السعودية والإماراتوالبحرين ومصر ودول عربية أخرى طلبت من قطر التوقف عن دعم الإرهاب، فردت قطر بتوقيع اتفاق مع الولاياتالمتحدة بشأن الموضوع نفسه، وليس مع هذه البلدان! فما هى الرسالة التى يمكن قراءتها من السلوك القطرى منذ قطع جيرانها علاقاتهم معها، ونهاية بالاتفاق الذى وقعته مع وزير الخارجية الأمريكى ريكس تيلرسون يوم الثلاثاء الماضى؟ الملاحظة الأولى أن قطر تعاملت باستهتار بالغ مع مطالب الأشقاء والجيران، وقررت أن «تهرب إلى الأمام»، ولذلك فإن كل جولات قادتها خصوصا وزير الخارجية محمد بن عبدالرحمن اتجهت إلى العواصم العالمية الكبرى من موسكو شرقا إلى واشنطن ونيويورك غربا مرورا بلندن وباريس وبرلين وروما. لكن التركيز الأساسى كان على واشنطن، لندن دعمت باستحياء كعادتها ومن وراء الستار وجهة النظر القطرية، لكن واشنطن هى التى تولت دور المدفعية الثقيلة. فى البداية كانت الإشارات الصادرة من العاصمة الأمريكية مرتبكة ومشوشة. تغريدات من الرئيس دونالد ترامب تهاجم قطر وتنحاز شكلا للدول العربية وتطالب بوقف تمويل الإرهاب، لكن التصرفات على الأرض خصوصا من وزارتى الخارجية والدفاع انحازت فعليا للموقف القطرى، ورأينا ذلك فى التصريحات الصادرة عن الوزارتين والمناورات البحرية العسكرية المشتركة بعد أقل من اسبوع من اندلاع الأزمة. استقواء قطربالولاياتالمتحدة لم يعد يحتاج لدليل، فقبل لحظات من اجتماع وزراء الدول الأربع فى القاهرة يوم الاربعاء قبل الماضى، لتشديد العقوبات بعد رفض قطر الاستجابة لمطالبها ال13، اتصل ترامب بالرئيس السيسى وكانت النتيجة العملية هى وقف اتخاذ القرارات وصدور بيان عمومى. ويوم الإثنين الماضى وقبل أن يصل تيلرسون للرياض سربت الدول الأربع وثيقة وقعت عليها قطر عام 2013 وآليات تنفيذها عام 2014، تكشف عن أن الحكومة القطرية وافقت على مجمل المطالب ال13. تسريب الوثيقة عبر فضائية «سى إن إن» بعث برسالة لواشنطن مفادها أن المطالب الجديدة هى نفسها القديمة، وأن جوهر القضية أن الدوحة لم تلتزم بها. الآن وبعد أكثر من شهر على اندلاع الأزمة يتبين أنها أخطر مما تصورنا، فالتسريبات الصادرة من السعودية تتهم قطر علنا بأنها سربت معلومات عسكرية للمتمردين فى اليمن، وتآمرت على السعودية بتشجيع التمرد فى العوامية، وتآمرت على البحرين بمحاولة القيام بانقلاب، وتآمرت على الإمارات بتجنيس أعضاء جماعة الإخوان الإماراتيين وتسهيل تحركاتهم، أما تآمرها على مصر فمستمر منذ عام 1995. من حق قطر أن تبحث عن دور وزعامة، لكن شرط ألا يكون على حساب أمن الآخرين، ومن حقها أن يكون لها سيادة مستقلة بعيدا عن «وصاية الكبار»، لكن شرط ألا يكون ذلك بأن تمارس هى الوصاية على البلدين، وأن تدعم المعارضة فى هذه البلدان وتعتقد أن ذلك سيمر مرور الكرام!. المربك حتى هذه اللحظة هو الموقف الأمريكى، ونتذكر جميعا ريكس تيلرسون أثناء جلسة تثبيته فى الكونجرس فى يناير الماضى، وهو يتعهد بأن إدارته سوف تجتث «الإرهاب الإسلامى» ذاكرا الإخوان بالاسم. اليوم اختلف الأمر تماما، وصار يرى تصرفات قطر راعية الإخوان وممولة الإسلام السياسى «معقولة»!. ما الذى تغير.. هل رؤية الوزير أم أن سياسة الادارة السابقة ما تزال مستمرة؟!. للموضوعية فإن أزمة قطر الأخيرة جعلت «اللعب على المكشوف» فى المنطقة، خصوصا فيما يتعلق بجوهر السياسة الأمريكية، وعلاقتها بالإسلام السياسى. الآن مثلا يمكن فهم سر بطء وتردد الولاياتالمتحدة فى محاربة داعشن رغم أنها تزعمت تحالفا دوليا من 30 بلدا فى صيف 2014، لكن الجهد الأكبر فى المعركة قادته روسيا، ولولاه لربما سيطر داعش على الجزيرة العربية أو أدى لتفكيك المنطقة. الآن أيضا يتضح أن واشنطن هى التى وقفت وراء «السياسات القطرية» وليس العكس لغرض فى نفس يعقوب!!. إذا صح كل ما سبق فإن البلدان العربية خصوصا الدول الأربع عليها التعامل والتفاوض مباشرة مع الولاياتالمتحدة، بدلا من إرهاق الكويت فى وساطة، تبين لنا أنها لم تسفر عن شىء إلا شعور الأمير صباح الأحمد بالمرارة.