فى سبيله إلى إثبات نظريته بأن تاريخ الخلافة الإسلامية تحوّل على يد مجموعة من السياسيين والأكاديميين، على خلاف الحقيقة التاريخية، إلى أسطورة ليست لها أى جذور واقعية رجع الدكتور محمد عفيفى رئيس قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة القاهرة إلى تاريخ حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان، وأخذ يحلل الأسباب والدوافع التى جعلته يتبنى هذه الدعوة مقدما قراءة تشريحية فى عقل وأفكار حسن البنا والأفكار السائدة فى المجتمع والظروف السياسية فى مصر والعالم وقتها. يبدأ عفيفى بحثه التاريخى المتضمن فى كتاب «الإسلام السياسى وإحياء الخلافة» بفقرة منهجية مهمة فيقول «من أهم الميادين الجديدة فى حقل الدراسات التاريخية إعادة قراءة التاريخ وتفكيك العلاقة بين التاريخ والأسطورة»، وفى حوارنا معه يشرح الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للثقافة المعضلة التاريخية التى تعرضت لها جماعة الإخوان منذ 30 يونيو قائلة إن الجماعة تمر بأصعب فترات تاريخها وعليها أن تتخلى عن الأفكار القديمة التى لم تعد تناسب العصر، ففى الوقت الذى تسعى فيه الجماعة إلى أستاذية العالم، فإن سيادة الهواتف الذكية باتت تفرض نفسها وقيمها على الجميع. قال عفيفى إن سر نجاح جماعة الإخوان فى بدايتها أنها كانت دعوة توفيقية جمعت بين المتناقضات لكن هذا كان سبب فشلها لاحقا، فالبنا فى تعريف جماعته قال إنها دعوة سلفية وحركة صوفية وجماعة رياضية، ودخل المجال السياسى مرتديا عباءة الدين، وهذا الارتباك ظهر جليا فى هيئته حيث ظل حائرا بين بدلة الأفندية وعباءة الشيوخ وهما نمطان اجتماعيان كانا سائدين فى المجتمع المصرى وقتها. ■ بدأت جماعة الإخوان دعوية لكنها سرعان ما تحولت لتسييس الدين، هل كانت تلك البداية مجرد ترغيب لضم الأعضاء تحت شعار الدين، بينما هدفها الأول هو السلطة؟ - بدأت جماعة الإخوان وهو ما سيتضح فى كتابى «الإسلام السياسى والخلافة.. التاريخ والأسطورة» على يد الشاب حسن البنا، وكان فى العشرينيات من عمره، وكان البنا قد تأثر بشيئين: أولا تأثر برشيد رضا داعية الخلافة ومن المنظرين لفكرة أن العالم سينهار مع سقوط الخلافة، أما التأثير الثانى فكان بمحمد فريد وكتابه «تاريخ الدولة العلوية» والذى قال فيه إن الخلافة هى الأساس وأهدى كتابه للسلطان عبدالحميد الثاني، والخديو عباس، مضمونه حول أن الغرب كله ضدنا وإحياء الخلافة هو الأساس لإنقاذ العالم الإسلامى. هذان العاملان أثرا بشدة فى تفكير حسن البنا حتى إنه قال فى «مذكرات الدعوة والداعية»: وما زلت أذكر يوم دخل علينا أستاذنا الشيخ محمد خلف نوح المدرس والدموع تترقرق فى عينيه فسألناه الخبر فقال: مات اليوم فريد بك، وأخذ يحدثنا عن سيرته وكفاحه وجهاده فى سبيل الوطن حتى أبكانا جميعًا، وأوحت إلى البنا هذه الذكرى ببضعة أبيات ما زلت أحفظ مطلعها وشطرا آخر: أفريد نم بالأمن والإيمان / أفريد لا تجزع على الأوطان / أفريد تفديك البلاد بأسرها»، هكذا ينظم الشاب حسن البنا الشعر فى مديح محمد فريد، ولنا أن نتخيل مدى تأثير محمد فريد وأفكاره على هذا الجيل. الأمر الثانى هو تأثير السيد محمد رشيد رضا على حسن البنا سواء فى إكسابه الطابع السلفى، أو مسألة الدفاع عن الخلافة، وضرورة العمل على إحيائها من جديد، وتصوره لفكرة سلفية التاريخ عنده أن العالم الإسلامى من أيام الرسول إلى 1924 وهو عام إلغاء الخلافة كان قائما على أساس الخلافة، وأن انهيار هذا النموذج هو نهاية التاريخ وهو ما لم يحدث أصلا. ■ وهل يستفيد الإخوان من التاريخ؟ - للأسف الشديد إن عيب جماعة الإخوان منذ بداية تأسيسها والذى يستمر معها حتى هذه اللحظة، هو غياب النقد التاريخي، فالتاريخ لدى جماعة الإخوان مقدس وليس لديهم نقد تاريخي، لذا يكررون أخطاءهم بالتالى فكرتهم عن الخلافة مقدسة وكيف للعالم أن يعيش بدونها، لم يدرس أحد من جماعة الإخوان التاريخ، وأن الخلافة تحولت إلى ملك عضوض على يد الدولة الأموية، لم يدرس أحد منهم ليعرف أنه كان هناك أكثر من خليفة فى نفس الوقت، وعلى سبيل المثال كان هناك الخليفة العباسى فى بغداد وفى الوقت نفسه هناك الخليفة الفاطمى فى مصر والخليفة الأموى فى الأندلس، وخلفاء آخرين أعلنوا الخلافة فى مناطق صغيرة جدا. لم يدرس أحدهم أن الخليفة العباسى قبل سقوط الخلافة على يد المغول، كان قد تحول إلى نموذج أقرب للفاتيكان، يجلس فى بغداد بينما بقية العالم الإسلامى تحول إلى دول، لم يدرس الإخوان التاريخ ليعرفوا أن المماليك فى مصر لكى يضفوا الشرعية على حكمهم، جلبوا أحد أبناء الدولة العباسية ونصبوه خليفة فى مصر وأصبح مجرد منصب شرفى، تختزل صلاحياته فى الشكليات، كأن يخرج فى الأعياد والمناسبات والاحتفالات ولكن ليس له دور فى الخلافة أو الحكم، وهذا حدث لمدة مئات السنين. حركة الإخوان والإسلام السياسى فى عمومها قامت على أساس سقوط الخلافة العثمانية، ولم يدرس منهم أحد أن هناك شكا فى انتقال الخلافة العثمانية إلى آل عثمان، وأن الأمر غير مؤكد وأن العثمانيين دولة سلطنة وليست دولة خلافة، على الأقل السلطان عبدالحميد الثاني، كما أن لقب السلطان كان هو اللقب الأساس عند العثمانيين. ■ لم تلتفت تلك الحركات إلى حديث أن الخليفة لابد أن يكون من قريش فكيف تؤول الخلافة إلى العثمانيين؟ - لم يدرسوا إطلاقا هذه الوقائع والأحداث بالتالى أصبح التاريخ لديهم مقدس، من هنا أصبحت فكرة الخلافة مقدسة، وإحساس هذا الجيل بضرورة العمل على إحيائها من جديد، وأن ذلك هو قدر هذا الجيل، وكان سقوط الخلافة العثمانية قد أثر كثيرا على الشاب حسن البنا ومن أهم العوامل وراء تأسيس جماعة الإخوان، وستصبح مسألة الخلافة، الفكرة المحورية للإخوان، وبنفسه قال هذا فى مذكراته. كرر الإخوان أخطاءهم حتى مع المجلس العسكري، هى نفس الأخطاء مع الضباط الأحرار فى سنة 1954 وطريقة إسقاط الإخوان وإلقاء القبض عليهم هى نفسها ما حدثت فى 54، وعندما نجد أن «راغب السرجانى» هو مؤرخ الإخوان الأكبر، وهو طبيب فلا تحدثنى عن فكرة النقد التاريخى وبالتالى تصحيح الأخطاء، لذا الآن فى بعض أوساط شباب الإخوان على فيس بوك هناك حركة مراجعة وهذا أمر مهم جدا يجب البناء عليه. ■ لكن شباب الإخوان أكثر حدة من قيادتهم حيث يرون أن الإخوان الآن بصدد التأسيس الثالث للجماعة؟ - أنا لا أطالب بمصالحات أو أي من هذه الأفكار، لقد تعمدت نشر بعض الأجزاء من الكتاب عن الخلافة والإسلاميين والإخوان، ردود الأفعال كانت تشير إلى المصالحة مع فكرة الوطن وهذا مهم، أن يتسرب إحساس إلى الإخوان أن هناك وطنا ودولة وطنية، فهم يرددون أننى قلت الدولة القومية العربية ولغيت مصر، فلماذا لا تكون هناك دولة إسلامية، وكان الرد أن الأيديولوجيات سقطت، على سبيل المثال الأيديولوجيات التى ظهرت فى الوقت الذى ظهر فيه تنظيم الإخوان، سواء الشيوعية أو الفاشية والإسلاموية، كل هذه النظريات سقطت، لكن الإسلام السياسى غير قادر على التوقف والتفكير فى أن هذا العصر الذى نعيشه، هو عصر سقوط الأيديولوجيات. ■ أشرت إلى فكرة التاريخ المقدس، فهل يختص بها الإخوان وحدهم أم الإسلام السياسى عامة؟ - الإسلام السياسى فى مجمله، لأن الإسلام السياسى تأثر بالإخوان بشكل كبير جدا، وخرجت تيارات أكثر تطرفا لكن الأساس كان الإخوان. ■ أشار الدكتور أحمد صبحى منصور إلى أن حركة الإخوان ظهرت أولا فى نجد ومن ثم انتقلت إلى مصر، ما مدى صحة هذا الرأى تاريخيا؟ - يجب التفريق بين الوهابية والإخوان، فالوهابية حركة سلفية لها تاريخ طويل جدا، نشأت نتيجة ظروف الصحراء، وكانت بداية نشأتها فى نجد ومنطقة شرق الجزيرة العربية، وهى أفقر مناطق العالم حينها، بصحاريها الجرداء والقبائل فيها كادت أن تعود لعصر الجاهلية مرة أخرى. قامت بين القبائل صراعات وقتل، لعدم وجود إدارة لتلك المنطقة فالدولة العثمانية تركتها لسكانها يصفون صراعاتهم فيما بينهم دون تدخل، لدرجة أن الناس راحوا يتباركون بالأشجار والأحجار كما فى أيام الجاهلية، وأكثر من هذا يقال إن النساء فى حالة الجفاف يتضرعن إلى إله المطر على الطريقة الهندية بكشف الصدور، ووصلت الأمور فى هذه المنطقة إلى حالة سيئة جدا. هنا ظهر محمد بن عبدالوهاب ليعيد الناس إلى تعاليم الإسلام فى البداية فشل، لذا تحالف مع محمد بن سعود وأصبح تحالف «الشيخ والأمير» هى الحسبة السائدة، لذلك ظهرت التعاليم الوهابية المتشددة، نتيجة طبيعة المنطقة ونتيجة ما وصل إليه أهل المنطقة. فى مصر كان الوضع مختلفا جدا، حسن البنا أصلا نتاج لكلية دار العلوم، والبحث فى تاريخ نشأة دار العلوم فى غاية الأهمية والدلالة لفهم نفسية وتركيبة حسن البنا، فى سنة 1924 أراد البعض تطوير الأزهر لكن فى نفس الوقت لم يحبذوا الدخول فى صدام مع الأزهر، وبالتالى تم إنشاء دار العلوم وكان الهدف من وراء إنشائها، تجنب الصدام مع مؤسسة الأزهر، بعد عدم القدرة على فرض إصلاح عصرى على الأزهر. كان إنشاء دار العلوم هو محاولة من جانب الدولة لإقامة «أزهر مودرن»، يكون هو الخطوة الأولى نحو إصلاح الأزهر من الخارج، وسينعكس ذلك على الشاب حسن البنا، الذى سيتأرجح بين العمامة والطربوش، بين الأفندى والشيخ أو الإمام، وأيضًا فى موقفه من الأزهر، وموقف الجماعة بشكلٍ عام من مؤسسة الأزهر، القصة مختلفة عن الوهابية تماما. حسن البنا فى طبعه «توفيقى» وجماعة الإخوان تقول عن نفسها إنها جماعة صوفية، بالفعل البنا كان صوفيا فى بدايته، مثل غيره، نشأ فى أحضان الصوفية من خلال الطريقة الحصافية، ونجد أيضا أن الإخوان جماعة سلفية فيها الفتوة والرياضة، وكثير من المتناقضات داخل الجماعة، وهو ما فعله البنا من تجميع كل هذه المتناقضات داخل جماعة واحدة، وهو سر نجاح جماعة الإخوان فى البداية وسر فشلها أيضا، لأنها ظهرت كحركة توفيقية فى فترة الثلاثينيات والأربعينيات، لكن هذه الازدواجية على قدر ما خلقت حالة من الاضطراب فى فكر حسن البنا، إلا أنها ساعدته بشكل آخر فى خلق حالة توفيقية فضفاضة تجمع بين الأضداد، وتخلق شعبوية واضحة، لكنها لا تصمد كثيرًا أمام حقائق المنطق والتاريخ. ■ توفيقية أم تلفيقية؟ - سمها كما شئت توفيقية أو تلفيقية، توفيقية تنفع لفترة لكنها تفشل بعد ذلك لأنه يجب تحديد المواقف، لذا دائما هناك مشكلة عند الإخوان فى تحديد المواقف، من هنا فتح حسن البنا علاقات مع الجميع ومنها الدعوة الوهابية والدولة السعودية، لكن الأفكار مختلفة لأن الأفكار التوفيقية فى النهاية لا تحل المشاكل، فى البداية فقط تكون ناجحة، لكن تفشل فى الاستمرارية. سبب كبير من فشل الإخوان لأنهم توفيقيون ليس لديهم مواقف محددة، لذا كانت جماعات كثيرة خرجت من عباءتهم، منها حزب التحرير الإسلامي، وكل الجماعات المتطرفة ظهرت من عباءة الإخوان، هنا سنجد أن عدم التحديد ظاهر جدا لدى البنا مرة يرتدى الطربوش زى الأفندية ومرة أخرى يرتدى العمامة، وفى الحقيقة أن فكرة الإسلام السياسى خرجت من الأفندية مثال حسن البنا وليس من المعممين والتى هى شغلتهم فى الأساس، إنما الإسلام السياسى كان محاولة من الأفندية لذا فقد نجحت فى البداية، لكنهم سيفشلون فى النهاية لبدايتهم التوفيقية هذه. ■ أشرت إلى جهل الإخوان بالتاريخ وعدم قراءته، معنى هذا أنهم يجهلون بديهيات، أم أنهم لا يرغبون من الأساس فى نقد ذلك التاريخ؟ - هناك مشكلة عند الإخوان هى كانت ميزة لكنها ستتحول إلى مشكلة، الإخوان تنظيم لا يستطيع أعضاؤه خصوصا فى فترات الشباب أن يقرأ إلا ما يحدده له المسئول عن أسرته، بالتالى القراءات والاتجاهات معروفة ومحددة سلفا، لهذا السبب فالتنظيم الإخوانى وأعضاؤه «متقولبين»، كما أن الحوارات التى تدور على «فيس بوك» بين شباب الإخوان خطيرة لأنها تدور فى غياب سيطرة القيادات الكبيرة فى الجماعة وهذا الأمر مهم. أيضا فتح النقاش فى مسألة الخلافة مهم لذا تعمدت أن أنشر أجزاء من الكتاب، ولاحظت تفاعلا منهم ولم تكن ردود أفعالهم هجومية، أما تجاهل أو الحديث عن أنه لا بد من احترام الدولة الوطنية وهذا أمر شديد الأهمية. ■ محاولة للفهم أم من منطق التقية؟ - الإخوان يعيشون فى محنة لم يروها من قبل فى تاريخهم لسببين، أولا أن الحكم جاء إليهم فى عهد أسوأ قياداتهم يعنى فى 54 كانت قياداتهم أقوى وأكثر علما، وليس كما يتصور البعض أن الإخوان كانوا أقوياء بالعكس قياداتهم كانت أكثر تخلفا عن قيادات فترة الخمسينيات والأربعينيات. كانت قيادات الأربعينيات والخمسينيات منفتحة على التيارات السياسية المختلفة وكانت لها أيضا رؤية مختلفة، بدليل أن «أحمد حسن الباقورى» كان من الإخوان وأصبح بعد ذلك واحدا من أبرز قيادات الأزهر، و«السيد سابق» والذى أصبح وزيرا للأوقاف فيما بعد. «محمد البهى» وحتى الشيخ الإمام الغزالى. هذه القيادات غير موجودة الآن على سبيل المثال مفتيهم «عبد البر ده ولا مش عارف اسمه إيه» وكانوا يسعون لتقليده منصب شيخ الأزهر لا يقارن بشخص مثل الشيخ الغزالي، أو الشيخ سيد سابق صاحب كتاب فقه السنة، والذى كتبه عن المذاهب الأربعة والذى اعتمد من وزارة الأوقاف. وحتى مرشدهم فى 54 حسن الهضيبى لا يقارن بمرشدهم محمد بديع الشهير بجملة «ما ذنب النباتات» هناك أزمة حالية فهذا الجيل هو أضعف أجيال الإخوان. ثانيا عندما آلت إليهم أمور الحكم وواجهوها، وجدوا مشكلات واقعية لذا أخفقوا فليس لديهم ما يقدمونه، ومن هنا تأتى الخطورة وما يتتبعها من حركة مراجعات كبيرة فى التيار الإسلامى وبدأت بالفعل، أتصور أن الإخوان فى محنة لم يروها من قبل لأن الأيديولوجية سقطت. ■ الأيديولوجية نفسها أم تصرفات القيادات الكبيرة داخل الجماعة.. على سبيل المثال مقالة الشاب الإخوانى محمد عباس وعنوانها «الإخوان والتأسيس الرابع» كاشفة وفاضحة لدعاوى الجماعة الفاشية عن المصالحة ويردد فيها فكرة الحاكمية وأستاذية العالم؟ - هذا يدل عن أنهم فى محنة حقيقية، المشكلة هنا ما الذى تستطيع الجماعة أن تقدمه، هذه الأفكار لا تقلقنى على الإطلاق فقد ظهرت أفكار مشابهة لها فى 1949 مع حل الجماعة، هنا المحك بماذا سيرجع الإخوان للناس، أستاذية العالم إيه، الهاتف الذكى هو أستاذية العالم، المسألة وقعت الأيديولوجية عند الإسلاميين صماء وتوقفوا عندها، بالتالى كلام أستاذية العالم كان ينفع فى الثلاثينيات والأربعينيات، والخلافة نفسها بالنسبة لحسن البنا تعنى أستاذية العالم ومتوافقة مع فكرة الفاشية والنازية أن العنصر الآرى سيحكم العالم، ومتوافقة مع الفكرة الشيوعية «يا عمال العالم اتحدوا» وسيطرة الطبقة العاملة، كل ده كان عصر أيديولوجيات التى سقطت الآن، الإسلاميون لم يدركوا أن عصر الأيديولوجيات سقط، وبالتالى عليهم أن يخرجوا الجديد وإلا فسيكونون فى مشكلة، وهم فى مشكلة بالفعل الآن وجمودهم أمام أفكار حسن البنا وسيد قطب، وبالتالى له مضار أن داعش تستقطب مجموعات منهم وتشيع لديهم فكرة الجهاد، خصوصا أنه ليس هناك أفكار فى الجهاد والحرب. ■ أشرت فى بداية الحديث إلى تأثر البنا بأفكار محمد فريد حول الخلافة وعودتها، هل كانت فكرة إحياء الخلافة عند فريد وطنية كوسيلة لمقاومة الاستعمار الإنجليزى ورفضه، وليس كفكرة أستاذية العالم لدى البنا بالمعنى الديني؟ - فى هذا الوقت كان محمد فريد ضد الإنجليز وفكرة الحزب الوطنى كانت عودة مصر إلى الدولة العثمانية وهى السبيل الوحيد لطرد الإنجليز.وحسن البنا أضاف لهذه الفكرة مسألة أن دعم الخلافة هو السبيل لدعم وحدة العالم الإسلامي، وأن الخلافة قامت على ركنين، الخلافة العربية القرشية والخلافة العثمانية التركية، ولا بد من أننا ندعم الخلافة العثمانية، لهذا السبب محمد فريد كان فى ألمانيا حليفة الدولة العثمانية، وقت الحرب العالمية الأولي، هذا دور قام به محمد فريد، بالطبع كان هناك جزء منه أنه يحارب الإنجليز، لكن فريد له تأثير غير مباشر على حسن البنا وهذا ذكره البنا فى مذكراته. ■ ما الأثر الذى خلفه «محمد رشيد رضا» على دعوة جماعة الإخوان؟ - كان تأثير رشيد رضا على حسن البنا وجماعة الإخوان تأثيرا مباشرا، لأن البنا تأثر بكتابات محمد فريد بالسمع بينما رشيد رضا يكاد يكون أستاذ حسن البنا مباشرة، وأعجب به وتأثر بشكل كبير جدا بكتابه «الخلافة» والجانب السلفى عند حسن البنا سيترعرع أكثر بتأثير رشيد رضا، وهذا تأثير مباشر لأن الاتنين كانا يتقابلان بعكس محمد فريد كان بالكتابات فقط. ■ هل تقصد أن رشيد رضا كان مسئولا عن «سلفنة» جماعة الإخوان؟ - أجل والجانب السلفى فى حركة الإخوان سيكون فرعا خطيرا جدا فى الجماعة، لذا فالباحث «حسام تمام» كتب كراسة مهمة جدًا بعنوان «سلفنة الإخوان» ووضح فيها أن الأفكار السلفية عندما تسيطر على الجماعة تغير عقيدة الإخوان نفسها، فمن المفترض فى عقيدة الإخوان أنها وسطية لكن سيادة التيار السلفى داخلها صبغها بالصبغة السلفية. ■ إلى أى مدى كانت الدعوات إلى إقامة الخلافة الإسلامية انعكاسا لصدمة الحداثة ومكانة العرب والمسلمين خاصة أمام الآخر الغربي؟ - طبعا.. طبعا حتى السلطان عبدالحميد الثانى وإحياؤه لفكرة الخلافة بالشكل المقدس، كان نتيجة للغزوات الأوروبية، وحرصه أو تصوره أن إحياء الخلافة سيحافظ على الدولة الإسلامية وأنه سيستخدم فى المواجهة ضد الغرب، وجمال الدين الأفغانى وفكرة الجامعة الإسلامية كانت فى هذا الإطار، فكان تحت تأثير صدمة الحداثة أمام الغرب. حتى حسن البنا كان نفسه يتحسر على صورة الخلافة، ويقول فى مذكراته: «تم إلغاء الخلافة وسقطت الخلافة التى كانت حاضرة العالم»، وهو ما كان له رد فعل كبير جدا. صدمة الإحساس بالعجز والفشل أمام الغرب جزء منها كان العودة إلى التاريخ، وفكرة «سلفنة التاريخ» وإحياء الخلافة التى كانت فى الماضي، وتبدأ فكرة لن يصلح الأواخر إلا بما صلح الأوائل، وهى الفكرة المسيطرة حتى الآن، بالإضافة إلى أنها كانت وسيلة دفاعية أمام صدمة الحداثة الغربية. ■ لماذا استعادت الجماعة- «حسن البنا»- فكرة الخلافة من الماضى ولم تتطلع إلى تجارب الحكم الحديثة فى العالم من حولها، بمعنى آخر ما السر وراء نزوع جماعات الإسلام السياسى للماضى حتى فى خطابه وأدبياته؟ - حسن البنا هو ابن صدمة هزيمة الدولة العثمانية فى الحرب العالمية الأولي، وابن صدمة تصوره أن هناك احتلالا يحتل البلاد الإسلامية، وهو أيضا ابن ثقافته الإسلامية، وبالتالى هذا الجيل كانت فكرته العودة إلى التاريخ والماضى لإحياء الحاضر، لذا فقد وقع البنا فى مأزق التوفيقية، من ناحية أنه «أفندى» ومن ناحية أخرى تظهر فى المشرق العربى فكرة إحياء القومية العربية كوسيلة لمواجهة الغرب، ووسيلة لمواجهة التدهور فى العالم العربي، كان عصر الأيديولوجيات، ومن ضمن تياراته تيار حسن البنا والإخوان. ■ هناك آراء تذهب إلى أن فترة الليبرالية تمتعت بانفتاح مما سهل فى تواجد كل التيارات على الساحة ما رأيك؟ - الإخوان ظهروا فى الفترة الليبرالية، نظرا لوجود مناخ الحرية الذى يسمح بوجود إسلاميين، ولماذا أنا ملحد وأن تكون هناك جماعات شيوعية، حتى مع القبض عليها إلا أنها كانت تخرج، وهناك أيضا جماعة مصر الفتاة يقبض على أعضائها ويخرجون، وأن يوجد ضابط مثل «أنور السادات» يقبض عليه ويخرج من السجن ويرجع ثانية إلى الجيش، كان به مناخ شبه ليبرالى يسمح بحياة سياسية وثقافية وصحفية، فعدد الصحف التى كانت موجودة فى هذه الفترة أكثر من الصحف الموجودة حاليا. المناخ كان يسمح بالمناقشات والصالونات الثقافية والمناظرات. ■ كيف وفق البنا بين القومية العربية والإسلام؟ ومتى تخلى عن هذا المنهج ولماذا؟ - هو حاول أن يوفق وقال إن العرب مادة الإسلام وليست هناك مشكلة أن نتعاون كعرب وصولا إلى الخلافة والدولة الإسلامية، وهو ما يختلف مع فكرة القومية العربية فى ذلك الوقت، فالقومية قائمة على أساس العرق وأن هناك عربا مسيحيون أيضا، وفى المشرق العرب الغساسنة مسيحيون، والروم الأرثوذوكس فى المشرق عرب، لدرجة أن بعضهم مثل قبيلة «حمارنة» لديه أسماء إسلامية، لسه راجع من مهرجان «جرش» وقابلت هناك واحدا اسمه «مصطفى حمارنة» مسيحي، فسألته كيف مصطفى ومسيحي، فأجاب: نحن العرب الغساسنة. إذا مفهوم القومية العربية كان يختلف، يحاول البنا فى ذكاء توفيقى يُحسَّد عليه، التوفيق بين الأضداد الوطنية المصرية والقومية العربية والوحدة الإسلامية، ويحدد البنا هذا الأمر من خلال البدء فى التعاون الثقافى والاجتماعى والاقتصادى بين الشعوب الإسلامية، ثم الانتقال إلى مرحلة ثانية متقدمة بعض الشيء بعقد الأحلاف والمعاهدات والمؤتمرات، وصولاً إلى ما أطلق عليه عصبة الأمم الإسلامية، «وده مينفعش» فلا البعثيين ولا تيار القوميين العرب ولا التيار الناصرى يسمح بهذا. ■ أشرت إلى أن إلغاء الخلافة العثمانية أدى إلى حدوث هزة فكرية عنيفة لدى جيل الشباب المحافظ الذى يمثله هنا حسن البنا، وإحساسه بأنه نهاية العالم، لماذا هنا الهزة وليس الشعور بحلاوة الخلاص من مستعمر مستبد نهب وخرب كل بلد كان تحت ولايته؟ - ده سؤال مهم جدا وذكي، أنا لسه راجع من مهرجان «جرش» وكان هناك ندوة فى المهرجان عن مئوية الثورة العربية، والتى قامت ضد الدولة العثمانية، وطرح سؤال حول الخلافة العثمانية، ووصلوا إلى قناعة، أن الخلافة العثمانية باطشة بدليل أن «جمال باشا» فى الشام قام بمجازر وحشية وذبح القوميين العرب، ولأن منطقة الشام كانت تحت الاحتلال العثمانى فكانت هناك مواجهة مباشرة مع الدولة العثمانية. لكن نحن هنا فى مصر كنا تحت الاحتلال البريطانى وكانت المواجهة المباشرة معه. كان هناك أيضا أسطورة أن العودة إلى الدولة العثمانية هى السبيل الوحيد لمواجهة المحتل الإنجليزي، وأن الدولة العثمانية هى دولة الخلافة لأنها لم تكن تحكمنا، بينما فى المشرق العربى ولأن العثمانيين كانوا «كابسين» على أنفاسهم كانت المواجهة حادة جدا، وقامت على أثرها ثورة الشريف حسين، بينما مصر كان الشعب مع الدولة العثمانية نكاية فى إنجلترا، هذه هى المشكلة التى كانت فى مصر، والتى ستلعب أدوارا مهمة جدا فيما بعد، من خلال صعود التيار الإسلامى. ■ كيف حدث هذا الربط؟ - راجعى نصا لنجيب محفوظ مثلا على لسان «فهمى عبدالجواد» طالب الحقوق وهو يقول: «غلب الألمان لا آمال بعد اليوم فى عودة الخلافة، ولا عباس ولا محمد فريد، ما زال نجمنا فى أفول ونجم الإنجليز فى صعود» الدولة العثمانية كانت قد أرسلت حملة لاحتلال قناة السويس وإعادة مصر إلى ولاية الدولة العثمانية وتطرد الإنجليز خلال الحرب العالمية الأولي، وفشلت الحملة وانهزم العثمانيون. فهمى عبدالجواد هنا يشبه الشاب حسن البنا وسنهما واحدة، الفكرة لديهما كانت الأمل فى عودة الخلافة العثمانية وطرد الإنجليز، بينما فى المشرق العربى كانوا يحاربون العثمانيين، لذا فالشعور هنا فى مصر كان ضد الثورة العربية، ومش فاهمين إزاى مسلمين يحاربوا مسلمين، وكيف أن «الشريف حسين» يتحالف مع إنجلترا ضد الدولة العثمانية. لذا أسميت البحث الذى شاركت به فى مهرجان «جرش» (اختلاف المصائر)، لأن مصائر المشرق كانت تختلف عن مصر، وأن وحدة المصائر لن تظهر إلا مع قضية فلسطين والصهيونية. ■ إذا كانت مصر واقعة تحت الاحتلال العثمانى لكان الوضع فيها مثلما كان فى المشرق العربى وموقفه من دولة الاحتلال العثمانية؟ - طبعا بالتأكيد «محمد على» حارب الدولة العثمانية، لكن بعد انهيار دولته لم يعد خلفاء محمد على ينظرون إلى الدولة العثمانية، وبعدها جاء الاحتلال البريطاني، فأصبح مصير مصر مع هذا الاحتلال بعكس المشرق العربى ومصيره وموقفه ضد الدولة العثمانية التى تحتله، لذا تحالفت مصر مع الإنجليز ضد تركيا. وهو ما أدى بدوره لظهور الإسلام السياسى وأمله فى الدولة العثمانية التى سقطت، ومن هنا تصدره (الإسلام السياسي) إلى المشرق العربى. بمعنى أوضح أن ظهور الإخوان كان رد فعل على سقوط الخلافة العثمانية، قبلها لم يكن هناك ما يسمى بالإسلام السياسى. من عباءة الإخوان خرجت جميع التيارات الإسلامية، حتى حماس وحزب التحرير فى فلسطين، فكرة التصدير والتنظيم الدولى للإخوان. هنا اختلاف المصائر جعل من مصر مفرخة للإسلام السياسى بعد فقد الأمل فى الخلافة العثمانية بسقوطها وصدرته إلى العالم العربي، بينما المشرق يعيش فى القومية العربية، وفى مصر سنأخذ وقتا طويلا جدا على سبيل المثال «سعد زغلول» سألوه الإنجليز رفضوا أن تسافر مؤتمر الصلح فى باريس، أو أن يكون فيه وفد مصري من هنا جاءت تسمية حزب «الوفد» ليدعو إلى استقلال مصر، وعرضوا عليه السفر بصحبة الوفد العربى برئاسة «فيصل بن الحسين» الذى يفاوض من أجل إقامة الدولة العربية، فكان رد سعد زغلول أنه رفض وقال «أنا أروح مع دول» لأن هناك اختلاف مصائر تماما. ■ حدثنا عن حزب التحرير الإسلامي، وكيف تأثر بأفكار جماعة الإخوان، وما الفروق بينهما؟ - حزب التحرير هو خروج عن الإخوان المسلمين، حدث فى فلسطين، لتأكيد فكرة الخلافة، فضلاً عن إعطاء مسألة إحياء الخلافة الأولوية القصوي، وأن الإخوان أصبحوا لا يعطون الخلافة الأهمية القصوى كما كانوا سابقا، بالتالى «تقى الدين النبهانى» قاضى القدس، حوالى عام 1953 سينشئ حزب التحرير الإسلامي، والذى يعلى من شأن الخلافة الإسلامية على أساس، أن الخليفة موكول إليه تطبيق الشرع، بالتالى البدء فى الخلافة بتطبيق الشرع، وسينتشر فى المشرق العربى بشكل كبير جدا، وسينشئ له فرعا سريا فى مصر، ثم يبدأون علانية بعد 25 يناير 2011، وتظهر لهم منشورات كانوا يوزعونها فى ميدان التحرير، تحت عنوان «حزب التحرير.. ولاية مصر»، وأكثر من هذا فى فترة الفراغ الأمنى والسياسى اتخذوا لهم مقرا فى وسط البلد، ولدى منشور به عنوان مقر الحزب أمام دار القضاء العالي، وله مكتب إعلامى لولاية مصر، ثم سيختفون مع ثورة 30 يونية. وهناك معلومات شبه مؤكدة أن وزير الثقافة «علاء عبدالعزيز» فى الحكومة الإخوانية أثناء فترة حكم الجماعة، هو عضو وواحد من كوادر حزب التحرير الإسلامى. ومن المؤكد أنه ومنذ نشأة الحزب وكان التأثير الأكبر عليه للإخوان المسلمين. ■ كيف اتخذ حزب التحرير، الحزبية كأداة فقط، لنشر أفكاره والوصول إلى دولة الخلافة؟ - ده شيء مهم جدا لأنه أخذ كلمة حزب وشكله كوسيلة للوصول إلى الحكم وإعلان الخلافة وتطبيق شرع الله، لهذا قبلوا بتشريع دستور بل ووضعوا دستور «دولة الخلافة»، وهناك فى كتاب الإسلام السياسى والخلافة.. التاريخ والأسطورة، مناقشة طويلة لفكرة الدستور فى دولة الخلافة، ومن نظرة سريعة لمواد ذلك الدستور نرى استبعادا تاما لغير المسلمين، من المناصب العليا التى يسمونها «الولاية العظمى»، بل والكثير من المناصب الأخرى ويسمونها «الولاية الصغرى». نجد أيضا استبعادا تاما للمرأة من مناصب القضاء والولاية وغيرهما. وفى العلاقات الخارجية هم متخلفون جدا يتحدثون عن دار الحرب ودار السلام والغزوات.. إلخ، هذه الأدبيات فى المجمل هذا الدستور الذى وضعه حزب التحرير، يتعارض مع قواعد المبادئ الدستورية الحديثة، ويدعو إلى القطيعة بين دولة الخلافة والمنظمات الدولية، بل وحتى مع الجامعة العربية بحجة تعارض ذلك مع تعاليم الإسلام، إنه فى الحقيقة دستور القطيعة مع التاريخ غريب أن يوضع فى القرن الواحد والعشرين. لذا من الضرورى جدا أن يقرأ الناس هذا الدستور، وقد حرصت على وضع ملحق فى الكتاب أدرجت فيه دستور حزب التحرير، ومناقشة حوله. ■ ألا تشبه ممارسات حزب التحرير كما ذكرتها براجماتية السلفيين فى تكفيرهم لشكل الدولة الحديث، لكنهم سرعان ما قبلوها كأدوات للوصول للحكم، حزب النور نموذجا؟ - لهذا السبب قلت إن التيار الإسلامى فى محنة الآن، لأنه خاض تجربة الحكم وفشل فيها، أنت ستحكم الناس مش هاتطبطب عليك أو تساعدك، من يأتى للحكم أو الإدارة لا يقول إننى أفشلت والمؤامرة، مفيش حاجة إسمها كدة، بقية الأحزاب أو التيارات السياسية، لن تصمت لأنها بدورها تريد أن تصل للحكم، هذه طبيعة الحياة السياسية والحزبية، لهذا على التيارات الدينية تقديم اجتهادات، وهل فعلا ستقبلون بالديمقراطية وبتداول السلطة؟ أم أن الديمقراطية والحزبية هى مجرد وسيلة للوصول إلى حكم الدولة والوقوف عنده؟ هنا المحك ولا بد من الإجابة عن هذه الأسئلة. ■ وهل هذا مطروح للتساؤلات والإجابات، لدينا مثلا تجربة حماس استعملوا الديمقراطية والانتخابات مرة واحدة للوصول إلى الحكم ووقفوا عندها؟ - وماذا كانت النتيجة أصبحت حماس إمارة معزولة عن العالم. ■ هل تعتقد أنهم سيقبلون بمراجعة أفكارهم وقناعاتهم؟ - رغما عنهم سيقبلون ثورة المعلومات والتكنولوجيا الآن غيرت العالم، ولن يستطيعوا أن يعيشوا بالأفكار القديمة المتخلفة، الدنيا اتغيرت، أنت لا تستطيعين أن تعيشى بأفكار قديمة مع ثورة الاتصالات «خلصت» مصير غزة حماس إيه دلوقتى ولا حاجة معزولة عن العالم، مصير أردوغان هو الآخر فى خلافات مع العالم كله، ومصير السودان ما هو إلا خلافات رهيبة، حتى حركة النهضة فى تونس والتى كانت أعلى مراحل الإسلام السياسي، اضطروا الآن إلى مراجعة أنفسهم وأفكارهم، و«راشد الغنوشى» دخل الآن فى مراجعات خطيرة، وهم فى حيرة لذا هناك بعض من تيارات الإسلام السياسي، استعذاب لفكرة المحنة وحبها، حيث إنها تجعله فى معزل عن مواجهة العالم. بمعنى آخر بعض من التيارات الإسلامية عشقت فكرة المحنة من باب أنهم مضطهدون وهو وقت لا يسمح بالتفكير أو المراجعة، وتصل تلك المسألة لديهم أنهم يفضلون البقاء فى السجون، لأنهم لو خرجوا سيواجهون أنفسهم، ويصبحون أمام العديد من الأسئلة: ما الذى ستقدمه؟ لماذا فشلت؟ وأشد ما أخشاه أن تستمرئ هذه التيارات وخصوصا جماعة الإخوان فكرة المظلومية التى ستمنعهم من مواجهة الواقع والإجابة على أسئلة خطيرة. هذه المراجعات عندما حدثت فى 54 وخرجت قيادات الإخوان من السجون، رجع جزء صغير منهم فى سنة 65 لأفكاره القديمة المتطرفة وده كان الجزء المؤمن بأفكار «سيد قطب»، وحتى عندما أخرجهم عبدالناصر من السجون فى عام 1964 جزء منهم قالوا إنهم لن يعملوا ثانية بالعمل السياسي، بينما الجزء الآخر من أتباع سيد قطب دخلوا فى محنة ثانية. أقسى فترات بالنسبة للإخوان هى فترات المراجعة مع النفس، وأسعدها هى فكرة المظلومية. ■ لماذا رحب الغرب بتولى تيارات إسلامية الحكم فى بعض البلدان العربية؟ - الفكرة التى كانت سائدة فى الولاياتالمتحدةالأمريكية ودوائر البحوث الغربية، أن العالم الإسلامى لم يعد قابلا للعيش فى ظل الديكتاتوريات التى كان الغرب يجيد التعامل معها، وما حدث أن مراكز البحوث الغربية فى تطور مهم جدا، كانت القاعدة أنه من الأسهل التعامل مع الديكتاتوريين، لأن القرار فى يد شخص واحد ولن أتعب مع مؤسسات أو أشخاص، وأن هذه الشعوب لا تحكم إلا بهذه الطريقة الديكتاتورية، ولهذا السبب كان حسنى مبارك دائم القول «يا أنا يا الإخوان»، وما حدث أن مراكز البحوث الغربية قالت إن هناك نموذجا وسطيا يمكن أن يتعامل مع الغرب، بدليل النموذج التركي، وهو نموذج يمكن تعميمه وأن الإخوان على اتصال بالغرب ويمكنهم قبول التعامل معه، لذا تقبل الغرب فكرة أن هذه الشعوب طول عمرها إسلامية، فهاتوا إسلاميين يحكموا، وهذا سيحل المشاكل ويرحلها من عندنا أى من الغرب، أنتم تقاتلون من أجل الحكم فلتحكموا. ■ وكيف سيتعامل الغرب بعد فشل مشروع الإسلام السياسي، هل يعود للديكتاتوريات القديمة، أم أن هناك طريقا آخر للديمقراطية يكون الإسلام السياسى جزءا منه؟ - هناك تخبطات الآن ولا يستطيعون الوصول إلى رؤية، أمريكا برجماتية بطبعها، ستبحث عن مكان مصالحها ومع من وتتعامل معه، فأمريكا لا تؤيد الإخوان لأنها تحبهم أو لأن أوباما إخوانى لا طبعا، كان هناك مشروع معروف حتى فى كتابات ترجمت لكن للأسف مبارك لم يكن يقرأ، مضمون هذه الكتابات أن الإسلاميين لو وصلوا إلى الحكم سيكونون وسطيين وهو ما سيمنع ظهور قادة ويحكموا بعض ولن تكون هناك مشكلة. ■ لماذا فشل الإخوان سياسيًا رغم وصولهم لكرسى الحكم؟ - المشهد النهائى فى مسلسل «الجماعة» عندما يبكى حسن البنا هذا مشهد حقيقى حدث بالفعل، لأن البنا أدرك أنه فشل، وهو ما ينطبق أيضا على تيارات كثيرة فى الإسلام السياسي، لا يوجد ما يسمى «السياسة شرعية»، ومن هنا ظهرت أزمة تيارات الإسلام السياسى، وحينما تناقش أحدا من تلك التيارات يقول لك، طبق الشرع ولن نتدخل فى السياسة، وهو لا يفهم أصلا معنى الشرع، وجرت مناقشة بينى وبين بعض السلفيين بعد ثورة 25 يناير، فقال أحد السلفيين يجب تطبيق الجزية على المسيحيين، فسألته وهل تعرف معنى الجزية، فأجاب: «جزاء لكفرهم»، فأجابته: بالعكس الجزية كانت ضريبة دفاع، خاصة أن الجيش فى بدايته كان من المسلمين تمامًا، وللأمانة فى النهاية اقتنعوا، إن دل هذا الموقف على شيء إنما يدل على جهل التيارات الإسلامية بالتاريخ، لم تقرأه طوال حياتها، وليس وحدهم من لا يقرأون التاريخ فجميع التيارات السياسية ليس لديها دراية بالتاريخ وجزء من أزمة العقل العربى والسياسة العربية أنه لا تقرأ على سبيل المثال حزب الوفد لو قرأوا تاريخ نقدى لحزب الوفد، لما كان قد وصل لهذه المرحلة.