حمدي رزق يكتب: برادلى يحلم لمصر

المصري اليوم
بوب برادلى، من مواليد 3 مارس 1958 فى «مونت كلير» بولاية «نيوجرسى» الأمريكية، ظهر نجم برادلى حين قاد منتخب أمريكا للظهور فى نهائيات كأس العالم 2010 بجنوب أفريقيا وصعد للدور الثانى، وقاده إلى نهائى بطولة «الكونكاكاف» عام 2011، وبعدها رأى أنه لن يضيف جديدًا للمنتخب الأمريكى، فقرر التخلى عنه والبحث عن فرصة جديدة، إلى أن استقر برادلى على قيادة منتخب مصر الأول، وقدم خطة للمنتخب للتأهل إلى كأس العالم عام 2014.
عندما زار بوب برادلى، فى نوفمبر الماضى، عائلات ضحايا قطار أسيوط، تأكدت أن هذا الرجل لمس ببراعة وتر الشخصية المصرية، تتألم كثيرا فى حالة الفقد، وكان الفقد يومها عظيما، وعندما ثبت هذا الرجل مكانه، ولم يهرب من الأحداث العاصفة، ولم يغادر مؤثرا السلامة، ولو غادر ليس عليه ملامة، ولم يستجب لرجوات وتحذيرات السفارة الأمريكية، ولم يخش عنفا ظاهرا فى الشوارع، ولم يبال بتقلبات سياسية عاصفة فى الحكم، وأمسك بحلم المنتخب فى التأهل لنهائيات البرازيل بقبضة من حديد، وثقة هائلة فى مجموعة اللاعبين المحليين والدوليين، برادلى صبر كثيرا على أذى النقاد الرياضيين، برادلى صار مجنونا بمصر وبالمصريين، فيه مدرب مجنون يلعب بدون جمهور، وفعلها برادلى وفاز فى كل مبارياته، وتبقى اجتياز المنتخب الأخير، منتخب غانا الرهيب.
برادلى صموت لا يتكلم كثيرا، يملك أعصابا فولاذية، نظرته ثابتة لا تتغير، ووجها ثلجيا لا يتلون، وانفعالاته كامنة، لا تضبطه الكاميرا مهرجا على الخطوط أو منفعلا على الدكة، أو مهزوزا ولا فرحا، عين صقر من على الخط، يعرف مهمته بدقة، لا وقت للألعاب البهلوانية نحن فى مهمة وطنية ننجزها كمقاتلين، لا يفرق مع برادلى أن أبوتريكة إخوان، المهم يجيب اجوال.
لم يترك برادلى مهمته حتى فى أصعب اللحظات، يوم هرب مصريون من مصر حذر الموت، كان برادلى رابط الجأش، قويا مصرا معاندا الظروف، متخطيا أصعب المراحل، جامعا نقاط الدور الأول كاملة، قادرا على ترجمة الحلم إلى واقع ملموس، وعد بقيادة المنتخب فى البرازيل، برادلى سيصنع حدثا سعيدا لمصر فأعينوه.
بوب على موعد مع القدر، من يسعى لواجب عزاء فى أسيوط يستحق السعادة فى القاهرة، برادلى يحلم لمصر، كم منا يحلم لمصر، البعض يحلم على نفسه، أو لنفسه، أو لأهله وعشيرته، برادلى أطلق الحلم ثانية فى النفوس المتعطشة لإنجاز وحيد فى زمن القحط، لن يتنازل عنه حلمه، حلمنا الغائب منذ 1990، من قبيل الإعجاز لو فعلها ووصل إلى البرازيل، لو فعلها وهو قادر، وصل بمصر إلى بر الأمان، بوب هو رجل اللحظة الكروية الحاسمة، بوب يملك أن يهبنا سعادة لا نهائية، بوب صانع السعادة، تاجر السعادة، بوب سيصير أيقونة المصريين، وسيغفر كثيرا من خطايا الأمريكيين فى حق المصريين، وربما صار مصريا كالمصريين، يأكل ملوخية خضراء، ويحيى الليلة الكبيرة فى السيد البدوى، والحضرة والذكر انجلى، ارقص ولعلع يا وله.
معلوم البعض تبخرت أحلامه، بمجرد الإعلان عن اسم غانا كعقبة أخيرة فى الطريق للمونديال، لكن بوب اعتبرها مهمة انتحارية فى الأدغال، جرد (من التجريدة) كتيبة من المحترفين، والمحليين، بوب قادر ولا يقدر على القدرة إلا ربنا، يحاول، لا يستسلم، لا ييأس، البعض ضربه اليأس، والبعض استعوض ربنا فى مونديال البرازيل، ونفر من المتشائمين قرر الهزيمة مبكرا، جميعا إلا بوب برادلى لايزال يحلم ومن حقه يحلم، ونحن نحلم معه، المنتخب يستحق، من حقنا أن نحلم، فبرغم جميع هزائمه وبرغم جميع سوابقه فى التصفيات، وبرغم الحزن الساكن فينا ليلا نهارا، وبرغم الريح المعاكسة، وبرغم الجو الماطر والإعصار، المونديال سيبقى يا ولدى أحلى الأقدار.