بدأ كعامل في متجر تديره عائلته وانتهى به الامر وحيدا محكوما بالسجن لمدة (17 عاما). بين هذين الحدثين نروي القصة الكاملة لفترات صعود وسقوط نادي بارما ، من اغنى نادي في ايطاليا و العالم.. الى الافلاس. بارما عام 1961: الشاب البالغ من العمر (22 عاما) "كاليستو تانزي" ورث شركة "للحوم الخنازير" من التجزئة العائلية للثروة بعد وفاة والده. على مدى السنوات الأربعين المقبلة ، تانزي سيحول هذه الشركة الى واحدة من اكبر شركات الألبان في العالم تحت اسم "بارمالات". بين سنة 1980 و 1990 ستتوسع اعماله وينشر جناحيه في جميع انحاء العالم ، ويصبح نموذجا مشرفا للصناعة والتجارة الإيطالية. قبل فترة مابين (20002009): "بارمالات" اصبح لديها اكثر من 36،000 موظف في جميع انحاء العالم وتسيطر على 50٪ من حصة السوق في ايطاليا. تانزي وعائلته الغنية ، النجاح الذي حققوه كان يفوق اقصى طموحاتهم. حيث باتت العائلة الأولى في بارما إلى جانب عائلة باريلا الشهيرة بصنع المعكرونة. في حين تم بناء نجاح "باريلا" على اساس ثابت ، امبراطورية تانزي كانت كذبة. الكذبة التي سوف تنفجر في النهاية وتسفر عن واحدة من اكبر الفضائح المالية في اوروبا على الاطلاق ، ناهيك عن إيطاليا. تانزي كان يحمل مشاعر حب عميقة للكالشيو ، وفي نفس الوقت حاول العمل بالاعتقاد الكلاسيكي في ايطاليا ، الذي يقول ان العائلة التي لاتملك نادي لكرة القدم لايمكن اعتبارها من العائلات الكبيرة في ايطاليا. وفي عام 1991 قرر شراء نادي كرة القدم الممثل لمدينته الام بارما ، بعد وفاة المالك السابق "ارنستو جيرزيني" ، عقد صفقة مع ابناءه تم تحويل بموجبها 98 من اسهم النادي الى ملكية شركة تانزي "بارمالات" ، في حين احتفظ احد الابناء الثلاثة لجيرزيني بحصة صغيرة من الاسهم. تانزي (على اليمين ) وواحد من ابناء جيرزيني يوقعان على عقد تحويل ملكية النادي لصالح شركة بارمالات بارما نادي من بين اعرق الاندية في ايطاليا حيث تم تأسيسه في عام 1913 ، لكن قبل اشراف عائلة تانزي على رئاسته الفريق لم يسبق له الصعودة للدرجة الاولى في ايطاليا ، وقضى معظم فتراته بين الصعود للدرجة الثانية والنزول للدرجة الثالثة. سنة واحدة قبل وصول بارمالات ، النادي تحت اشراف المدرب الاسطوري "نيفيو سكالا" ، صعد للدرجة الاولى في ايطاليا. ليتزامن الامر مع وصول اموال تانزي. في عام 1992 ، فاز بارما بأول لقب في بطولة كبرى بالتتويج بكأس إيطاليا على حساب يوفنتوس في المباراة النهائية. وكان موسم (19921993) يحمل المزيد من النجاح ، بتحقيق الفريق لالقاب اخرى وهي كأس الكؤوس الاوروبية وكأس السوبر الأوروبي. بارما كان فعلا جيد جدا. تانزي صرف بسخاء لتعزيز صفوف بارما ، و تعاقد طوال اشرافه على النادي مع بعض افضل اللاعبين في العالم في تلك الفترة ، ك اسبريا، دينو باجيو، كانافارو، كييزا، كريسبو، ستويتشكوف، تورام، فيرون ، وزولا، على سبيل المثال لا الحصر. وكانت اكاديمية النادي ليست سيئة ابدا ، ودعمت الفريق الاول باسماء مميزة منها جيانلويجي بوفون ، وجوسيبي روسي... في عام 1995 فاز بارما بكأس الاتحاد الاوروبي للمرة الأولى ، بفوزه على منافسه الشرس يوفنتوس في المباراة النهائية. وفي موسم (19961997) احتل بارما المركز الثاني في الدوري الايطالي ، وهو اعلى مركز يحققه النادي في تاريخه. هذا النادي الصغير ، الذي يمثل مدينة لايتجاوز عدد سكانها 170،000 نسمة ، اصبح احد الاندية العملاقة في ايطاليا و العالم في مدة لا تزيد عن سبع سنوات. المزيد من النجاح كان قادما.. في عام 1999 فاز بارما من جديد بكأس إيطاليا وكأس الاتحاد الاوروبي. لكن عندما تبدأ الأندية الصغيرة في الفوز بالالقاب، الأندية الكبيرة تأتي لخطف افضل اللاعبين. الهداف التاريخي للنادي هيرنان كريسبو غادر في عام 2000 مقابل 35.5م جنيه استرليني ، خريج اكاديمية النادي بوفون ذهب في العام الموالي إلى يوفنتوس بمبلغ 32.6م جنيه استرليني ، كما غادر ليليان تورام في عام 2002 مقابل 41.5م جنيه استرليني ، بحلول ذلك الوقت، العديد من كبار اللاعبين قد غادروا الفريق بالفعل. عام 2002 كان بالمناسبة السنة الأولى منذ قدوم تانزي التى انهى فيها بارما الموسم خارج الستة الأوائل في الدوري. بارما كان مدهش فعلا وفرض اسمه ضمن ماكان يسمى بالاخوة السبع في كرة القدم الايطالية جنبا إلى جنب مع ميلان ، وإنتر ، ويوفنتوس ، وفيورنتينا ، ولاتسيو ، وروما. ومع ذلك، في حين كان الناس يستمتعون بنجاحات نادي بارما ، السحب الداكنة كانت تحلق عاليا. لاعبو بارما يحتفلون بكأس الاتحاد الاوروبي في عام 1999 في ديسمبر 2003 ، تبين ان شركة "بارمالات" كانت تواجه صعوبة في سداد ديون بقيمة 150 مليون يورو. الامر حير الكثير من الخبراء ، كيف لشركة يقدر رأس مالها الاجمالي ب 3.9 بليون يورو في بنك "اوف امريكا" ، ان تعجز عن سداد دين بقيمة 150 مليون يورو. في البداية الشركة حاولت ان تتصرف بشكل طبيعي ومصنطع ، بالتأكيد انه سيتم شرح الامر في الوقت المناسب. لكن تحت الضغوطات الامور اخذت منعطفا نحو الهاوية. في وقت لاحق من ذلك الشهر ، اعلنت الشركة ان رأس مالها الاجمالي المقدر ب 3.9 بليون يورو ، في الحقيقة لا وجود له. مع المزيد من التحقيقات ظهر ان وثائق نقل من وإلى حساب الشركة في بنك "اوف امريكا" كلها مزورة. اسهم "بارمالات" على الفور تهاوت تماما ، قبل ان يتم تجميدها بشكل كامل. كاليستو تانزي، جنبا إلى جنب مع عدد من أفراد الأسرة والمديرين التنفيذيين للشركة ، تم اعتقالهم بتهمة الاحتيال والاختلاس والتزوير. بعد محاولة للنأي بنفسه عن الفضيحة ، "لوكا سالا" رئيس فرع بنك "اوف امريكا" في إيطاليا ، اعترف بالمشاركة في مخطط رشوة. كجزء من القضية المرفوعة ضد تانزي، حفر المحققون اعمق في الحسابات ، ليكتشفوا واحدا من اكبر مخططات الاحتيال والتزوير في تاريخ اوروبا. كانت قيمة 3.9 بليون يورو التي اظهرتها التحقيقات الاولية سوى غيض من فيض. في الحقيقة حساب الشركة البنكي الابيض كانت تفوق قيمته 14.3 بليون يورو. الدائنون رفعوا بسرعة دعوى ضد الشركة المدمرة يطالبون فيها بديون تفوق 10 بليون يورو. اصبحت الأزمة حرجة جدا بحلول ديسمبر كانون الاول من عام 2004 ، حيث تدخلت الحكومة الإيطالية من خلال قانون الطوارئ للاجبار والتسريع في عملية الإفلاس لحماية النشاط الصناعي ، و الدائنون ، والموظفون... في عام 2004 اليساندرو باسي، احد مساعدي فاوستو تونا المدير المالي للشركة لمدة ستة عشر عاما ، واليد اليمنى لتانزي اقدم على الانتحار ، وفي عام 2008 حصل فاوستو تونا على حكم بالسجن لمدة سنتين ونصف. الحكم الذي اعتبر مخفف جدا بالنظر لان فاوستو تونا كان العقل المدبر وراء شبكة معقدة من الشركات التابعة لبارمالات في الخارج. بدون شك ازمة بارملات كان لها تأثير ضار على المدينة والنادي. في السنة المالية 2003 ، اعلن بارما خسائر تقدر ب 77 مليون يورو. وكن هناك حاجة إلى بيع ابرز مواهب ونجوم الفريق للحفاظ على النادي واقفا على قدميه. مجلس ادارة النادي قدم استقالة جماعية ، وبدأ البحث عن ملاك جدد. لكن وضع بارما كان معقد جدا ، ولم يملك اي احد الشجاعة اللازمة للمغامرة بشراء النادي. في ظل شائعات كانت تدعي امكانية فرض عقوبات على نادي بارما واسقاطه لدوري الدرجة الثانية في ايطاليا. إلا ان هذا لم يحصل ، الادارة المؤقتة لبارما تمكنت من العثور على ثغرة قانونية ، تقضي بتغيير صغير في اسم النادي من "اي سي بارما" إلى "اف سي بارما". امر كان كافي لتجنب العقوبة والبقاء في دوري الدرجة الاولى ، مع الحفاظ على عائدات الدخل التلفزيوني ، وضم لاعبين جيدين بما فيه الكفاية لمواصلة المنافسة. من المثير للدهشة ، ان جميع مشاكل بارما كانت خارج الملعب ، حيث نجح الفريق في الوصول إلى نهائي كأس الاتحاد الاوروبي. في حين كان الامر مختلفا في الدوري الايطالي ، اذ كان بارما مضطر للمحاربة من اجل تفادي الهبوط. واستطاع الفريق التأهل لخوض مباراة فاصلة ضد بولونيا لمعرفة من الذي سوف يستمر في دوري الدرجة الاولى الايطالي لموسم 2005/06. بارما كان حريص على البقاء في الدوري الايطالي حيث ضحى الفريق بنهائي كأس الاتحاد الاوروبي ضد سسكا موسكو بلعب المباراة بالفريق الاحتياطي ، وتركيز الجهود والمحافظة على الطاقة للقاء بولونيا. في البداية ، الامور لم تسير على ما يرام ، خسر بارما على ارضه ضد بولونيا في مباراة الذهاب (10) . قبل ان يعود الفريق في لقاء الاياب بانتصار بهدفين لصفر عن طريق البرتو جيلاردينو ، وسيباستيان فراي ، ليؤمن بارما الاستمرار في الدوري الايطالي. لكن رغم تأمين البقاء في دوري الدرجة الاولى الايطالي. تم وضع النادي تحت سيطرة ادارة مؤقتة الا حين ايجاد مشتري جديد للنادي. الرئيس السابق لريال مدريد "لورنزو سانز" كان مهتما بشراء النادي، ولكن لم يتم التوصل لاتفاق. وفي وقت لاحق بيع النادي في نهاية المطاف في مزاد علني في يناير كانون الثاني من عام 2007 ، لرجل الاعمال الايطالي "توماسو جيراردي" مقابل 30 م جنيه استرليني. ومنذ ذلك الحين عانى بارما من مراحل صعود وهبوط لا تعد ولا تحصى. في أواخر عام 2014 تم بيعه مرة اخرى، لتكتل قبرصي روسي. وفي الوقت نفسه كاليستو تانزي (76 سنة) الان ، تم تبرأت عدد كبير من افراد عائلته ، فيما يقضي هو حكما بالسجن ل 17 عاما. امبراطوريته الان لاتعدو عن مجرد ذكرى بعيدة الامد. خارج الملعب ، كانت بارما خرافة خدعة وكذبة. لكن داخله كانت واقع واضح وملموس. نادي بارما كبطل حدق للموت في وجهه لكنه عاش ليروي لنا حكاية تجربته الشجاعة والباسلة. اقرأ ايضاً لهشام صبحي : ‘نموذج أودينيزي' ، توجه اقتصادي و كروي ذكي اسرار الغزو الروسي لكرة القدم الاوروبية بورتو.. افضل نموذج اقتصادي من ال "ماني بال" قصة نجاح الرجل الاكثر نفوذا في عالم كرة القدم تابع الكاتب على "تويتر" و "فايس بوك" Follow @hicham_sobhi