعطيه مستحقاته المالية كاملة دون مماطلة. استعنت فى أعمالك بالكثير من أبيات الشعر.. هل ممكن أن نرى ديوان شعر لك؟ لا أملك القدرة على كتابة الشعر بشكل متواصل.. أحب قراءة أشعار زهير بن أبى سلمى، وامرئ القيس، وعمرو بن كلثوم، والمتنبى، والبحترى، وقديمًا كنت أكتب الشعر، وفى «عازفة الكمان»، كتبت أبيات شعرية من كلماتى؛ لأن بطل الرواية شاعر، مع أنى لا أملك القدرة المتواصلة على كتابة ديوان شعر. ما هى الأعمال الأدبية التى تستمتع بقراءتها؟ أنا أحب الأدب الروسى بشكل عام، وقرأت جميع كتابات دوستويفسكى، وتشيخوف، وكذلك أعمال جابريل جارسيا ماركيز، ومن مصر أحب كتابات المخزنجى وعلاء الأسوانى، وأعشق أعمال نجيب محفوظ، وأقرأها كل مرة بشكل مختلف. هل تتابع الآراء التى تنشر عن أعمالك؟ لست من المتابعين الجيدين لما يكتب حول أعمالى على المواقع المختلفة، ودخلت مرة وحيدة على موقع «جود ريدز»، حين أخبرنى صديقى بأن هناك جدلا حول كتاب ينسب إلىّ بشكل خطأ، فدخلت كى أوضح الأمر وأقول إن هذا الكتاب لا يخصنى ولا يمت لى بصلة، وأن أى تشابه بين اسم مؤلفه واسمى هو من قبيل الصدفة.