تنسيق الجامعات 2025.. 70 ألف طالب يسجلون لأداء اختبارات القدرات    صراع بين مرشحي الشيوخ بالشرقية لكسب أصوات الناخبين    وزير الشباب والرياضة يزور رئيس مجلس الدولة لتقديم التهنئة    7.53 صادرات مصر لأعلى خمس دول خلال 4 أشهر من 2025    فنادق مرسى علم تحتفل باليوم الوطني البلجيكي    رئيس الوزراء يستعرض موقف توافر الأسمدة الزراعية ومنظومة حوكمة تداولها    عملية خطف في غزة.. الاحتلال يستهدف مدير المستشفيات الميدانية    أمجد الشوا: العالم بات يتعامل بلامبالاة خطيرة مع ما يحدث في غزة    الكرملين: بوتين وترامب قد يلتقيان فى الصين سبتمبر المقبل    اليوم وديا .. بيراميدز يواجه "باندرما سبور" في معسكر تركيا    محمد إسماعيل مستمر فى معسكر زد.. وحسم موقفه النهائى مع الزمالك الليلة    الشناوي يعلق على كثرة النجوم في غرفة ملابس الأهلي    ريال مدريد يتمسك بأمل التعاقد مع إبراهيما كوناتي.. وليفربول يرفع سقف المطالب المالية    منتخب مصر للسلة يواجه إيران في بطولة بيروت الدولية الودية    بتروجت يعلن ضم عمر بدير لاعب الأهلي لتنس الطاولة    في مشهد صادم.. مصرع وإصابة 10 أشخاص بسبب سيارة تسير عكس الاتجاه| صور    مأساة دلجا بالمنيا تتفاقم.. فرحة ووالدها يصرعون المجهول بحثا عن الحياة والنيابة تواصل التحقيق    اليوم.. تعرف على برنامج عروض وندوات المهرجان القومي للمسرح    «هنو» يجتمع بمقرري لجان «الأعلى للثقافة» ويعلن آلية جديدة لاختيار أعضاء اللجان الدائمة    نادية رشاد: «أنا مش محجبة ولا صغيرة عشان أثير الفتن» (فيديو)    «أمنحتب الثاني».. تمثال يجسد السلطة الإلهية في قلب الدولة الحديثة    آمال ماهر تكشف كواليس ألبوم «حاجة غير» | فيديو    وزير الصحة يتفقد المجمع الطبي ومركز 30 يونيو للكلى بالإسماعيلية    مستشفى كفر الشيخ الجامعي ينقذ مريضة تعاني من ورم ضاغط على الوريد الأجوف العلوي    "الدراسات العليا" بجامعة قناة السويس يفتح باب القبول والتسجيل لبرامجه "دبلوم - ماجستير - دكتوراه"    آمال ماهر تتصدر تريند يوتيوب ب3 أغنيات بعد طرح ألبومها الجديد    وزير الخارجية يؤكد حرص مصر على نقل خبراتها المتراكمة في مكافحة الإرهاب لدعم القدرات النيجيرية    مدير صحة شمال سيناء يدعو المواطنين للمشاركة في المبادرة الرئاسية 100 يوم صحة    قيادي بحزب مستقبل وطن: محاولات الإخوان لضرب الاستحقاق الانتخابي مصيرها الفشل    ما الضوابط الشرعية لكفالة طفل من دار الأيتام؟.. الإفتاء توضح    المفتي يوضح حكم كيِّ الماشية بالنار لتمييزها    النفط والضرائب والسوق السوداء.. ثلاثية الحوثيين لإدارة اقتصاد الظل    وصول الطفل ياسين مع والدته إلى محكمة جنايات دمنهور مرتديا قناع سبايدر مان    ملتقى التفسير بالجامع الأزهر: حديث القرآن الكريم عن الليل والنهار شامل ودقيق لإظهار التعبير والمعنى المراد    "الزراعة" تطلق منافذ متنقلة لبيع منتجاتها بأسعار مخفضة في الجيزة    رئيس الوزراء يتابع موقف تقنين الأراضي المضافة لعدد من المدن الجديدة    بالفيديو.. الأرصاد: ارتفاع تدريجي في الحرارة والقاهرة تسجل 40 درجة مئوية    فات الميعاد.. أحمد مجدي: شخصية مسعد تعبتني.. وبحاول أتخلص منه لحد دلوقتي    سوداني يوجه رسالة شكر للمصريين على متن «قطار العودة»: «لن ننسى وقفتكم معنا» (فيديو)    السيطرة على حريق في مصنع زجاج بشبرا الخيمة    اليوم.. أولى جلسات محاكمة 39 متهما ب«خلية العملة»    أسامة الجندي يوضح حكم الأفراح في الشرع الشريف    الفلفل ب10 جنيهات.. أسعار الخضراوات والفواكه بكفر الشيخ اليوم    جامعة القاهرة تحتل المركز 487 بتصنيف ويبومتريكس الأسبانى يوليو 2025    تمهيدا لرفع الكفاءة.. متابعة علمية لمحطة بحوث الموارد المائية بطور سيناء    استمتع بمذاق الصيف.. طريقة عمل آيس كريم المانجو في المنزل بمكونات بسيطة    محافظ مطروح يهنئ السيسى بمناسبة الذكرى ال73 لثورة 23 يوليو المجيدة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 21-7-2025 في محافظة قنا    وكيل صحة الدقهلية: أكثر من 35 ألف جلسة علاج طبيعي استفاد منها 6 آلاف مريض خلال يونيو    ترامب ينشر فيديو مفبرك بالذكاء الاصطناعي لاعتقال أوباما في البيت الأبيض    زعيم المعارضة الإسرائيلية: نهاجم في الشرق الأوسط حيثما نشاء دون سياسة واضحة    ناقد رياضي يكشف تطورات صفقة وسام أبو علي بعد الأزمة الأخيرة    شهداء وجرحى فى قصف للاحتلال على مناطق متفرقة من قطاع غزة    "صعبة".. وكيل مصطفى شلبي يكشف تفاصيل انتقاله للبنك الأهلي    اليوم.. «الداخلية» تعلن تفاصيل قبول دفعة جديدة بكلية الشرطة في مؤتمر صحفي    جريمة داخل عش الزوجية.. حبس المتهمة بقتل زوجها بالقليوبية    رسميًا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 21 يوليو 2025    أنغام فؤاد ومنيب تتألق في صيف الأوبرا 2025 بحضور جماهيري كبير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة خط كاديلاك البري بين بغداد ودمشق
نشر في صوت الأمة يوم 24 - 07 - 2010

قبل الحرب العالمية الأولي، برز اسم نورمان وجيرالد نيرن كوكلاء لدرجات هارلي دافيدسون النارية في مدينة بلينهيم بنيوزلندا. ومع اندلاع الحرب في فلسطين خدم كلاهما في ضمن الوحدات الميكانيكية التي استخدمت فورد موديل
T حينذاك. وبدلا من العودة إلي نيوزيلندا، اتجه
الأخوان إلي مصر وهناك عملا في تجارة السيارات في فترة العشرينيات. وخلال الأعوام التالية بدأ الأخوان في تشغيل خدمة لنقل البريد والركاب بين بيروت وحيفا. وبعد عامين من بدء تلك الخدمة فكر الأخوان في خدمة أخري تبدو مغرية ومربحة بشكل أكبر. ففي تلك الفترة كانت العاصمة العراقية بغداد هي المركز الإداري للقيادة المدنية البريطانية التي حكمت العراق بتفويض من عصبة الأمم تماما كما حكمت فرنسا سوريا. وفي تلك الفترة كان الكثير من البريطانيين العاملين في العراق يسافرون لإنجلترا بشكل منتظم ولكن كانت المسافة تستغرق الكثير من الوقت حيث أن الطريق الوحيد لسفر الركاب والبريد كان من خلال ميناء البصرة ومنها إلي بومباي في الهند ثم العودة إلي بريطانيا عن طريق قناة السويس. وكانت الرحلة تستغرق عدة أسابيع. ولهذا السبب فكر الأخوان في طريقة يمكن من خلالها قطع الصحراء مباشرة من بغداد إلي دمشق وبالتالي اختصار زمن الرحلة إلي لندن إلي 10 أيام فقط.
اختار الأخوان نيرن الممر المباشر عبر الصحراء السورية من دمشق لبغداد وبيروت. كان هذا الطريق مهجورا ولا أثر لحياة فيه طيلة المسافة بين دمشق ومدينة الرمادي ولكن تأكد الأخوان خلال رحلة استكشافية عام 1923 بسيارة بويك وأخري أولدزموبيل من إمكانية السير فيه بشكل منتظم. وأختير لتلك المهمة 6 سيارات كاديلاك من طراز الفئة 63 V8 تورنج وكانت تسع لسبعة أشخاص. ومع انطلاق الخط سرعان ما صار أشهر خدمة نقل صحراوية في العالم.
بالطبع كان من الضروري إدخال بعض التغييرات علي السيارات كي تناسب طبيعة استخدامها الجديد، حيث تم استبدال مقاعدها الوسطي بخزان للوقود سعة 20 جالونا وآخر للماء بسعة 16 جالونا. وبعد هذا التعديل كان بمقدور السيارة استيعاب 4 ركاب بالإضافة إلي السائق بينما كانت حقائب البريد وأمتعة الركاب توضع علي جانبي السيارة والرفارف وغطاء المحرك. وكان من الضروري توافر مؤن تكفي الركاب لمدة أسبوع تحسبا لأي طارئ بينما ساعد الخزان الاحتياطي علي إمكانية السير دون الحاجة لإعادة التزود بالوقود طوال الرحلة. ومن بين التجهيزات الخاصة لتلك السيارات الست كانت الثلاجات الصغيرة والكشافات المثبتة علي الزجاج الأمامي. وبالفعل وقعت شركة الأخوان نيرن عقدا مع خدمة البريد بالحكومة العراقية لمدة 5 سنوات ووقعت عقدا مماثلا مع الحكومة الفرنسية لتوفير الخدمة البريدية بين دمشق وبغداد. وبتوافر تلك الخدمة كان بإمكان الركاب السفر من بغداد لشواطئ البحر المتوسط بوسيلة أسرع وأكثر راحة وتكلفة أقل حيث بلغت أجرة السفر من بغداد لدمشق 30 جنيه أسترليني في الوقت التي كانت الرحلة من القاهرة لبغداد بالطائرة تكلف 150 جنيه أسترليني للتذكرة وكان موعد تلك الرحلة كل أسبوعين. أما الأطرف فهو أن سيارات كاديلاك التي كانت تنطلق في الصحراء بسرعة 70 ميلا في الساعة كانت تصل إلي وجهتها أسرع من طائرات تلك الفترة.
حتي عام 1927، كانت الشركة قد قامت بحوالي 4000 رحلة بين بغداد ودمشق نقلت خلالها 20 ألف راكب و4500 حقيبة بريد دون اية مشكلات. وكانت الكفاءات التي أدارت بها الشركة أعمالها سببا في سمعة دولية طيبة حيث كلفت الشركة بنقل شاه أيران عبر الصحراء. وكان أداء سيارات كاديلاك في تلك الصحراء فوق العادة.
يري المؤرخون أن افتتاح هذا الخط الصحراوي كان أحد أهم التطورات التي شهدتها المنطقة خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الأولي. والواقع أن الخط شهد إقبالا كبيرا من المسافرين ولهذا لجأت الشركة إلي الاستعانة ببعض الحافلات ذات الست عجلات من طراز "سيف واي" الأمريكية. تم تعديل الحافلات كي تتلائم مع طبيعة عملها في الصحراء فكانت مجهزة بمحركات كونتيننتال بقوة 150 حصانا يتم توصيلها إلي العجلات الخلفية وكانت بمثابة بداية لظهور المركبات الصحراوية المتخصصة.
مع ظهور الحافلات في الخدمة الصحراوية بيعت بعض سيارات كاديلاك وتم الاحتفاظ بالبعض الأخر لأداء مهام خاصة. وعند بيعها كانت كل من تلك السيارات قد قطعت أكثر من 200 ألف ميل دون مشكلات تذكر لتسجل بذلك أفضل مستويات للكفاءة في تاريخ السيارات.
لم يقتصر وجود الحافلات علي "سيف واي" حيث حصلت الشركة علي بعض حافلات ACF في فترة لاحقة. وكانت تلك الحافلات مزودة بمحرك قوته 130 حصانا ولكنه كان يستهلك جالونا واحدا لكل 4 أميال ولهذا كان من الضروري التحول إلي استخدام المحركات التي تدار بالديزل توفيرا للنفقات. وبالفعل استوردت شركة "نيرن" حافلتين صنعتا خصيصا لها علي يد شركة "مارمون-هيرنجيتون" الأمريكية في عام 1934. كانت تلك الحافلات فريدة من نوعها حيث صممت بخمسة محاور و18 عجلة وكانت تعمل بمحرك ديزل كما كان لها مقصورتان للركاب علي مستويين. زاد الإقبال علي الخط الصحراوي ولهذا تم إدخال حافلتين صنعتا من الصلب المقاوم للصدأ وبمقصورة مكيفة الهواء في عام 1937. وكانت تلك المركبات الفاخرة مزودة بعشر عجلات وبشاسيه مصنوع من قبل شركة وايت ومحركات ديزل من إنتاج شركة كومينز. زودت الحافلات الجديدة بأحواض لغسيل الأيدي وبأماكن لإعداد الوجبات والمشروبات. كانت تكلفة الحافلة الواحدة من هذا النوع حوالي 12 ألف دولار أمريكي بأسعار تلك الفترة ويحسب لها تقليل زمن الرحلة من دمشق لبغداد من 24 إلي 18 ساعة.
في البداية كانت تلك الحافلات تستخدم إطارات دنلوب التي لم تتحمل الأحمال الثقيلة والطبيعة الصحراوية الخشنة حتي أن السائقين رفضوا في مرحلة معينة قيادة تلك الحافلات. ولكن عولجت تلك المشكلة في وقت لاحق بفضل فايرستون التي صممت إطارات خاصة تلائم طبيعة عمل الحافلات.
كان للشركة شروط صارمة في اختيار سائقيها للحافلات البولمان المكيفة منها أن يكون لدي السائق خبرة لا تقل عن خمسة أعوام. وبناء علي تلك الخبرة يبدأ السائق العمل كسائق ثان علي شاحنات البريد قبل أن يعمل كسائق أول علي حافلات الركاب. وكان متوسط الأجر الشهري للسائق حوالي 70 جنيه أسترليني. أما الحافلات فكانت تخضع لصيانة كاملة كل 50 ألف ميل. وبعد تسعة أعوام من دخولها الخدمة كانت كل من الشاحنتين قد قطعت 750 ألف ميل وبحلول عام 1958 وصلت المسافة إلي مليوني ميل بعد 20 عاما في الخدمة.
خلال تلك الفترة أيضا نمت أعمال شركة "نيرن" حيث كانت الأفضل من حيث تقديم خدمات إصلاح المحركات والهياكل ونظم نقل السرعات. وكان لدي مقر الشركة في دمشق 85 عاملا.
بالطبع شهدت المنطقة الكثير من المشكلات التي أثرت علي نشاط الشركة خلال سنوات الحرب العالمية الثانية حيث غزت قوات الحلفاء سوريا في عام 1941 ووقعت ثورة في سوريا والعراق خلال العام التالي وأجبرت الشركة علي إغلاق أبوابها لبعض الوقت. واحتمي الأخوان نيرن في السفارة البريطانية بينما تعرض جراج الحافلات التابع لهما وكان بالقرب من المطار للقصف بينما نهبت الاستراحة التابعة للشركة في مدينة "رتبه". وعندما تمكن للأخوان نيرن الخروج من السفارة، بدأ كلاهما رحلة البحث عن معدات الشركة ووجدا معظمها ملقاة في الطرقات وبحالة سيئة للغاية. ومن تلك الفترة بدأت الشركة مهمة نقل أفراد الجيش البريطاني الذين مثلوا 90% من عملاء الشركة خلال سنوات الحرب.
ومع انتهاء الحرب عادت أنشطة الشركة المدنية مرة أخري. وفي عام 1945 بدأ التفكير في تحديث أسطول الحافلات بالشركة ولكن اضطرت إلي التوقف مرة أخري في العام التالي واستمر الحال لبعض الوقت. ورغم تقاعد الأخوان نيرن في عام 1948 غير أن الشركة واصلت عملها رغم تلميحات الحكومة العراقية برغبتها في امتلاك الشركة. ولكن ساءت الأحوال في عام 1952، ولهذا فضل الأخوان نيرن نقل ملكية الشركة إلي العاملين فيها بدلا من بيعها للحكومة العراقية. وبعدها انتقل جيرالد نيون إلي أوروبا ثم استقر في نيوزيلندا بينما عاش نورمان نيرن لبعض الوقت في البرتغال وبعدها انتقل إلي جنوب فرنسا قبل أن يستقر في لبنان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.