بعد خروج القوات السورية سنة 2005، سنحت الفرصة لولادة لبنان جديد تسيطر عليه الثقافة الديمقراطية، تبني واحة للنقاش و التعبير الحر بقياس بيروت الحداثة، لتعود هذه المدينة جميلة كما كانت. عند انتهاء الحرب الأهلية سنة 1990 ، لم يستطع اللبنانيون الانتقال من "السلم الأهلي السلبي" إلى "السلم الأهلي الايجابي" من إسكات البندقية إلى إعادة اختراع بلد اسمه لبنان ،إذا صح التعبير، و إعادة ولادة العرب، من اجل مستقبلنا ومستقبل الأجيال الآتية لمنحهم متعة الحرية. هذه هي مهمة بيروت، التي طالما أتمتها من خلال صحافتها، الوسيلة الأفضل للديمقراطية و للثقافة. للسياسة والنظام السياسي الطائفي قصة أخرى، تبدأ بتوافق داخلي و ترافق إقليمي مع وجود لبنان تتقاسمه الطوائف و الجماعات السلطة و الحكم و المال العام. فالعودة إلى السلاح ما زالت فكرة واردة عند من يحمله، كما أن عسكرة النظام الذي بدأ في عهد الوصاية السورية و ما زال قائما مع الوصاية السورية من الداخل، من خارج الحدود بالتعليمات الدقيقة التي تصل إلى حلفائها في الداخل.العسكرة تعني تغيير صورة لبنان و بالتالي نهايته. لقد أعطت الصحافة و أهل الفكر والثقافة و المجتمع اللبناني النكهة اللبنانية في الحرية لهذه المنطقة. و ليس بالصدفة أن يكون رجال الصحافة شهداء الاستقلال الأول و الاستقلال الثاني و الاستقلال الثالث. ناهيك عن تكلفة إقامة المحاور العربية. و تكبدت انتفاضة الاستقلال خسارة مهندسيها الصحافيان سمير قصير و جبران تويني مكملين مسيرة شهداء الصحافة اللبنانية الذين أعدمهم على باشا الجزار عام 1916. احد أحلام هذا اللبنان الجديد كان عودة بيروت مركزا إعلاميا مهما في المنطقة . "جدار الخوف" الذي دمر في انتفاضة الاستقلال سنة 2005، أراد إطلاق حرية التعبير مجددا بعيدا عن أجهزة المخابرات الأمنية في التدخل المباشر أو في فرض الرقابة الذاتية. و لكن أين أصبح هذا الحلم اليوم و أين الصحافة اللبنانية؟ سنوات العز للصحافة المكتوبة في الستينات و التي كانت ترعب الأنظمة العربية انتهت. و القنوات الفضائية اللبنانية التي تطورت في بداية التسعينات بشكل ملفت، لم تستطع أن تؤدي دور الصحافة اللبنانية في دمقرطة المجتمع لبلد يخترع ذاته بعد حرب أهلية، و في منطقة تبحث عن نفسها . المشهد التلفزيوني دخل الحروب الصغيرة الطائفية و المذهبية بقانون إعلام يعززها، بالإضافة إلى عدم قدرة القنوات الفضائية على تناول القضايا السياسية الأخرى في الشرق الأوسط. لقد أدى الانعزال نحو السياسة المحلية بزواريبها الضيقة إلى تراجع المهنية و قسمت لبنان إعلاميا، فكل طائفة أو جماعة اختارت قنواتها و جرائدها. اللبنانيون اليوم يتوجهون إلى الإعلام العربي المتمركز في الخليج او في العواصمالغربية بعيدا عن الزبانية وعن قانون للإعلام يعطي لكل زعيم حصته الإعلامية. كان الحلم أن تعود بيروت المركز الإعلامي للمنطقة. كان الحلم يريد لبيروت أن تنشر من خلال صحافتها التعددية و المهنية الحرية. ألم يقل غرامشي أن الثورة الغير مكتملة هي عالم قديم يموت و آخر جديد لم يولد بعد؟ ابتسم لنا المستقبل و بيروت ترتعب لحلمه و مستقبلها.