• محمد عفيفى يطرح السؤال الأبدى: مجىء العثمانيين إلى المنطقة العربية فتح أم غزو؟ • المجتمع العربى تحت الحكم العثمانى.. لا جنة ولا نار.. والمرأة وأصحاب الحرف والأشراف أكثر الرابحين «بماذا يمكن وصف ضم الدولة العثمانية للعالم العربى ومجىء السلطان العثمانى سليم الأول إلى العالم العربى فى عام 1516/ 1517؟». هذا هو السؤال المحورى الذى يطرحه المؤرخ محمد عفيفى فى كتابه «عرب وعثمانيون رؤى مغايرة» الصادر عن «دار الشروق» فى عام 2005 ضمن سلسلة إعادة قراءة التاريخ المصرى وبحسب ما تشير اليه دار النشر فى كلمتها فإن «الغزو أم الفتح؟ سؤال يبدو فى منتهى البراءة لكنه فى الحقيقة محمل بألغام أيديولوجية ومناظرات فى تاريخنا العربى الإسلامى». ويتناول الكتاب الشيق والقصير، الذى يقع فى أقل من مائة صفحة من القطع الكبير، مناح مختلفة للتفاعلات العثمانية العديدة فى الحياة والثقافة والعمارة واللغة وبالتأكيد فى صيغ الحكم التى تمايزت فيها التجارب بين الأقطار العربية الواقعة تحت ظلال الخلافة العثمانية. ولفت الكاتب فى تمهيد الكتاب إلى ان «هناك تيار قوى مصرى وفى بعض البلدان العربية قومى ينظر إلى مجيء العثمانيين إلى المنطقة العربية فى مطلع القرن السادس عشر على انه بمثابة غزو عانت منه المنطقة العربية لنحو أربعة قرون وان هذا الغزو كان فى الوقت نفسه من عوامل نمو الوعى القومى العربى كما أنه جاء «دون رغبة من أهل المنطقة». التيار المعاكس الذى يلفت اليه عفيفى هو تيار «أيديولوجى إسلامى» ينظر إلى مجىء سليم الأول إلى العالم العربى فى العقد التانى من القرن السادس عشر على انه«فتح جديد فى تاريخ الإسلام» كان من شأنه حماية العرب والمسلمين من السقوط سريعا فى أيدى «اوروبا الصليبية الجديدة» بل ويصل به الأمر إلى ارجاع النكبة الفلسطينية إلى سقوط دولة الخلافة الاسلامية العثمانية. وما بين الطرحين يقدم كتاب عفيفى سؤالا اضافيا للسؤال الرئيسى الوارد فى عنوان كتابه: هل كانت مصر على سبيل المثال مستقلة تحت حكم المماليك قبل وصول العثمانيين؟ وهل يمكن فعليا اعتبار حكم محمد على واسرته الذى امتد حتى قيام ثورة يوليو جزءا من الاستقلال الوطنى المصرى؟ سؤال عفيفى يقع بين طرح مفرط فى وصم الحكم العثمانى بالاحتلال، بما فى ذلك ما قال به الكاتب جورجى زيدان من أنه «فسدت ملكة اللسان وجمدت القرائح واصاب الشعر ما أصاب سائر الآداب العربية فى هذا العصر» أو ما كتبه المؤرخ عبداللطيف حمزة من تأثير منظر شنق السلطان المملوكى طومان باى على باب زويلة من إهدار لوضع مصر كدولة كبرى فى الشرق العربى، او ما قال به المورخ اندريه ريمون من ان الاحتلال من امبراطورية قوية موحدة« كان لنفع الدول لعربية التى كانت قد استحالت إلى كيانات تعانى من الإرهاق بل إنه ايضا كان مفيدا لكبريات المدن العربية التى أصبحت تواجه تحديات إثر التدهور السياسى الذى عم البلدان العربية». ويقف كتاب محمد عفيفى على اعتاب السؤال الاكثر محورية فى نقاش «فتح أم غزو؟» وهو السؤال المتعلق بغلبة الاتراك على العثمانية وبالتالى لا يتردد المورخ فى الحديث عن محاولات لم تكن ناجحة حسبما يمكن أن يخلص قارئ الكتاب ل«تتريك» العالم العربى، هذا من ناحية، ومن الناحية الاخرى يتناول كتاب عفيفى ايضا وقوع البلدان العربية المشمولة فى الدولة العثمانية تحت الاحتلال الغربى شأنها فى ذلك شأن بلدان عربية اخرى لم تقع تحت ظلال الحكم العثمانى، كما وانه يطرح فى نفس السياق ما يتعلق بما يمكن وصفه اجمالا بتمرد محمد على، حاكم مصر غير المصرى، على السلطان العثمانى وسعى جيوش محمد على لكى تضم إلى امارة حكمه بلدان هى فى الواقع مشمولة بالحكم العثمانى بدون اقرار الدولة العثمانية. فى سياق ما يطرحه عفيفى على قارئه يستعرض تقييمات اتى بها مفكرون عرب ومصريون لمدى تأثير الحكم العثمانى سلبا وإيجابا على حال البلدان العربية، كما يستعرض ايضا المؤثرات التى تقاطعت مع تأثير الحكم العثمانى وعلى رأسها الثقافة الغربية التى وصلت إلى البلدان العربية فى سياقات متعددة ليس اقلها تأثيرا الحملة الفرنسية على مصر أواخر القرن الثامن عشر والاحتلال الفرنسى لبلدان شمال افريفيا أثناء القرن التاسع عشر، بما فيها التى لم تقع تحت سيطرة الدولة العثمانية، وكذلك ابتعاث المثقفين العرب إلى بلدان أوروبا وتأثرهم بما وجدوا هناك من تيارات فكرية وعلمية وثقافية. ويرى عفيفى أن هذا التأثير، مدعوما فى جانب منه بمد القومية العربية التى رأت بصورة ما أن الانفتاح على الثقافة الغربية هو مقطع من مسيرة الخلاص من الحكم العثمانى بل انه يذهب ايضا للتلميح او ربما للتصريح انه لولا الهزيمة العسكرية التى عانت منها الجيوش العربى فى يونيو 1967 بعد أقل من عقدين من حرب 1948 ربما ما عاد المد الاسلامى ولما عاد الحديث فى بعض المساحات السياسية عن الهوية الاسلامية الجامعة للدول العربية والتى كان الحكم العثمانى المظلة الاساسية لها فيتجدد مرة اخرى الحديث عن «المشروع الحضارى الاسلامى». ويعد العنوان الذى اختاره عفيفى للفصل الرابع من كتبه «لا جنة ولا نار، المجتمع العربى فى العصر العثمانى» بمثابة الموقف الرئيس للكاتب من السؤال الأساسى: غزو أم فتح؟، حيث يشير إلى ما تمتع به العلماء وطوائف الحرف والتجار من وضعية اقتصادية ومجتمعية يوصفها اجمالا بانها كانت جيدة، كما يشير بنفس التقدير لأوضاع النساء سواء فى سياقات الاسرة، والى الدور الذى لعبته المرأة فى موسسة الوقف«سواء من خلال الوقف كاستثمار او حتى كإدارة الاوقاف كناظرة عليها» بل و«اعادة رسم خريطة الاحياء فى المدن حت تم اطلاق اسماء بعض النساء على بعض المناطق«، ذلك اضافة لما تمتع به«لاشراف» من مكانة، وكان للطرق الصوفية من حيثيه متميزة بل ولسعى الحكم فى حينه للاستفادة مما كان لهذه الطرق من تأثير. كتاب عفيفى لا يصدر حكما نهائيا يتوقع من القارئ قبوله ولكنه يقدم اطروحات متنوعة ورسما عرضيا لحال البلدان العربية وقت الحكم العثمانى ويرصد شيئا من ثنايا تفاعلات مازال الكثير منها قائما حتى اليوم، مع تجدد الحديث يقوة عن طبيعة العلاقات العربية التركية فى العقد الثانى من الألفية الثالثة، بعد قرابة مائة عام من سقوط الدولة العثمانية رسميا.