من أهم الظواهر التي يشهدها المسرح المصري حاليًا، مبادرات الشباب لإعادة الجمهور للمسرح، شباب المسرحيين صاروا يرفضون أن يقدموا عروضهم لأصدقائهم، فبعد عدد من العروض التي حققت نجاحًا جماهيريًا كما هو الحال في عروض استديو مركز الإبداع بالأوبرا التي أكدت أن الجمهور موجود ومتشوق للمسرح، وأن العمل الجيد يجتذب قطاعات واسعة من الجمهور، صار الجيل الحالي من شباب المسرحيين أكثر حرصًا على الجمهور، ممن سبقهم، سواء في مسرح الدولة أو المستقل، ممن كانوا لا يرون غضاضة أن تقدم عروضهم لكراسي فارغة. شباب المسرحين رفضوا هذا الوضع ولم يتنازلوا عن طموحاتهم الفنية، قدموا مسرحهم كما ارادوه ان يكون دون اي تنازلات فنية لكنهم امنوا بدور الجمهور في المسرح كشريك اساسي لا يمكن تجاهله. *صوت الشارع نجح فريق عرض "1980 وانت طالع" لفرقة استديو البروفة، المعروض حاليًا على مسرح الهوسابير، في اجتذاب الجمهور وضرب مثلًا للعرض الذي ينجح دون أي دعاية من أي نوع، سوى أقدم أشكال الدعاية وربما أكثرها تأثيرًا، وهي الدعوة الشفاهية، من متفرج إلى آخر، ووسائل التواصل الاجتماعي على الإنترنت. العرض لم يعتمد على دعاية وإنما على الانحياز لجمهوره، فهكذا يستمر في الحياة من خلال إقبال الجمهور، فكل أسبوع يقرر فريق العرض استمراره من عدمه بناء على حجم الجمهور الذي يؤمن للفرقة دفع إيجار المسرح كل ليلة، من خلال تذكرة بسيطة. محمد جبر- مخرج العرض، قال «للبديل» إنهم مروا بمراحل كثيرة ليحوزوا ثقة الجمهور، عرضوا أمام 5 و10 متفرجين، كانوا هم الأهم والأغلى بالنسبة إلى فريق العمل، لأنهم ساندوهم وساعدوهم على الاستمرار، وأضاف أن الفريق وضع هدفًا له، هو الاستمرار في العرض لموسم كامل وعلى مدار أربع سنوات هي عمر تقديم العرض الذي يشهد تغييرات متواصلة في مشاهده القائمة علي شكل اسكتشات ساخرة من أوضاع سياسية واجتماعية، وقال إن هذا الهدف جعلهم أكثر إصرارًا على تحدي العقبات التي تواجه الفرق المستقلة في إيجاد مكان للعرض، وإنعدام التمويل وإنشغال الممثلين بالعمل في عروض أخرى، مما يتسبب أحيانا في تعارض مع توقيت تقديم العرض الذي يطرقون كل الأبواب للحفاظ عليه مستمرًا، حتى وصلوا لتحقيق النجاح الجماهيري الكبير، على مسرح الهوسابير منذ بداية الشهر الماضي بشكل متواصل ليستقروا فيه نسبيًا بعد جولة طويلة على المسارح، شملت مسرح الجيزويت وقصر ثقافة الطفل وغيرها. فريق العرض يعرف جيدًا أن الجمهور هو من يكسبه شرعية الوجود، في عرض من نوعية الجريدة اليومية، حافل بالسخرية من كل الأوضاع، لا يوفر أحدًا من السيسي إلى الإخوان إلي المجلس العسكري والداخلية، كل ليلة يختتم العرض بتحية الجمهور ودعوتهم ليكونوا صوت الفريق وفريق دعايته بدعوة الأصدقاء لمشاهدة العرض، إن كان قد أعجبه. وهكذا طور الفريق عادات حميمية مع الجمهور كل ليلة يلتقطون صورتهم الجماعية مع الجمهور قبل أن يستمتعوا بمتعة النجاح في صور خاصة مع الجمهور الذي يجعلهم نجومه ويحرص كثيرون منه أن يلتقط صورًا مع الممثلين في العرض. مفتاح معادلة نجاح العرض كان إصرار الفرقة على الاستمرار وتعبيرها الصادق عن حال الناس والشباب بشكل خاص، الذي انحاز للمسرحية لأنها انحازت لهمومه وثورته المخطوفة وأحلامه المحرمة، فكان انحياز العرض لجمهوره هو مفتاح نجاحه الجماهيري، وقدرته على اجتذاب قطاعات بعيدة أصلًا عن عادة الذهاب للمسرح. *ليلة عرض واحدة: بنفس منهج استهداف الجمهور دون تنازلات فنية، ضرب شباب فريق "فن محوج" مثلًا في التوجه للجمهور واحترامه، اختاروا تقديم 4 عروض في برنامج واحد، في عرض مفتوح مجانًا للجمهور في ليلة واحدة على مسرح روابط، راهنوا على الواقع، وهو أن من سيأتون لمشاهدة شباب مسرحيين هواة هم أصدقائهم، المخرج محمود عبد العزيز، صاحب فكرة المجموعة وليلة العرض قال: نعرف أن من يشاهد عروضنا هم أصدقاؤنا وأهلنا أحيانا، لذا قررنا أن نعرض معا ليشاهدنا جمهور مجمع من أصدقائنا، على أمل أن يشاهد الجمهور تنويعة من العروض تجتذبه لفكرة المسرح." فريق "فن محوج" اعتمد على الفكرة البسيطة لتجميع جهود أعضائه من المسرحيين، يوزعون الأدوار فيما بينهم لتحقيق فرصة لتقديم عروض يتشاركون إنجازنها، لعدة ليال وليس ليلة واحدة مثل تجربتهم الأولى، كما يفكرون في استثمار نجاح بعض الروايات وتحقيقها شعبية مثل أعمال الكاتب الشاب أحمد مراد، ليقدموا منها أعمالًا مسرحية، يجتذب موضوعها الجمهور، وغيرها من الأفكار التي تسعي لإيجاد حلقة الوصل مع الجمهور. *دعاية الأبيض وأسود: بملابس أنيقة تنتمي لحقبة الأربعينيات، خرج فريق عرض "لوعرف الشباب" إلي شوارع وسط البلد يدعون الناس لمشاهدة عرضهم، الذي يقدم على مسرح ميامي، من إنتاج البيت الفني للمسرح. المخرجة روان الغابة والمخرج المنفذ عابد الجندي، تحولا إلى وسيط دعائي حي للعرض. تقول «روان» أنهما اضطرا لذلك "لأنه لا حل لمشاكل المسرح دون استعادة الجمهور، ولأن البيت الفني للمسرح لا يقوم بالدعاية لعروضه فما جدوي تقديم العرض دون جمهور". كل ليلة يقف فريق العرض في ختامه بعد تحية الجمهور حاملين لوحات تنادي بحل أزمة المسرحن وتنتقد غياب الدعاية والتسويق للعروض المسرحية ويرفعون شعارات "عاوزين دعاية في الإذاعة والتليفزيون، نزلنا الشارع وعملنا دعاية علي حسابنا، نعمل إيه تاني؟"، "ثورة المسرح، أكثر من عشرين عامًا والمسرح في انهيار، مش هنلم فلوس من بعض، مش هنفتح العرض لأربعة أفراد، مش هنساعد على إهدار المال العام". أزمة الدعاية والتسويق في عروض مسرح الدولة، هي نموذج صارخ لإهدار المال العام من خلال آليات بيروقراطية عتيدة قادرة على تحجيم فرص أي نجاح، مواجهتها لا تحتاج إلى عبقرية أو قرارات ثورية، ورغم ذلك تظل مشكلة مزمنة بلا حل، رغم تغيير إدارات البيت الفني عدة مرات فيما استمرت الطرق القديمة والمفاهيم التي تجاوزها الزمن وتطور التكنولوجيا عن الدعاية في الصحف الورقية الرسمية، لتظل الدعاية في مسرح االدولة مسؤولية ودور صناع العمل لا جهة الإنتاج التي لا تهتم بإنجاح أعمالها، لسبب بسيط كثيرًا ما يكرره رؤساء البيت الفني، أن العائد من العروض يذهب إلى وزارة المالية، وليس إلى البيت الفني للمسرح، وبالتالي لا يهتم رؤساؤه بما تحققه العروض من إيرادات مقابل تكلفة ميزانياتها. *الرقص مع المشاهير على خلاف المعتاد من قلة جمهور عروض الرقص المسرحي، استقطب عرض «الفيل الأزرق» لفرقة الرقص المسرحي الحديث بدار الأوبرا، جمهورًا ربما يدخل الأوبرا للمرة الأولى، مع هذا العرض الذي أخرجه مناضل عنتر- المشرف على الفرقة، عن رواية الكاتب أحمد مراد. «عنتر» راهن على الذهاب للجمهور دون أي تنازلات، اختار منذ تولي إدارة الفرقة تقديم أعمال روائية من الأدب المصري المعاصر، حققت نجاحًا جماهيريًا، ومن خلال نجاحها يجتذب قطاعات من جمهور قرائها ويكسر من خلال الفتهم مع النص الأدبي، حالة اغتراب كانت كثيرًا ما تواجه عروض الرقص في علاقتها بالجمهور. نجح «الفيل الأزرق» جماهيريًا وللمرة الأولى شهدنا المسرح الكبير "كومبليه"، في عرض مصري راقص، في المقابل حافظ على المصداقية في كل مشهد قدمه والطموح بتجاوز سقف توقعات الجمهور، ليقدم عرضًا مبهرًا، على مستوى التصميم والإتقان والانسجام بين كافة عناصره فاستحق ثقة الجمهور. نجاح "الفيل الأزرق" الباهر، حجمه كالعادة النظام البيروقراطي، تعرض للتضييق ولم يتم استثمار نجاحه، عرض ليال معدودة وهو حال فرق الأوبرا كلها، قلة ليالي العرض، وهو ما يعد إهدارًا للمال العام، فهذه العروض تنتج ويبذل فنانوها شهورًا من التدريبات والبروفات لتعرض لمدة تقل عن الأسبوع، فكيف ومتي سيتم تربية جمهور من هواة الفنون الرفيعة والمعاصرة كالرقص، رغم تشوق الجمهور الذي لا يتواني عن دعم العمل الذي يحترم جمهوره ويحرص على الإجادة وتحقيق المتعة الفنية.