بوابة شموس نيوز – خاص كانت "سمية" امرأة بغيا، تتمدد طيلة الوقت في خيمتها ذات الراية الحمراء، لتضاجع الرجال العابرين، ولا تقوم إلا لتشرب أو لتأكل، فالوقت قليل والرجال كثير، وكان ابنها "زياد" لا يعرف له أبا، فنسب إلى أمه وعرف ب "زياد بن سمية"، حتى جاء الإسلام، ونهى عن نسب الرجل لأمه، ولأنه لا يعرف له أبا فقد سُمِّيَ "زياد بن أبيه" تارة، و "زياد بن عبد الله" تارة أخرى، على اعتبار أننا كلنا عبيد لله، لكن "زيادا" هذا أظهر نبوغا عسكريا كبيرا، الأمر الذي جعله يترقى حتى أصبح في عهد الخليفة "علي بن أبي طالب" واليا على فارس، فلما حدثت الفتنة الكبرى استطاع "معاوية بن أبي سفيان" استمالة "زياد" إليه، وكانت حيلته في ذلك أن ألحقه بنسبه، فقد كان يعرف أن أباه كان من زبائن "سمية"، وقد قال له ذات يوم: أنا وضعت نبتته في رحم "سمية". فقال له: وكيف ذلك يا أبتِ؟. فحكى له الحكاية: كنت في الطائف عند "أبي مريم السلولي" الخمار، وقد لعبت الخمر بي، فاشتهيت النساء، فقلت للسلولي: التمس لي بغيا من بغايا الطائف. فقال لي: هل لك في "سمية"؟. لم أكن قد عرفتها من قبل، لكني سمعت كثيرا عن مهاراتها، فأتيتها. وأصبح اسمه "زياد بن أبي سفيان"، وولاه "معاوية" على البصرة وعلى خراسان وعلى الكوفة وعلى سجستان. في البصرة، كان يمر في موكبه الأميري الباذخ الأبهة، فليس ثمة أمير ولي كل هذه الأمصار من قبل مثله، وأمام أحد المساجد وقف شيخ مخزومي أعمى، فألقى عليه "زياد" السلام، لكنه لم يرد عليه سلامه، وإنما يندهش ويتساءل: من صاحب هذا الموكب يا ناس؟ فيقولون له: إنه "زياد بن أبي سفيان". فيصرخ في صوت جهير: كذبتم والله، فليس ل "أبي سفيان" أبناء غير فلان وفلان وفلان، أما صاحبكم هذا فهو ابن زنا، ألا تعرفون "سمية" العاهرة، إنها أمه. ويردد الناس كلام شيخ بني مخزوم الأعمى، وتنقله العيون البصاصة إلى "زياد" فينقله بدوره إلى "معاوية"، فيقترح عليه الحل: اقطع لسانه. قطع اللسان في عرف الملوك يحمل معنيين، معنى حقيقيا ومعنى مجازيا، وعليك أن تختار، واختار "زياد" المجاز. كان "زياد" كلما جلس في مجلس الحكم، يتململ، فضمائر المحيطين به تلوك سيرته، وإذا مدد جسمه على السرير لينام، تمثلت له أمه "سمية" في سريرها، عارية تتلقف في أحضانها غرباء السفر وشذاذ الطرقات، ولا تقوم من أحضانهم إلا لتأكل أو لتشرب، فالوقت قليل والرجال كثير. أرسل إلى شيخ بني مخزوم الأعمى صرة بها ألف دينار ذهبي، حملها له مرساله الخصوصي، ووضعها بين يديه وهو يقول له: مولاي الأمير "زياد بن أبي سفيان" يقرئك السلام، ويقول لك أنفق هذا المال حتى آخره، فإن أنفقته، أرسل لك غيره. وركب "زياد" في موكبه الأميري الباذخ، فليس في الدنيا كلها من ولي كل هذه الأمصار مثله، ومر على شيخ بني مخزوم الأعمى، وألقى عليه السلام، فرد عليه سلامه، ووقف يتساءل: من صاحب هذا الموكب يا ناس؟ فيقولون له: إنه "زياد" بن "سمية" العاهرة. فيصرخ في صوت جهير: كذبتم والله، إنه "زياد بن أبي سفيان"، فقد عرفت فيه حزم "أبي سفيان". وهكذا استطاع "زياد" أن ينام على سريره، للمرة الأولى، ملء عينيه.