قناة السويس توقع عقدًا مع «أنكوراج» لإنشاء مصنع بتروكيماويات ب6.5 مليار دولار    الرئيس السيسي يلتقى الممثلة العليا للشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي    505 جهة وشركة تتعاقد بمنظومة التأمين الصحى الشامل على مستوى الجمهورية    لمدة عام.. مد وقف تلقي طلبات التأسيس لنشاطي التمويل الاستهلاكي ومتناهي الصغر بالطرق التقليدية    «تعليم الغربية» تتفقد انتظام الدراسة وتوافر وسائل الأمن والسلامة في عدة مدارس    جيش الاحتلال يبدأ مناورات واسعة قرب الحدود مع لبنان    جدل في غزة حول مصير "أبو عبيدة".. أين اختفى المتحدث باسم القسام؟    المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات: ندعو لوقف فوري لإطلاق النار في السودان    وفد برلمانيّ دنماركي يتفقد معبر رفح البري    الأورومتوسطي: لم ينجُ أحد بغزة من الإبادة.. وإسرائيل قتلت وأصابت واعتقلت 12% من سكان القطاع    جوائز كاف - صلاح على رأس المرشحين لجائزة أفضل لاعب    محافظ القاهرة: توفير كل أوجه الدعم والرعاية للشباب والنشء    تورام: مبابي هو أفضل لاعب في العالم حاليا    تأجيل محاكمة عصابة قتلت شابًا بالخانكة بعد استدراجه لمكان مهجور وإطلاق النار عليه    حبس المتهم بمحاولة سرقة مكتب بريد العوايد في الإسكندرية 4 أيام على ذمة التحقيقات    "فيها إيه يعني" يواصل تألقه في السينمات ويتخطى حاجز ال61 مليون جنيه    محمد عبده يقبل يد المايسترو هاني فرحات: ونكيد العوازل بقى"    وزارة العمل تعقد اختبارات للمتقدمين ل 8 مهن في دولة الإمارات    نائب وزير الصحة يتفقد بمنفذ رفح لمتابعة جاهزية الخدمات الطبية والطوارئ    «الرعاية الصحية» : تقنية حديثة لعلاج دوالي الساقين دون جراحة بمستشفى السلام التخصصي ببورسعيد    تراجع ظاهرة السحابة السوداء بالشرقية    البترول: مصر تُصدر 150 ألف متر مكعب من الغاز المسال إلى تركيا لصالح توتال إنيرجيز    محافظ دمياط يفتتح محطة رفع صرف صحي النجارين بكفر البطيخ    «مصر» ضمن المرشحين لجائزة أفضل منتخب إفريقي في 2025    لبنى عبد الله: أمير عبد الحميد رحب بالاستمرار في الأهلى من موقع الرجل الثالث    رئيس جامعة دمياط يشارك في فعاليات معرض الخليج للتعليم والتدريب بجدة    تأهل كلية الاستزراع المائي بالعريش لجائزة مصر للتميز الحكومي    على خطى «لصوص لكن ظرفاء».. اعترافات المتهمين ب«سرقة ذهب» من فيلا التجمع    محافظ أسيوط: غدا فتح باب التقديم لحج الجمعيات الأهلية لموسم 1447ه – 2026م وحتى 6 نوفمبر المقبل    إزالة مخالفات بناء في جزيرة محمد بالوراق| صور    إحالة أوراق سائق للمفتي بعد اتهامه بقتل مزارع وتزعُّم عصابة للإتجار بالمخدرات في القليوبية    القبض على المتهم بقتل طليقته أمام مدرسة في مدينة السادات بالمنوفية    رئيس جامعة سوهاج يفحص حالات إكلينيكية أثناء إلقاء درس عملي لطلاب الطب (صور)    وزيرة التضامن تفتتح حضانة "برايت ستارز" بحدائق العاصمة    «مدبولي»: نعمل على قدم وساق استعدادًا لافتتاح المتحف المصري الكبير    الأقصر تتحرك لدعم موسم سياحي استثنائي.. لقاء موسع بمشاركة خبراء ومختصين    بيحبوا يكسروا الروتين.. 4 أبراج لا تخشى المخاطرة وتحب انتهاز الفرص    محافظ الغربية يتابع أعمال رصف وتطوير طريق حصة آبار ببسيون    وزير الإسكان: تخصيص 408 قطع أراضٍ للمواطنين بمنطقة الرابية    "الأونروا": يجب فتح جميع المعابر إلى غزة مع ضرورة أن تكون المساعدات غير مقيدة    نائب وزير الصحة يتفقد جاهزية الخدمات الطبية والطوارئ بميناء رفح البري    بينها الأسماك الدهنية وممارسة الرياضة.. أطعمة صحية للمحافظة على القلب    موعد مباراة بايرن ميونخ وكلوب بروج فى دوري الأبطال والقنوات الناقلة    الغندور: عبدالقادر يرفض الانتقال للزمالك ويقرر تجديد عقده مع الأهلي    مفتي الجمهورية: الله تولى بنفسه منصب الإفتاء وجعله من وظائف النبوة    وزير الأوقاف يهنئ القارئ الشيخ الطاروطي لاختياره أفضل شخصية قرآنية بموسكو    مهرجان القاهرة الدولي لموسيقى الجاز يهدي دورته السابعة عشرة إلى زياد الرحباني    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاربعاء 22-10-2025 في محافظة الأقصر    دبلوماسي روسي سابق: النزاع مع أوكرانيا قائم على خلافات جوهرية    الصحة وصندوق مكافحة الإدمان يفتتحان قسما جديدا للحجز الإلزامي بمستشفى إمبابة    وزير المالية: نتطلع لدور أكبر للبنوك التنموية متعددة الأطراف فى خفض تكاليف التمويل للدول الأعضاء والقطاع الخاص    منال عوض: نسعى لحل مشاكل المواطنين والتواجد المستمر على أرض الواقع    منتخب مصر للسيدات يختتم استعداداته لمواجهة غانا في تصفيات أمم إفريقيا    حكم القيام بإثبات الحضور للزميل الغائب عن العمل.. الإفتاء تجيب    مجلس الكنائس العالمي يشارك في احتفال الكنيسة المصلحة بمرور 150 عامًا على تأسيسها    حين يتأخر الجواب: لماذا لا يُستجاب الدعاء أحيانًا؟    سماء الفرج    موعد شهر رمضان المبارك 1447 هجريًا والأيام المتبقية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أنا أمهم
نشر في الشروق الجديد يوم 10 - 01 - 2018

فاجأنى طفلى هذا الأسبوع بقوله إنه سوف يحبنى حتى حين يكبر وأتقدم أنا نفسى فى السن، وأنه سوف يستمر بتعلقه بى حتى لو عاش بعيدا عنى. ابتسمت له وقلت إن الحياة تجرفنا دون قرار منا إلى أشخاص جدد وإلى بلاد غير تلك التى يعيش فيها أهلنا، لذا فأنا جدا سعيدة بوعده لى وسوف أذكره به حين أصبح سيدة عجوزا أنتظر اتصاله وأكاد أموت من الملل. استغرب ابنى وسأل: هل نسيتى تيتة وجدو (أى أمى وأبى) حتى بعد أن صار لك بيتك فى بلد جديد وأطفال تعتنين بهم؟ وهل هم بنظرك أشخاص ينتظرون اتصالك بدل أن ينشغلوا بأمورهم اليومية؟
***
لم أعرف كيف أجيبه، هو ابن السنوات العشر، أو كيف أشرح له أننى كل يوم وعلى عدد ساعات النهار التى أمضيها معه ومع طفلى الآخرين، إنما أشعر أننى أحضر لسنوات تقدمى فى العمر. كيف أشرح لهم، أطفالى الثلاثة، أننى أتعمد أن أمعن النظر فى عيونهم حين أتحدث معهم حتى أحفر فى عينى نظراتهم كما هى اليوم، فأسترجعها حين يشيحون بوجوههم عنى، حالهم كحال جميع المراهقين، تماما كما فعلت أنا من قبلهم فى تلك السن التى تفرض أخيرا فك الارتباط مع البيت والعائلة كعلامة على التحرر والاستقلالية.
***
كيف أقول لابنتى أننى تغاضيت عن القوانين الصارمة التى كنت قد اتبعتها مع أخويها من قبلها، فسمحت لها بالتأخر قليلا فى ميعاد النوم، وسمحت لها أن تطالب بجلوسى قربها حتى تنام، وهو شىء لم أقبل به مع الولدين الأكبرين. آه يا صغيرتى يا آخر من سوف أعيش معه الأمومة والطفولة، ها أنا أكسر القواعد لأبقيك معتمدة على، متعلقة بى، مذكرة إياى أننى مصدر للأمان.
***
فى داخلى أم غير تلك التى تدعى تأففها من الأطفال، فى داخلى امرأة تحفر فى كل ركن من قلبها ذكرى لحظات عابرة فى يوم عادى، إنما هى لحظات أضاءت حياتى بصوت خطوات الصغيرة حافية القدمين على بلاط البيت. فى داخلى إنسانة هى أبعد ما تكون عن تلك التى كانت تقول، منذ سنوات مضت، أن حياتها لن تتأثر كثيرا بالأولاد إذ أن على الأولاد أن يتأقلموا مع حياتها وليس العكس. ها أنا أفسح لهم المجال وأفتح الباب إلى قلبى على مصراعيه: تعالوا واحتلوا ما يحلو لكم من مساحة طالما أنكم تملؤونه بأصواتكم. اطبعوا بصمات أصابعكم على جدران قلبى ولن أهرع إلى تنظيفها لأنها سوف تبقى هنا كتوقيع الفنانين حين ترحلون عنى إلى حيواتكم الخاصة وأبقى أنا هنا أنظر إلى بصماتكم وكأنها لوحات فنية عن حياتى معكم.
***
كتبت الكثيرات عن حب الأم لأولادها ولن أنافس أدبيات قد استفاضت فى الوصف وبرعت فى الحديث عنه. أنا أصف كيف ينفتح صدرى فيدخل فيه ابنى الأوسط الذى كثيرا ما يعبر عن الحب بشكل تلقائى دون مقدمات. أفتح يدى فيسرع ليضمنى وأشم رائحة المساء فى شعره المغسول. هذه رائحة الأسرة: مساء يوم مدرسى فى ساعة يكون قد عاد كل الأفراد إلى البيت. طبعا لابد من الأصوات التى تعلو فتتحول بسرعة إلى شجار بين الإخوة يتبعه تدخل منى أو من زوجى بصوت حازم ثم نتابع بعده الحديث، حديث مساء عادى يتخلله مراجعة جدول الضرب ثم درس الإعراب، فأغنية عيد الميلاد، هكذا بالتسلسل وحسب أعمار الثلاثة.
***
لن أنافس الأديبات ممن كتبن عن حبهن لأولادهن ولكنى سأصف التصاق ابنتى بى أو ربما هو التصاقى بها قبيل موعد النوم، فى تلك الدقائق الأخيرة التى تهدأ فيها النفوس وتهمد الأجساد فى استسلام للطبيعة ولنداء ملائكة النوم. لو كان بإمكانى أن أمد أى فترة فى يومى فسوف تكون تلك الدقائق المتراخية البطيئة التى تحمل فى طيات لحظاتها كل الحب الذى أقدر عليه، حب اليوم كله وتصالحى مع منغصاته، فكلها تذوب فى تلك اليد الصغيرة التى تلتف حول عنقى قبل أن يأخذ النوم صاحبتها.
***
أتساءل أحيانا إن كنت سأفهم وصف الأمهات إن لم أكن أما وأظن أن الحب غير المشروط، على الأقل فى المرحلة الأولى، هو مفهوم غريب لشخص مثلى يحاول أن يعقلن كل شىء ويجد تفسيرا منطقيا للأمور. أذكر يوم قالت لى صديقة أعتبرها قمة فى الثقافة والإنتاج الفكرى: حالة الأمومة لا شبيه لها فى كل العلاقات الإنسانية، هى فريدة ولا تتكرر من امرأة لإمرأة تماما كالبصمات، لكل امرأة بصمة. ولكن مع هذا الشعور بالخصوصية يجب أن تتذكرى دوما أنها حالة سبقتك إليها الملايين من قبلك فلا تظنى للحظة أن حبك لأولادك لا مثيل له عند غيرك من الأمهات.
***
تجلس الصغيرة على ركبتى بينما يتحرك الولدان فى المساحة من حولى. نأكل اللبنة مع الخبز الشامى، أصحح لهما بعض المصطلحات فنقارن اللهجة السورية بالمصرية، أتمرغ بلحظات لا يؤطرها أى فلتر، فهم ما زالوا غير واعيين للقيود التى سوف يضطرون حكما للتعامل معها فى أى مجتمع فى المستقبل. أظن أننى سوف ألتقط صورة بولارويد فورية كالتى كنا نلتقطها قبل عصر الهواتف الذكية. فى الصورة سوف تظهر الصغيرة وهى تحاول أن تمسك بالونا لونه أحمر، بينما يرفع الولدان رأسيهما باتجاه البالون. هنا توقف بنا الوقت وركزت الكاميرا على وجهى: أنا أمهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.