القرآن الكريم صرح بنزوله فى ليلة مباركة، هى ليلة القدر، ولو أخذنا نعدد فى قدر هذا الكتاب ما وسعتنا الأوراق والأقلام، أما هذه الليلة فى حد ذاتها فقدرها يفوق سائر الليالى. فمن قدرها عند ربها أنها ليلة فارقة بين ظلمة الجاهلية ونور المعرفة، بين ظلمة الشرك ونور التوحيد، بين ظلمة الكهانة ونور التشريع، بين ظلمة القبيح ونور الحسن، بين ظلمة الخطأ ونور الصواب، بين ظلمة الخطيئة ونور الإستقامة. ويضيف: «أن هذه الليلة هى ليلتى أنا الإنسان الذى أخلد إلى الأرض وأعرض عن الخير وأدار ظهره للحق، هذه فرصتى للتصحيح هذه ليلتى أنا فقد جاءت بالدواء الشافى، المجانى، الناجح لجميع أمراض وأمراض الإنسانية، فهل يتجافى الإنسان عن حظه وخيره ونجاته؟ وإذا قدر الله جل جلاله بأنها خير من ألف شهر، وهو الغنى عن كل شىء فإن مثلى يقدر تلك الليلة بأنها خير من العمر كله، إذ ما قيمة العمر، إذ لم يجد بوصلة تلك الليلة، فيهتدى بها، وأشعة نور تلك الليلة فيبصر بها. فهل ليلتى الذى نزل فيها روحى الذى أعيش به، ونورى الذى أرى به، وأملى الذى أسعى إليه، وهو رضاى عن ربى ورضا الله على ،تلك الروح التى حطمت الأصنام، وأحيت الأموات، وأيقظت الحياة النائمة فإذا بأعراب الصحراء هم صناع المدنية وحملة الخير ومؤدبى الطواغيت وناشرى الحق ومنقذى المظلومين. هذه ليلة زاد نورها فمن تعامى عما نزل فيها، سيعيش أعمى ويبعث أعمى وليلتى هذه وهى (سلام هى حتى مطلع الفجر..) مدخل السلام من أى كيد، السلامة من أى عجز، السلم من أى حرب. فنسألك اللهم بنور وجهك الذى أشرقت به الأنوار، وانداحت به الظلمات أن تشملنا بعفوك وكرمك، فلا تغادر ذنبا ولا سيئة إلا وغفرتها، ولا حاجة ولا مصلحة إلا وقضيتها. إن ليلة القدر هى الليلة التى تعرف النفس فيها قدر ذاتها فلا تتعالى فوق الآدميين ولا تتسافل إلى الحيوانية.. فهذا تقدر النفس على ضبط مركزها ومعرفة إتجاهات حركاتها وإختيار رفاق الطريق. هذه ليلتى أعرض نفسى على نفسى فى غيبة الجن الذين قيدهم الله، وسلسلهم، وفى غيبة سلطانى ومالى ومظاهر قدرتي... هذه ليلتى أناجى فيها ربى بأسمائه الحسنى، العفو الكريم فالعفو الذى يمحو ذنوبى فلا يبقى لها أثرا، والكريم الذى يجزى حسناتى بأكثر من قيمة أعمالى، فاللهم إنك عفو كريم تحب العفو فأعفو عنا.