عيار 21 يعود لسابق عهده.. أسعار الذهب اليوم السبت 20 إبريل بالصاغة بعد الارتفاع الجديد    شعبة السيارات: انخفاض الأسعار محدود بسبب ارتفاع الدولار الجمركي    استشهاد 7 فلسطينيين في غارة إسرائيلية على حي تل السلطان برفح جنوبي غزة    عاجل - هل كان قصفًا إسرائيليًا؟.. الغارات الجوية على قاعدة الحشد الشعبي جنوبي بغداد    علي الدين هلال: الرهان على أمريكا بشأن فلسطين طريق مسدود    كوريا الشمالية تختبر رأسا حربيا كبيرا جدا    سفيرة البحرين بالقاهرة: زيارة الملك حمد لمصر تأكيد للتكامل الإستراتيجي ووحدة الصف بين البلدين    عاجل.. ميدو يطالب حسين لبيب بضم حاوي الأهلي    فاضله كام يوم بس.. موعد اجازة شم النسيم 2024.. شم النسيم إمتي؟    محمد فؤاد يُقبّل يد حماقي في فرح ابنه.. فما السبب؟ (صورة)    أمن القليوبية يضبط المتهم بقتل الطفل «أحمد» بشبرا الخيمة    استهداف قاعدة للحشد الشعبي جنوب بغداد وأنباء عن قتيل وإصابات    تخفيف الأحمال فى «أسبوع الآلام»    داعية إسلامي: خدمة الزوج والأولاد ليست واجبة على الزوجة    300 جنيها .. مفاجأة حول أسعار أنابيب الغاز والبنزين في مصر    بجوائز 2 مليون جنيه.. إطلاق مسابقة " الخطيب المفوه " للشباب والنشء    3 إعفاءات للأشخاص ذوي الإعاقة في القانون، تعرف عليها    بصور قديمة.. شيريهان تنعي الفنان الراحل صلاح السعدني    حزب "المصريين" يكرم 200 طفل في مسابقة «معًا نصوم» بالبحر الأحمر    خالد منتصر: ولادة التيار الإسلامي لحظة مؤلمة كلفت البلاد الكثير    منير أديب: أغلب التنظيمات المسلحة خرجت من رحم جماعة الإخوان الإرهابية.. فيديو    العميد سمير راغب: اقتحام إسرائيل لرفح أصبح حتميًا    تجليس نيافة الأنبا توماس على دير "العذراء" بالبهنسا.. صور    الخطيب ولبيب في حفل زفاف "شريف" نجل أشرف قاسم (صور)    سيف الدين الجزيري: مباراة دريمز الغاني المقبلة صعبة    ملف رياضة مصراوي.. إغماء لاعب المقاولون.. رسالة شوبير.. وتشكيل الأهلي المتوقع    تعليق مثير من ليفاندوفسكي قبل مواجهة «الكلاسيكو» ضد ريال مدريد    يوفنتوس يواصل فقد النقاط بالتعادل مع كالياري.. ولاتسيو يفوز على جنوى    دوري أدنوك للمحترفين.. 6 مباريات مرتقبة في الجولة 20    صفقة المانية تنعش خزائن باريس سان جيرمان    تعرف على موعد انخفاض سعر الخبز.. الحكومة أظهرت "العين الحمراء" للمخابز    حالة الطقس اليوم.. حار نهارًا والعظمى في القاهرة 33 درجة    أهالى شبرا الخيمة يشيعون جثمان الطفل المعثور على جثته بشقة ..صور    "محكمة ميتا" تنظر في قضيتين بشأن صور إباحية مزيفة لنساء مشهورات    شفتها فى حضنه.. طالبة تيلغ عن أمها والميكانيكي داخل شقة بالدقهلية    حريق هائل بمخزن كاوتش بقرية السنباط بالفيوم    وزارة الداخلية تكرم عددا من الضباط بمحافظة أسوان    هل يتم استثناء العاصمة الإدارية من تخفيف الأحمال.. الحكومة توضح    رسميا.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 20 إبريل 2024 بعد الانخفاض الأخير    إياد نصار: لا أحب مسلسلات «البان آراب».. وسعيد بنجاح "صلة رحم"    يسرا: فرحانة إني عملت «شقو».. ودوري مليان شر| فيديو    نسرين أسامة أنور عكاشة: كان هناك توافق بين والدى والراحل صلاح السعدني    انطلاق حفل الفرقة الألمانية keinemusik بأهرامات الجيزة    بعد اتهامه بالكفر.. خالد منتصر يكشف حقيقة تصريحاته حول منع شرب ماء زمزم    بفستان لافت| ياسمين صبري تبهر متابعيها بهذه الإطلالة    نشرة منتصف الليل| الأرصاد تكشف موعد الموجة الحارة.. وهذه ملامح حركة المحافظين المرتقبة    أعظم الذكر أجرًا.. احرص عليه في هذه الأوقات المحددة    أدعية الرزق: أهميتها وفوائدها وكيفية استخدامها في الحياة اليومية    آلام العظام: أسبابها وكيفية الوقاية منها    لأول مرة.. اجراء عمليات استئصال جزء من الكبد لطفلين بدمياط    عمرو أديب يطالب يكشف أسباب بيع طائرات «مصر للطيران» (فيديو)    باحث عن اعترافات متحدث الإخوان باستخدام العنف: «ليست جديدة»    عاجل - فصائل عراقية تعلن استهداف قاعدة عوبدا الجوية التابعة لجيش الاحتلال بالمسيرات    مرض القدم السكري: الأعراض والعلاج والوقاية    متلازمة القولون العصبي: الأسباب والوقاية منه    «هترجع زي الأول».. حسام موافي يكشف عن حل سحري للتخلص من البطن السفلية    50 دعاء في يوم الجمعة.. متى تكون الساعة المستجابة    نصبت الموازين ونشرت الدواوين.. خطيب المسجد الحرام: عبادة الله حق واجب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الشروق» تنشر حلقات من كتاب «خلف خطوط العدو» ل«اللواء أسامة المندوه» - «3»
نشر في الشروق الجديد يوم 02 - 10 - 2017

-أهالى سيناء يرفضون سيارات مرسيدس وعدت بها المخابرات الإسرائيلية لكل من يبلغ عن «المجموعات المصرية»
-العدو يستخدم مجموعات من قصاصى الأثر فى البحث عن المجموعة بعد رصد الاتصالات اللاسلكية
-«لطفى» ترصد تدريبات المدرعات الإسرائيلية على السير فى مناطق الغرود الرملية قبل ثغرة الدفرسوار
-رفضت اشتراك «دليل المجموعة» فى بحث الإسرائيليين عن جثمان الشهيد عصمت السادات خوفا من استجوابه من جانب الإسرائيليين
«المجموعة لطفى» تبلغ عن دخول أمريكا الحرب وتجهيزات إسرائيل للعبور المضاد
تواصل «الشروق» نشر حلقات من كتاب «خلف خطوط العدو» لمؤلفه اللواء أسامة المندوه، الصادر عن «دار الشروق»، والذى يحكى قصة بطولة ملحمية ل«مجموعة استطلاع» مصرية خلال حرب أكتوبر المجيدة، بقيادة المندوه، وهو برتبة «نقيب»، دفعتها القيادة المصرية منذ بداية الحرب للتمركز خلف خطوط العدو وفى قلب تجمعاته، وبالقرب من طرق اقترابه الرئيسية، ومركز قيادته الرئيسى فى «أم مرجم» و«مطار المليز» الحربى، فى وسط سيناء، على بعد نحو 100 كيلو شرق قناة السويس.
تفاصيل الحلقة الأولى من هنا
«الشروق» تنشر حلقات من كتاب «خلف خطوط العدو» ل«اللواء أسامة المندوه»_«1»
اقرأ الحلقة الثانية من هنا
«الشروق» تنشر حلقات من كتاب «خلف خطوط العدو» ل«اللواء أسامة المندوه»_«1»
وفى هذه الحلقة من الكتاب الذى حرره ووثقه الكاتب الصحفى، خالد أبوبكر، مدير تحرير جريدة «الشروق» يستعرض اللواء المندوه كيف نجح فى اكتشاف دخول قوات أمريكية الحرب إلى جانب القوات الإسرائيلية، والاستعدادات الإسرائيلية لتنفيذ العبور المضاد لقناة السويس فى اتجاه الغرب، والجهود المضنية للعدو فى بحثه عن أفراد المجموعة، واحتضان أهالى سيناء للمجموعة ورفض كل الاغراءات للإبلاغ عنها وغيرها من المجموعات المصرية خلف خطوط العدو. ونشدد على أن ما سيرد فى هذه الحلقة، هو اختزال شديد جدا للنص الأصلى بتفاصيله الكثيرة والجديدة والمشوقة فى آن واحد.
نجحت قواتنا المسلحة منذ اندلاع القتال بعد ظهر 6 أكتوبر 1973 فى عبور قناة السويس بقوة 5 فرق مشاة، وحققت مهمتها المباشرة بعبور قناة السويس، واقتحام خط بارليف والاستيلاء على نقاطه الحصينة، وتكبيد العدو أكبر خسائر فى الأرواح والمعدات، واحتلت رءوس جسور (كبارى) على الشاطئ الشرقى لقناة السويس. ثم حققت مهمتها التالية بتوسيع رءوس الجسور إلى عمق وصل إلى نحو 15 كيلو فى سيناء، ونجحت فى دحر الهجمات المضادة للعدو بطول الجبهة، ودخلت اعتبارا من يوم 9 أكتوبر 1973م حتى صباح يوم 14 أكتوبر، ما عرف ب«الوقفة التعبوية»، التى انتهت بإصدار القيادة السياسية المصرية أمر تطوير الهجوم نحو خط المضايق الإستراتيجية فى عمق سيناء، يوم 12 أكتوبر لتخفيف الضغط على الجبهة السورية، وهو ما تم العمل على تحقيقه صباح يوم 14 أكتوبر، لكن قواتنا لم توفق فيه لاعتبارات عديدة منها تأخر توقيت هذا التطوير.
القرار المصرى ب«الوقفة التعبوية» يوم 9 أكتوبر وقرارات مجلس الوزراء الإسرائيلى بطلب المدد العسكرى من أمريكا يوم 10 أكتوبر، كانت لها انعكاساتها الواضحة على طبيعة مشاهداتى للتحركات الإسرائيلية من الموقع الحاكم فى وادى المليز وبير جفجافة فى القطاع الأوسط بسيناء. أول هذه المشاهدات مرتبط بتدفقات الجسر الجوى الأمريكى بالعتاد والرجال؛ فمساء 13 أكتوبر، وبينما أتبادل أطراف الحديث مع الشيخ حسب الله بعد تناول الوجبة اليومية الوحيدة التى نتناولها فى يومنا كله، إذ به يحكى لى أمرا قال إنه أثار استغراب الكثير من أبناء القبائل فى سيناء.
قال الرجل: إن شكل الدبابات الإسرائيلية القادمة من العريش إلى الجبهة فى اليومين الأخيرين (11 و12 أكتوبر) غير معتاد، إذ إن شكلها ليس الشكل المعروف للدبابات الإسرائيلية التى ألفنا رؤيتها فى مناطق تمركزها المنتشرة فى سيناء، وأن الأمر لا يقتصر على شكل الدبابات، بل يتعداه إلى شكل أطقمها من الضباط والجنود». فما لفت انتباه الكثير من أبناء القبائل أن هؤلاء الضباط والجنود بمجرد رؤيتهم لبدوى يمر راكبا جمله يسرعون إليه طالبين التقاط الصور معه ومع الجمل أو قطيع الجمال الذى يسوقه أمامه.
مبعث استغراب أبناء مصر فى سيناء أن الجنود الإسرائيليين لا يعتبرون الجمال شيئا جديدا أو مثيرا بالنسبة لهم، فبجانب وجودها فى سيناء التى يحتلونها منذ 6 سنوات، فإنها موجودة فى صحراء النقب الفلسطينية التى تقع فى حوزتهم؛ وتاليا فإن هؤلاء الضباط والجنود الذين يعتبرون منظر الجمل منظرا فريدا وغير مألوف هم جنود غير إسرائيليين.
لقد كانت هذه الملاحظات التى شدت انتباه أهالى سيناء دليلا قويا على الذكاء الشديد الذى يتمتع به هؤلاء المواطنين المصريين، وكانت بحق جرس إنذار قويا نبهنا لدخول الولايات المتحدة الحرب إلى جانب إسرائيل، وإن بشكل غير معلن، وقد أرسلت هذه المشاهدات إلى القيادة.
إسرائيل تدفع بمعدات العبور المضاد
فى يوم 13 أكتوبر شاهدت من نقطة الملاحظة التى تتمركز بها «المجموعة لطفى» القوات الإسرائيلية تدفع فى اتجاه جبهة القتال على الضفة الشرقية لقناة السويس بأشياء بدت غريبة لى فى هذا التوقيت؛ كأن ترى تليرات (لوريات) يحمل كل منها 3 مواسير مجارى طويلة وضخمة، وفى الفواصل بين هذه التلرات، كنت أشاهد تليرا رابعا يحمل حجرا ضخما. لم أكن أعرف على وجه اليقين فى أى غرض سيتم استخدام تلك المواسير والحجارة. علما بأن بعض المصادر قد وصفت هذه المواسير الطويلة بأنها صواريخ ضخمة، وهنا طلبت القيادة تأكيد هذه المعلومة منى، وكان توصيفى دقيقا جدا؛ ذلك أننى ذكرت أنها ليست صواريخ بل مواسير، تحملها تليرات، ومعها حجارة ضخمة.
بالطبع كانت هذه هى المعدات اللازمة لإنشاء الكوبرى الثابت على قناة السويس، الذى تستهدف القوات الإسرائيلية استخدامه فى العبور المضاد إلى الضفة الغربية لقناة السويس، بعد اختراق خطوطنا وهو ما حدث بالفعل بعد حدوث ثغرة الدفرسوار اعتبارا من ليلة 15/16 أكتوبر.
خلال الفترة من 10 13 أكتوبر رصدت من نقطة الملاحظة تمركزا لقوات مدرعة إسرائيلية فى منطقة الغرود فى وادى الجفجافة. أهم ما لفت انتباهى هو تنظيم كتيبة الدبابات الإسرائيلية التى شاهدتها. حيث لاحظت أنها اصطفت فى شكل مربع ناقص ضلع. كل ضلع به سرية دبابات ووسط المربع قيادة (رئاسة) الكتيبة، وبالقرب منها لاحظت وجود سرية مشاة ميكانيكى (11 من ناقلات الجند المدرعة، أو مركبات قتال المشاة infantry fighting vehicles). أيقنت عند هذه اللحظة أن الإسرائيليين أجروا تعديلا على تنظيم تشكيلاتهم المدرعة؛ ذلك أننى كنت أعرف أن كتيبة الدبابات الإسرائيلية تتكون من أربع سرايا، وتتكون كل سرية من 11 دبابة، بالإضافة إلى رئاسة الكتيبة المؤلفة من ثلاث دبابات؛ وبالتالى يبلغ عدد دبابات الكتيبة 36 دبابة وهذا ما كنا نعتقده قبل بدء العمليات، لكن هذه القوة النيرانية الهائلة لكتيبة الدبابات الإسرائيلية تم دعمها بسرية مشاة، ليصبح إجمالى الدبابات وناقلات الجند المدرعة أو مركبات قتال المشاه 47 دبابة ومركبة.
جال بخاطرى فور رؤيتى لهذه التغيرات فى تشكيلات العدو المدرعة هذا التساؤل: هل هذا تعديل فى صلب التنظيم أم أن القوات الإسرائيلية أنشأت عناصر من الدبابات والمشاة لمهام خاصة؟. لم يكن موقعى أو المعلومات التى بحوزتى تتيح لى فرصة الإجابة على هذا التساؤل؛ فمهمتى تقتصر على إرسال ما أشاهده إلى القيادة بكل دقة وأمانة دون تهوين أو تهويل، وهناك سيعكف المحللون على تفسير هذا التغير اعتمادا على مشاهداتى ومشاهدات غيرى فى المواقع المختلفة. ولفت نظر القادة الميدانيين لحساب القوة الإضافية للتشكيلات المدرعة الإسرائيلية.
بصفتى فى الأصل ضابط مدرعات لاحظت أن الموضوع التدريبى لهذه القوات هو «طابور السواقة» فى مناطق غرود رملية، حيث تم تحديد خط سير التدريب بالبيارق، والجنود خارج الدبابات والسائقين يتحركون لتنفيذ التدريب بالدور. كان هذا الطابور مؤشرا على نية الإسرائيليين الاندفاع غربا من محاور غير تقليدية يصطدمون فيها بمناطق الغرود المنتشرة غرب الحائط الجبلى لسيناء، وتم ذلك بالفعل عندما قرروا العبور المضاد إلى غرب القناة ليلة 15/ 16 أكتوبر عند منطقة الدفرسوار فى منطقة البحيرات المرة.
البحث عن جثمان الشهيد عاطف السادات
ذات يوم بعد وقف إطلاق النار جاءنى الشيخ حسب الله، ووجدته يقول لى: «إن ضابط مخابرات المنطقة الشرقية فى إسرائيل، المسئول عن تشغيل القبائل، قال لمن يعملون معه: تعالوا ساعدونى فى البحث عن جثمان الشهيد طيار عاطف السادات، شقيق الرئيس أنور السادات، الذى استشهد أثناء إغارته على مطار المليز». قال لى حسب الله: هل أشترك فى هذه المهمة؟. على الفور قلت له: لا.. اجعل من يساعدهم من أبناء القبيلة أشخاصا لم تلتق بهم فى الفترة القريبة الماضية، وليسوا من المقربين منك أو يعرفون سرك. فوافق الرجل من دون تردد. ولعل السؤال يطرح نفسه هنا: لماذا رفضت اشتراك الشيخ حسب الله فى هذه المهمة؟
أجيب بأن اعتبارات أمن المجموعة تحتم على عدم ترك دليل المجموعة يقترب من الإسرائيليين، أو يلفت نظرهم إليه بحال من الأحوال. كان تقديرى أنه أثناء عملية البحث حتما سيدور كلام بينه وبين ضابط المخابرات الإسرائيلى مسئول تشيغل القبائل، بجانب أن قصاصى الأثر الإسرائيليين يتحدثون العربية، فمعظهم دروز أو بدو؛ وتاليا سيصبح من الممكن الشك فيه واستجوابه، وعندها تتعرض المجموعة للوقوع فى الأسر.. هذا كان تقديرى للموقف وقتها. وأراه بعد مضى كل هذه السنوات تقديرا صائبا، رغم ثقتى الكبيرة فى الشيخ حسب الله.
ذات ليلة حضر إلينا ليلا أحد أقارب الشيخ حسب الله واسمه الشيخ عبدالكريم ومعه عددا من جراكن المياه وبعض السكر والشاى. كنت قد أعطيت الشيخ حسب الله مبلغا الذى ليعطيه إلى قريبه الذى يشترى لنا الشاى والسكر لشراء السلع البسيطة التى نستخدمها فى معاشنا، فعندما طالت فترة المأمورية وجدت أن السجائر التى نشتريها للعريف فتحى عبدالهادى مرتفعة الثمن، والمبلغ الذى لدينا محدود ويتناقص يوما بعد آخر. قلت للشيخ عبدالكريم: «هات لنا كيس دخان ودفاتر من ورق البفرة (أوتومان)».
فكرة شراء كيس التبغ وورق البفرة لم يكن الهدف من ورائها فقط توفير النفقات لما هو أهم (الطعام والشراب) ولكننى قصدت منها عدم إثارة البدوى الذى يقوم ببيع السجائر لمندوب الشيخ حسب الله فى حالة شرائه سجائر إسرائيلية ذات ثمن المرتفع؛ وهو ما قد يؤدى إلى شكه فى تواجد غرباء فى المنطقة، خاصة إذا علمنا أن الأغلبية العظمى من المدخنين البدو يستخدمون أكياس التبغ وورق البفرة.
كما أردت من خلال ذلك أيضا أن أشغل تفكير زميلى فرد الإشارة فى «لف السجائر»؛ لأنه مع طول الفترة التى قضيناها فى هذا الموقع بدأ القلق والملل يتسربان إليه، خاصة أنه كان قد قرأ الفاتحة على إحدى قريباته قبل أن يتم استدعاؤه قبيل الحرب مباشرة. وبعد اندلاع القتال جاء معى لتنفيذ هذه المهمة. كنت ألاحظ معاناته، ولكننى كنت أمارس مهامى فى التخفيف عنه وطمأنته ورفع معنوياته، بأن أؤكد له أن الأيام ستمر، وسيأتى النصر الكامل لمصر ونعود بعدها إلى القاعدة فى زهو، وبعدها سيعود إلى قريته بطلا بإذن الله.
أعود إلى الشيخ عبدالكريم، الذى قال لنا فى تلك الليلة: إن ضابط المخابرات الإسرائيلى المسئول عن شئون القبائل جمعهم، وقال لهم إن هناك عددا من المجموعات المصرية تعمل فى هذه المناطق من سيناء، وأنهم من خلال الرصد اللاسلكى متأكدون من ذلك، وطلب منهم التعاون فى الإبلاغ عن هذه المجموعات، مع تقديم وعود مغرية منها منح كل فرد يبلغ عن مجموعة سيارة مرسيدس.
وقال عبدالكريم مداعبا الشيخ حسب الله: اعمل الشاى مظبوط لحسن آخذ فيك مرسيدس. وذلك على غرار ما تشاهده فى الأفلام الأبيض والأسود عندما يهدد أحد الأشخاص شخصا آخر بأن يقول له: آخذ فيك تأبيدة!.
رغم أن الكلام كان بين الجد والهزل، إلا أننى أيقنت أن هناك شكوكا كثيرة لدى قوات العدو بشأن تواجد المجموعة فى هذه المنطقة، وذلك من خلال رصد الاتصالات اللاسلكية التى نجريها يوميا مع القاعدة من مكان واحد طيلة نحو شهر ونصف الشهر. كانت القواعد الخاصة بالاتصالات تقضى بأن يتم الاتصال بعيدا عن مكان تمركز المجموعة بمسافة لا تقل عن 15 كم، وهو الأمر الذى لا يمكن بأى حال من الأحوال أن أقوم بتنفيذه نظرا لطبيعة الأرض، وحالة الإنهاك التى كانت عليها المجموعة ولاحتمالات اكتشافها خلال تحركها اليومى لمسافة 15كم ذهابا وعودة.
إسرائيل تبحث عن المجموعة
خلال أحد الأيام الهادئة على الجبهة فى الأسبوع الأخير من شهر نوفمبر 1973، وبينما نقوم بمتابعة التحركات على الطرق شاهدت مجموعة من العربات الإسرائيلية «جيب حربى»، تتحرك فى المنطقة المكشوفة فى الوادى وكل عربة منها طاقم مكون من خمسة أفراد. قلت لعلها مقدمة لقوة ستقوم بالتدريب كالعادة. مضيت فى الملاحظة، وإذا بها تتحرك بين مجموعة من الهيئات الطوبوغرافية (تباب، تلال، جبال) الأقل ارتفاعا من الهيئة التى تتمركز فى أعلاها المجموعة.
كانت كل مركبة تتحرك فى أحد مخرات أو مجارى السيول. كان تشكيل تحركها أقرب إلى طريقة المروحة، حيث تدخل كل منها إلى مجرى سيل، على أن تتجمع فى أعلى نقطة من الهيئة التى تتحرك فيها. استغرقت هذه العملية التى من الواضح أنها تفتيش وتمشيط فترة ليست قصيرة نظرا لوعورة الأرض.
هم يقتربون وأنا والعريف فتحى عبدالهادى نراقبهم. كنت على يقين بأنهم لن يقتربوا إلى المدى الذى يمكنهم من اكتشافنا، ورغم ذلك قمنا بتجهيز أسلحتنا مع تأخير عملية الاستخدام إلى مرحلة الخطر؛ نظرا لأن مقارنة القوات ليست فى صالح المجموعة، لا من حيث العدد ولا من حيث الأسلحة المتوفرة؛ فنحن لدينا بندقية آلية وقنبلة يدوية وهم لديهم من الأسلحة والمعدات والإمكانيات الكثير، وخطوط إمدادهم قريبة بطبيعة الحال.
اقتربوا على مسافة قريبة لم تمكنهم من اكتشاف المكان الذى نخزن فيه الدقيق ومواد الإعاشة. سمعنا صوت قائدهم يأمرهم بالعودة. كنت على يقين من أنهم لن يجرأوا على النزول من المركبات، فلكى يكتشفوا مكان التخزين سيحتاج الأمر إلى نزولهم من المركبات والتحرك سيرا على الأقدام، وهذا لا يتسق مع طبيعة الجندى الإسرائيلى، الذى لا يقامر بحياته فى ضوء تقديره لإمكانية التعرض لإطلاق النار من المجموعات الموجودة فى هذه المنطقة، والتى يبحثون عنها.
أخذت المركبات فى العودة إلى حيث بدأت التفتيش، وتجمعت بعد ذلك فى المنطقة المكشوفة فى الوادى، ومنها إلى الطريق الأوسط إلى أن اختفت عن الأعين. غادرت مجموعة البحث الإسرائيلية وأخذت معها توتر قرابة الثلاث ساعات، ولكنها تركت لدينا مزيدا من الحذر. وأكدت ما يردده البدو، وهو ما سمعناه عن لسان الشيخ عبدالكريم، من جدية القوات الإسرائيلية فى البحث عن المجموعات المصرية التى يتأكدون من وجودها فى هذه المنطقة الاستراتيجية، وأثبتت بما لا يدع مجالا لشك أن كلام الرجل ليس ببعيد عن الحقيقة، بل هو الحقيقة بعينها. المهم بدأت فى التفكير فى كيفية التصرف مع مثل هذا الموقف، لو حدث وتكرر بذات الأسلوب أو بأسلوب آخر.
كان ذلك اليوم الذى بدأت فيه القوات الإسرائيلية فى البحث عنا يوما هادئا من حيث التحركات على الطرق أو ممارسة الأنشطة الجوية، فلم تكن هناك أية أنشطة تدريبية لقوات العدو. أرجعت ذلك إلى أننا فى الأسبوع الأخير من شهر نوفمبر، حيث تم تثبيت وقف إطلاق النار بين القوات المصرية والقوات الإسرائيلية، وتمسك الطرفان بالاتفاق والعودة إلى مائدة المفاوضات.
هنا أيقنت أن قيادتنا السياسية قد نجحت فى تحقيق هدفها من الحرب، ألا وهو كسر شوكة وعنجهية الجيش الإسرائيلى الذى يروج عن نفسه مقولة «أنه لا يقهر».
تمر الأيام وفى ذات صباح مشرق ونحن نمارس أعمال الاستطلاع اليومية وإعداد البرقيات لإرسالها للقاعدة رصدنا مركبة جيب واحدة من ذات طراز تلك المركبات التى قامت بالبحث عنا خلال الأسبوع الماضى. انتظرت لكى أرى بقية مركبات المجموعة، لكننى تأكدت بعد مراقبة دقيقة أنها مركبة واحدة فقط.
باستخدام نظارة الميدان شاهدت نزول فرد واحد من هذه المركبة، كان أسود اللون، وهنا تذكرت ما قاله لى الشيخ حسب الله فى مرة من المرات بأن القوات الإسرائيلية تستعين ب«عبدأسود» فى أعمال اقتفاء الأثر للوصول إلى المجموعة.
بعد فترة من السكون بدأ هذا «الرجل الأسود» فى استكشاف الهيئات الجبلية المحيطة بالنظر. الطريق من الوادى إلى داخل المنطقة الجبلية التى تتمركز فيها المجموعة أصبح له طريق واحد نظرا لكثرة التردد علينا من أقارب الشيخ حسب الله، سواء لنقل الأخبار أو لإحضار المياه ومواد الإعاشة..إلخ؛ فأثار أقدامهم أصبحت دليل يقود إلى مكان المجموعة، وذلك فى ذاته يعتبر قرينة مادية على وجودنا، بجانب أن عمليات رصد الاتصالات اللاسلكية تعتبر قرينة فنية على وجود المجموعة فى هذه المنطقة.
بدأ الرجل قصاص الأثر تحركه فى الصباح الباكر حتى تكون آثار الأقدام أكثر وضوحا. ولنا أن نعرف أن علم قصاص الأثر علم واسع، يمكن ذلك الرجل المدرب من أن يعرف ويميز آثار الأقدام إذا كانت لرجل عسكرى أو بدوى أو لامرأة حامل أو شابة لم تتزوج، أو رجل كهل أو لشاب. هذا العلم له أسراره ورجاله المدربين الذين يستعين بهم الجيش الإسرائيلى، ومعظهم من بدو صحراء النقب الفلسطينية المحتلة.
تتبعت هذا الرجل منذ نزوله من المركبة الجيب وتحركه بالمنطقة المفتوحة فى الوادى متجها إلى المنطقة الجبلية، مركزا على فحص مخرات السيول التى من المحتمل لديه أن تستخدمها أى مجموعة فى هذه المنطقة فى الصعود والهبوط. يظهر فترة ويختفى أخرى. كان يأخذ قسطا من الراحة يراجع فيه الآثار على الأرض ويحدد الاتجاه الأكثر احتمالا للتحرك.
مع كل خطوة يقترب بها هذا الرجل منا تزداد سرعة ضربات القلب. لم يكن خيار استخدام السلاح الآلى هو الأنسب، ولكن السونكى هو الوسيلة الأفضل. حيث إن المعلومات التى توفرت لدينا عن قصاصى الأثر أنهم أشخاص أذكياء ومسلحون بسلاح شخصى خفيف، قد يكون «طبنجة» ووسيلة اتصال بالطائرات، حيث يقوم بوضع جهاز الاتصال وتوجيه الطائرات (بيكون) عندما يكتشف المكان الذى تتواجد فيه المجموعة ويغادر، وبعد المغادرة بوقت قليل تأتى الطائرة الهيلكوبتر لاستكمال الاستطلاع والقبض على المجموعة أو ضربها من الجو إن أمكن.
يتحرك قصاص الأثر فى اتجاهنا. يقترب أكثر فأكثر، يتوجه نحو نقطة تخزين مواد الإعاشة الخاص بالمجموعة. حبسنا أنفاسنا فى نقطة الملاحظة، لم يعد أمامه سوى أمتارا معدودة للوصول إلى النقطة واكتشاف الدقيق والصلصة والمياه والشاى والسكر، وتاليا سيتيقن من وجود مجموعة فى هذه المنطقة. كان قرارى أنه لو تحرك أكثر فى اتجاهنا لن أتردد فى قتله بالسنكى؛ لأن استخدام السلاح الآلى سيحدث صوتا قد يلفت الأنظار إلينا، ثم استولى على جهاز التوجيه «البيكون» وأضعه فى منطقة بعيدة عن النقطة التى تتمركز فيها المجموعة أو أقوم بتعطيله.
توقف الرجل عن السير بلا سبب واضح لدى. شاهدته من موقعى المشرف وهو يقف فى حيرة ويلتفت يمينا ويسارا ولا أعرف سبب ذلك. جلس فترة من الوقت يترقب، وفجأة وجدناه يعود من حيث أتى.
استغرقت هذه العملية وقتا طويلا. كان تركيزى عليه شديدا عندما جلس بالقرب من المكان الذى نجلس فيه كل ليلة نخبز ونشرب الشاى. زاد استغرابى أنه لم يترك أية أجهزة (بيكون) أو غيرها.
بعد التأكد من مغادرة الرجل وركوبه المركبة التى جاء بها إلى الوادى قررت ولأول مرة أن أنزل من نقطة الملاحظة إلى مكان التشوين قبل غروب الشمس حتى أعرف السبب الحقيقى لعدم استكماله السير، الذى لو أكمله لبضعة أمتار لانكشفت المجموعة وانتهت حياته على أيدينا.
هبطت من أعلى إلى مكان التشوين لأعرف السبب.
كانت المفاجأة الربانية أن آثار الأقدام قد انتهت عند النقطة التى توقف عندها، فلا وجود لأية آثار لنا بعدها، وكل من ينظر إلى الطريق المؤدى إلى نقطة تخزين المؤن ومواد الإعاشة سيتأكد من أنه لم تطأ قدم بشر هذه المنطقة من قبل!.
المفاجأة الأكثر إبهارا وإعجازا أن الفاعل هذه المرة هو مجموعة من العصافير والطيور الصغيرة أرسلها الله سبحانه وتعالى لكى تأكل الدقيق الذى يقع من الشيخ حسب الله عند قيامه بعجن وخبز الفطيرة التى نتناولها كل مساء؛ ذلك أنها تأتى كل صباح لتأكل ما تبقى من الدقيق، وهى فى الحقيقة تزيل آثار أقدامنا وكل ما يدل علينا!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.