انطلاق قافلة دعوية إلى مساجد الشيخ زويد ورفح بشمال سيناء    ننشر تعريفة الركوب الجديدة بكفر الشيخ بعد تحريك أسعار الوقود    سعر اليورو اليوم الجمعة 17 أكتوبر 2025 أمام الجنيه بالبنوك المصرية    مصدر ل«المصري اليوم»: لا زيادات في أسعار تذاكر القطارات أو المترو    أسعار الخضراوات والفاكهة بكفر الشيخ اليوم الجمعة 17 أكتوبر 2025    حقيقة ارتفاع أسعار مواد البناء خلال الفترة المقبلة بسبب إعمار غزة    «من سيدى جابر وحتى قسم الشرطة».. بدء أعمال توسعة طريق أبو قير ولمدة شهر    فتح معبر رفح بين تأجيل إسرائيلى وتحذيرات من المماطلة.. ماذا حدث بالفعل؟    رئيس فنزويلا يحذر ترامب من تدخل أمريكى بعد سماح ل CIA بتنفيذ عمليات سرية بالبلاد    رئيس وزراء المجر: الاستعدادات جارية لاستضافة قمة بين ترامب وبوتين    إطلاق قافلة زاد العزة ال52 إلى غزة بحمولة 4 آلاف طن مساعدات غذائية    الأمن القومي الأمريكي في خطر.. تطور مفاجئ يهدد الأسلحة النووية    موعد مباراة بيراميدز ونهضة بركان في كأس السوبر الأفريقي    تجديد حبس قاتل زميله وتقطيعه بمنشار كهرباء على ذمة التحقيقات    طقس مشمس معتدل بكفر الشيخ الجمعة 17 أكتوبر 2025    النشرة المرورية.. سيولة بحركة السيارات بمحاور القاهرة والجيزة    قبلة بسنت شوقى لمحمد فراج فى افتتاح مهرجان الجونة تلفت الأنظار.. فيديو وصور    السياحة: إطلاق الموقع الإلكترونى للمتحف المصرى يهدف لتقديم تجربة فريدة للزوار    5 أبراج تحب قضاء الوقت مع الأطفال    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 17- 10- 2025 والقنوات الناقلة    ياسر ريان: الأهلي سيلعب على الفوز أمام نوار ذهابًا وإيابًا    الوطنية للانتخابات تعلن أسماء المرشحين لانتخابات النواب بالأقصر    محافظ بورسعيد يعتمد تعريفة الركوب الجديدة بعد زيادة البنزين والسولار الجديدة    سعر اليورو اليوم الجمعة 17 أكتوبر 2025 في البنوك .. بكام الآن؟    حمزة نمرة: وفاة والدتي في التاسعة من عمري أورثتني القلق.. وقضيت عاما كاملا أنتظر معجزة لشفائها    حمزة نمرة: عثرت على «فاضي شوية» بالصدفة.. وطرح ألبوم كامل الآن يظلم الأغاني    فى مقابلة قديمة .. لماذا هاجم صهر ترامب "الصهيونى " محمود عباس بعبارات "مهينة" !    الزمالك يكشف حقيقة الإستغناء عن ناصر منسي.. ويتأهب للقاء ديكيداها بالكونفيدرالية    أسماء المرشحين على مقاعد الفردي بدوائر محافظة الشرقية لانتخابات مجلس النواب 2025    فلسطين.. الاحتلال يدمر سيارة مواطن خلال اقتحام حي المخفية في نابلس    أول اختبار رسمي ل«توروب».. الأهلي جاهز لمواجهة إيجل نوار البوروندي    مرتديًا النقاب.. طلب تحريات المباحث في واقعة تحرش شاب بسيدات في مستشفى أبو النمرس    الهيئة الوطنية للانتخابات تعلن أسماء المرشحين على النظام الفردي بانتخابات مجلس النواب    روسيا تحذر أوروبا من مصادرة أصولها    «مش صديقي.. وبقول اللي حسيته».. رد مثير من كريم نيدفيد بشأن هجومه على رمضان صبحي    موعد عرض مسلسل حلم أشرف الحلقة 19 والقنوات الناقلة    ترامب يتحدى بوتين: "آلاف توماهوك بانتظار خصومك".. فما سر هذا الصاروخ الأمريكي الفتاك؟    وفاة الفنان أشرف بوزيشن بعد مسيرة فنية مع كبار السينما المصرية    «زي النهارده».. وفاة شيخ الأزهر الدكتور عبدالحليم محمود 17 أكتوبر 1978    أطعمة طبيعية تساعد على خفض الكوليسترول في 3 أشهر    حيلة لتنظيف الفوط والحفاظ على رائحتها دائمًا منعشة    لو عايز تركز أكتر.. 5 أطعمة هتساعدك بدل القهوة    بحضور رئيس مجلس الوزراء.. وزير الشؤون النيابية يشهد ختام أسبوع القاهرة الثامن للمياه    «أفضل لاعب في مصر بمركزه».. فاروق جعفر يتغزل ب نجم الأهلي    الداخلية تكشف ملابسات واقعة فيديو «التوك توك» بملابس خادشة للحياء    السيطرة على حريق داخل مخزن لقطع غيار السيارات بميت حلفا    رفضت إصلاح التلفيات وقبول العوض.. القصة الكاملة لحادث تصادم سيارة هالة صدقي    تركي آل الشيخ: «بدأنا الحلم في 2016.. واليوم نحصد ثمار رؤية 2030»    فضل يوم الجمعة وأعماله المستحبة للمسلمين وعظمة هذا اليوم    فضل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة ووقتها المستحب    أدعية يوم الجمعة المستحبة للمتوفى والمهموم والأبناء    خلافات مالية تنتهي بجريمة قتل في الخصوص.. والأمن يضبط 3 متهمين    مجلس النواب يسدل الستار على قانون الإجراءات الجنائية ويوافق نهائيا على المشروع بصيغ توافقية    الحفني يشهد توقيع بروتوكول تعاون بين سلطة الطيران المدني وإدارة الحوادث    تفاصيل لا يعرفها كثيرون.. علاقة فرشاة الأسنان بنزلات البرد    الرعاية الصحية: المواطن يدفع 480 جنيه ونتحمل تكلفة عملياته حتى لو مليون جنيه    هل يجوز المزاح بلفظ «أنت طالق» مع الزوجة؟.. أمين الفتوى يجيب    هل الصلوات الخمس تحفظ الإنسان من الحسد؟.. أمين الفتوى يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يا طيرة طيرى
نشر في الشروق الجديد يوم 31 - 01 - 2018

اجتاحت شبكات التواصل الاجتماعى هذا الأسبوع التعليقات الساخرة من مؤتمر الحوار الوطنى السورى المقام فى مدينة سوتشى الروسية، وللأمانة فالوضع السورى بلغ من العبثية ما يقف أمامه الفرد مشدوها، وقد تكون السخرية هى الطريقة الوحيدة للرد على فداحة التطورات من موت ودمار وانعدام الرؤيا وانسداد الأفق أمام عملية إنقاذ لما تبقى من أرواح وأحلام، متابعة الوضع السورى قد تجلب سخطا بإمكانه أن يقتل.
***
لكن بينما شبكات التواصل تعج بتعليقات السوريين على الأحداث، تفاوض شباب وشابات من حلب وريف دمشق وحمص والقصير وغيرها بدورهم على مسرح فى مكان آخر، نحن فى لبنان، والمكان هو فسحة آمنة أشبه بما يظهر فى قصص الأطفال من منزل صغير يخرج من مدفأته الدخان وسط غابة مظلمة، يبدأ العود بإلقاء كلمة فيرد عليه الدف، ينتظر البزق دوره فى الكلام ويختار أن يلقى مداخلته فى لحظة حضرتها له الدربكة بإيقاعها الجاف. هناك، فى سهل البقاع فى لبنان، اجتمع السوريون ممن ينفتح معهم الأفق كما انشق البحر تحت قدمى النبى موسى: تشق موسيقاهم بحر مخاوفهم ويسطع نور أحلامهم وسط الظلام من حولهم. مجموعة من الشباب والبنات أجبرت الحرب عائلاتهم على الفرار، أشخاص اقتلعهم القصف والرعب من جذورهم فحملوا بعضا من تراب أرضهم معهم وحاولوا غرس أنفسهم فى بلد اللجوء.
***
فى مدرسة الموسيقى فى البقاع تعيش سوريا التى ما زالت فى خاطر الكثيرين. مع رنة العود تعود. مع آلة الأكورديون تبكى. مع نقرة الدف تنادى. تدق على ذاكرتى: «أنا ما زلت هنا» أسمعها تقول. «أنا أمكم الأرض، أنا رائحة التراب فى يوم شتاء ماطر. أنا مدفأة وضعت عليها الجدة قشر البرتقال فملأت رائحته الغرفة. أنا بستان أطعمت فاكهته مدنا بأسرها، أنا شمس المتوسط لحظة عودة الصياد محملا بخيرات البحر».
الجو بارد والظلام غلف المكان فى الخارج. على المسرح رمت الموسيقى شباكها على الحاضرين وسلخت الصالة عن محيطها. أنا أعيش تجربة خارج الجسد، كتلك التى يصفها من حاول الموت اقتلاعه ثم غير رأيه فعاد الشخص وحاول أن يشرح كيف ذهب للحظات ثم عاد.
***
أن تغنى مجموعة شباب «يا طيرة طيرى يا حمامة، وانزلى بدمر والهامة» فى شىء من السحر. دمر والهامة منطقتان تحاوطان دمشق، لكنى أتساءل إن كان هؤلاء الشباب قد زاروها وإن زاروها فهل يتذكرونها؟ أحسب بسرعة متوسط أعمارهم وأنقص منها عدد السنوات التى قضوها فى لبنان فيبدو لى أنه من الصعب أن يتذكروا مناطق ربما عاشوا أو مروا بها حين كانوا أطفالا.
***
تتمايل شابة تجلس فى المقعد أمامى على نغمة الأغنية وتغنى معها. أسألها إن كانت تعرف منطقة الهامة أو زارتها حين كانت فى سوريا فتجيب بالنفى. يا إلهى! ها نحن نعيد قصة صفد ويافا وحيفا وغيرها من المدن ذات الأسماء الراسخة التى لم يزرها أى ممن يستشهدون بها منذ أكثر من سبعين سنة! ها نحن نغنى لمدن بدأت تنزلق إلى عالم افتراضى لا ذاكرة بصرية له عند الكثير ممن يعرفون عن أنفسهم على أنهم سوريون فى بلاد الشتات.
***
«يا طيرة طيرى بوادينا واحكى له ع اللى مجافينا». أنا هناك، فى الوادى. اليوم صيفى حار قرر فيه والدى أن نزور منطقة خضراء فى سوريا معروفة بطبيعتها الخلابة ونسائها الجميلات وموائدها الممدودة. هى منطقة جبال ووديان وقرى منثورة على جانبى طريق ملتف حول الغابات. أم ترانى أنا أيضا بدأت أتخيل القرى بدل أن أتذكرها؟ هل زرت الوديان مع عائلتى أم أننى صنعت لنفسى ذاكرة بصرية مبنية على وصف سمعته ممن أصولهم من هناك؟ لا لا، أنا زرت الجبل والوادى وشربت من ماء النبع وأكلت من فاكهة البساتين هناك.
***
لماذا لم أعد أثق بذاكرتى؟ هل العلاقة بالمكان تحتم، إن أردنا لها أن تستمر، بأن نستمر بزيارته؟ هل الانقطاع يفضى إلى علاقة تصبح افتراضية مع مكان نعيد ترتيبه فى رأسنا ونستمر فى زيارته فى ذاكرتنا؟ هناك تمارين يجب القيام بها بشكل مستمر، تماما كمن يمارس الرياضة للحفاظ على صحته أو لياقته البدنية. التمرين يبدأ بمسح للبيت، بيتى. أماكن الأشياء، أين أضع الجريدة بعد قراءتها؟ أين فناجين القهوة وأين مكان الصينية؟ فى شارع البيت، ما أسماء العائلات التى تسكن البيوت؟ مهلا فأنا لا أذكر اسم الجارة التى تعيش فى الطابق الثانى فى آخر الشارع. هل كان لها طفلان؟ أم أن هذه العائلة انتقلت للسكن فى مكان آخر منذ سنوات مضت؟ أكمل التمرين فأصل إلى الساحة. الشارع العريض يتوسطه صف من شجر النخيل. فعلا؟ نعم هكذا أتذكره. على الطرف الآخر من الساحة امتداد لشارعى. هناك بائع خضار بعد المكان الذى يقف فيه رجال الأمن. أمشى عدة دقائق أخرى فأصل إلى الفرن. ربما لم أصل إليه بعد لكننى أشم رائحة الخبز.
***
«هاتى لى من حبى علامة». ها هى العلامة: فى حين تنهار السياسة فى مشهد ملمحى فى سوريا وسخرى فى سوتشى، أنا هنا فى حقيقة صنعها الشباب والشابات فى البقاع اللبنانى. مع كل نفس آخذه أشعر بالروح تعود إلى، ومع كل نفس ألفظه أشعر بقطعة من البلد تنسحب منى. يا طيرة طيرى بوادينا، واحكى له ع اللى مبكينا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.