دعاء الحج والعمرة.. أدعية قصيرة ومستحبة للحجاج والمعتمرين هذا العام    وزير الإسكان يتابع موقف تنفيذ وحدات المبادرة الرئاسية "سكن لكل المصريين" ب5 مدن    شبكة أطباء السودان: اقتحام ميليشيا الدعم السريع للمرافق الطبية بالفاشر انتهاك صارخ للقوانين الدولية    لافروف: بوتين مستعد لقبول المقترحات الأمريكية بشأن أوكرانيا لكن واشنطن لم تقدم ردا مباشرا حتى الآن    مصرع شاب بعد تناوله حبة غلة بسبب خلافات أسرية في كفر شكر    استعدوا.. مصر هتفتح للعالم بابا جديدا من التاريخ|فيديو    متحدث الأوقاف: «مسابقة الأئمة النجباء» نقلة نوعية في تطوير الخطاب الديني    ترامب يحذر الحوامل مجددًا| لا تستخدمن دواء "تايلينول" إلا للضرورة القصوى    التعليم العالي: جامعة المنيا تستهدف التحول إلى مركز جذب للطلاب الوافدين    دبابة إسرائيلية تطلق النار على قوات اليونيفيل جنوب لبنان    وزير الخارجية يبحث مع نظرائه في فرنسا واليونان والسعودية والأردن تطورات الأوضاع    "سأرحل عن الفريق".. الكشف عن كلمات فينيسيوس بعد استبداله في الكلاسيكو    في 26 دقيقة فقط .. يحيى النوساني يهزم لاعب إسرائيل 3-0 ببطولة كندا للإسكواش    تقرير: أهلي جدة بدون محرز وكيسي أمام الباطن في كأس الملك    "لا أعلم سبب اللغط".. الكومي ينشر عقوبات السوبر المرسلة ل الزمالك وبينها إيقاف نبيل عماد    تراجع سعر الريال السعودي في بداية تعاملات اليوم 27 أكتوبر 2025    خروج 24 مصابا وتحويل حالتين لمستشفى الغردقة بحادث طريق الزعفرانة رأس غارب    بعد قليل.. محاكمة المتهمين ومصور فيديو الفعل الفاضح أعلى المحور    التخطيط: الشراكة بين مصر والأمم المتحدة تقوم على العمل المشترك لتحقيق أولويات التنمية    محافظ القاهرة يوجه بتخصيص جزء من الإذاعة المدرسية للتعريف بالمتحف المصرى    «المشاط»: التعداد الاقتصادي السادس يمثل تتويجًا لعملٍ ميدانيٍ ومؤسسيٍ متكامل    وزارة العمل تنشر نتائج حملات تفتيش على 721 منشآة    الرعاية الصحية: تكلفة تطوير مستشفى دار صحة المرأة والطفل بالسويس 870 مليون جنيه    العظمي 27..تعرف على حالة الطقس اليوم الاثنين 27 أكتوبر 2025 بمحافظة بورسعيد    وفاة شخص إثر تصادم تريلا مع ملاكي في قنا    حملات مرورية لرصد المخالفات بمحاور القاهرة والجيزة    القبض على سائق ميكروباص يدخن «شيشة» خلال القيادة بالإسكندرية    بعد غد.. وزيرا دفاع اليابان والولايات المتحدة يجتمعان في طوكيو    رضا عبد العال: توروب غير مقنع مع الأهلي حتى الآن.. والسوبر المصري الاختبار الحقيقي    مدير معهد الآثار الألماني: نتطلع بفرح غامر إلى الافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير    نورا ناجي: رواية حامل مفتاح المدينة تمزج بين الواقعية السحرية والخيال    إنقاذ سائحة إسبانية علقت داخل ممر ضيق فى هرم سنفرو المنحني بدهشور    أسعار الخضراوات والفاكهة بأسواق كفر الشيخ.. الفلفل ب20 جنيها    وزير الزراعة يعلن فتح السوق الفنزويلية أمام صادرات مصر من الرمان    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 27 أكتوبر 2025 في بورسعيد    الرقابة الصحية: إطلاق أول معايير وطنية لمكاتب الصحة والحجر الصحى    اتحاد المبدعين العرب: المتحف الكبير يجسد عبقرية المصري القديم وريادة مصر الحديثة    استقرار نسبي في أسعار الأسمنت اليوم الإثنين 27أكتوبر 2025 فى محافظة المنيا    مواقيت الصلاه اليوم الإثنين 27اكتوبر 2025 فى المنيا    سيراميكا كليوباترا: نسعى للاستمرار على قمة الدوري.. وهدفنا المشاركة القارية الموسم القادم    فريدة سيف النصر تعلن تفاصيل عزاء شقيقها اليوم    بطولة محمد سلام.. التفاصيل الكاملة لمسلسل «كارثة طبيعية» قبل عرضه الأربعاء    قرار عاجل من النيابة العامة بشأن واقعة التشاجر بين عائلتين في المنيا    أول أيام الصيام فلكيًا.. متى يبدأ شهر رمضان 2026؟    بسملة علوان ابنة القليوبية تحصد المركز الثاني ببطولة الجمهورية للكاراتيه    «معرفش بكره في إيه».. عبدالحفيظ يكشف رأيه بشأن التعاون مع الزمالك وبيراميدز في الصفقات    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الاثنين 27 أكتوبر    مصرع شخص سقط من الطابق الرابع بمنطقة التجمع    لاتسيو يقهر يوفنتوس.. وتعادل مثير بين فيورنتينا وبولونيا في الدوري الإيطالي    إسرائيل تنسحب من منطقة البحث عن جثث المحتجزين في غزة    مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 27-10-2025 في الشرقية    الدفاعات الروسية تتصدى لهجوم بمسيرات استهدف العاصمة موسكو    "البلتاجي "على كرسي متحرك بمعتقل بدر 3 ..سر عداء السفاح السيسى لأيقونة يناير وفارس " رابعة"؟    الأمم المتحدة تطالب بممر آمن للمدنيين المرعوبين فى مدينة الفاشر السودانية    نمط حياة صحي يقلل خطر سرطان الغدة الدرقية    الزبادي اليوناني.. سر العافية في وجبة يومية    شيخ الأزهر: لا سلام في الشرق الأوسط دون إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس    من هو صاحب الذهب المشتراه من مصروف البيت ملك الزوجة ام الزوج؟.. أمين الفتوى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جبروت الفراشة
نشر في الشروق الجديد يوم 17 - 09 - 2009

قلت لنفسى: نحن على أبواب عيد، أعاده الله على الدنيا والناس باليمن والبركات، وقلت: من حقى وحق الناس أن نستريح قليلا، أن ننعم بالسلام فى أيام من التسامح والود، نتناسى كل هذا الشقاء المحدق بنا، وعتمة الأفق الذى يسده نفرٌ أنانىٌ من بيننا، نلوذ ببعض الجمال والرقة، نجدد بكارة أرواحنا التى تشيخ بسرعة، فى دائرة شريرة فرضتها أنانية البعض، دائرة عنف القاهر وعصبية المقهور.
وهل هناك أرقُّ وأجمل من الأزهار والورود؟.. تساءلت وكان السؤال يتضمن الإجابة، وبدأت أكتب منطلقا من اكتشاف علمى حديث مُدهش، للباحثين «جون وارين» و«بترى جيمس» من جامعة «أبيرستويث» البريطانية، تبين فيه أن الزهور ترقص للفراشات لتجذبها إليها، والزهرة التى ترقص أفضل تجذب أكثر، وتُنتج من البذور أكثر وأكثر. قانون الإغواء التاريخى نفسه الذى يعرفه البشر. لكننى بينما كنت أتمثّل تمايل الإغراء السرى للزهور، وجدت نفسى ملتفتا للفراشات التى تُغويها الزهور، كائنات أخرى من الجمال والرقة، تكاد تحمل وحدها عبء استمرار حياتنا وحياة كل الكائنات على كوكب الأرض، وهى تعشق الزهور والنور، وفى رفيف عشقها تنقل رسائل الحب من قلوب الزهرات إلى أفئدة الزهر، حبوب لقاح تُخصب شجر الغابات ومحاصيل الحقول، فتكون الثمار، غذاء كل الكائنات النباتية، والتى بدورها تصير غذاء لكل الكائنات اللاحمة، بينما يأكل الإنسان الصنفين!
مائة وخمسون ألف نوع من الفراشات ترف على ظهر كوكبنا، وتمثل الزناد الذى يحرر الطلقة الأولى لدورة الحياة فى هذا الكوكب، أليس ذلك بالدور المهول؟
تساؤل آخر يتضمن الإجابة، وهذه الإجابة يعززها اكتشاف علمى فى السياق نفسه، وإن كان أقدم قليلا من اكتشاف رقص الزهور للفراشات، واسم هذا الاكتشاف «تأثير الفراشة» Butter fly effect، صكَّه عالم الأرصاد والرياضيات الأمريكى «إدوارد لورينتز» عام 1963.
كان لورينتز يعمل كمتنبئ بالأحوال الجوية للجيش الأمريكى فى الحرب العالمية الثانية، وحيّرته كثيرا، كما لاتزال تحير العالم، تلك المفاجآت التى يتحدى بها الطقس كل الحسابات الدقيقة لعلماء الأرصاد الجوية. وبعد الحرب تفرغ لورينتز لأبحاثه كعالم مشغول بنظرية الشواش، أو العماء، أو الفوضى Chaos، وهى نظرية تحاول استشفاف النظام الخفى والمُضْمَر، فيما نظن أنه نُظم عشوائية مثل تقلبات الجو.
وبينما كان يراجع سلسلة من الحسابات المعقدة تقوم بها كمبيوترات عملاقة فى معمله، لاحظ أن دخول متغير ضئيل للغاية، كرفة من جناح فراشة، وسط هذه السلسلة، يمكن أن يُحدِث اختلافا هائلا أبعد ما يكون عن النتيجة المتوقعة.
خرج لورنتز من ملاحظته تلك على العالم بنظرية «تأثير الفراشة»، وفسّر هذه النظرية الفيزيائية الرياضية بشكل بسيط يقول إن رفة جناح فراشة فى الصين قد تتسبب عنها، بفعل تضاعُف التأثير، فيضانات وأعاصير ورياح هادرة فى أبعد الأماكن فى أوروبا أو أمريكا أو أفريقيا. ومنذ العام 1963 وقمة العِلم فى العالم مشغولة بمحاولة الإمساك بسر هذا التأثير الجبار الذى تُحدِثه فراشة!
ثم إن نظرية «تأثير الفراشة» لم تعد محصورة فى نطاق البحث العلمى، بل خرجت لتُلهم الأدب والفن وعلم النفس والسياسة، فهناك فيلم بالاسم ذاته يوظِّف النظرية فى المجال النفسى، متحدثا عن شخص اسمه «إيفان»، تعرض لصدمات نفسية فى طفولته وعرضته والدته على طبيب نفسى خشية أن يرث مرض والده العقلى، ونصحها الطبيب بكتابة تقرير يومى عن نشاط الطفل حتى يمكن الرجوع إلى هذا التقرير فى المستقبل. كبر الطفل وصار مدرسا لعلم النفس، وبدأ يقرأ تقرير طفولته، لعله يفهم آلية تحول الصدمات النفسية الصغيرة التى تعرض لها مبكرا، إلى أعراض نفسية مرضية كبيرة ترهقه عند النضج، وكان عليه لتغيير حاضره النفسى أن يغير ماضيه، ولم يكن ذلك ممكنا، فتأثير الفراشة النفسى كان من الضخامة بحيث تجاوز حدود استطاعته.
لم يتجاهل الأدب أيضا إيحاءات هذه النظرية، وفى شعرنا العربى كان هناك من استلهمها بشكل أرهف وأخصب وأرحب، وأكثر إشراقا من ذلك الفيلم العالمى، فعلها العبقرى محمود درويش. وفى كتاب يومياته الأخير، الذى يمزج بين النثر والشعر، والذى أعطاه إسما أكثر موسيقية ورشاقة، فكان «أثر الفراشة».. يقول درويش:
«أثر الفراشة لا يُرَى
أثر الفراشة لا يزول
هو جاذبيةُ غامضٍ يستدرج المعنى، ويرحل
حين يتضح السبيلُ
هو خفة الأبدىِّ فى اليومى ّ
أشواق إلى أعلى
وإشراق جميل
هو شامة ٌفى الضوء تومئ
حين يرشدنا إلى الكلماتِ
باطننا الدليل
هو مثل أغنية تحاول ُ
أن تقول، وتكتفى
بالاقتباس من الظلالِ
ولا تقول..
أثر الفراشة لا يُرَى
أثر الفراشة لا يزول!»
نعم أيها الغائب الحاضر الجميل، أثر الفراشة لايزول، ولعله يكون أوقع وأنفع من الحرب والضرب، والدهس والهرس، والهرج والمرج، والصراخ الصراخ الصراخ، فأثر الفراشة على مدى الأيام أقوى وأبقى.
وعيدكم سعيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.