تقريبا لا يوجد أى اجتماع عربى عربى يعقد هذه الأيام إلا ويشهد صراعا مفتوحا ومكشوفا وسافرا بين كل من مصر والسعودية والإمارات والبحرىن وبين قطر. الخناقة الكبرى التى حدثت قبل أسابيع قليلة فى الجامعة العربية، بين الطرفين لم تكن الأولى، وأغلب الظن أنها لن تكون الأخيرة. فى هذا اليوم تصدى وزير الخارجية سامح شكرى والسفير السعودى ومندوبها الدائم بالجامعة العربية أحمد القطان وممثلو الإمارات والبحرىن للوزير القطرى سلطان المريخى، ودخل الطرفان فى وصلة من الهجمات اللفظية غير المسبوقة، شملت وصف عبارات الوزير القطرى بأنها متدينة، وتهديدا سعوديا واضحا لقطر بأن سياساتها لن تمر من دون حساب. فى الأسبوع قبل الماضى قابلت ثلاثة سفراء عرب فى جنيف وعشرات الدبلوماسيين، يعملون فى المنظمات الدولية الموجودة فى جنيف، وكان القاسم المشترك الأكبر فى هذه اللقاءات، هو الصدامات العربية بين الدول الأربع وقطر. أحد الدبلوماسيين قال لى إن الوضع خرج عن نطاق السيطرة، وصرنا «فرجة أمام العالم»، لدرجة أن لسان حال بعض الدول الأجنبية يكاد يقول: «لا تصدعونا، وحلوا مشاكلكم بعيدا عنا». فى اجتماعات المجلس الدولى لحقوق الإنسان رقم 36 فى جنيف وقف مندوب قطر يشكو مما أسماه «الحصار» الذى تفرضه الدول الأربع على بلاده، لكن بعض مندوبى الدول الأربع، ردوا عليه قائلين: «كيف تكونون محاصرين وأجواؤكم مفتوحة والطائرات تهبط فيها وتقلع منها، وموانئكم تستقبل كل السلع بحرا وجوا.. نحن لم نتخذ إلا إجراءات سيادية بقطع العلاقات معكم، حتى تتوقفوا عن دعم الإرهاب والإرهابيين». كان مفترضا أيضا أن يتم عقد اجتماع للمجموعة العربية للتنسيق بشأن العديد من القرارات والاتجاهات فى قضايا مختلفة داخل هذه المنظمات الدولية، لكن الخوف من الخناقات قد يؤدى لتأجيل اللقاء أو تغيير صفته. وعلى سبيل المثال، كانت الإمارات قد تقدمت بطلب للمنظمة الدولية للملكية الفكرية لافتتاح مكتب دائم للمنظمة فى أبوظبى، وكانت قطر تدعم هذا الطلب، لكنها غيرت رأيها بعد بداية الأزمة الأخيرة، وهذا الأمر تكرر فى قضايا مختلفة بين الطرفين. قطر تذهب إلى كل المحافل الدولية من مجلس الأمن إلى منظمة التجارة العالمية، مرورا بمنظمة الطيران المدنى، وتشكو من «الحصار الظالم المفروض عليها». الدول الأربع ترى هذا السلوك هروبا للامام، واللجوء إلى الخارج بدلا من وقف دعم الارهاب، وأنها لا تحاصر قطر بل اتخذت قرارات سيادية ضدها؛ لأنها تهدد أمنهم جميعا، ثم إن حدودها وأجواءها مفتوحة، بل وتصل إليها البضائع بالطائرات وليس فقط بالسفن. هذه الأزمة بطبيعة الحال أدت إلى تشويه صورة العرب أمام العالم أجمع. الصورة لم تكن وردية بطبيعة الحال قبلها، لكنها زادت قتامة مع اندلاع الأزمة. إحدى الدول الخليجية حاولت أن تهدى المعارك شبه اليومية فى المنظمات الدولية فى جنيف، وقالت للطرفين: «على الأقل علينا تجميد الأزمة هنا، ويكفى ما يحدث فى وسائل الإعلام أو داخل أروقة الجامعة العربية». هذه الدولة سبق لها أن أقنعت كلا من الجزائر والمغرب بوقف الصراعات شبه المستمرة بينهما على خلفية أزمة الصحراء الغربية وجبهة البوليساريو، فالبلدان كانا يتبادلان الاتهامات داخل هذه المنظمات الدولية فى جنيف خصوصا فى مفوضية حقوق الإنسان. ونجحت هذه الدولة إلى حد ما فى تجميد الصراع المغربى الجزائرى، بحيث لا تزيد صورة العرب سوءًا. نعلم أن الخلاف الراهن عميق وأن قطر حرقت تقريبا معظم الجسور وتتبع نهجا تصعيديا معتمدة على قوى وجماعات التطرف من جهة وبعض القوى الكبرى خصوصا أمريكا وبريطانيا من جهة أخرى. والسؤال هو: ألا يمكننا أن نجمد الخلاف فى المنظمات الدولية قدر الإمكان، وأن نتوقف عن «نشر الغسيل غير النظيف» أمام الأجانب؟. للأسف قطر لا تدرك حتى الآن أن حل الأزمة لن يكون بالحروب الإعلامية واستئجار صحيفة أو فضائية أو مركز أبحاث، بل بالبحث فى جوهر المشكلة، وهو علاقتها بقوى وجماعات العنف والتطرف، وليس بقصص فرعية من قبيل: هل كان حوار وكالة الأنباء القطرية صحيحا أو مقرصنا، ومن الذى يقف وراءه؟!!!.