إذا كان الحراك الشعبى المعارض لاتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية يستند إلى تأجيج المشاعر الوطنية ويدفع إلى الواجهة بقضايا عامة كالأرض والسيادة عليها ودورنا الإقليمى وعلاقتنا مع «المانحين الخليجيين»، فهل يمكن لهذا الحراك أن ينفتح مستقبلا على قضايا حقوق الإنسان والحريات ومقاومة السلطوية والتحول الديمقراطى أم سيرتب طغيان الفكرة الوطنية تهميشا لا نهاية له لمفردات ومضامين الفكرة الديمقراطية؟ لدينا سابقة معاصرة لحراك شعبى معارض ارتبطت بداياته بتداخل تأجيج المشاعر الوطنية والاهتمام بالقضايا الإقليمية مع تبنى مضامين ديمقراطية صريحة. الإشارة هنا هى إلى حركة كفاية التى تأسست عام 2004 عقب الصمت الحكومى المصرى على الغزو الأمريكى للعراق (2003) وفى سياق تبعية نظام الرئيس الأسبق مبارك لمجمل السياسات الغربية فى الشرق الأوسط. جمعت كفاية بين المطالبة بدور إقليمى مستقل لمصر، وبين رفع شعار «لا للتمديد، لا للتوريث» الذى كان قاطرة لضغط شعبى متصاعد للتخلص من الحكم السلطوى وبناء الديمقراطية. بين 2004 و2011، مزج الحراك المعارض الذى أنتجته حركة كفاية بين الفكرة الوطنية والفكرة الديمقراطية، وتفاعل مع الأحداث المتلاحقة إقليميا (حروب إسرائيل فى 2006 و2008 على لبنان وفلسطين، انهيار مؤسسات الدولة فى العراق وسقوط شعبها فى أتون حروب طائفية لا نهاية لها) وداخليا (استمرار الرئيس الأسبق مبارك فى الحكم، انتخابات 2005 البرلمانية، التعديلات الدستورية 2007، انتخابات 2010 البرلمانية). وغيرت المظاهرات والاحتجاجات الشعبية التى نظمتها الحركة من بعض حقائق المشهد السياسى فى مصر، فجاءت بمشاركة المواطن إلى الواجهة واستعادت الشارع كساحة للتعبير الجماعى عن الرأى والفعل السياسى، وتجاوزت بعض الفواصل الإيديولوجية بين العلمانيين والإسلاميين لتصنع جبهة واسعة ترفع شعارات استقلالية القرار الوطنى والسياسات المصرية فى الشرق الأوسط والتحول الديمقراطى فى الداخل باتجاه تداول السلطة وسيادة القانون والمواطنة واحترام حقوق الإنسان، ومهدت الطريق لتشكل حركات احتجاجية أخرى مثل 6 ابريل والجمعية الوطنية للتغيير. وعلى الرغم من محدودية أعداد المصريات والمصريين الذين شاركوا فى مظاهرات واحتجاجات كفاية وعجز الحركة عن الانتقال من الاحتجاج ومعارضة السلطوية إلى صياغة خريطة طريق محددة لإنجاز التحول الديمقراطى (ذلك العجز الذى تواصل أيضا عقب يناير 2011)، إلا أنها بدت قادرة على المزج بين الفكرتين الوطنية والديمقراطية ونجحت دوما فى العودة من الانجراف اللحظى باتجاه تأجيج المشاعر الوطنية (إن على خلفية الحروب الإسرائيلية على بلاد العرب أو التدخلات الغربية) إلى تنشيط مستمر للحراك المعارض للسلطوية وإلى رفع مطالب احترام سيادة القانون والمواطنة وحقوق الإنسان دون مساومة. ومن ثم بقت الحركة مخلصة لبداياتها التى تداخل بها تأجيج المشاعر الوطنية مع المفردات والمضامين الديمقراطية، وساعدها على ذلك شبه عزوف نظام الرئيس الأسبق مبارك عن توظيف الفكرة الوطنية لبناء الشرعية واكتساب كفاية وحركات الاحتجاج والمعارضة الأخرى لشرعية الحديث باسم الوطنية المصرية بسبب التبعية الرسمية للسياسات الغربية. فهل تتشابه بدايات كفاية وسياقها المجتمعى والسياسى مع الحراك الشعبى الراهن؟ الإجابة التفصيلية سيحملها مقال السبت إن شاء الله.