تخطى النقاش عن العمران الذي تشهده العاصمة اللبنانية بيروت بعده الجمالي وما اذا كانت الحداثة تتعارض مع الثراث ليطال بعده الاجتماعي. فبيروت التي كانت وحتى بعد انتهاء الحرب الأهلية مدينة تحتفظ بأحياء تراثية عدة أخذت معالمها تتغير بالكامل. وعملية العمران التي تجتاح أحياءها تبدو وكأنها تقضي أيضا على نسيجها الاجتماعي والتنوع الطائفي الذي امتازت به بعض الأحياء. وهو ما يشدد عليه نقيب المهندسين السابق عاصم سلام الذي يعتبر من أشد المعترضين على عشوائية العمران القائمة حاليا والتي تؤدي إلى فرز ديموجرافي إلى جانب كونها تغير هوية العاصمة. ف "التهجير" الذي حصل في بيروت نتيجة الانقسام والتشرذم أدى إلى هدم التراث الاجتماعي الذي كان قائما والذي يعتبر قيما جدا. كما أن عمليات الهدم القائمة تزيل معها نسيجا اجتماعيا مختلطا كان قد بدا خلال الحرب. الحرب ومعالم بيروت لعبت الحرب اللبنانية دورا أسياسيا في تغيير معالم العاصمة، المعالم الحسية والاجتماعية على وجه الخصوص، لكن تصنيف الأبنية الذي جرى في مراحل عدة بعد الحرب من قبل وزارة الثقافة في محاولة للحد من هدم البيوت القديمة كان يتلاشى أمام الرغبة في استبدال بيوت القرميد الصغيرة بمبان تجارية عالية. ويعتبر عاصم سلام أن تحديد الأحياء التراثية لم يرفق بإجراءت تطبيقية "عندما تضع البلدية إشارات على بعض المناطق بأنها أحياء تراثية لا يترافق ذلك مع إجراءات لحماية تلك الأبنية والأحياء" . ويوضح قائلا "الحي يعتبر تراثيا طالما أن الأبنية موجودة ولكن عندما تهدم تلك الأبنية يجري محو الطابع التراثي لتلك الأحياء وهذا ما يحصل". النقاش حول هذا الموضوع ما زال يقتصر على الحلقات الضيقة على الرغم أنه بدأ يثار في الوسط الثقافي اللبناني من خلال بعض المعارض وحتى المسرحيات، كالمسرحية التي عرضت في بيروت لجو قديح عن هذا الموضوع بالذات. وقد وجه خلالها الكاتب المسرحي نقدا لاذعا لعمليات الهدم القائمة "شعرت أن المنطقة تتغير بشكل بربري ووحشي وهنالك هجمة غير طبيعية وغير مبررة. كان هذا الشيء منظم لتغيير طبيعة أحياء بيروت فيخرج منها سكانها الأصليون ليحتلها الأغنياء من جنسيات مختلفة". حرب لبنان قضت على قلب بيروت التراثي، لكن مرحلة السلم لم تشهد محافظة على تلك المنازل، وأينما تتجول في أحياء بيروت تجد وميزتها عن غيرها من المدن اللبنانية والعواصم.