«تاجروا مع الله... فى رمضان لازم يكون لك رسالة.. شارك بأكل.. بفلوس بأى حاجة.. شارك فى حملة كساء نصف مليون محتاج فى رمضان.. جنيه من كل فاتورة تليفون لمساعدة غير القادرين.. اتبرع ولو بمكالمة»، شعارات جديدة رفعتها حملات الخير كى تشجع الناس على التبرع مستخدمة أوتارا جديدة لشحذ الهمم. أساليب بسيطة، أفكار مناسبة لنمط حياة المصريين، موتيفات قد يكون لها مدلول ثقافى واضح. مع مجىء شهر رمضان يشهد العمل الخيرى فى مصر انتفاضة حقيقية. تشير أرقام إحدى الدراسات التى أجرتها جامعة الأزهر إلى أن موائد الرحمن فى رمضان، والتى تستقطب قرابة ثلاثة ملايين شخص، تصل تكلفتها إلى مليار جنيه يوميا، بينما تؤكد دراسة أخرى أجرتها جمعية الشرق الأوسط لتنمية المجتمع أن تبرعات المصريين فى رمضان تصل إلى مليار جنيه. لكن ثمة تغيير طرأ على مثل هذه الأنشطة خلال الأعوام الخمسة الماضية. «الناس فقدت الثقة فى القنوات الرسمية وأحيانا غير الرسمية. ففى الآونة الأخيرة عكفت هذه الجهات على التراشق وتبادل التهم من أجل الحصول على النصيب الأكبر من الشطيرة. فمن ناحية اتهمت الجهات الرسمية المؤسسات التى لا تعمل تحت مظلتها بأنها تستغل فلوسها لدعم منظمات إرهابية وحاولت استصدار قانون خاص بتنظيم أموال التبرعات، ومن ناحية أخرى يشكك البعض فى كيفية تصرف الحكومة فى أموال الزكاة، لذا كان على العمل الخيرى أن يسلك مسارات جديدة حتى يستقطب مريديه».. هكذا تلخص الوضع نادية رضا محللة اجتماعية وتستطرد: «ظهرت شنطة الخير لتنتزع الأرضية من موائد الرحمن، شنطة الخير هى ببساطة نوع من أنواع التبرع المستحدثة، عبارة عن عدد معين من الكيلوجرامات لمكونات أساسية يحتاجها كل منزل فى رمضان من الأرز والسكر والفول والعدس وعلب صلصة وعلب سمنة وحتى فى بعض الأحيان اللحوم والطيور، لكن المشكلة أنه فى العام الماضى شهدت شنطة الخير منافسة ضارية بين الإخوان والوطنى لا سيما مع اقتراب موسم الانتخابات». استخدام التبرعات كورقة سياسية يجعل الناس تخاف من أن يوظفوا أموال زكاتهم لأغراض أخرى، كما ظهرت فتاوى تؤيد وجود فئات جديدة تستحق الزكاة بشكل ملح كموظفى الحكومة مثلا فكان لابد من ظهور قنوات جديدة تكفل وصول التبرع لمن يستحقه وأصبحت المؤسسات الخيرية تتبارى فى تقديم هذه الخدمات. أصبح العمل الخيرى التطوعى يخرج من عباءة التنمية البشرية لا سيما بعد أن ولدت مشروعات قومية عملاقة قامت أساسا على التبرعات مثل مستشفى سرطان الأطفال. وهو اتجاه جديد قد يكون الأقرب لاحتياجات الناس ومتطلبات حياتهم، إذ صار الشباب جزءا لا يتجزأ من هذه المشروعات. فجمعية «رسالة» التى بدأت كأسرة طلابية فى كلية هندسة جامعة القاهرة عام 1999 ظهرت بناء على رغبة الطلاب فى تطوير مجتمعهم وإفادة البسطاء بمخلفات الطعام من الفنادق والمطاعم. ثم تنوعت الخدمة ما بين التبرع بالدم وزيارة دور الأيتام والمسنين والمستشفيات، بعدها غيرت الجمعية التى تضم أكثر من 16 فرعا على مستوى الجمهورية ويعمل تحت مظلتها آلاف المتطوعين من أوجه نشاطها لتكون أكثر قربا من حياة الناس. يقوم الشباب بتقديم الخدمات لعدد من الأسر الفقيرة عن طريق لجان تعكف على دراسة أوضاع كل حالة، ولعل أبرز هذه الخدمات هو تجهيز العرائس الفقيرات لا سيما اليتامى وخدمة التوظيف والقوافل الطبية. وهى برامج تلجأ المؤسسات الخيرية إلى تنفيذها عبر دراسات حقيقية سواء لاحتياجات الناس أو للحالات المستحقة عبر قوافل تجوب الأماكن الهامشية والمحرومة، وذلك طبقا لأساليب وأسس علمية. «يلا نفطر مصر» تسعى مؤسسات أخرى للتجديد، فربما قد يكون الطفل اليتيم أو المعاق فى أقصى الصعيد، وهو الجمهور المستهدف لجمعية مثل الأورمان التى تتبنى تلك الحالات. فرسالة دار الاورمان التى أنشئت عام 1993 هى الوصول لمجتمع عادل ييسر حياة فئات مهددة مجتمعيا، فعن طريق المشاركة الشعبية استطاعت الدار أن تفتح خمس دور لرعاية الأطفال اليتامى والمعاقين. الشكل الجديد للعمل الخيرى يتم من خلال مؤسسات حديثة تعتمد على سواعد شابة وتقنيات متطورة، فعلى موقع الفيس بوك أطلقت العام الماضى حملة «يلا نفطر مصر» التى ضمت 30 مجموعة إلكترونية. ثم توالت الحملات والدعوات والشعارات: «خذ شنطة فارغة واملأها»، «الهدف هو توزيع خمسة آلاف شنطة رمضان و25 ألف وجبة»، «شنطة الخير لإطعام أسرة فقيرة»، «تصدق إنه فى ناس مش بتاكل اللحمه الا فى رمضان والعيد يا ريت تفتكر الناس دى وانت بتستعد لرمضان أكيد ها يبقى لهم نصييييييييب كبير فى حساباتك»، وعبر الشات يتعرف الأفراد على مواعيد التجمع وأماكنه. على الموقع الإلكترونى الخاص بالداعية مصطفى حسنى مثلا قام أحد الشباب بطرح فكرة حملة لمساعدة أطفال الشوارع مقدما خطواتها التطبيقية ومدتها وأهدافها وسبل تنفيذها. قد تلعب التقنيات الحديثة أيضا دورا مهما فى التضامن مع حالة بعينها عبر نشر تفاصيل عن الوضع الإنسانى لهذه الحالات المحتاجة وأرقام حساب للتبرع، فعلى أحد المواقع وجه أحد المدونين نداء لأقرانه فى الوطن العربى والإسلامى من أجل مساندة زميل لهم فى محنته، قائلا: « خالد الصاوى المدون والناقد والمبدع، مدون جيران ومكتوب، ولن أضع روابط ولا وصلات الآن هو تعبان جدا اقرأوا مقالات كثيرة تشرح الحالة بالتفصيل.. ولكنى أرغب فى طرح الموضوع من ناحية أخرى المساعدة والتكافل والتضامن والعون (..) النخوة.. الحمية وغيرهما من معانى الكرم والشهامة العربية أين هى الآن؟؟؟ مدونون عرب ومسلمون.. أصحاب المواقع الإلكترونية أين أنتم؟». و يعتبر الإعلام لاسيما الفضائيات من أهم ساليب الحديثة قنوات العمل الخيرى المؤثرة، فمن خلال برنامج البيت بيتك مثلا استطاع محمود سعد أن يجمع فى غضون دقائق 850 ألف جنيه لحالة مرضية تحتاج لزراعة نخاع عاجلة من خلال التليفونات التى انهالت عليه فى أثناء الحلقة. لذا لم يعد من المستغرب أن تجد أمام مبنى التليفزيون فى ماسبيرو أو حول مبنى الأهرام بشارع الجلاء عشرات من الفقراء من مريدى خيرى رمضان أو تامر أمين أو محمود سعد أو عمرو أديب.. جواز البنت، شغل الولد أو علاج الزوج.. مشكلات كثيرة قد تحل مع تصاعد الجرعة الايمانية لدى قطاعات المجتمع. وقد ينتقل العمل الخيرى فى سعيه نحو التحديث إلى ربوع جديدة. فها هى ساقية الصاوى التى تهتم فى الأساس بالعمل الثقافى تتكاتف مع جمعية بسمة وبعض شركات الاتصالات والفنادق لتقدم للأطفال المعاقين ذهنيا فى غضون رمضان لونا جديدا من العمل الخيرى: وجبة إفطار تصحبها أمسيات رمضانية.