تحدثنا أمس عن التطرف الدينى وأهم دلائله، واليوم يستكمل الدكتور يوسف القرضاوى الداعية المعروف حديثه عن أسباب التطرف الدينى وعلاجه. فيقول إن الاسباب الداعية إلى التطرف فيها ما هو دينى، وما هو سياسى، واجتماعى، واقتصادى، ونفسى، وفكرى، وما هو خليط من هذا كله أو بعضه،وقد يكمن سبب هذه الظاهرة أو السبب الأول لها فى داخل الشخص المتطرف نفسه. وقد يكون السبب أو بعضه عند البحث، داخل أسرته، عند أبويه وإخوته وعلاقاته بهم، وعلاقاتهم بعضهم ببعض. ولا ريب أن من الأسباب الأساسية لهذا الغلو، هو ضعف البصيرة بحقيقة الدين، وقلة التعمق فى معرفة أسراره، والوصول إلى فهم مقاصده. وقد يرجع السبب عند التحليل والتعمق إلى المجتمع ذاته، وما يحمل فى طيه من تناقضات صارخة، بين العقيدة والسلوك وبين الدين والسياسة.. وبين ما شرعه الله وما وضع البشر، ومثل هذه المتناقضات إن احتملها الشيوخ لا يحتملها الشباب، وقد يعود السبب إلى فساد الحكم. وطغيان الحكام، وجريهم وراء شهواتهم، وتفريطهم فى حقوق شعوبهم. واتباعهم أهواء بطانة السوء فى الداخل،والحاقدين على الإسلام فى الخارج، ما جعل القرآن والسلطان، أو الدين والدولة فى خطين متوازيين لا يلتقيان. والسؤال الأهم فى هذه القضية: كيف نعالج هذه الآفة؟ يرى القرضاوى أن مجتمعاتنا كان لها دور بارز بتناقضاتها واضطراب أوضاعها ومجافاتها للإسلام فى ولادة ظاهرة التطرف ونموها. والواجب عليها إزاء ذلك أن يكون لها دور فى علاجها،الذى يبدأ باعتراف المجتمع بانتمائه للإسلام. وما يقتضيه هذا الانتماء من التزام وسلوك، فالإسلام ليس مجرد شعار يرفع، ولا نص فى الدستور يشير إلى أن دين الدولة الإسلام، ثم تسير سفينة الحياة بعدها فى خط يجافى الإسلام. وعلى حكام المسلمين أن يرجعوا إلى شرع الله،فيجب أن يؤمن حكامنا بأنهم يعيشون فى أوطان الإسلام، ويحكمون أناسا مسلمين، ومن حق كل قوم أن يحكموا وفقا لعقيدتهم، وأن تأتى دساتيرهم وقوانينهم معبرة عن معتقداتهم وقيمهم وتقاليدهم، وأن تصاغ مناهج التربية والتعليم وفقا لها، وأن تسير أجهزة الإعلام والثقافة فى اتجاه حمايتها وتثبيتها ونشرها، وأن توضع السياسات الاقتصادية والاجتماعية والداخلية والخارجية فى إطارها، وفى خدمة أهدافها. أما الخطوة االتالية فى طريق العلاج فهى ألا نحدث الشباب الذين أصيبوا بداء التطرف من فوق أبراج عاجية، مستعلين عليهم أو متبرئين منهم، ما يحفر بيننا وبينهم فجوة واسعة، أو هوة عميقة، فلا يثقون بنا ولا يستمعون لنا، كما أننا لا نستطيع بذلك أن نفهمهم، ونعرف أغوار حياتهم، وحقيقة مشكلاتهم. وينادى العلامة القرضاوى بالبعد عما سماه «الأساليب القديمة البالية التى تفكر فيها أجهزة الأمن، وهى أساليب العنف والتعذيب والتصفية الجسدية»، وقال علينا التذكر أن هذا التطرف مصدره الفكر، ولهذا ينبغى أن يكون علاجه بالفكر أيضا، فلا يفل القلم إلّا القلم، ولا يقاوم الشبهة إلا الحجة، ولا يعارض كلام اللسان بكلم السنان. ومن أكبر الخطأ اللجوء إلى القوة والبطش، لتصفية هذا الفكر، ومطاردة أهله، فإنه يختفى بالاضطهاد ولا يموت، و«يكمن كمون النار فى الكبريت ولا يزول»، ولو حدثت تصفية جسدية لجماعة متطرفة، فإنه فى نفس اللحظة تتم التهيئة لميلاد جماعة بل جماعات أخرى قد تكون أشد تطرفا وعنفا. ومن ثم كان واجبنا الأول العمل على تكوين وعى إسلامى رشيد، يقوم على فقه مستنير لأحكام الإسلام.. فقه ينفذ إلى الأعماق، ولا يقف عند السطوح، ويهتم باللباب قبل الاهتمام بالقشور،فإيجاد مثل هذا النوع من الوعى والفقه أمر ليس بالهين، وتحويل الإنسان من فكر اعتنقه وآمن بصحّته صوابا كان أم خطأ يحتاج إلى جهد صادق، وصبر مصابر، واستعانة بالله.