لا أحد يحب الخسارة.. ومن العبث أن تخسر ويأتي أي أحد يطالبك بالابتسام أو الارتياح أو عدم الاكتراث والانزعاج والحزن.. فالخسارة بالتأكيد إحساس شديد المرارة.. خاصة إن سبقتها أحلام هائلة وثقة بلا حدود في الانتصار حتى وإن لم يكن هناك ما يبررها.. وحين سئل البارون دي كوبرتان، مؤسس اللجنة الأوليمبية الدولية، عن دوافعه الحقيقية لإعادة الدورات الأوليمبية.. قال إنه لم يشأ فقط أن يلعب الناس.. ولكنه أراد أن يتعلموا من خلال اللعب كيف يخسرون.. وقد كان البارون هو أول من اخترع تعبير الروح الرياضية بمعنى احترامك لمنافسيك ورغبتك في الفوز عليهم وقبولك في الوقت نفسه احتمال خسارتك على ألا تبقى خاسرا.. فليس هناك من سيربح طول الوقت وإذا كان الإنسان يقضي عمره كله يحلم ويخطط ويحاول أن يكسب.. فمن الضروري أيضا أن يتعلم كيف يخسر.. وهناك كثيرون جدا في مصر اليوم يحتاجون هذا الدرس من البارون الفرنسى.. فالذين خسروا في الاستفتاء على الدستور.. وأنا واحد منهم.. في حاجة لأن يخسروا على طريقة البارون دي كوبرتان وليس على طريقة جمهور الكرة في مصر الذي لا يتصور أبداً أنه خسر في ظروف طبيعية، ولأن فريقه لم يكن هو الأفضل أو الأحق بالفوز إنما هو الحكم أو الظلم أو المؤامرة أو أي شيء آخر.. المهم أنهم لم يخسروا ولن يعترفوا بخسارتهم ولن يقبلوها أيضا.. وأسهل شيء أن تستسلم لفكرة المؤامرة والظلم والتلاعب لأنك بذلك تعفي نفسك مقدما من أى مسئولية ولا تعود مضطرا لبذل أي جهد أو تغيير أي فكر ومنهج لتحيل خسارتك الحالية إلى مكسب في المستقبل.. وإذا كانت مصر بكل المقاييس قد شهدت يوم السبت تحولاً تاريخياً وحقيقياً، حين تأكد الناس جميعهم أنهم شركاء في هذا الوطن وأن لكل منهم رأيا وفكرا وصوتا له قيمته وضرورته.. فإنه من الضروري الآن المحافظة على كل ذلك وعدم إهدار ما تحقق نتيجة انفعال أو غضب أو اختراع لأسباب غير حقيقية ومبررات غير منطقية لتبرير خسارة بعضنا وفوز البعض الآخر.. كلنا كنا نطالب بالديمقراطية ونريدها.. والديمقراطية أبدا لا تعني أن تكسب طول الوقت وأن ينتصر رأيك في كل مرة.. وبلغة كرة القدم، كان استفتاء أمس الأول مباراة التقى فيها فريقان.. أحدهما أجاد الاستعداد للمباراة وحشد كل قواه ونجح في تقدير قوة المنافس واحترمها ولعب بمنتهى الجدية والتصميم على الفوز.. والفريق الآخر أخطأ في حساباته وتقديراته وتخيل أن الكلام الجميل والأغاني الحماسية وأحاسيس الثقة المفرطة يمكن أن تنزل إلى الملعب وتحسم نتيجة المباراة.. ولم يكن ذلك صحيحا أو واقعيا بكل أسف.. فريق فاز لأنه أدرك ضرورة اللعب بالأحد عشر لاعبا دون أن يكون أحدهم أهم من أي لاعب آخر.. وخسر الفريق الآخر الذي راهن على النجوم فقط وليس كل اللاعبين وتوهم أن المباراة ستقام في جزء صغير من الملعب ولم يجد من يخبره بحقيقة بالغة البساطة والوضوح وهي أن المباراة تقام في الملعب كله، وأن الملعب أمس الأول كان مصر بأكملها وليس فقط ميدان التحرير أو شاشات الفضائيات.. والمشكلة الآن أن الفريق الخاسر ليس على استعداد لقبول الخسارة.. هو مثل أي فريق مصري لكرة القدم.. يقدم لاعبوه أداءً سيئاً ومرتبكاً في الملعب طيلة التسعين دقيقة.. لكن جماهيره لا تتذكر شيئا من ذلك وإنما تتحدث طول الوقت عن لعبة خاطئة هنا من الفريق المنافس أو قرار ظالم هناك وخطأ لحكم المباراة.. والنتيجة الحتمية لهذا السلوك، ولعدم الالتزام بنصيحة البارون دي كوبرتان، أن الفريق الذي فاز سيفوز في كل المباريات المقبلة.. والذين خسروا يوم السبت سيبقون يخسرون في كل الأيام المقبلة، إن لم يتعلموا مما جرى واكتفوا بصرخات الغضب والاحتجاج على هزيمتهم التي أرجو ألا تتكرر. *