الإدارية العليا تحسم طعون دوائر النواب الملغاة وتؤيد النتائج الرسمية    رئيس جامعة المنوفية والمحافظ يشهدان احتفال الجامعة بعيدها التاسع والأربعين    بروتوكول تعاون بين «EBank» وجهاز تنمية المشروعات لدعم الصادرات المصرية    بدء المحادثات بشأن النزاع الحدودي بين تايلاند وكمبوديا    أسرع هدف وصدارة تاريخية.. رياض محرز يكتب التاريخ بعد هدفه في السودان    تأجيل محاكمة عصابة سارة خليفة في اتهامهم بالاتجار بالمواد المخدرة ل8 يناير    رئيس الوزراء: مصر كانت بتتعاير بأزمة الإسكان قبل 2014.. وكابوس كل أسرة هتجيب شقة لابنها منين    التنظيم والإدارة: إتاحة الاستعلام عن القبول المبدئي وموعد الامتحان الإلكتروني لشغل 964 وظيفة معلم مساعد حاسب آلي بالأزهر    بني سويف توفر فرص عمل للشباب و38 عقدًا لذوي الإعاقة    القبض على المتهم بإنهاء حياة والدته بسبب مشغولات ذهبية بالمنيا    العثور على الصندوق الأسود لطائرة رئيس الأركان الليبى ومرافقيه فى تركيا    موعد ومكان عزاء الفنان طارق الأمير    الكاميرون تواجه الجابون في الجولة الأولى من كأس أمم إفريقيا 2025    مدرب بنين: قدمنا أفضل مباراة لنا رغم الخسارة أمام الكونغو    نجاح الفريق الطبي بقسم الرمد بمستشفى المنزلة في إجراء أول عمليتين مياه بيضاء بتقنية الفاكو بالدقهلية    اليمن يدعو مجلس الأمن للضغط على الحوثيين للإفراج عن موظفين أمميين    محافظ قنا يعقد اجتماعًا موسعًا للاستعداد لانطلاق الموجة ال28 لإزالة التعديات    ديبال S05 تحصل على تصنيف 5 نجوم في اختبارات Euro NCAP لعام 2025    البورصة المصرية تربح 4 مليارات جنيه بختام تعاملات الأربعاء    إعلام قنا تشارك في المؤتمر العلمي التاسع لكلية الإعلام    بعد الاعتداءات.. ماذا فعل وزير التعليم لحماية الطلاب داخل المدارس؟    السكة الحديد: تسيير الرحلة ال41 لنقل الأشقاء السودانيين ضمن مشروع العودة الطوعية    محمد معروف يشهر أول بطاقة حمراء في أمم أفريقيا 2025    التعاون الاقتصادي والتجاري والمباحثات العسكرية على طاولة مباحثات لافروف والشيباني    هذا هو موعد ومكان عزاء الفنان الراحل طارق الأمير    المتحف المصري بالقاهرة يحدّث قواعد الزيارة حفاظًا على كنوزه الخالدة    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن :شكرا توتو وتوتى ..!؟    الكنيست الإسرائيلي يصدق بقراءة تمهيدية على تشكيل لجنة تحقيق سياسية في أحداث 7 أكتوبر    الصحة تواصل العمل على تقليل ساعات الانتظار في الرعايات والحضانات والطوارئ وخدمات 137    غدا.. استكمال محاكمة والد المتهم بقتل زميله وتقطيع جثته فى الإسماعيلية    بعد أزمة فيلم الست، رسالة نادرة لأم كلثوم تكشف دور الرئاسة في اختيار غنائها بالدول    ڤاليو تعتمد الذكاء الاصطناعي لتعزيز تجربة العملاء    ما فوائد تأجيل صندوق النقد الدولي المراجعتين الخامسة والسادسة لمصر؟    أمم أفريقيا 2025| شوط أول سلبي بين بوركينا فاسو وغينيا الاستوائية    خالد عبدالعزيز يترأس الاجتماع الختامي للجنة الرئيسية لتطوير الإعلام الإثنين المقبل    ميناء دمياط يستقبل 76 ألف طن واردات متنوعة    هل يجوز استخدام شبكات الواى فاى بدون إذن أصحابها؟.. الإفتاء تجيب    تأجيل محاكمة عامل بتهمة قتل صديقه طعنًا في شبرا الخيمة للفحص النفسي    الاتصالات: إضافة 1000 منفذ بريد جديد ونشر أكثر من 3 آلاف ماكينة صراف آلى    مدافع من سيتي وآخر في تشيلسي.. عرض لتدعيم دفاع برشلونة من إنجلترا    وفاة أصغر أبناء موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب    وزيرا التعليم العالي والرياضة يكرمان طلاب الجامعات الفائزين في البطولة العالمية ببرشلونة    الداخلية تستجيب لاستغاثة مواطن وتضبط المتهمين بالشروع في قتل شقيقه    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 24-12-2025 في محافظة الأقصر    أمم إفريقيا – براهيم دياز: سعيد بتواجدي في المغرب.. والجمهور يمنحنا الدفعة    وزير الري: الدولة المصرية لن تتهاون في صون حقوقها المائية    ضبط 4 متهمين اعتدوا على مواطن بأسلحة بيضاء بسبب خلافات فى السويس    الأوقاف: عناية الإسلام بالطفولة موضوع خطبة الجمعة    فاضل 56 يومًا.. أول أيام شهر رمضان 1447 هجريًا يوافق 19 فبراير 2026 ميلاديًا    حمادة صدقي: منتخب مصر فاز بشق الأنفس ويحتاج تصحيحا دفاعيا قبل مواجهة جنوب أفريقيا    الصغرى بالقاهرة 11 درجة.. الأرصاد تكشف درجات الحرارة المتوقعة لمدة أسبوع    وزير الصحة: قوة الأمم تقاس اليوم بعقولها المبدعة وقدراتها العلمية    مع اقتراب الامتحانات، أكلات تحسن التركيز للطلاب أثناء المذاكرة    وكيل صحة بني سويف يفاجئ وحدة بياض العرب الصحية ويشدد على معايير الجودة    محمد إمام يكشف كواليس مشهد عرضه للخطر في «الكينج»    وزير الخارجية يتسلم وثائق ومستندات وخرائط تاريخية بعد ترميمها بالهيئة العامة لدار الكتب    إيران تنتقد الترويكا الأوروبية والولايات المتحدة لعدم التزامهم بالاتفاق النووي    واشنطن في مجلس الأمن: سياسات مادورو تهدد أمن الولايات المتحدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الذات المجروحة
نشر في الشروق الجديد يوم 20 - 05 - 2016

كلمات أو أفعال بسيطة ربما تسبب لآخر جُرحا عميقا، قد لا يتصور صاحبها مِقدار ما تحدثه مِن أثر، وقد لا يرى فيها بأسا ولا غضاضة، مع ذلك يتصادف أن تمس وترا شديد الحساسية لدى متلقيها فتفعل به الأفاعيل.
بعضنا اضطر مرات كثيرة أن يعتذر عن شىء أداه ولم يقصد من وراءه سوءا، وكم من مرة تبين لنا أن ما فعلنا أو تفوهنا به، أخذه آخرون على مَحمَلٍ مُختلفٍ، فأفسدَ علاقة ودٍ، ودفعنا لبذل محاولات صلح واسترضاء وتأكيد على حسن النوايا وغفلة العقل.
أحيانا ما نندهش بشدة أمام تأويلات الآخرين لتصرفاتنا ومسالكنا. نراها بعيدة تماما عما أردنا وقدرنا، بل وربما مُناقِضة لما قصدنا مِن وراءها، حتى ليغدو توضيحها عبء ثقيلا على النفس، ويصبح الاعتذار لمَن أساء فهمها أمرا سمجا وسخيفا، وربما فضلنا ترك الحال على علتها ليتكفل الزمن بالتطبيب والمداواة.
***
بعضُ مَن تنجرح ذواتهم وتتأذى أشخاصٌ مرهفو الحس والوجدان، يتألمون لأقل إشارة وغالبا ما يفضلون الكتمان، وحين يعاتبون يظل عتابُهم خفيضَ النبرة وإن كان أصيلا مُوجعا. هؤلاء لا يسرفون ولا يتمادون فى ردود أفعالهم. على الجانب الآخر هناك مَن تعلوا نبرةُ عتابهم ويتجاوز غضبُهم الحدودَ قاطبة، حين تُمَسُ ذواتُهم بأى صورة. هؤلاء يفرطون فى اللوم والمُحاسبة قولا وعملا، وقد يتجهون على الفور إلى الرد باستخدام أعلى صوت، عامدين لا إلى استجلاء الموقف بل إلى تحقيق شكل سريع من أشكالِ الانتقام.
عادة ما يملك النوع الأخير من الناس ذواتا متضخمة لا يُطيق معها إشارة سلبية ولا هَمسة تُقلِلُ مِن شأنِه أو تجعله فى مَصافِ البشر العاديين، يُخَيَل إليه أنه يحوز وحده الحقائقَ الخافية المُطلقة، ويعرف ما لا يعرف الآخرون. إذا قال فليس بعد قوله قول، وإذا فعل ففى فِعله ثمرة الحِكمةِ وخُلاصةِ المَعرفةِ، لا يصحُ أن ينقده شخصٌ ولا أن يمسَ الهالة التى تحوطه مِن قريب أو بعيد. لا يصِح أن ينطق فى حضوره أحدٌ دون إذن، ولا أن يُصرح كائن مَن كان بفكرة تُناقضُ أفكارَه، فالكلُ مِنه فى مرتبة أدنى، أما إذا وقعت الواقعة وأصيبت ذاته ولو بخدش يكاد لا يُرى، كانت الطامة الكبرى؛ فَقَدَ رابطة جأشه وطفق يُرغى ويُزبِد ويُطلق أسلحتَه كلَها دون تمييز، ولربما أطاح فى غمرة الاستثارة والغضب بمَن هم إليه مُقربين.
***
عُرِفَ بعضُ الحُكام بمثل هذه الذوات سريعة الاشتعال، كما عُرِفَت بها شخصياتٌ عامة كانت إذا واجهت نقدا أو مُعارَضة طار لبُها واستشاطت، ولم تكتف بإعلان الخصومة والقطيعة بل غالت فى ردةِ فِعلها وراحت تقطع أشواطا طويلة على درب الثأر والانتقام. نعرف أن بعض هؤلاء نجحوا فى إرضاء كبريائهم المزعوم، وفى تشويه مَن اعتبروهم خصوما مرات ومرات، بل وتمكنوا فى بعض الأحوال مِن إقصائهم مِن على وجه البسيطة، نعرف أن جنونَ العظمة وغليلَ الشعور بالإهانة ربما ينجحان فى فرض واقعٍ قاتمٍ على أفرادٍ وجماعاتٍ وشعوب. نعرف أن شهوة إعلان الانتصار حتى وإن كان وهميا قد تدفع إلى حماقات لا نهاية لها، وأن الذوات المُنتفخةَ والجريحةَ فى آن لا تستحى مِن أى فعلٍ، ولا تخجل مِن أى تصرف، ولا يعنيها سوى جَبر الشرخِ الذى أصابها فى الصميم. على كل حال، يُمَيزُ الثباتُ الانفعالى المُحَنَكين عن غيرِهم إزاء تقلباتِ الأوضاع واحتدام الأمور.
***
ندرك أن مئات الأشخاص قُيدَت حرياتُهم وقَصرت أعمارُهم وربما شاخت أرواحُهم قبل أن يأتى الأوان، لا لشىء إلا لأنهم تجرأوا وخدشوا ذاتا عُليا، لا يتصور صاحبُها أن يسمعَ صوتا ناشزا عن صوته أو يرى فردا لا يهتف بروعته وعظمته، لكنا ندرك فى الوقت نفسه أن مثل هذه الذوات هشة، سهلة الكسر وقابلة فى أى لحظة للانهيار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.