مجلس جامعة كولومبيا يصوت على قرار للتحقيق مع الإدارة بعد استدعاء الشرطة لطلبة متضامنين مع غزة    قوات الاحتلال تطلق النار على سيارة خلال اقتحام مدينة طولكرم    الجيش الأمريكي: الحوثيون ألقوا صواريخ باليستية على سفينتين بالبحر الأحمر وأصابوا إحداهما    أحمد فهمي يحتفي بصعود الأهلي لنهائي إفريقيا    الأرصاد تحذر المصريين من طقس اليوم: الأمطار الرعدية والسيول تضرب هذه المناطق    4 أيام متواصلة.. تعرف على عطلة شم النسيم وعيد العمال والإجازات الرسمية حتى نهاية 2024    اليوم.. جلسة محاكمة مرتضى منصور بتهمة سب وقذف عمرو أديب    للحماية من حرارة الصيف.. 5 نصائح مهمة من وزارة الصحة    تحذير دولي من خطورة الإصابة بالملاريا.. بلغت أعلى مستوياتها    نتيجة انتخابات نادي القضاة بالمنيا.. عبد الجابر رئيسًا    "اتهاجمت أكثر مما أخفى الكرات ضد الزمالك".. خالد بيبو يرد على الانتقادات    كولر: مازيمبي لم يشكل أي خطورة علينا.. وسنحتفل اليوم بالتأهل    د. محمد كمال الجيزاوى يكتب: الطلاب الوافدون وأبناؤنا فى الخارج    د. هشام عبدالحكم يكتب: جامعة وصحة ومحليات    «المركزية الأمريكية»: الحوثيون أطلقوا 3 صواريخ باليستية على سفينتين في البحر الأحمر    واشنطن تعلن عن مساعدات عسكرية لأوكرانيا بقيمة 6 مليارات دولار    لدورة جديدة.. فوز الدكتور أحمد فاضل نقيبًا لأطباء الأسنان بكفر الشيخ    حقيقة انفصال أحمد السقا ومها الصغير.. بوست على الفيسبوك أثار الجدل    رسميًا.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 27 إبريل بعد الانخفاض الآخير بالبنوك    وزير الرياضة يُهنئ الأهلي لصعوده لنهائي دوري أبطال أفريقيا للمرة ال17 في تاريخه    قبل مواجهة دريمز.. إداراة الزمالك تطمئن على اللاعبين في غانا    دوري أبطال إفريقيا| الأهلي يعزز رقمه الإفريقي.. ويعادل رقمًا قياسيًّا لريال مدريد    محمد هلب: السيارات الكهربائية بمثابة مشروع قومى لمصر    شعبة البن تفجر مفاجأة مدوية عن أسعاره المثيرة للجدل    والد ضحية شبرا يروي تفاصيل مرعبة عن الج ريمة البشعة    رسالة هامة من الداخلية لأصحاب السيارات المتروكة في الشوارع    بعد حادث طفل شبرا الخيمة.. ما الفرق بين الدارك ويب والديب ويب؟    أستاذ علاقات دولية: الجهد المصري خلق مساحة مشتركة بين حماس وإسرائيل.. فيديو    عمل نفتخر به.. حسن الرداد يكشف تفاصيل مسلسل «محارب»    دينا فؤاد: الفنان نور الشريف تابعني كمذيعة على "الحرة" وقال "وشها حلو"    بشرى في العرض الخاص لفيلم "أنف وثلاث عيون" بمهرجان مالمو للسينما العربية    يسرا اللوزي تكشف سبب بكائها في آخر حلقة بمسلسل صلة رحم.. فيديو    3 وظائف شاغرة.. القومي للمرأة يعلن عن فرص عمل جديدة    الدكتور أحمد نبيل نقيبا لأطباء الأسنان ببني سويف    تنفع غدا أو عشا .. طريقة عمل كفتة البطاطس    الأمن العام يضبط المتهم بقتل مزارع في أسيوط    العراق.. تفاصيل مقتل تيك توكر شهيرة بالرصاص أمام منزلها    عاصفة ترابية وأمطار رعدية.. بيان مهم بشأن الطقس اليوم السبت: «توخوا الحذر»    الرجوب يطالب مصر بالدعوة لإجراء حوار فلسطيني بين حماس وفتح    موعد مباراة الأهلي المقبلة بعد التأهل لنهائي دوري أبطال أفريقيا    الترجي يحجز المقعد الأخير من أفريقيا.. الفرق المتأهلة إلى كأس العالم للأندية 2025    رغم قرارات حكومة الانقلاب.. أسعار السلع تواصل ارتفاعها في الأسواق    محمد جبران رئيسا للمجلس المركزي للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب    في سهرة كاملة العدد.. الأوبرا تحتفل بعيد تحرير سيناء (صور)    سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن ببداية التعاملات السبت 27 إبريل 2024    مقتل 4 عمّال يمنيين بقصف على حقل للغاز في كردستان العراق    "أسوشيتدبرس": أبرز الجامعات الأمريكية المشاركة في الاحتجاجات ضد حرب غزة    استئصال ورم سرطاني لمصابين من غزة بمستشفى سيدي غازي بكفر الشيخ    قلاش عن ورقة الدكتور غنيم: خلاصة فكره وحرية الرأي والتعبير هي درة العقد    تعرف علي موعد صرف راتب حساب المواطن لشهر مايو 1445    حظك اليوم برج العقرب السبت 27-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    تهاني شم النسيم 2024: إبداع في التعبير عن المحبة والفرح    أعراض وعلامات ارتجاج المخ، ومتى يجب زيارة الطبيب؟    "ذكرها صراحة أكثر من 30 مرة".. المفتي يتحدث عن تشريف مصر في القرآن (فيديو)    «أرض الفيروز» تستقبل قافلة دعوية مشتركة من «الأزهر والأوقاف والإفتاء»    تعرف على فضل أدعية السفر في حياة المسلم    تعرف على فوائد أدعية الرزق في حياة المسلم    خير يوم طلعت عليه الشمس.. 5 آداب وأحكام شرعية عن يوم الجمعة يجب أن تعرفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الشروق» تنشر حلقات من كتاب «خلف خطوط العدو» - «2»: تمام.. «المجموعة لطفى» فى قلب القوات الإسرائيلية بوسط سيناء
نشر في الشروق الجديد يوم 01 - 10 - 2017

- المجموعة تحتل موقعًا يتيح لها مراقبة مطار المليز ومركز القيادة فى أم مرجم والطريق الأوسط
- النقيب سامح سيف اليزل قدم لنا الشيخ حسب الله دليل المجموعة وشدد على تمتعه بقوة التحمل والحس الأمنى العالى
- نجحنا فى رصد الطائرات الإسرائيلية الصاعدة والهابطة فى مطار المليز ونوعية وعدد المركبات المتحركة على الطريق الأوسط من وإلى الجبهة
- أبناء سيناء أخفوا آثار تحرك المجموعة فلم يكتشفها العدو
تواصل «الشروق» نشر حلقات من كتاب «خلف خطوط العدو» لمؤلفه اللواء أسامة المندوه، والذى يصدر اليوم عن «دار الشروق»، والذى يحكى قصة بطولة ملحمية ل«مجموعة استطلاع» مصرية خلال حرب أكتوبر المجيدة، بقيادة المندوه، وهو برتبة «نقيب»، دفعتها القيادة المصرية منذ بداية الحرب للتمركز خلف خطوط العدو وفى قلب تجمعاته، وبالقرب من طرق اقترابه الرئيسية، ومركز قيادته الرئيسى فى «أم مرجم» و«مطار المليز» الحربى، فى وسط سيناء، على بعد نحو 100 كيلو شرق قناة السويس.
اقرأ تفاصيل الحلقة الأولى من هنا
وفى هذه الحلقة من الكتاب الذى حرره ووثقه الكاتب الصحفى، خالد أبو بكر، مدير تحرير جريدة «الشروق» يستعرض اللواء المندوه قصة تكليفه بالمهمة خلف خطوط العدو يوم 5 أكتوبر 1973، ثم إبراره وبقية المجموعة من طائرة هيلكوبتر فى سيناء، تمهيدا لاندفاعه صوب منطقة عمل المجموعة فى منطقة وادى المليز وبير الجفجافة، فى القطاع الأوسط بسيناء. وما واجهته المجموعة حتى وصلت إلى الموقع المنشود. ونشدد على أن ما سيرد فى هذه الحلقة، هو اختزال شديد جدا للنص الأصلى بوثائقه وتفاصيله الكثيرة والجديدة والمشوقة فى آن واحد.
وصلت مقر كتيبة الاستطلاع بالقاهرة بعد عودتى من مرسى مطروح صباح 3 أكتوبر 1973م (7 رمضان 1393ه). جاءتنى المفاجأة يوم 5 أكتوبر، أى قبل ساعات من قيام معركة الكرامة. استدعانى قائد الكتيبة، العقيد أركان حرب، محمود عبدالله إلى مكتبه ومعى السيد رئيس عمليات الكتيبة، المقدم صلاح كامل. بدأ قائد الكتيبة حديثه بأن «حمل تحرير الأرض ثقيل، ولا يتحمله إلا الرجال الأشداء، وأنت واحد من هؤلاء الرجال، الذين نكن لهم كل تقدير، لدينا مهمة خلف خطوط العدو فى عمق سيناء، على المحور الأوسط بالتحديد، وتحظى هذه المهمة باهتمام كبير من القيادة. لقد تم اختيارك للقيام بهذه المهمة الخطيرة يا أسامة.
على الرغم من علمى بأن هذا النوع من المهام التى صدرت الأوامر بقيامى بتنفيذها يحتاج إلى جهد بدنى شاق، ومستوى من التدريب لم أمارسه طيلة السنوات الثلاث السابقة، بحكم أننى كنت «قائد سرية»، لا «قائد مجموعة» (قائد السرية يقود عددا من المجموعات)، إلا أن ثقتى الكاملة فى نفسى وفى قدرتى على تنفيذ أى مهمة فى أى وقت وتحت أى ظرف، جعلتنى أتقبل الأمر بمزيد من الهدوء والثقة.
عرض على القائد أربعة جنود لأتولى قيادتهم كمجموعة لتنفيذ المهمة المنتظرة التى لم أعرف طبيعتها حتى هذه اللحظة. كان ردى: كل ما أحتاجه فرد لاسلكى واحد. أجاب: هذا قرارك.. تصدق على ما تريد. قررت إجراء اختبار لأفراد اللاسلكى من الاحتياط المستدعى، انتهى بأن اخترت من هو متخصص فى الإرسال والاستقبال بشفرة «المورس».
• تفاصيل المهمة
عدت إلى قائد الكتيبة.. أخبرته باسم فرد اللاسلكى الذى اخترته لتنفيذ المهمة معى، وهو العريف مستدعى، فتحى عبدالهادى. اصطحبنى إلى غرفة تخصيص المهام. بدأ بأن قال: المهمة المطلوب تنفيذها تتلخص فى دفع المجموعة التى ستحمل اسما كوديا هو «لطفى» إلى عمق سيناء.
لتوضيح تفاصيل المهمة وضع القائد أمامنا خريطة لوسط سيناء، وأشار إلى منطقة وادى المليز وبير جفجافة، لأن الموقع الذى ستنفذ منه مهمتك سيكون فى القلب من هذه المنطقة التى تضم منشآت وأهدافا عسكرية إسرائيلية حيوية يحتم علينا التواجد فى قلبها؛ كى نرصد تحركات العدو، ونجمع المعلومات عن نشاطه فيها، وهو ما ما سيمكننا من اكتشاف نواياه. انظر معى إلى أهم الأهداف الحيوية بهذه المنطقة:
أولا: الطريق الأوسط:
يخترق هذه المنطقة الطريق الرئيسى المعبد، الذى تعتمد عليه إسرائيل فى الدفع بقواتها إلى جبهة بقناة السويس، وهو الطريق الأوسط، الذى يربط بين الإسماعيلية شرق القناة، والعوجة على الحدود الدولية الشرقية لمصر، وفى حال قيام الحرب فإن هذا الطريق سيكون الطريق الرئيسى الذى ستدفع عليه إسرائيل بتعزيزاتها من الشرق فى اتجاه قناة السويس.. وبالتالى تصبح مراقبته من موقع مشرف، وعلى مسافة بعيدة فى العمق هدفا استراتيجيا بالنسبة لقواتنا.
ثانيا: مطار المليز:
يقع مطار المليز فى وسط سيناء بالقرب من وادى المليز، وبالقرب من مركز القيادة الإسرائيلى فى منطقة أم مرجم (أم رجام)، وهو المطار الأول الذى تعتمد عليه إسرائيل فى سيناء خلال مواجهاتها مع قواتنا.
ثالثا: مركز القيادة والسيطرة ب«أم مرجم»:
تضم هذه المنطقة واحدا من أهم مراكز القيادة والسيطرة المعادية التى تم التخطيط لقذفها ومراقبتها، وهو مركز القيادة والسيطرة الرئيسى فى منطقة أم مرجم، ويقع بالقرب من مطار المليز فى وسط سيناء على الطريق الأوسط، ويحده من الشمال جبل قديرة، ومن الجنوب جبل سحابة. ولهذا المركز مركز قيادة تبادلى فى منطقة أم مخسه.
ناقشت الخطة مع القائد لمزيد من فهمها واستيعابها، واستعرضنا معا خط سير المجموعة من موقع كتيبتنا فى القاهرة وصولا إلى موقع تنفيذ المهمة فى عمق سيناء. بعد ذلك قال لى العقيد عبدالله: تسلم المهمات اللازمة لتنفيذ المهمة، وكن مستعدا للتحرك فى أى وقت.
تسلم فرد اللاسلكى جهازه، واختبره، وأعاد شحن بطارياته، بعدها توجهت إلى ميدان العتبة، واشتريت راديو «ترانزستور» صغير لأخذه معى خلال تنفيذ المهمة؛ كى أتابع من خلاله الأحداث، والاستماع إلى الأغانى وأتواصل به مع العالم، ولهذا الجهاز فوائد سوف نتناولها فى حينها، حيث من خلاله تتبعنا سير المعارك والأنشطة المختلفة من خلال نشرات الأخبار من هيئة الإذاعة البريطانية (B.B.C).
فى إطار حرص قيادة الكتيبة على إزالة قلق الأسرة إذا ما طال أمد المهمة، فقد تم إعداد تسجيلات بصوتى تحدثت فيها إلى والدى ووالدتى، وبعثت لهما التحية، وكذلك إلى إخوتى وأخواتى بأسمائهم، أطمئنهم جميعا على وأننى بخير وسأعود قريبا.
فى صباح اليوم التالى الموافق 6 أكتوبر 1973م كانت الأمور فى الكتيبة عادية جدا. لكن عند الساعة الرابعة من عصر هذا اليوم المشهود، أى بعد ساعتين من بدء الهجوم المصرى على قوات الاحتلال الإسرائيلى فى سيناء، وعبور قناة السويس واقتحام خط بارليف، تواترت الأنباء عن بدء الحرب ونجاح موجات العبور الأولى فى احتلال مواقعها المستهدفة على الضفة الشرقية من قناة السويس، وأن قواتنا تتقدم بثبات بطول الجبهة الذى يزيد على 160 كيلومترا من بورسعيد شمالا إلى السويس جنوبا. لا أستطيع أن أصور حجم الفرحة التى ملأت نفوسنا فور سماع هذه الأنباء، فرحة امتزج معها شوق عارم للاندفاع صوب الجبهة ومشاركة الرجال فى تحرير أرضنا السليبة، فى معركة نعرف مسبقا أنها شرسة وتحتاج إلى تضحيات جسام ضد عدو غادر بطبعه.
لم تستمر حالة الشوق لدخول المعركة طويلا، فقبل أذان المغرب بنحو ساعة، صدرت لى الأومر بالتحرك ومعى العريف فتحى عبدالهادى، إلى مطار ألماظة. بمجرد دخولنا المطار بدأت أستشعر أجواء الحرب، فالإجراءات الأمنية على أشدها، وحالة الاستعداد داخل القاعدة الجوية فى حدها الأقصى. وجدت فى انتظارنا قائد الكتيبة العقيد محمود عبدالله، وضابطا من الخدمة الخاصة بالمخابرات الحربية هو النقيب سامح سيف اليزل، ورجلا بدويا، اسمه الشيخ حسب الله، ينتمى إلى قبيلة الإحيوات بوسط سيناء، علمت أنه سيكون دليل المجموعة خلال تنفيذ المهمة.
وقف ثلاثتنا العقيد محمود عبدالله، والنقيب سامح سيف اليزل وأنا للتحدث فى المهمة التى أستعد للتحرك لتنفيذها. انضم إلينا الشيخ حسب الله، قدمه لى النقيب سامح سيف اليزل، بقوله: «إن الشيخ حسب الله لديه قوة تحمل كبيرة، ويتمتع بحسن أمنى عال جدا».
غادرنا النقيب سيف اليزل، وانضم الينا العريف، فتحى عبدالهادى، فرد اللاسيلكى. بعدها جلست مع قائد الكتيبة منفردين؛ لأنه أراد أن يراجع معى تفاصيل المهمة، والتأكد من فهمى الكامل لها. أكد لى أن الوقت المتوقع لوصول قواتنا إلى خط المضايق الجبلية الاستراتيجية، واحتلال مداخلها الشرقية فى عمق سيناء، حيث الموقع المنتظر أن أنفذ منه مهمتى سيستغرق من 7 9 أيام. ثم أكد معى إشارة التعارف بين المجموعة وقواتنا فى حالة صدور أوامر بالانضمام إليها عند وصولها إلى هذه المنطقة.
ودعنا العقيد عبدالله، داعيا لنا بالتوفيق فى أداء مهمتنا. عند هذه اللحظة توليت قيادة المجموعة، وبدأ التحرك بالفعل فى اتجاه تنفيذ المهمة، والصعود إلى الطائرة المروحية (مى 8). راجعت مع قائد المروحية خط السير إلى منطقة إنزال المجموعة فى وسط سيناء، والتى هى منطقة الغرود الرملية غرب السلسلة الجبلية فى سيناء فى المنطقة الفاصلة بين المحور الشمالى والمحور الأوسط بسيناء. راجعنا معا أماكن تمركز قوات العدو الإسرائيلى، سواء كانت نقاطا قوية على خط بارليف، حيث لم تكن قد سقطت فى هذه الساعات الأولى للقتال، أو مناطق تمركز وحدات الاحتياطى الإسرائيلى القريب، وأماكن رادارات العدو، ومناطق تمركز قواته فى عمق سيناء.
كانت الطائرة تحلق على ارتفاع منخفض كى لا تكشفنا عناصر الدفاع الجوى الإسرائيلى. عبرنا القناة. اقتربت المروحية من موقع الانزال. بدأ قائدها يدقق فى الهيئات والعلامات الإرشادية. طلب منى اختيار المكان الذى سينزلنا فيه. اخترت منطقة فى مدخل الوادى الرؤية فيها واضحة. بدأت عملية التحليق فى الجو على ارتفاع يمكننا من القفز. أسقطت الشدة والتعيين وقفزت من الطائرة، بعدها ناولنى العريف فتحى عبدالهادى جهاز اللاسلكى، وألقى شدته ثم قفز على الأرض، ثم قفز بعده الشيخ حسب الله.
تأكدت من أن جميع الأسلحة والمعدات معنا، وأننا لم ننس شيئا فى الطائرة، بعدها أعطيت إشارة تمام الإنزال للطيار، الذى رد بإشارة الوداع، ورددت عليه بعلامة النصر، وانطلقت الطائرة فى اتجاه الغرب عائدة إلى قاعدتها غرب قناة السويس.
هذه المنطقة الجبلية التى سنتحرك إليها هى منطقة جبل حمير الواقعة إلى الشمال من الطريق الأوسط فى وسط سيناء، وتستغرق المسافة إليها مسيرة بقية الليل، حيث تمنع القواعد تحركنا فى النهار لزيادة احتمالات اصطدامنا بقوات العدو.
• «لطفى» تصل قلب العدو
بعد أن تأكدنا من خلو المنطقة من أى قوات للعدو تحركنا شرقا فى اتجاه منطقة جبل حمير، التى يسهل الاختباء فيها قبل الاندفاع فى الوثبة الأخيرة التى سنصل فى نهايتها إلى الموقع الاستراتيجى المنشود فى وسط سيناء، والذى سننفذ منه مهام الاستطلاع ومراقبة تحركات العدو من وإلى قناة السويس.
لم نشعر أنا والعريف عبدالهادى بالشدة التى يحملها كلانا على ظهره، والتى يصل وزنها إلى 30 كيلوجراما (تضم: السلاح الشخصى، الذخيرة، المياه، التعيين الجاف «المعلبات»)؛ ففى هذه اللحظات العصيبة لم يسيطر على تفكيرنا سوى هدف واحد فقط، هو الوصول إلى هدفنا بسلام، كى نتمكن من تنفيذ مهمة المجموعة.
قبل أن يلوح ضوء الفجر معلنا عن يوم جديد يترسخ فيه انتصار جيش مصر العظيم يوم 7 أكتوبر 1973 كنا قد وصلنا إلى منطقة جبل حمير. ساعدتنا طبيعة الأرض الجبلية على الاختفاء عن الأعين وعن أى تحركات محتملة سواء للقوات الإسرائيلية. طلب الشيح حسب الله الذهاب إلى المنطقة التى تتواجد فيها قبيلة الإحيوات التى ينتمى إليها لاستطلاع الأمور، وترتيب إجراءات إخفاء آثار تحرك المجموعة فى منطقة الإنزال حتى دخولنا منطقة جبل حمير، لأنه كان يسهل على العدو اقتفاء أثرنا من وقع أقدامنا فى هذه المنطقة، فضلا عن الحفرة التى خلفها تحليق المروحية (مى 8) على ارتفاع منخفض جدا أثناء إنزالنا على الأرض.
كان الشيح حسب الله رجلا ذا مكانة فى قبيلته، وبشكل عام كانت «الإحيوات» من قبائل سيناء التى لم يستطع العدو الإسرائيلى خلال فترة الاحتلال (1967 1973) فى تطويعها أو حتى استمالتها للتعاون معه مهما كانت إغراءاته أو ضغوطه، وهذه كانت الروح السائدة لدى قبائلنا فى سيناء.
بعد أن غادر الشيخ حسب الله، واطمئنانى إلى أننا نجلس فى مكان مأمون من أعين العدو فى المنطقة الجبلية، رحت أراجع خط السير بعمق شديد من المنطقة التى نتمركز فيها بجبل حمير إلى الطريق الأوسط، ومنه إلى موقع نقطة الملاحظة الذى انتخبته القيادة لنباشر منه مهام الاستطلاع، فوجدت أن تحركنا كله من جبل حمير مرورا إلى الطريق الأوسط، وصولا إلى الموقع المنشود سيكون من الشمال إلى الجنوب. كنت أضع كل الاحتمالات أمامى، وأجهز نفسى للتعامل معها جميعا، ومنها عدم رجوع الشيخ حسب الله إلينا، لأى سبب؛ سواء لسبب خاص به، أو اعتقاله من جانب العدو. لم تكن قد مرت على معرفتى بالرجل أكثر من 15 ساعة، وعلى الرغم من ذلك كانت ثقتى فى الله ثم فى القيادة التى وفرت الدليل الشيخ حسب الله بلا حدود، فضلا على ثقتى فى قدراتى على استكمال مهمة المجموعة.
عاد الشيخ حسب الله، وزالت الشكوك، وانفرجت الأسارير. قبل مغادرة موقعنا فى جبل حمير فوجئت بقطيع من الأغنام يتحرك فى الوادى على خط سير المجموعة فى اتجاه الغرب. تهللت أساريرى؛ فذلك من شأنه إخفاء أثر تحرك المجموعة فى الوادى.
قال لى الشيخ حسب الله: طلبت إلى أبناء قبيلتى تحريك عدد من الرعاة بقطيع من الأغنام على خط السير حتى يتم إخفائه تماما. تحركنا من جبل حمير جنوبا فى اتجاه الطريق الأوسط. وكنا كلما اقتربنا من الهدف زاد حذرنا وحرصنا على عدم الاصطدام بقوات العدو. وصلنا إلى شمال الطريق الأوسط، أخذنا موقعنا خلف تبة مشرفة على الطريق، ومنها تمكنا من مراقبته، واستطلاع طريق التحرك للوثبة الأخيرة حيث المكان المحدد لتواجد المجموعة.
كانت تحركات القوات الإسرائيلية فى الاتجاهين (من الشرق إلى قناة السويس فى الغرب، ومن الغرب إلى الشرق) سريعة ومتلاحقة. كان واضحا أنهم فى هذا المساء من اليوم الثانى للقتال (7 أكتوبر) يقومون بحشد قواتهم فى اتجاه الضفة الشرقية للقناة، استعدادا لتنفيذ الهجوم المضاد الرئيسى ضد قواتنا ومحاولة استعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الساعة الثانية من ظهر يوم 6 أكتوبر، وهو ما فشلوا فيه فشلا ذريعا بعد أن منيت قواتهم بخسائر فادحة.
عند أول هدوء للتحركات الإسرائيلية على الطريق الأوسط اندفعنا لعبوره صوب الجنوب، فى اتجاه منطقة الوديان التى تسبق المنطقة الجبلية التى تشرف على مطار المليز، والطريق الأوسط، والطريق الذى يربط الطريق الأوسط بممر متلا، والمعروف باسم (وصلة جفجافة بير تمادة). بعد عدد من الوثبات وصلنا إلى المنطقة الجبلية التى لم أكن أعلم أننى سوف أمكث بها نحو 6 أشهر.
• سيل من المعلومات عن العدو
مع غروب شمس يوم 7 أكتوبر كنا قد وصلنا موقع تنفيذ المهمة، وما إن تم ذلك حتى بدأت فى اختيار نقطة الملاحظة التى سأقوم من خلالها بمهام الاستطلاع فى هذا الموقع الحاكم. كان هدفى هو التحصن فى أعلى نقطة بالمنطقة الجبلية، كى أستطيع منها مراقبة الأهداف الحيوية التى أتابع نشاط العدو فيها بدقة وأمان.
صعدنا إلى أعلى نقطة فى امتدادات هذه المنطقة الجبلية، إلى أن وصلنا للنقطة التى رأيت أنها المناسبة لمهمتنا. كانت تتسع لثلاثة أفراد، وتجمع المزايا المطلوبة فى نقطة الملاحظة المثالية، من حيث إشرافها على هذا الموقع الحاكم وما يحتويه من أهداف حيوية مثل: مطار المليز، الطريق الأوسط، الطريق العرضى المعروف ب«وصلة الجفجافة بير تمادة»، الواصلة بين الطريق الأوسط ثم ممر الجدى وصولا إلى ممر متلا فى الجنوب، والتى يستخدمها العدو فى أعمال المناورة بالقوات.
بعد أن اخترنا نقطة الملاحظة، واختبار صلاحيتها للإرسال والاستقبال، قلت للرجال: الآن.. والآن فقط أستطيع أن أعطى القيادة تمام وصول المجموعة واحتلالها نقطة الملاحظة المثالية كما تم التخطيط لها.
لا أستطيع أن أصف مشاعرى، أثناء قيام العريف عبدالهادى بمحاولة تحقيق الاتصال الأول مع القيادة. قلوبنا تدق فرحا، وإن بحذر مخافة حدوث أى عطل بالجهاز، الذى يتوقف على عمله نجاح المهمة برمتها. تهللت أساريرنا بعد أن رأينا أمارات السعادة بادية على وجه عبدالهادى «تمام يا أفندم.. القيادة استقبلت إشارتى.. وجار الرد علينا».
بعد أن حققنا أول اتصال بالقيادة، حل الظلام على المنطقة. نزلنا لسفح الجبل لاختيار مكان نلتقى فيه الشيخ حسب الله، عندما يأتينا عند الغروب من كل يوم. رأيت أن صعود ونزول الرجل الخمسينى إلينا يوميا أمر شاق عليه على الرغم من لياقته البدنية العالية. كان الدليل يختفى عنا طوال النهار، وينخرط فى حياته العادية فى مضارب قبيلته. جاء الدور على مناقشة مسألة تأمين الحدود الدنيا من المأكل والمشرب فى هذه المنطقة الوعرة. لم يكن معنا إلا تعيين يكفى مدة 9 أيام هى مهمة المجموعة حتى تتصل بنا قواتنا التى من المفترض أن تندفع شرقا لاحتلال خط المضايق بعد 9 أيام قتال كما أخبرنى العقيد محمود عبدالله قائد الكتيبة عند تخصيص المهمة بالكتيبة، وكرره عند التلقين النهائى قبل تحرك المجموعة فى مطار ألماظة.
قال الشيخ حسب الله: نحن فى شهر رمضان ولا نعرف الظروف التى سنواجهها فى قابل الأيام. أعطيته مبلغا من المال لتدبير بعض أصناف الطعام، فاشترى لنا بعد يومين جوال دقيق، وعلبا من الصلصة، وشايا وسكرا، وعددا من علب السجائر لزميلى فرد اللاسلكى. اختار الشيخ حسب الله مكانا آمنا لتشوين هذه المؤن، بعيدا عن مخرات السيول ومياه الأمطار. وكذلك تغطيتها من عبث الزواحف والحيوانات المفترسة التى تتواجد فى مثل هذه المناطق الجبلية.
• أول يوم عمل
بعد الانتهاء من كل هذه الأعمال التى تلت وصولنا للموقع الذى حدده المخطط لتمركز المجموعة خلدنا إلى نوم عميق، بعد رحلة شاقة من مطار ألماظة وصولا إلى منطقة المليز، ونحن نتحسب للأخطار التى قد تواجهنا. هدأت الأعصاب، انصب تركيزنا كله على العمل الذى سنبدؤه اعتبارا من صباح باكر (8 أكتوبر).
لم ندر إلا وأشعة الشمس تنسدل على وجوهنا على استحياء فى ساعة مبكرة من الصباح. استيقظنا على الفور. ما أعظمها من لحظة تلك التى أمسكت فيها ال«نيكلز» (منظار مكبر)، لألقى نظرة على مطار المليز. تمكنت من نقطة الملاحظة العبقرية من رصد وعد الجنود وهم يركبون الطائرات المرابطة على الممر الرئيسى بالمطار. أيقنت أنه لا يمكن لطائرة إسرائيلية تهبط أو تقلع من هذا المطار دون رصدها ومعرفة نوع الحمولة بالنسبة لطائرات النقل.
ومنذ هذا اليوم بدأت المجموعة فى تأكيد البيانات العسكرية المصرية بشأن إسقاط الطائرات الإسرائيلية التى تحاول الهجوم على قواتنا على خط المواجهة على قناة السويس. كنت أرصد تشكيلات الطائرات المقاتلة أو القاذفة الإسرائيلية عند إقلاعها من مطار المليز. أحصر عددها بدقة عند الإقلاع، وأعيد رصد الطائرات التى عادت منها للمطار خلال عملية الهبوط، فإذا أقلعت 7 طائرات ولم يعد إلا 4 طائرات فقط، فيصبح احتمال قيام قواتنا بإسقاط الطائرات الثلاث الباقية كبيرا جدا، وهو ما تحققه أو تتحقق منه من خلالى قواعدنا الجوية أو دفاعاتنا الأرضية التى اشتبكت مع الطائرات المغيرة. كنت أعرف بياناتنا العسكرية من خلال الاستماع لإذاعة «B.B.C».
وجهت نظرى فى اتجاه مركز القيادة والسيطرة الإسرائيلى أعلى جبل أم مرجم. لاحظت فى البداية أن الرادارات المعلقة على قمتها ثابتة لا تتحرك، وهذا يعنى أنها قد تأثرت بالضربة الجوية المصرية التى انطلقت مع بداية العمليات. تأكد لى ذلك بمرور الوقت، حيث شهدت الأيام التالية عودة بعض هذه الرادارات للعمل، سواء عبر تحركها فى استدارة كاملة، أو على شكل مروحى. عرفت فى هذه اللحظة أهمية التدريب الذى تلقيته على «تمييز رادارات العدو»، وهو أحد موضوعات التدريب على تمييز أسلحة العدو سواء كانت برية أو جوية أو دفاع جوى ومنها الرادارات... إلخ.
كنت أنقل مشاهداتى التى أسجلها بدقة عن عمل هذا المركز إلى القيادة. رصدت الوقت الذى يتم فيه تشغيل كل الرادارات بهذه المحطة، والأوقات التى تعمل بنصف قوتها، أو ربع قوتها، وعند حدوث تغيير فى هذه التوقيتات كنت أبلغ بها القيادة أولا بأول.
تذكرت فى صباح اليوم الأول لتنفيذ المهمة ذلك القائد الكفء الذى خطط لتواجد مجموعة استطلاع مصرية فى هذا الموقع، الذى لا يمكن أن تمر معدة أو مركبة من وإلى خط القناة عبر الطريق الأوسط دون أن ترصدها المجموعة. وكذلك التحركات على الطريق العرضى الواصل بين الطريق الأوسط وممر الجدى وصولا إلى ممر متلا (وصلة جفجافة بير تمادا).
رصدت منذ اليوم الأول لعمل المجموعة جميع التحركات فى الاتجاهين من الشرق إلى قناة السويس فى الغرب حيث تدور المعارك، والعكس سواء عسكرية (التلرات، المدفعيات، الدبابات، عربات نقل الجنود، سيارات الإسعاف، الأقوال الإدارية من تلك التى تحمل تعيين وذخيرة) أو مدنية (ملاكى)، كنت أحصى أنواعها، وأعدادها، وتوقيتات تحركها، وكنت أرصد ما إذا كانت محملة أو فارغة، وكنت أرسل بيانا بكل هذه المشاهدات إلى القيادة فى نهاية اليوم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.