خاص| كريم عبد الباقي: تحرك نقابي عربي للدفاع عن السعودية في لجنة المعايير    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. ثالث أيام العيد    لولا دا سيلفا يقترح مبادرة لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية    شهيد ومصابون برصاص الاحتلال في الضفة الغربية    "لن آخذ على عاتقي التزامات".. ممدوح عباس يُفاجئ الزمالك بهذا القرار    تريزيجيه: هددت طرابزون لأعود إلى الأهلي.. ولم أحصل على حقي إعلاميا    خوسيه ريفيرو: مباراة باتشوكا فرصة للتعرف على اللاعبين    زيزو يكشف سر رقم قميصه مع النادي الأهلي.. ويختار اللاعب الأفضل في مصر    أوليه: ريفر بليت حاول ضم رونالدو لأجل كأس العالم للأندية    دي لا فوينتي: هذا ما يفاجئنا في يامال.. ومستعد للهزيمة    تريزيجيه: هددت طرابزون بعدم اللعب مجددا حال عدم الانتقال للأهلى    خلافات عائلية تتحول إلي شروع في قتل ببولاق الدكرور    مصرع طفل وإصابة آخر دهستهما سيارة ربع نقل في قنا    مصرع عامل وإصابة 9 آخرين في انهيار سقف مخزن جلود بالبحيرة    إصابة أسرة كاملة في تصادم سيارة بموتوسيكل أعلى دائري الهرم    محمد عبده يتألق في حفل عيد الأضحى بحفل كامل العدد في دبي (صور)    عرض مسلسل فهد البطل على قناة MBC1    نسرين طافش جريئة وميرنا نور الدين أنيقة..لقطات نجوم الفن خلال 24 ساعة    بسبب بكتيريا السالمونيلا.. سحب 1.7 مليون بيضة من الأسواق الأمريكية    محافظ الغربية: ذبح 1168 أضحية مجانًا داخل المجازر الحكومية خلال العيد    صرف المرتبات للعاملين بالدولة 18 يونيو    البابا تواضروس يناقش أزمة دير سانت كاترين مع بابا الڤاتيكان    أصابوه بعاهة.. التعدي على مسؤول حماية الأراضي خلال تنفيذ إزالة بأرض زراعية بسوهاج "فيديو"    «صندوق المكافحة»: أنشطة بالمناطق «بديلة العشوائيات» للتوعية بأضرار المخدرات    "بوليتيكو": من المُتوقع أن يتهم الاتحاد الأوروبي إسرائيل بارتكاب جرائم حرب في غزة    إعلام فلسطيني: جيش الاحتلال يقصف خيمة للنازحين في المواصي غربي خان يونس    الخارجية الروسية: نرفض استهداف منشآت إيران النووية ونسعى لحل بين واشنطن وطهران    «المشروع إكس» يتصدر إيرادات أفلام عيد الأضحى    معتز التوني: الإخراج أقرب لقلبي.. وأتمنى تقديم مسلسل اجتماعي بعيدا عن الكوميديا    الشناوي: ودية باتشوكا أفضل استعداد قبل مواجهة إنتر ميامي.. وصفقات الأهلي قوية    إقبال كبير من المواطنين في الدقهلية على الحدائق ثاني أيام عيد الأضحى.. صور    تعرف على الخطأ الطبي الجسيم وفقا للقانون    في ذكرى وفاة المشير الجمسي، تعرف على آخر وزير حربية بمصر والمصنف ضمن أبرع 50 شخصية عسكرية بالعالم    «باعتبرها أمي».. شريف منير يوجه رسالة مؤثرة إلى زوج ابنته أسما (فيديو)    سعر الفراخ البيضاء والساسو وكرتونة البيض بالأسواق اليوم الأحد 8 يونيو 2025    إقبال كثيف على «مصايف الغلابة» بدمياط وكفرالشيخ والدقهلية    أخبار × 24 ساعة.. النقل: غرامة لمن يستخدم حارة الأتوبيس الترددى على الدائرى    في لفتة إنسانية.. الرئيس يطمئن على أحد الأئمة ويكلف بعلاجه فورًا    سعر الذهب اليوم الأحد 8 يونيو محليًا وعالميًا.. عيار 21 الآن بعد الزيادة الأخيرة (تفاصيل)    «ماسك» يتحدى «ترامب» ب«حزب جديد» ينافس «الديمقراطيين» و«الجمهوريين»    وزير الخارجية يُندد بمواصلة إسرائيل «انتهاك القانون الدولي»    تصويت ساحق ل«عضوية فلسطين» كمراقب في «منظمة العمل الدولية»    مجلس الوزراء: التوجيه بالمتابعة المستمرة لذبح الأضاحي بالمجازر الحكومية    تعرف على برجك اليوم 2025/6/8.. «الثور»: تمل من العطلة.. و«العذراء»: تمر بحالة من الهدوء والتأني    81 عاما من العطاء.. قضتها "نفيسة" في محو الأمية وتحفيظ القرآن للأهالي مجانا    ظاهرة جوية وصفتها الأرصاد ب «الخطيرة».. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم: «توخوا الحذر»    «الرعاية الصحية»: جولات ميدانية مكثفة لمتابعة سير العمل    قد تتحول إلى سموم ..تجنب وضع هذه الأشياء داخل الميكروويف    قوافل ومبادرات صحية تجوب المنوفية في ثاني أيام العيد.. صور    استمرار أعمال التجميل ورفع المخلفات بميادين الإسماعيلية    الحجاج يخلدون رحلتهم الإيمانية في مشاهد مصورة.. سيلفى فى الحرم بين لحظة الخشوع وذاكرة الكاميرا    كل عام ومصر بخير    البابا تواضروس يلتقي شباب الإسكندرية بمنتدى كنيسة العذراء بسموحة يوليو المقبل    فى موسم الرحمة.. مشاهد البر تتصدر مناسك الحج هذا العام.. أبناء يسيرون بوالديهم نحو الجنة بين المشاعر المقدسة.. كراسى متحركة وسواعد حانية.. برّ لا يعرف التعب وأبناء يترجمون معنى الوفاء فى أعظم رحلة إيمانية    "أكلات العيد".. طريقة تحضير الأرز بالمزالكيا    ما حكم من صلى باتجاه القبلة خطا؟.. أسامة قابيل يجيب    عيد الأضحى 2025.. ما حكم اشتراك المضحي مع صاحب العقيقة في ذبيحة واحدة؟    12 عرضا في قنا مجانا.. قصور الثقافة تطلق عروضها المسرحية بجنوب الصعيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عَ هدير البوسطة.. النيويوركية
نشر في الشروق الجديد يوم 22 - 06 - 2016

تحركت الحافلة الصغيرة لتقلنا من مدينة نيويورك إلى إحدى الضواحى القريبة، كل المقاعد داخلها مشغولة بركاب يحملون معهم أكياسا بلاستيكية يظهر فيها ثياب وأحذية وعلب أدوات كهربائية، حتى أن إحدى الراكبات قد وضعت مكنسة كهربائية فى أول الحافلة قرب السائق وقالت إنها ستأخذها حين تصل إلى مكان نزولها. لم يستغرب السائق بل ضحك مع الراكبة قائلا إنها حتما ستنساها، فمن يريد أن يقوم بتنظيف البيت فى نهاية يوم مرهق؟ أجلس على الكرسى بجانب سيدة سندت كيس مشترياتها على شباك الحافلة فما عدت أستطيع أن أرى المنظر خارجها. فى الكيس يبدو لى أنها لفت سجادة بقماشة بيضاء ربما لتحميها من المشوار، أنظر أمامى من زجاج السائق لأرى الطريق وزحمة السير.
الناس من حولى يتحركون فى أماكنهم، يتلفتون فيتحدثون مع من بجانبهم ومن أمامهم أو خلفهم، وأسمع أجزاء من أحاديثهم التى تدور كلها باللغة الإسبانية، بينما يحركون أيديهم حين لا يكونون بحاجة إلى أن يمسكوا بالأكياس حتى لا تقع. سائق الحافلة يستمع، ويجبرنا أيضا على أن نستمع معه، إلى موسيقى فرحة بإيقاع سريع، يغنى مع الراديو ثم يسكت وهو يهز رأسه وحتى يصفق أحيانا فيضحك الركاب. يرن هاتف فيرد السائق، وهو شىء يعاقب عليه قانون المرور بشدة فى الولايات المتحدة الأمريكية، وخصوصا فى نيويورك التى هى من أكثر الولايات صرامة فى القوانين.
***
أنظر حولى وأضحك لما فى الجو من خفة ظل وبهجة تتناقضان مع حدة مدينة نيويورك، الحافلة عبارة عن باص صغير كذاك الذى يتحرك فى سوريا أو فى لبنان بين القرى، والذى تغنى عنه فيروز «عَ هدير البوسطة»، فالبوسطة فى كلام الجيل القديم فى سوريا ولبنان هى الحافلة التى كانت فى الزمن القديم تنقل البريد والناس جماعة من مكان إلى مكان، أو «من ضيعة حملايا على ضيعة تنورين». المنظر هنا فى نيويورك جديد على، ففى هذه المدينة الصاخبة لطالما بدا لى أنه وحتى فى الزحمة هناك نظام صارم، ينطبق حتى على المجتمعات المهاجرة حديثة الوصول. فى هذه الحافلة شعرت أننى فى الطريق إلى حمص أو تدمر أو حماه أو حلب مع وجوه مألوفة، رغم اختلاف ملامح من معى فى الحافلة حيث إنهم كانوا جميعا ومن دون استثناء من بلاد أمريكا اللاتينية ويتكلمون مع بعضهم البعض باللغة الإسبانية حتى لو بلهجات مختلفة.
***
فى يوم آخر استقللت حافلة أكبر لأعود من إحدى الضواحى الأخرى إلى نيويورك فى ليلة يضيؤها بدر مكتمل، المنظر سريالى فنحن محاطون بالغابات والسواد، والقمر كالفانوس يمشى فوقنا فيدلنا على الطريق. الباص نصف ممتلئ وصمته لا يعكره أى صوت. الركاب تم تحذيرهم فى أول الرحلة: «الرجاء عدم الحديث على الهاتف المحمول لتفادى إزعاج الآخرين، التدخين ممنوع، ممنوع الوقوف أثناء تحرك الحافلة، وممنوع وضع أغراضكم على المقاعد فمكانها على الرف فوق رءوسكم»، حتى أننى أحسست أننى فى طائرة ولست فى باص. وفعلا لم ينبس أحد ببنت شفة طول الرحلة، مما زاد من الشعور بالرهبة والباص يشق طريقه فى الظلام.
إنما حين مشت شابة بين المقاعد لتوزع علينا زجاجة ماء وكيسا فيه رقائق البطاطا، ابتسمت وأنا أتذكر رحلاتى مع أقربائى من دمشق إلى حلب فى الباصات السورية، حيث كانوا أيضا يوزعون علينا وجبة خفيفة فى علبة كرتونية مربعة. كانت هناك شاشة فوق رأس السائق غالبا ما كانت تعرض فيلما لعادل إمام يضعه السائق فى جهاز الفيديو المركب تحت الزجاج الأمامى، فيظهر الممثلون على الشاشة ويلعلع صوتهم عاليا ليتمكن جميع من فى الحافلة من سماعه.
***
هنا فى أمريكا، وأنا أبعد ما أكون عن عالمى، أبحث فى التفاصيل اليومية، دون قرار واعٍ منى، عن أى شىء يمكن أن أستعيد من خلاله ذكرى أحبها. أتفاجأ كل مرة بأهمية تفصيل ما بدا لى يوما أنه دون أهمية حتى إننى لم أعره وقتها أى اهتمام، إلا أنه سجل نفسه فى مكان ما فى ذاكرتى وعاد فظهر لى فى باص فى إحدى ضواحى نيويورك.
تختلط على الأمور، فأنظر إلى السيدة الجالسة بجانبى قرب الشباك علنى أتعرف على ملامحها، وأكاد أسألها إن كانت تحمل فى كيسها حلاوة الجبن التى كنا نشتريها من حمص أو من حماه، حين كان الباص يقف بِنَا هناك كى نستريح من طول المسافة بين دمشق وحلب. أو إن كانت معها هريسة (بسبوسة فى اللهجة السورية) قد تكون اشترتها من أول محطة قد يقف فيها الباص بعد أن يغادر دمشق وهى النبك حيث الهريسة المشهورة التى تغطيها فرشة من الفستق الحلبى تكاد تختفى تحتها العجينة بكاملها.
***
فى رحلتنا بعيدا عن البيت والوطن، يبدو أننا نستعيد بعضا من أنفسنا فى عمليات إسقاط نجريها طوال الوقت على كل شىء من حولنا. الحافلة الصغيرة بسائقها السعيد تذكرنا بالطريق إلى اللاذقية فى الصيف، الحافلة الكبيرة ذات الستائر المخملية تذكرنا بالطريق إلى تدمر فى الشتاء. وجبة الحافلة تذكرنا بكيف كنا نأخذ علبة العصير وقطعة الحلوى من كرتونة الوجبة ونترك الخبزة والجبنة لأنها حينها لم تكن تعنينا. فى الباص فى نيويورك، تصدح فيروز فى رأسى «تذكرتك يا عليا... وتذكرت عيونك، يخرب بيت عيونك يا عليا شو حلوين».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.