شموس نيوز – خاص لا أعرف من أين يجلب العشاق سلعة يعز على الجميع امتلاكها!! وإن امتلكها أحدهم ساعة ، فهي إلى زوال في القادمة ، إنها ثقة اللقاء . للعشاق ثقة مختلفة تماما ، ثقةٌ كأنها واقع يجري أمام أعينهم ، يرون كل تفاصيله ؛ حتى ليستطيع أحدهم أن يصفه لك بكل جزئياته ، وابن زيدون واحد من الشعراء العشاق الذين يئسوا من لقاء عشاقهم في الدنيا فوثقوا في لقاء الآخرة!! تراهم يتمردون على الواقع ، فيفرضون حياة جديدة لا صلة لها بما يجري ، حياة كما يريدون ويأملون ، ينسجون كل خيوطها ومعالمها بأرواحهم وعواطفهم ، ولو وقفت الحياة بأحيائها أمام ما يريدون ، فما عليها بعد ذاك إلا أن تشاركهم وتؤازر مشاعرهم ! لا أدري كيف تحايل ابن زيدون على الواقع المرير – الذي يرفض لقاءه بمن يعشق دنيويا – فقَلَبه نهاية بلغت الغاية في الجمال ، بلغت النهاية في الثقة ودحر المحال أخرويا !! لم تكن ثقة ابن زيدون بمعطيات واقعية ، بل إن معطيات الواقع كانت قاطبة تذهب به نحو الفراق الدنيوي والأخروي ، لكن أنفاسا تقاسمها مع محبوبه جعلته واثقا في أنها ستعيد نفسها ثانية في الآخرة ؛ ليتقاسماها في أرض المحشر!! كان على ثقة بأن الجمال الذي منحته الدنيا لهما ستتبارى الآخرة في منح جمال أجمل منه لهما ، وأن عُملة السعادة التي رأى منها وجها لن تضن على أن تريه وجهها الأبقى الذي لا يعرف نهاية . لقد كان ابن زيدون – ومن قبله وورائه كل عاشق – صديقا مخلصا لروح الثقة ، اقترب منها ، تفاعل معها فوهبته سرها ، سرها الذي لا يعرف سوى محبوبه ، ويأبى الاعتراف بغيره !! سرها الذي تكفل بجمعهما من جديد في خلود لا يعرف الفناء . فلله در ابن زيدون واثقا !! حين يقول: إن كان قد عزّ في الدّنيا اللّقاءُ بكم ْففي مَوْقِفِ الحَشرِ نَلقاكُمْ وَتَلْقُونَا!! فما أصدق الشعراء حين يعشقون ! تراهم يتمردون على الشعر والحياة ، ليقرروا داخلك حقائق غير الحقائق ، ويعبثوا بكل تصور كنت تظن نفسك فيه الأستاذ الأكبر ، وإذ بلسان حالك يجهل كل قواعد الفن والشعر ليردد : أصدق الشعر أعشقه لا أكذبه .. عصام علي علي خليفة