الفيلم محاولة لكسر التابوهات الغريبة.. وأوصيت بلافتة «للكبار فقط» من يعتبر العمل الأضعف فى مسيرتى هو حر.. وتوقعت خروجه من المهرجانات بلا جوائز تأثرت بنادين شمس فى عرض قضية الإهمال بالمستشفيات فى كل مرة يتحدث فيها المخرج محمد خان، نكتشف جوانب جديدة، لكن هذه المرة فى «قبل زحمة الصيف» كان أكثر صراحة وجرأة، فبعد أن وصل الفيلم لمحطته الأخيرة بطرحه للجمهور عقب رحلة ممتدة بين مهرجان دبى ومهرجان الأقصر السينمائى، خرج محمد خان ليتحدث عن آخر أفلامه والذى وصفه البعض بأنه ربما يكون الأضعف فى مسيرته الفنية، ليواجه خان هذه الاتهامات بتصريحات نارية مدافعا عن وجهة نظره، وليصدمنا فى هذا الحوار ببعض التعليقات وخصوصا أنه من طلب وضع لافتة «للكبار فقط» على الفيلم، وغيرها من الأمور التى يكشف عنها فى حواره مع «الشروق». ** كيف جاءت فكرة «قبل زحمة الصيف»؟ المهم الفيلم جاء من الواقع نفسه، حيث كنت أنا وزوجتى فى قرية بالساحل الشمالى بعيدا عن موسم الصيف، وكنا الوحيدين بالقرية، وبالتالى فإن هذه قصة واقعية، ومنها جاءت الفكرة أنى استطيع احضار شخصيات محدودة فى مكان خاوٍ كهذا. ** زوجة الطبيب قالت فى أحداث الفيلم «مفيش حد بييجى مكان زى ده فى الوقت ده الا لو كان هربان من حاجة».. ما فتح الباب أمام التأويلات حول وجود شخصيات الفيلم بالقرية؟ هذه هى وجهة نظر زوجة الطبيب ولا توجد بها أى تأويلات أخرى، واتضح أن عندها حق فى كل ما قالته، لأن زوجها هارب من تحقيقات حول فساد فى المستشفى التى يترأسها، فضلا عن وجود هالة الشابة التى جاءت لتقابل حبيبها بعيدا عن أعين الناس، وكذلك وجود جمعة الجناينى الذى كان وجوده ضرورة حتمية فى الفيلم لأننا نرى هؤلاء البشر بعينه المتفحصة المندهشة، نظرا لأن عالم هؤلاء الناس جديد عليه تماما. ** شعرنا ببعض الملل فى منتصف الفيلم.. فهل قصدت هذا لتوصيل إحساس للمشاهد أن الحياة فى مكان خالٍ من البشر أمر ممل رغم أنه ينطوى على استجمام أيضا؟ هذا الفيلم مختلف تماما، فقد اعتاد المشاهدون أن يتخلل أى فيلم نوع من الدراما تتطور وتتصاعد، وهناك حبكة وذروة للأحداث، أما «قبل زحمة الصيف» فلا يوجد فيه مثل هذه الأمور وهذا هو الجديد، لأن العمل يركز بالدرجة الأولى على البشر ودوافعهم ودواخلهم النفسية وغيرها، فضلا عن قصر مدة الفيلم والتى وصلت إلى 90 دقيقة فقط، وبصراحة فكرة أن الفيلم به نوع من الملل، تعليق لم يذكره الا عدد قليل جدا من المشاهدين، وهذا حقهم بالتأكيد، واذا فسرته بصفتى مخرج العمل، فذلك بسبب قلة الأحداث المتطورة فى الفيلم وأقصد بالطبع التصاعد الدرامى، وهناك تفسير آخر وهو أن حياة هؤلاء الأشخاص فى الفيلم بها الكثير من الكآبة والملل لحرمان كل منهم من شىء محدد، والفيلم قائم بالدرجة الأولى على المعايشة، وبالتالى فإن هذا الأمر خلق لدى بعض المشاهدين إحساسا بالملل لأنهم عايشوا الشخصيات وتوحدوا معها، وربما يكون هذا نوعا من نجاح الفيلم. ** تقصد أنك نجحت فى توصيل فكرة ما للمشاهد؟ الشىء الأكيد بالنسبة لى أننى نجحت فى جعل المشاهد يتوحد ويتعايش مع هذه الشخصيات وعوالمها الخاصة، ودعينا نكن صرحاء فنحن الأشخاص العاديين حياتنا ليست كلها مثيرة على الدوام، حيث يتخللها أحيانا بعض الملل، وهذا هو الرتم الطبيعى للحياة. ** ولماذا اخترت الجناينى تحديدا ليكون العين الذى نرى من خلالها حياة هؤلاء البشر؟ طبقة الطبيب والسيدة الشابة فى الفيلم طبقة فوق المتوسطة بقدر بسيط، فهم ليسوا الطبقة الثرية لأنهم لو كانوا كذلك لأقاموا فى فيلل وقصور على البحر وليس شاليهات عادية، واخترت الجناينى لأنه صعيدى مغترب أنهى للتو الخدمة العسكرية، ويرى عالم هؤلاء الناس بدهشة واستغراب لأنه لم ير مثلهم من قبل، وهو يمثل أعين أغلب الناس بشكل عام، وأردت أن أتفحص عالم أولئك الناس بدهشة حتى يستدعينا أن نكتشفهم بعين متفحصة كأنها المرة الأولى. ** منذ اليوم الأول لطرح برومو الفيلم واجه انتقادات كثيرة.. فما ردك عليها؟ البرومو والبوستر الدعائى كانا نوعين من المشاكسة للكل، ودعينى أكن صريحا معك فالفيلم مختلف تماما عن كل الأفلام المعروضة معه فى نفس الموسم، فهو لا يدخل ضمن الإكليشيهات المعروفة للجميع، كما أنه ليس متوقعا على الإطلاق. ** هل يعنى ذلك أنك قصدت أن يكون البرومو جريئا وليس الشركة المنتجة؟ بصراحة شديدة لا اتفهم مسألة «جرىء»، فما معنى الجرأة، فلو عدنا لأيام زمان وقارناه، سنجد أن ما عرض فى «قبل زحمة صيف» هو العادى والطبيعى ولم يكن يقال عليهم وقتها «جرىء» وكأنها تهمة، فالمجتمع هو الذى تغير تماما وأصبح هناك ربط بين الدين والأخلاق، وأصبح الناس يحكمون على كل شىء بمنظور أخلاقى بحت، وهذا ليس صحيحا، فهل شادية أو فاتن حمامة أو نادية لطفى كانوا غير أخلاقيين أو غير محترمات؟، بل على العكس كانوا محترمات وفى منتهى الرقى والتفهم، ومع ذلك كنا نراهن بالمايوهات على الشاشة ولم يكن أحد يهاجمهن بالشكل الذى نرى مثله الآن، وانا اتذكر أمى زمان كانت تأخذنى معها للبحر فى الصيف ولم يكن أحد «يعاكسها» كما نرى ونسمع الآن، والأمر كان عاديا جدا. ومن هنا أتساءل لماذا ما نسميه جرأة لا يصبح هو العادى كما كان من زمان؟. ومن هنا أقول إن «قبل زحمة صيف» محاولة بسيطة صغيرة لكسر هذه التابوهات التى طرأت على مجتمعنا، ومحاولة للعودة لما كانت عليه الحياة. ** ولماذا لم تفعل ذلك فى «فتاة المصنع» رغم أن قصته كانت تحتمل وأقصد بالطبع الجرأة لحد ما فى البرمو الدعائى؟ «فتاة المصنع» يختلف تماما عن «قبل زحمة صيف» وبالتالى ظروف التسويق تختلف بين كليهما، فقد أردت أن أخلق صدمة من خلال برومو «قبل زحمة صيف»، ومع ذلك فقد خرج بمنتهى الرقى والاختلاف، وبصراحة فقد صنعنا ضجة وجدل على مسألة المايوه «على الفاضى» لأن الأمر لا يحتمل كل هذا الجدل على الإطلاق. واذا كان البعض ينظر لمشهد قبلة الأجانب على شاطئ البحر، وأنه لم يكن هناك أى داعٍ لها، فأنا اعترض على هذا الكلام لأنه كان ضروريا من اجل أبطال الفيلم الأساسيين سواء هالة التى تفتقد للحب، والدكتور الهارب الذى يعيش حياة مملة وكئيبة مع زوجته، فهذا المشهد بيانا للحالة النفسية لأبطال الفيلم. ** الفيلم خرج من المهرجانات التى عرض بها بدون أى جائزة.. ألم يضايقك هذا؟ رد بهدوء: الفيلم لم يكن ليحصد أى جائزة لأنه «مش حراق». نحن عرضنا الفيلم فى مهرجانات ليس من أجل الجوائز ولكن من أجل أن يراه أكبر عدد من الناس، ولكن أنا متصالح مع نفسى، فالفيلم ليس من النوعية التى تحصد الجوائز، لأسباب عدة منها أن إخراجه ينتمى للسهل الممتنع، والنقاد والإعلاميون هم من يتعاملون مع أى فيلم يدخل مسابقة فى مهرجان أنه لابد أن يحصد جوائز، وفى النهاية الفيلم المعروض فى مهرجانات لا يشترط أن يحصد جوائز ولكن يحترم على الأقل. ** معنى ذلك أنك كنت تعلم أنه لن يحصد أى جائزة؟ أنا متصالح مع نفسى، فأنا أعلم جيدا أن كثيرا من المهرجانات ليس عادلة فى حكمها على الأفلام، لأن كل مهرجان تختلف قيمه وأحكامه تبعا لدورة العام نفسه، وتحركهم قضايا بعينها كل عام فى دورة ما، فهم يختارون تبعا لموضوع الفيلم أكثر من الحكم على جودة الفيلم من عدمه. ** عرضت قضية الإهمال فى المستشفيات على استحياء شديد رغم أنه كان من الممكن عرضها على مساحة أكبر؟ أولا لأنه ليس موضوع الفيلم، فلا يهمنى الحكم على الطبيب بقدر استعراض حياته الخاصة وشخصيته وأبعادها نفسها، ولو تفهمنا شخصيته سنفهم بالتبعية كيف هو يدير المستشفى الخاص به وكيف يعامل زوجته وابنه، وبالتالى كان وجود اللمحة من القضية لزاما لتوضيح مدى استهتار شخصية الطبيب فى كل شىء حوله، أما بالنسبة للإهمال فى المستشفيات فقد عرضت لمحة منها لأنى كنت متأثرا بقضية نادين شمس التى توفيت بسبب خطأ طبى. ** ولماذا تركت قصة الشابة هالة مفتوحة للمشاهد؟ هى سيدة تبحث عن الحب لدرجة أنها كذبت على أهلها وأخبرتهم أنها ذاهبة للإسكندرية، رغم أنها سافرت للساحل الشمالى كى تقابل حبيبها، وهى ساذجة نوعا ما، وكما قلت سلفا فأنا لا أحكم على الشخصيات بقدر استعراض دوافعهم فقط. ** بعد العرض فى مهرجانين.. وجد البعض ان هذا الفيلم هو الأضعف فى مسيرة محمد خان فضلا عن إساءتك بشكل غير مباشر للمرأة المطلقة؟ هذه الاتمهمات «رجعية»، لأسباب كثيرة منها مثلا تنميط المرأة المطلقة من وجهة نظرهم وليس من وجهة نظرى أنا الشخصية، فقد عرضت حالة إنسانية لامرأة مطلقة اسمها هالة ولم أقصد كل السيدات المصريات المطلقات، فأنا فى أفلامى لا أعمم ولكن استعرض حالات انسانية بحتة. أما بالنسبة أنه الأضعف فى مسيرتى، فهى وجهات نظر تخص أصحابها فقط وهم أحرار فيها، وكل ما يهمنى استمرارى من فيلم لآخر وألا تتوقف مسيرتى السينمائية. ** بالنسبة لتصنيف الفيلم للكبار فقط؟ أنا من أوصيت بوضع لافتة «للكبار فقط» على الفيلم، فالرقابة عندما شاهدت العمل لم تبد أى ملاحظات عليه إطلاقا، فقد أوصيت بهذا لأنى لا أريد أن أجعل صبيا يبلغ من العمر 10 سنوات أن يشاهد الفيلم لأنه لن يستوعب محتواه ومضمونه، وأرى أن هذا الأمر مسئولية صناع الفيلم تجاه العمل وتجاه المجتمع نفسه. ** كيف ترى منافسة الفيلم مع باقى الأفلام المطروحة فى هذا الموسم؟ كل منا سوف يأخذ حصته من هذا الموسم، ومع الأسف السينما المصرية تعانى من مشكلة وهى تسويق الأفلام وكأن كلها متساوية، فالمفترض أن كل فيلم يباع بطريقته وموضوعه وجمهوره المستهدف، ولا ينفع أبدا أن أساوى بينهم، وفى النهاية «قبل زحمة الصيف» له جمهوره وسيأتى اليه.