بوابة شموس نيوز – مصر لقد بدأ أبو الأسود الدؤلي (ت69ه) في وضع اللبنات الأولى في صرح علم النحو العربي؛ بأمر مباشر من الإمام علي كرم الله وجهه (ت40ه)، وبدأ هذا العلم الوليد يرتقى في نشأته وينمو ويتطور كسنن الترقي في العلوم المختلفة؛ بفضل الله تعالى ثم بفضل جهود العلماء العرب المسلمين، بعد أن توفرت له أسباب النشأة التي من أهمها: – العامل الديني: الذي يتلخص في أنَّ العلماء العرب المسلمين خافوا أن ينتشر اللحن، وينال من لغة القرآن؛ فيؤدي إلى تحريفها وفسادها، ومن ثمَّ اندثارها وضياعها، وممَّا لا شكَّ فيه أنَّ في ذلك خطرٌ كبير على القرآن الكريم؛ لأنه باللغة العربية، وأيُّ لحنٍ في النُّطق بأيِّ آيةٍ كريمةٍ من القرآن الكريم سيؤدِّي – لا قدر الله – إلى الفهم الخاطئ الفاسد، وفوات المعنى السامي المقصود منها؛ فلا يستبين الحلالُ من الحرام، ولا الأوامرُ من النواهي، وطالما جاءت القراءة لاحنة خاطئة سيأتي الفهم خاطئًا فاسدًا، ويترتب على كل ذلك التطبيق الخاطئ الفاسد لمقصود الله تعالى في القرآن الكريم على غير ما يريده الله تعالى – ولا يقع في ملك الله تعالى إلا ما يريده سبحانه وتعالى – الأمر الذي يؤدي إلى ضياع السعادة من الناس أجمعين في الدارين الدنيا والآخرة؛ لأن الناس سيفوتهم المقصود والمعنى الحقيقي من الآيات الكريمات بسبب اللحن والنطق الخاطئ. من أجل ذلك وغيره هبَّ العلماء العرب المسلمون الغيورون على دينهم المبني على القرآن الكريم الذي هو بلسان عربي مبين؛ هبُّوا لوضع قانون لغوي يحمي اللسان العربي من الفساد واللحن والضياع، يقول الله تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[الحجر:9]، فمن وسائل حفظ الله تعالى للقرآن الكريم أن هيأ الأسباب لوضع علم مهم كعلم النحو العربي، وقيض العلماء ووفقهم لصناعته وهداهم لذلك سبيلاً، وعلى الرغم من ندرة الإمكانات، وعدم توفر الوسائل العلمية والمادية المعينة، إلا أن العلماء العرب – رحمهم الله جميعًا – ضربوا أروع الأمثلة في البذل والعطاء والجهد المخلص المتفاني الاجتماعي الفكري العلمي التطوعي؛ في سبيل الحفاظ على اللغة العربية لغة القرآن الكريم. وبفضل الله تعالى الذي هداهم وأعانهم وضعوا مناهج وابتكروا طرقًا وأساليب غير مسبوقة لجمع اللغة العربية من ربوع الصحاري وخيام القبائل ودورها المنتشرة في الحضر والبدو؛ بالاستعانة بالإبل والخيول، وقليل من الزاد والأوراق والجلود والأحبار البدائية، وسط بيئة صحراوية قاحلة؛ فجزاهم الله عنَّا وعن القرآن الكريم واللغة العربية والإسلام عمومًا خير الجزاء، فقد وضعوا قواعد للغة العربية محفوظة في علم النحو، حفظت اللغة العربية، وحافظت على القرآن الكريم بعد حفظ الله تعالى له إلى يومنا هذا. – العامل القومي: الذي يتلخص في أنَّ العلماء العرب وجدوا أنفسهم أمام خطر محدق عظيم بسبب انتشار اللحن (النطق الخاطئ) للغة العربية من بعض أبنائها؛ خاصة من المسلمين الجدد غير العرب، والعرب ليس لهم حظٌّ من الحضارات سوى الفصاحة والبلاغة العربية، فلقد برع غيرهم في العمارة والبنيان والزراعة والصناعة وغير ذلك، وبرعوا هم في اللغة العربية والبيان وفنون القول والكلام. ولقد أكرمهم الله تعالى ولغتهم بإنزال القرآن الكريم باللغة العربية وفي هذا شرفٌ عظيم وضعهم في مصاف الأمم والأقوام ذات الحضارات والتأثير في التاريخ البشري، يقول تعالى (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)[يوسف:2]، ويقول تعالى (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ)[الشعراء:195]. وبعد انتشار اللحن أحسَّ العلماء العرب أنَّ لغتهم اللغة العربية لغة القرآن الكريم هويتهم ومناط فخرهم وعزهم ولسان عزتهم وأمجادهم وأجدادهم؛ أحسوا أنها في خطر عظيم، فبدأوا في وضع هذا العلم اللغوي الكبير؛ وهو أبو العلوم العربية (علم النحو العربي). وإلى لقاء قريب بإذن الله تعالى.