بوابة شموس نيوز – خاص تقدم النائب البرلماني السكندري عادل عيد، في مارس من عام 1978، باستجواب في مجلس الشعب، عن الفساد المستشري في المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، متهما الشيخ محمد متولي الشعراوي وزير الأوقاف، بالتهاون في مواجهة هذا الفساد. وقف الشيخ الشعراوي ليرد على اتهامات العضو البرلماني، نافيا وجود هذا الفساد في وزارته، وبدون مبررات منطقية، راح يدافع عن الدولة وعن رئيس الدولة، واشتط في امتداحه لأنور السادات شططا بالغا، حينما قال: "والذى نفسى بيده لو كان لى من الأمر شئ لحكمت لهذا الرجل الذى رفعنا تلك الرفعة، وانتشلنا مما كنا فيه إلى قمة ألا يُسأل عما يفعل." واشتعلت أكف النواب المنافقين بالتصفيق وأفواههم بالتصفير وقلوبهم بالفرح، لكن الشيخ عاشور محمد نصر، انزعج جدا من هذا الكلام، فهو دارس للفقه، وعارف من هو الذي لا يُسأل عما يفعل، فوقف زاعقا في وجه الشيخ الشعراوي: اتق الله يا شيخ، ليس هناك أحد فوق المساءلة غير الله سبحانه وتعالى. لكن الشيخ الشعراوي، رد بقسوة على النائب الوفدي، قائلا له: اجلس مكانك، فأنا أعرف الله أكثر منك، وخيرا عنك. السيد سيد مرعي، رئيس مجلس الشعب وصهر الرئيس السادات، تدخل لما وجد الأمر قد وصل إلى هذه الحالة من التنابذ، كان يخشى من تفاقم الأمور لأبعد من ذلك، فقام بطرد الشيخ عاشور من المجلس، فانفعل وراح يشوّح بيديه مؤكدا أن هذا ليس مجلسَ شعبٍ، وإنما هو مسرحُ مجلسِ شعبٍ، فهاجت الأغلبية المنافقة التي صفقت من قبل وصفرت وفرحت قلوبها لامتداح الشعراوي للرئيس، الأمر الذي جعل النائب الوفدي يصرخ بعلو صوته وهو يخرج من القاعة: يسقط الرئيس أنور السادات يسقط الرئيس أنور السادات. بعد خروجه من القاعة، أعلن السيد سيد مرعي، أن السيد العضو عاشور محمد نصر رجل شاذ. بطبيعة الحال، قدمت اللجنة التشريعية لمجلس الشعب تقريرها حول الواقعة، وانتهت إلى ضرورة فصل العضو المذكور من المجلس، ورفع الحصانة عنه، وعندما عرض الأمر للتصويت، رفعت الأغلبية التي صفقت وصفرت وفرحت قلوبها من قبل، أياديها بالموافقة. الشيخ محمد متولي الشعراوي من جهته، وجد نفسه في مأزق من نوع خاص، مأزق لا علاقة له بالسياسة، وإنما يتعلق بصميم صحيح الدين، الأمر الذي يمكن أن يهدد عرشه وسمعته وشرفه، فلجأ إلى الشيء الذي عُرف ببراعته فيه، وهو اللغة، فأخذ يلف ويدور محاولا أن يفسر ما قاله تفسيرا لغويا، وقال كلاما استعصى تماما على الفهم، رغم اشتهاره بتبسيط الصعب وتسهيل المعقد، قال: (إذا دخلت "لو" على اسم فإنها تعنى الامتناع عن وجود، مثل أن نقول: لولا على لحضر عمر، والمعنى أن عمر لم يحضر لأن عليا موجود، أما لو دخلت "لو" على فعل، فإنها تعنى الامتناع عن الامتناع، وقد قلت: "لو كان الأمر بيدى"، فأنا أمتنع عن رفع السادات إلى درجة ألا يسأل عما يفعل، لامتناع أن يصل أحد إلى هذه الدرجة إلا الله سبحانه وتعالى." دخول "لو" على الاسم أو على الفعل، لم يجعل أحدا يقتنع بوجهة نظر الشيخ الشعراوي، فالضمير الجمعي للمصريين، يعرف مقصد كلام الوزراء، حتى لو كانوا شيوخا، وحتى لو كانوا لغويين متمرسين، وحتى لو استشهدوا بجميع حروف الامتناع والجر والعلة والمباغتة، الذي حدث أن الشيخ عاشور محمد نصر، خرج منتصرا من هذه الجلسة، رغم رفع الحصانة عنه، أما الشيخ محمد متولي الشعراوي، فقد خرج منهزما، رغم استوزاره، ورغم اتكائه غير المبرر على قواعد اللغة العربية، وإصراره على الاستمساك بدخول وخروج "لو" على أسماء وأفعال لن تعضد موقفه أبدا. السمّاح عبد الله