• المقياس الحقيقى للحكم على العمل الإبداعى هو الزمن • من منا لم يستمع لأغنية «أنا بعشقك».. ألحان بليغ فى كل تاكسى وبيت فى مصر • المزج بين الموسيقى والأغانى فى رواية «بليغ» جاء بالمصادفة.. وأسعدتنى الردود الإيجابية للقراء عنها • أحب رائحة الورق وأحب الكتابة بخط يدى.. ولكل رواية أكتبها لدى نوتة خاصة بها • لا أهتم ب«البست سيلر».. والعمل الجيد يتحدث عنه الناس دون لافتة • أخاف من العجز ومن الشيخوخة.. وأخشى أن يحدث لى كما حدث مع سارتر • أستعد للانتهاء من رواية «التجربة الألمانية» و«سيد قطب» مغرم بالصحافة الثقافية، شغوف بالمعرفة، عاشق للتصوير الفوتوغرافى، تفتنه الموسيقى، خاصة لو كان صاحبها «بليغ»، يكتب الشعر ليخبرنا منذ النظرة الأولى على غلاف الديوان بأن «الملائكة لا تشاهد الأفلام الإباحية»، إتقانه للعديد من اللغات جعلنا نستمتع بالكتب والمقالات التى ترجمها وقدمها للمكتبة العربية، مليء بالحياة، لا يعرف اليأس عنوانا إليه، ولديه من الأمنيات والأحلام الكثير التى يسعى بدأب ومثابرة لتحقيقها، يتفق مع الكاتب الأرجنتينى «خورخى لويس بورخيس»، فى أن الفردوس حتمًا ستكون شيئًا كالمكتبة، ولذا كانت «مكتبة الشروق» هى الفردوس التى تم فيها هذا الحوار، مع الكاتب الصحفى والروائى والطبيب الشاب طلال فيصل. • طبيب نفسى وكاتب وروائى ومترجم وصحفى ولديك ديوان شعر، ما الذى تجيده أكثر ولم تخبرنا عنه؟ أحب المعرفة بشكل عام، وأجد المتعة فى كل معلومة جديدة أحصل عليها، وأسير فى حياتى بمنهج «اعرف شيئا عن كل شيء»، ودائما تغرينى المغامرة والتجربة لعمل أشياء جديدة، ولذا بدأت مؤخرا بتعلم الموسيقى، وأعتقد أنى لو لم أكن كاتبا لكنت موسيقيا، كما أنى شغوف جدا بالصحافة الثقافية وأحبها وأجدها عملا ممتعا إلى حد كبير. • أيهما أقرب إلى روحك.. الكاتب والروائى أم الطبيب؟ «الكاتب طبعًا» وقولا واحدًا لا يحتمل الشك والتأويل، ولو لم أكن مضطرا للعمل وملزما بعدد ساعات يومية لكسب رزقى، لقضيت العمر بأكمله أقرأ وأكتب، وبالرغم من أنى أحب عملى كطبيب نفسى، وآراه قائما على فكرة إنسانية عظيمة أحترمها وهى محاولة مساعدة الآخرين لتجاوز المحن التى تعصف بحياتهم، لكنى لو أتيحت لى الفرصة لتفرغت لعالم الكتابة تماما. • من يقرأ أعمالك يجد المرأة موجودة بقوة وبقسوة أيضا، وفى روايتك «بليغ» طرحت جوانب كثيرة متعلقة بها منها: «نظرة العرب للمرأة، وعلاقة الرجل الشرقى بالنساء الأوروبيات، وتطرقت إلى صوت الأذان حين تكن صاحبته امرأة»، فما هى الرسالة من وراء كل ذلك؟ اتهمت باضطهادى للمرأة أكثر من مرة وهذا غير صحيح على الإطلاق، وعلاقة الرجل بالمرأة بشكل عام هى لغز محير منذ بداية الخليقة، وحضورها الكبير بكتاباتى لأنها بالفعل مؤثرة، ولأن الشخصيات التى كتبت عنها مرهفة الحس وأحبت بصدق، وهذا ما حاولت أن أوضحه فى رواية «بليغ»، حين كتبت على لسانه «واضح أننا بنحب الستات بطريقة لم تستطع امرأة أن تتحملها». • قلت فى أحد أحاديثك الصحفية بأنك غير مطالب بالدقة وبسلامة الأحداث التاريخية للشخصية الروائية التى تتناولها، برأيك هل يملك الكاتب الحق فى خلق تاريخ مواز لتاريخ الشخصية التى يكتب عنها؟ وفقا للمنطق وما هو مكتوب على أغلفة كتبى، فأنا أقدم عملا روائيا، وليس كتابا تاريخيا أو بحثا أو ملفا وثائقيا، وبالتالى فأنا أكتب عن الشخصية وما يخصنى فيها، وما آراه وأتخيله، ولست مطالبا بتقديم كل صغيرة وكبيرة عما عاشته فى حياتها، وهذا ما أحاول بشدة التأكيد عليه من خلال العمل القادم وهو «أنى أكتب وفق ما أظنه أنا». • لماذا اخترت كتابة «رواية السيرة»؟ رغم ندرتها عربيا؟ لأنه العمل الإبداعى المحبب إلى قلبى، ومنذ طفولتى تستهوينى السيرة الذاتية للشخصيات، وأتساءل عن صحة الأساطير التى تنسج حولها، ودائمًا ما كنت أحاول أن أبحث عما وراءها، وبالمناسبة الرواية المرشحة للفوز بجائزة البوكر هذا العام هى «رواية سيرة» مؤلفة من ستمائة صفحة تقريبًا، وتدور حول «يوم فى حياة أبراهام لنكولن»، وهو يوم وفاة ابنه. (ملحوظة: فازت الرواية المذكورة بجائزة البوكر بالفعل، حيث سُجل الحوار قبل إعلان الجائزة). • وما هى العوامل التى تُرجع إليها نجاحك فى كتابة رواية السيرة، ومن أين لك بمهارة استنطاق أبطال رواياتك وكأنهم المتكلمون؟ فى الحقيقة هناك عاملان: الأول أننى لم أكتب عن شخص إلا وكونه يعنينى، فمثلا فى «سرور» كان يعنينى عالم المثقفين وما يدور فيه، وكنت أقوم بترجمة رواية «جنون المتاهة» والتى تدور حول شاعر فى مصحة نفسية، فأصبح هاجسى هو «سرور»، وهل الأفضل أن نصطدم بالعالم كما فعل هو، أم أن الصواب يكمن فى ألا نأخذها على محمل الجد كما فعل «بليغ». وأما العامل الثانى فهو يرجع لكونى لا أكتب عن شخص إلا وأنا أملك مفتاح شخصيته، وهو الأمر الذى يظهر فى كتاباتى وكأنه هو المتحدث بلسانه. • فى رواياتك «بليغ، وسرور، وسيرة مولع بالهوانم» حدثتنا عن البطل «طلال فيصل»، فهل كنت تكتب عن بطل رواياتك، أم كنت تكتب مقتطفات من حياة الدكتور الحقيقى طلال فيصل؟ لدينا فى الكُتّاب نوعان، النوع الأول كاتب يكتب عن نفسه ومكنونات ذاته، ويملك الموهبة والقدرة ليؤلف 10 و15 كتابا عن نفسه ومحاولات فهمه لها، كما فعل الأديب توفيق الحكيم، فأخرج لنا «زهرة العمر، وسجن العمر، وعصا الحكيم، وحمار الحكيم» وغيرها من الأعمال التى يحاول فيها فهم نفسه، وكذلك وعلى النقيض تمامًا هناك الأديب نجيب محفوظ، والذى لم نعرف الكثير عن محاولاته لفهم نفسه، لكننا نعرف مكنونات نفس الست أمينة، والسيد أحمد عبدالجواد، وسعيد مهران، ونعرف نفسية الحارة نفسها، وكما فى الأدب نوعان، ففى الفن أيضًا نجد الفنان الذى ذاته هى موضوعه، وفنان يخلق موضوعات دون أن يشير إلى فهمه لنفسه، أما أنا فإننى أحاول أن أفعل شيئا ثالثا، ولذلك خلقت شخصية «طلال فيصل» فى الأربعة أعمال، وقدمتها فى كل منها بشكل مختلف عن الآخر، سواء فى شكله أو عمره أو مستواه الاجتماعى، والهدف هو ترسيخ مبدأ أن العمل الفنى يحاسب باعتباره عملا فنيا فقط، وليس لأن العمل به شخص اسمه طلال فيصل وأنه محتمل أن يكون هو الشخص الحقيقى، وأظن أنى سأتوقف عن استخدام شخصية طلال فيصل بعد الرواية القادمة «سيد قطب» وسأبدأ فى الكتابة عن مشروع آخر يتعلق بالمجتمع وقضاياه، كما أراه وأشاهد مشاكله. • هل تهتم بمتابعة ردود الأفعال حول أعمالك، وهل تقرأ ريفيوهات جودريدز؟ أتابع بشكل كبير، رغم إيمانى بأن المقياس الحقيقى للحكم على العمل الإبداعى هو الزمن، ولكن بالطبع هناك بعض الطرق الأخرى للحكم بشكل سريع على جودة العمل ومنها، الجوائز، وآراء القراء، وموقع جودريدز، وكذلك كما هو حادث بيننا الآن وهو أن يُطلب إجراء حوار معك. • فى روايتك الأحدث «بليغ» كتبت وكأنك قصدت مزج الصفحات بالموسيقى وتلوين السطور بالأغانى.. هل تعمدت أن تجعلنا نسمعه ونشتاق لألحانه ونسترجعها ونحن نقرأ؟ أسعدنى وصفك، لكن الحقيقة أن كل هذا جاء معى بالمصادفة، والحمد لله أنها أعجبت القراء بعد ذلك، وأعتقد أن طبيعة شخصية بليغ هى من فرضت ذلك بنفسها دون شعور منى، فهو يجبرك أن تسمعه وأنت تكتب عنه وتقرأ له، فبليغ غنى أجمل الأغانى وقدم أروع الألحان التى نسمعها إلى الآن، ومن منا لم يستمع لأغنية «أنا بعشقك» ألحان بليغ، فى كل تاكسى وبيت فى مصر؟ ولكن هذا لا يمنع وجود مشكلة أعانى منها مع الرواية حاليا وهى صعوبة ترجمة الأغانى للفرنسية. • كيف تكتب.. هل تستطيع أن تنقل لنا إحساسك بالورقة والقلم وشعورك بعد إنجاز من عملك الإبداعى؟ بالرغم من كل التكنولوجيا الحديثة والتى تمكنك من إنجاز عملك بأكثر من طريقة، فإننى لا أشعر بالحميمية والمتعة إلا وأنا ممسك بالقلم وأمامى ورقة فارغة أخلق عليها كائناتى السردية، ولا زلت أستمتع وأفرح كالأطفال وأنا أدخل مكتبة لشراء نوت أو أجندة جديدة لأكتب عليها، ومن الأشياء التى لا يعرفها الكثيرون هو أنه فى كل رواية كتبتها كان لها نوتة خاصة بها، ففى «بليغ» كتبت عن نوتة جلد سوداء، وهذه النوتة حقيقة فعلًا، ودونت فيها بليغ وأغانيه، ولدى نوتات أخرى للشخصيات الذين أقابلهم، وللحواديت التى أرغب فى كتابتها، ومؤخرًا اشتريت نوته خاصة لرواية سيد قطب، فأنا بشكل عام أحب رائحة الورق وأحب الكتابة بخط يدى، وأكبر متعة لى أثناء الكتابة هى ما أقوم بإصلاحه بعد أن كتبته لأننى وجدت التعبير الأمثل للشيء الذى أود قوله. • ممَ يخاف الكاتب «طلال فيصل»، ومم يجب أن يخاف الأديب بشكل عام؟ أخاف أن يكون تقديرى لنفسى بأكثر مما هو على الحقيقة، وأخاف من العجز ومن الشيخوخة، وأخشى أن يحدث لى كما حدث مع سارتر، فأسوأ شيء أن يشاهد الكاتب انهيار مجده، فقد عاش سارتر وهو يشكل وجدان الناس فى الحضارة الغربية، وكذلك عاش وهو يرى أفكاره تتحول لموضة قديمة، وهذا موت آخر، وفيما يتعلق بخوف الأديب بشكل عام فهو أن «يتوقف عن الإبداع»، فنجيب محفوظ ظل لآخر أيامه يملك يقظة يحسد عليها، وكتب أحلامه التى أصدرتها دار الشروق بعنوان «أحلام فترة النقاهة» وظل متمسكا بمبادئه ورافضا شرسا للديكتاتورية، ومطالبا بالحرية، كما أنه ظل يكتب عن الحب فقال: «تغيب المحبوبة، لكن الحب لا يغيب» وكذلك فعل الكاتب الصحفى الكبير «محمد حسنين هيكل»، والذى دون تاريخ مصر منذ عهد الملكية إلى ما بعد ثورة يناير 2011 وحكم الإخوان وما تلاه، ودائما كان لديه الكثير ليقوله، وله كتاب ممتع جدًا كتابه بعد الثورة وهو «مصر إلى أين؟ ما بعد مبارك وزمانه». • بمناسبة الأديب نجيب محفوظ، فقد كان لا يهتم بمسألة الوحى، فقط يجلس ويكتب. ولديه قول شهير بأنه هو الذى «يستدعى الوحي».. فأخبرنا عن طقوسك فى الكتابة وعلاقة طلال فيصل بالوحي؟ أنا مثل نجيب محفوظ أستدعى الوحى ولا أنتظره، ومثل كافكا أحب الكتابة فى بيتى، وطقوسى تتلخص فى أننى أفضل القراءة قبل البدء بالكتابة بما يعادل الساعة تقريبا، وبرأيى أن القراءة فاتح شهية ممتاز للكتابة، بالإضافة إلى أنها تهبك المزيد من الأفكار، أبدأ بعدها فى الكتابة لمدة ثلاث ساعات متواصلة، من الساعة 8 مساء إلى الساعة 11 مساء. • متى تستطيع أن تكتب عما يدور فى عالم الأطباء النفسيين أنفسهم؟ أكتب رواية اسمها «التجربة الألمانية» وأتطرق فيها إلى العالم الخاص بالأطباء النفسيين، وتدور حول طبيبين مصريين، كما أننى تحدثت عن الطب النفسى فى «سرور» من خلال الأطباء المسئولين عن علاجه وقتها، وكذلك فى بليغ من خلال المريض النفسى «طلال فيصل»، وسأتطرق إلى الأطباء بشكل موسع فى رواية «سيد قطب». • متى قررت أن تحدثنا عن «سرور» وتحكى لنا قصة «بليغ»؟ وهل كنت تكتب عن الأشخاص أم أزمنتهم؟ أكثر ما يشغلنى هو الشخص، ويأتى الزمن دائمًا لاحقا عليه، وفى «سرور» و«بليغ» لم يكن باستطاعتى تفادى أزمنتهما، لأنهما ملخصان جيدان لتلك الفترات المهمة فى تاريخنا، وخاصة عصر «سرور»، وما حدث فى مصر بعد هزيمة 67، وفى «بليغ حمدي» كنت أشاهد مصر فى الخمسينيات والستينيات الجميلة، فكيف لا أكتب عنها، خاصة وأنها انتهت بنا إلى تلك البلد الذى لا نعرف هويته إن كانت أصولية أم انفتاحية. • هل تلتفت لظاهرة عدد الطبعات و«البيست سيلر»؟ وهل هى تقدم تقييما حقيقيا للأعمال الجيدة؟ لا أهتم بلافتة البيست سيلر، فالعمل الجيد والمقروء يصل إليك من خلال الحديث حوله، وليست الدعاية الخاصة به، فأنا سمعت عن «عمارة يعقوبيان» و«شيكاغو» من أصدقائى وأهلى، فهناك رواية مثلا باعت أكثر من 5 آلاف نسخة، فالمؤكد بأننا سنسمع عنها من شخص واحد على الأقل بينهم قرأها، وليس من لافتة الأعلى مبيعًا فى المكتبات. • ما الأعمال القادمة التى يعدنا بها «طلال فيصل»؟ أستعد الآن للانتهاء من أكثر من عمل فهناك رواية «التجربة الألمانية»، و«سيد قطب»، بالإضافة إلى مسلسل تليفزيونى.