هناك مجتمع موازٍ لا نعرف عنه نحن كبار السن الكثير، ولا أعرف هل الدولة بكل أجهزتها ووسائل إعلامها التقليدية تعرف شيئا حقيقيا عن هذا العالم الموازى، وتقيم جسرا معه، أم أنها فى «عالم آخر»؟ فى أحد أيام شهر اغسطس حينما ذهبت إلى مسرح الهوسابير قرب مؤسسة الأهرام بشارع الجلاء لمشاهدت مسرحية «فى قلبى أنثى عبرية»، تفاجأت أن 95٪ من الجمهور الذى جاء لمشاهدة العرض المسرحى من الشباب صغير السن وأغلبهم طلبة جامعات. ما لفت نظرى أنه لم يكن هناك إعلانات كثيرة فى وسائل الإعلام التقليدية عن هذه المسرحية وبالتالى كان السؤال: كيف عرفت هؤلاء الشباب بهذه المسرحية واتخذوا قرار الحضور؟ سألت طالبة تدرس الإعلام فى جامعة خاصة فقالت إنها ومعظم زميلاتها يتابعون كل شىء عبر وسائل التواصل الاجتماعى، ولا يقرأون الصحف القومية أو الحزبية أو الخاصة. المسرحية لكاتبة تونسية هى الدكتورة خولة حمدى والأبطال مصريون والقصة تدور عن التعايش الصعب بين العرب والمسلمين من جهة واليهود من جهة أخرى، والجمهور شباب مصرى صغير السن، لدرجة أننى تصورت أننى الأكبر سنا بين كل الحاضرين، ولم أكن لأحضر هذا العرض لولا اتصال بالصدفة مع أحد الأصدقاء نصحنى بالمشاهدة، فذهبت بعد أن شدنى العنوان. أبطال العرض كلهم من الشباب ينتمون لفرقة «فن محوج»، وتتراوح أعمارهم بين 14 و 30 عاما، ومنذ تأسيس الفرقة قبل عامين، قدمت «تراب الماس» و«ليلة مسرح» و«هيبتا». ما لفت نظرى أيضا أن المخرج عقب نهاية العرض لم يبحث عن فضائية شهيرة أو صحيفة كبيرة، بل خاطب المشاهدين مباشرة قائلا لهم: «أرجوكم بمجرد خروجكم من العرض، اكتبوا ردود أفعالكم وآرائكم فى المسرحية فورا، وتواصلوا معنا، حتى نعرف رأيكم». هذا التواصل المباشر من دون أى حواجز بدأ يزيد، ويكفى أى شخص أن يكون لديه باقة إنترنت ربما بعشرين جنيها، ليمكنه الدخول على صفحة الفرقة المسرحية والتواصل الفورى لإبداء رأيه. فى ختام العرض أيضا دعا المخرج الجمهور لالتقاط صورة «سيلفى» حينما كان الأبطال جميعهم على خشبة المسرح، لكى يتم وضعها على صفحة الفرقة على وسائل التواصل الاجتماعى. لا أكتب عن المسرحية، بل عن الجمهور المختلف الذى أزعم أننا لا نعرف عنه الشىء الكثير. شخصية هذا الجمهور وذوقه وهواياته وبالتالى أفكاره صارت تتشكل فى مسارات غير تقليدية، لا نعلم عنها شيئا.. لا أدين هذا الأمر أو أؤيده، فقط أدعو الجميع إلى الملاحظة، والبحث عن طرق علنية فى النور للاستماع إلى هؤلاء الشباب ومعرفة كيف يفكرون وماذا يريدون؟ علينا أن نتواصل مع هذا الجيل الجديد الذى هو أمل البلاد ومستقبلها فعلا. هؤلاء يقيمون عالما موازيا يسمعون موسيقى مختلفة ومطربين مختلفين وموضوعات مختلفة، ويشجعون اغلب الظن فرق كرة أجنبية وليس فقط الأهلى والزمالك، ويأكلون ربما وجبات مختلفة. صاروا «منعزلين» عنا تماما، السماعات فى آذانهم ويحلقون فى عالم مختلف. هؤلاء هم اولادنا، ربما يكونون معنا فى بيوتنا ولا نعرف عنهم شيئا، لم نجرب ان نقترب منهم، أو نسمع كيف يفكرون وفى ماذا يفكرون، وكيف ينظرون الينا وكيف يخططون لمستقبلهم؟!!! أسئلة كثيرة ينبغى ان ننشغل بها عن هؤلاء الشباب، أولها ألم يحن الوقت كى نقترب منهم، وبأى طريقة حتى نضمن أن المستقبل بخير؟!!!.