أليس لنا حقوق فى فيلم على بونجو الذى حقق نجاحا فى الجابون؟.. صحيح أن ثمة قوانين وأعرافا تنظم الملكية الفكرية، ولكن الذى حدث فى الجابون ينبهنا إلى أن هناك إبداعات فى عالم السياسة تحتاج بدورها إلى حماية. إذ حين يبتكر بلدا حيلة سياسية معتبرة تعب عليها نفر من أقدر ترزية القوانين فيه لترتيب أوضاع الحكم بصورة تحقق الغاية غير المشروعة سياسيا وأخلاقيا بأساليب قانونية ومشروعة، فإن ثمرة ذلك الجهد تظل حقا لبلد المنشأ، وحين تقتبس الوصفة أو الحيلة لتختبر فى بلد آخر دون تصريح، وتحقق المراد منها، فإن ذلك يرتب حقوقا لأصحابها الأصليين ينبغى الاعتراف بها. بداية القصة تمثلت فى طموحات القادة الذين استعذبوا البقاء فى مقاعد السلطة بما تستصحبه من جاه ونعيم. ومن ثم سعوا إلى الاستمرار فى احتكارها ليس لأنفسهم فحسب، وإنما لذرياتهم أيضا، فى حنين مضمر للملكية التى نفروا منها، وبعضهم انقلب عليها ثم اشتهى الوظيفة دون اللقب. وبقوة السلطة وأدوات الدولة الحديثة استطاع بعض أولئك القادة أن ينقلوا السلطة إلى أبنائهم دون عناء. وهو ما حدث فى كوريا الشمالية أولا ثم فى سوريا بعد ذلك. وفى أذربيجان فى طور ثالث وفى الكونغو الديمقراطية أيضا. ورغم أن هذه المحاولات لم تواجه عقبات فيما هو معلن على الأقل، إلا أن توريث الحكم فى الجمهوريات الأربع بتلك الصورة لم يعد مستساغا فى نظر كثيرين خصوصا فى ظل ارتفاع الأصوات المنادية بالديمقراطية والتعددية. إزاء ذلك ركبت الأنظمة الاستبدادية الموجة، وقررت أن تسمح بكل مظاهر الديمقراطية دون وظيفتها. فأقامت أحزابا وهمية وأجرت انتخابات زورتها، وشكلت مجالس نيابية لا تجيد شيئا غير التهليل والتأييد. وسمحت أحيانا بحرية فى التعبير لا تتجاوز حدود الصياح الذى لا يؤدى إلى التغيير، وفى هذه الأجواء بات متعذرا على الراغبين فى التوريث أن يستمروا فى فرض الوراثة بالأسلوب الذى اتبع فى التجارب السابقة. وكنا نحن فى مصر روادا فى ابتكار النموذج الذى يحقق الهدف بأسلوب «ديمقراطى»، ومن خلال انتخابات تعددية. فُصلت لها شروط لا تسمح إلا بفوز المرشح المطلوب، وكله بالقانون ومن خلال الممارسة «الديمقراطية». ما حدث بعد ذلك أنه بعد الانتهاء من السيناريو وفى مرحلة التحضير لإنتاج الفيلم حدثت المفاجأة التى لم تكن فى الحسبان. حيث دخلت الجابون على الخط وسبقتنا إلى عرض نفس الفيلم. إذ أجريت الانتخابات الرئاسية هناك بين ثلاثة من المرشحين، كان فى مقدمتهم على بونجو مرشح الحزب الديمقراطى وابن الرئيس السابق عمر بونجو الذى توفاه الله بعد أن حكم البلاد لأكثر من 41 عاما، ونافس الابن وزير داخلية سابق وزعيم حزب اتحاد الشعب المعارض، وواضح أن الأمر كان مرتبا لأن فترة السنوات التى تجاوزت الأربعين التى قضاها الرئيس الأب خلقت طبقة من المنتفعين باستمرار نظامه كانت حريصة على أن يظل الحكم فى نطاق الأسرة. وبعد فرز ملعوب فيه أعلن فوز على بونجو ابن الرئيس، وسارعت المحكمة الدستورية إلى تأكيد الفوز، الأمر الذى فجر موجة عارمة من الاحتجاج والغضب تجلت فى انفجار أعمال العنف ونهب المتاجر وإشاعة الفوضى فى أرجاء العاصمة. صحيح أن ثمة تغيرا فى بعض مشاهد السيناريو، لكنه لم يتجاوز بعض التفاصيل التى لم تخل بجوهر فكرة التوريث بالقانون وليس بالعافية. ثم إن مشهد انفجار الشارع لم يكن فى الحسبان عندنا، وذلك أيضا مما يمكن غض الطرف عنه، لأن الذين ينتجون الفيلم ليسوا مسئولين عن رد فعل الجمهور. بالتالى هذا وذاك لا يؤثر فى حقوقنا الأدبية فى ابتداع الفكرة. لقد أثار انتباهى أن الصحف القومية إما أنها تجاهلت الموضوع أو أنها تعاملت معه وكأنه لا يعنينا. أما الصحف المستقلة والحزبية فإنها نشرته باستفاضة لم تخل من إشارات مسكونة بالتحذير والغمز. فتحدثت «الشروق» عن ثمن التوريث فى الجابون، وسأل إبراهيم عيسى فى الدستور: هل أرسل جمال مبارك برقية تهنئة إلى على بونجو؟.. لكن أحدا لم يتحدث عن حقنا الأدبى فى فكرة الفيلم، لذا لزم التنويه.