الأوضاع الحالية تؤكد صعوبة التنفيذ.. كثافة الفصل فى الدولة الأوروبية 20 طالبًا.. وفى مصر تصل إلى 130 طالبًا.. المعلم الفنلندى حاصل على درجة الماجستير.. ويعمل 4 ساعات يوميا فقط وزير التعليم: نسعى إلى تحقيق النموذج التعليمى الذى نحلم به لبلادنا وهناك جهات عديدة ستساعد فى تمويل التطوير «الحق فى التعليم»: 2370 قرية فى محافظات الجمهورية بلا مدرسة ابتدائى.. والمدارس تعانى عجزا صارخا فى مدرسى اللغات تسابق وزارة التربية والتعليم الزمن للاستعداد لتطبيق النظام التعليمى الجديد، والذى أعلن الوزير طارق شوقى اتجاه الوزارة لتطبيقه مع بداية العام الدراسى الجديد 2018/2019 على طلاب الصف الأول الابتدائى، موجها نظره إلى دولة فنلندا الأولى عالميا فى التعليم لنقل تجربتها فى النجاح إلى مصر بالاضافة الي النموذج الياباني. وكان الوزير قال سابقا إنه يسعى لمحاكاة النظام الفنلندى من خلال تدريس اللغات، حيث يدرس الطالب ثلاث لغات هى اللغة الغربية واللغة الإنجليزية، مع اختيار لغة من بين 3 لغات، على أن يتقن الطالب اللغات الثلاث مع انتهاء المرحلة الابتدائية، متابعا: «تطبيق التجربة الفنلندية فى التعليم المصرى هى البداية للنهوض بالعملية التعليمية. وترصد «الشروق» فى هذا التقرير مقارنة بين أحوال التعليم بين مصر وفنلندا فى مرحلة التعليم الأساسى، المستهدفة بتطبيق النموذج الفنلندى فى مصر. تعتبر فنلندا ثامن أكبر بلد أوروبى من حيث المساحة، وأقلها من حيث الكثافة السكانية، ويبلغ تعداد جميع سكانها 5.5 مليون نسمة، والمعلمون هم المسئولون عن وضع وضبط السياسات التعليمية، كما يحتل التعليم الفنلندى المرتبة الأولى عالميا طبقا لتصنيف المنتدى الاقتصادى العالمى. وفى فنلندا يتم اختيار المعلمين بعناية شديدة، فلا بد أن يكونوا ذوى كفاءة عالية وحاصلين على درجة الماجيستير، ويتم قبول 11% فقط من المتقدمين لشغل وظيفة المعلم، وهذا يضمن أن المتقدمين الموهوبين والأكثر حماسة هم من يستحقون شغل تلك الوظيفة. وتركز سياسة التعليم فى فنلندا بشكل أساسى على العمق فى المضمون المدروس، بدلا من زيادة المضمون والتعامل معه بسطحية، ويعمل المعلمون فى الفصول لمدة 4 ساعات يوميا و20 ساعة أسبوعيا، نصف هذه الساعات يقوم فيها المدرس بإعداد المناهج الدراسية وتقييم الطلاب، ومع تقلص ساعات الدراسة تزداد فترات الراحة أو الفسحة نسبيا لتصل 75 دقيقة موزعة على اليوم الدراسى. وتضم الفصول عددا قليلا من الطلاب لا يتجاوز 20 طالبا فى الفصل الواحد، مما يضمن للمعلمين مراقبة الطلاب بعناية، وأوضحت الدراسات أن المدرسة تخصص معلما لكل سبع أو ثمان طلاب، وأن هناك ارتباطا وثيقا بين المعلم والطالب، حيث يستمر المدرس فى فنلندا مع تلاميذ الفصل لمدة تصل إلى 5 سنوات دراسية، مما يوطد العلاقة بين المعلمين والتلاميذ. ويقضى المعلمون فى فنلندا عدد ساعات قليل فى المدرسة، ويعتمد الأطفال على اللعب فى المدرسة حتى فى الشتاء، إيمانا منهم بأن اللعب واستخدام المخيلة والاستكشاف الذاتى، هو أساس التعليم فى هذه السن الصغير، كما يحصل الأطفال على قدر قليل من الواجبات المنزلية، وينص القانون أيضا على أن الواجب المنزلى لا يجب أن تتجاوز مدة أدائه نصف ساعة فقط يوميا. وبالنسبة لمصر، يعانى النظام التعليمى فى مصر من مشكلة حادة تقف عائقا أمام أى محاولة للتطوير وهى الكثافة الطلابية العالية، فطبقا لإحصائيات مركز التعبئة العامة والاحصاء أن عدد التلاميذ الموجودين فعلا على مقاعد الدراسة، بالمرحلة التعليمية الأولى (الحلقة الأولى من التعليم الأساسى التى تبدأ من سن 6 سنوات)، بوزارة التربية والتعليم، على مستوى الجمهورية 1,063,9 طلاب، وأن عدد وحدات مدارس مرحلة التعليم الأساسى 11,064 مدرسة على مستوى الجمهورية. قلة عدد المدارس وعدم قدرة الوزارة على بناء مدارس جديدة تستوعب الزيادة المستمرة فى أعداد الطلاب، دفعت إلى وجود 130 طالبا فى الفصل الواحد فى بعض المدارس الحكومية. وطبقا لآخر رقم صادر من هيئة الأبنية التعليمية تحتاج الوزارة لبناء 52 ألف فصل لخفض الكثافة إلى 45 طالبا بالفصل. من ناحيته اعترف طارق شوقى، وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى، فى تصريحات صحفية سابقة أن هناك نظاما للتعليم قائم وآخر تحلم به الوزارة وتدرك صعوبة تحقيق هذا الحلم لكنها ستحاول تحقيقه. وأضاف وزير التربية والتعليم، خلال «ندوة مجلس الأعمال الكندى.. رؤية جديدة لتطوير منظومة التعليم فى مصر»، أن الوزارة تستهدف جعل المرحلة الابتدائية أقرب إلى النوذج الفنلندى بحيث يتقن الطالب 3 لغات فى المرحلة الابتدائية، مشيرا إلى الاستعانة بجهات متعددة منها البنك الدولى وسنغافورة وفنلندا وهيئة المعونة اليابانية (جايكا) لتمويل تطوير نظام التعليم فى مصر. وأضاف الوزير «إحنا ظلمنا الأطفال، والغريب بنعلم طلاب من الابتدائية وعلمناهم مايفكروش خالص، وكمان بوظنا التخصصات، وطول ما الثانوية موجودة الدروس مش هتبطل، المدرس بيروح من 8 الصبح حتى 12 بالليل، والغريب الناس بتدفع، ومش بتدفع 5 جنيهات للحكومة». فى المقابل، عرض مدير المركز المصرى للحق فى التعليم عبدالحفيظ طايل بعض الأرقام التى تعكس حال التعليم فى مصر، والتى تثبت صعوبة تطبيق ما يتطلع إليه الوزير فى الوقت الراهن، قائلا: «هناك 2370 قرية بمحافظات الجمهورية لا توجد بها أى مدرسة ابتدائى، و24,5% من قرى مصر محرومة من المدارس فى جميع مراحلها سواء ابتدائى أو إعدادى أو ثانوى، وتوجد هذه المناطق فى 17 محافظة أكثرها حرمانا محافظات (سوهاج وقنا والمنيا والبحيرة)». وأضاف أن 14.2% من المدارس تعمل بنظام الفترات، ونحو 20% غير صالحة للاستخدام وتحتاج لصيانة شاملة، وأن 35.9% بها فصول عالية الكثافة، متابعا: «بمقارنة بسيطة بين مدارس مصر وفنلندا يتضح استحالة تطبيق أى تجربة أجنبية فى مصر، فلابد من حل المشكلات التى تعانى منها المدارس المصرية أبرزها مشكلة الكثافة العالية التى تقف عائقا أمام أى تطوير». وأشار إلى أن حرمان بعض القرى من المدارس أدى لوقوع العديد من الحوادث التى أودت بحياة الطلاب، كان أخرها الحادثة التى وقعت فى البحيرة، بوقوع «توك توك» فى الترعة مما أدى إلى مصرع 7 تلاميذ، كانوا يذهبون لمدرسة فى قرية مجاورة تبعد نحو 3 كيلو عن منزلهم ليجدوا مكانهم يتعلمون فيه. وعن تدريس اللغات، أكد طايل أن هناك عجزا صارخا فى المعلمين عامة ومعلمى اللغات خاصة، والوزارة دائما تنكر هذا العجز وتنسبه لسوء توزيع المعلمين، موضحا: «منظمة اليونسكو تقدر عجز المعلمين فى مصر ب25% تقريبا، والدليل أن هناك محافظات كاملة فى الثانوية العامة تمنع تدريس اللغتين الايطالية والاسبانية كلغة ثانية لعدم وجود مدرسين بالمحافظة». وأوضح طايل أن نجاح تطبيق أى تجربة أجنبية فى مصر لابد أن تتوافر عدة شروط وهى: «وجود ظروف مشابهة فيما يتعلق بالنية التحتية وكثافات الفصول وأعداد المعلمين ورواتبهم وحريتهم النقابية والمناهج وطرق التدريس والميزانية المنفقة على التعليم وجود رؤية وفلسفة للتعليم من أجل المستقبل، وأن تكون مجانية التعليم كاملة». وأكمل: «كل هذه الشروط غير موجودة فى مصر، فالبنية التحتية خربة بدءا من الصرف الصحى والمواصلات ووصولا لشبكة الانترنت، وكثافات الفصول مرتفعة جدا، وهناك عجز فى المعلمين، ورواتبهم متدنية جدا ومحرومون من حقوقهم النقابية، والمناهج تخضع لتدخلات جهات غير تربوية كالأمن والأزهر، وطرق التدريس عقيمة وسلطوية، ولا توجد رؤية تخاطب المستقبل». وأكد أن مجانية التعليم شكلية وتتم محاربتها وتحويل التعليم من حق إلى سلعة ويوجد أكثر من نمط تعليم فى مصر ترتبط جميعها بالقدرة المالية للأسرة بما يعد تمييزا ضد الفقراء، مضيفا: «أى حديث عن تبنى تجارب سواء اليابانية أو الفنلندية هو من باب تمضية الوقت والتسلية والألعاب النارية التى تشتت الانتباه عن المشكلات الحقيقية وعن الانتهاكات التى يتعرض لها الحق فى التعليم».