وزير الاتصالات يستعرض أمام السيسي محاور وأهداف استراتيجية مصر الرقمية    وزير الإسكان يكلف مسئولو المدن الجديدة بمتابعة مشروعات رفع الكفاءة والتطوير والنظافة    الدفاع الروسية تعلن إسقاط 17 طائرة مسيرة أوكرانية    عاجل- Dreams FC vs Zamalek شاهد بث مباشر مباراة دريمز إف سي ضد الزمالك الدور نصف النهائي كأس الاتحاد الأفريقي 2024    كولر يجهز حسين الشحات لنهائي أفريقيا فى مباريات الأهلي بالدوري    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : شكرا سيدى على الدعوة00!؟    الأقباط يحتفلون ب«أحد السعف» بكنائس قنا (صور)    اعتقال عشرات المؤيدين لفلسطين في عدد من الجامعات الأمريكية    تراجع أسعار الفراخ البيضاء اليوم الأحد 28-4-2024.. كرتونة البيض ب 114 جنيها    أسعار الذهب اليوم الأحد 28 أبريل.. انخفاض وتراجع المعدن النفيس    مواعيد مباريات اليوم الأحد 28- 4 -2024 والقنوات الناقلة لها    انتوا بتكسبوا بالحكام .. حسام غالي يوجّه رسالة ل كوبر    اليوم.. طقس حار نهارا مائل للبرودة ليلا والعظمى بالقاهرة 31 درجة    تحرير 7 محاضر مخالفة ضد أصحاب مخابز بالأقصر    التصريح بدفن جثة شاب لقى مصرعه أسفل عجلات القطار بالقليوبية    طلاب صفوف النقل بالثانوية الأزهرية يبدأون امتحانات نهاية العام    خلال شهر مايو .. الأوبرا تحتفل بالربيع وعيد العمال على مختلف المسارح    أسعار العملات العربية في بداية تعاملات اليوم الأحد 28 أبريل 2024    بالصور.. كنيسة رؤساء الملائكة تحتفل بأحد الشعانين    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الأحد 28 أبريل    الأهرام: أولويات رئيسية تحكم مواقف وتحركات مصر بشأن حرب غزة    بطلوا تريندات وهمية.. مها الصغير ترد على شائعات انفصالها عن أحمد السقا    السبب وراء عدم انخفاض أسعار السلع في الأسواق.. التموين توضح    لا بديل آخر.. الصحة تبرر إنفاق 35 مليار جنيه على مشروع التأمين الصحي بالمرحلة الأولى    الهزيمة مُرة.. عمرو أديب معلقاً على "خناقة صلاح و كلوب"    بعد واقعة «طفل شبرا».. بيان هام من الأزهر الشريف    تصفح هذه المواقع آثم.. أول تعليق من الأزهر على جريمة الDark Web    الأطباء تبحث مع منظمة الصحة العالمية مشاركة القطاع الخاص في التأمين الصحي    السكك الحديد تعلن عن رحلة اليوم الواحد لقضاء شم النسيم بالإسكندرية    عاجل.. قرار مفاجئ من ليفربول بشأن صلاح بعد حادثة كلوب    لتضامنهم مع غزة.. اعتقال 69 محتجاً داخل جامعة أريزونا بأمريكا    رفض الاعتذار.. حسام غالي يكشف كواليس خلافه مع كوبر    تتبع المنهج البريطاني.. ماذا قال وزير التعليم عن المدرسة الدولية؟    ماكرون يعتبر الأسلحة النووية الفرنسية ضمان لبناء العلاقات مع روسيا    مصرع 5 أشخاص وإصابة 33 آخرين في إعصار بالصين    آمال ماهر ل فيتو: مدرسة السهل الممتنع موهبة ربانية ومتمرسة عليها منذ الطفولة    اشتباكات بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي غرب رام الله    فضل الصلاة على النبي.. أفضل الصيغ لها    تسليم أوراق امتحانات الثانوية والقراءات بمنطقة الإسكندرية الأزهرية    بالأسماء.. مصرع 5 أشخاص وإصابة 8 في حادث تصادم بالدقهلية    هيئة كبار العلماء السعودية تحذر الحجاج من ارتكاب هذا الفعل: فاعله مذنب (تفاصيل)    عضو اتحاد الصناعات يطالب بخفض أسعار السيارات بعد تراجع الدولار    هل مرض الكبد وراثي؟.. اتخذ الاحتياطات اللازمة    عمرو أديب: مصر تستفيد من وجود اللاجئين الأجانب على أرضها    الأردن تصدر طوابعًا عن أحداث محاكمة وصلب السيد المسيح    إصابة 8 أشخاص في حادث انقلاب سيارة ربع نقل بالمنيا    نصف تتويج.. عودة باريس بالتعادل لا تكفي لحسم اللقب ولكن    متحدث الكنيسة: الصلاة في أسبوع الآلام لها خصوصية شديدة ونتخلى عن أمور دنيوية    ما حكم سجود التلاوة في أوقات النهي؟.. دار الإفتاء تجيب    العالم الهولندي يحذر من زلزال قوي خلال 48 ساعة ويكشف عن مكانه    تملي معاك.. أفضل أغنية في القرن ال21 بشمال أفريقيا والوطن العربي    هل يمكن لجسمك أن يقول «لا مزيد من الحديد»؟    23 أكتوبر.. انطلاق مهرجان مالمو الدولي للعود والأغنية العربية    السيسي لا يرحم الموتى ولا الأحياء..مشروع قانون الجبانات الجديد استنزاف ونهب للمصريين    أناقة وجمال.. إيمان عز الدين تخطف قلوب متابعيها    ما هي أبرز علامات وأعراض ضربة الشمس؟    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من الإصابة بهذا المرض    " يكلموني" لرامي جمال تتخطى النصف مليون مشاهدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"العامل التجريدي في النص"
نشر في شموس يوم 17 - 12 - 2017

انّ منظومة الوعي البشري اللغوية منظومة عظيمة و عميقة و واسعة، و ربما نحن البشر لا نستعمل الا جزءا يسيرا منها في تعاملاتنا العادية و الفنية و لقد كشفت الرمزية و الاشتغالات الحداثوية و ما بعد الحداثوية عن سعة و عمق النظام اللغوي كعالم فكري وابداعي. كما ان لاتناهي البصمة الابداعية عند الكُتاب – حتى قيل ان " الاسلوب شخص" أي ان لكل شخص اسلوبه التعبيري الخاصة و طريقته الخاصة في استعمال اللغة في كلامه- كشف عن لاتناهي الفضاء اللغوي الابداعي.
و كمقدمة لتبيّن البعد التجريدي في الكلام لابد من الالتفات الى امرين؛ الاول ان لكل لكمة بعدا معنويا و بعدا شعوريا، أي كما ان للكلمة ثقلا معنويا مرجعيا تفاهميا و توصيليا يحمل الافكار و يوصلها الى المتلقي فان لكل كلمة ثقلا شعوريا و احساسيا. حينما تذكر الكلمة المعينة امام الشخص فانها تثير مشاعر معينة تختلف عن المشاعر التي تثيرها كلمة اخرى فمثلا البعد و الثقل الشعوري و الاحساسي لكلمة " الشتاء" تختلف عنها في كلمة " الصيف" بغض النظر عما تعنيه الكلمتان و مفهوماهما، و هكذا كلمة " برد" فانها تحمل ثقلا شعوريا و احساسيا يختلف عما تحمله كلمة "حر" بغض النظر عن معناهما و مفهومها و حدودهما التفهيمية و التواصلية. هذا الامر الاول و اما الامر الثاني فان التعبيرية – وهي التوهج المشاعري و الاحساسي للكلمات في النص- و التجريدية – وهي تعاظم التعبيرية و تجليها الاكبر في النص- اقول ان التعبيرية و التجريدية كلاهما مظاهر نصية أي انهما من خصائص النص وكلماته و ليس من خصائص الكلمات خارجه، فهناك نص تعبيري و تجريدي بكلمات تجريدية و ليس هناك كلمة تعبيرية او تجريدية خارجه.
بعد أن أوضحنا ان التجريدية هي خاصية نصية للكلمات، فان التجريدية و كذا التعبيرية لها عناصر و ملامح نصية كلامية متميزة يمكن ادراكها و تمييزها بدقة عالية، و انما نحن نتحدث بهذه اللغة الاستقرائية جدا و الدقيقة جدا لاننا نؤمن ان نظرية الادب و منها ما يسمى النقد الادبي هي علم دقيق استقرائي كما ان وسيلته الكبرى في تحقيق الاستقراء هو البحث الاسلوبي، و لذلك نحن كثيرا ما نشير الى ان تناولاتنا ليست انطباعية و لا تفاعلية و لا نظرية و انما هي استقرائية اسلوبية نصية، تنطلق من النص و تعود اليه وهذا هو جوهر و مقدمة " علم الادب" الذي ننادي به. و بنظرنا يمكن ان يكون هناك علم مضبوط و دقيق يتناول الابداع النصي الكلامي او الكتابي من دون المساس بالطاقة الابداعية و من دون وصاية عليها بل ان العلمية و الاستقرائية و الضبط و البحث النصي و الموضوعي يقلل من التحيز و التكلف والادعاء و الوصاية والمجاملة و التوهم التي تكثر في الكتابات النقدية.
و من هذا المنطلق الاسلوبي الاستقرائي العلمي فان التجريدية هي صفة اسلوبية نصية كلامية او كتابية والمقوم لتجريدية النص هو ما نسميه " العامل التجريدي" وهو عنصر مشترك بين جميع المظاهر الاسلوبية المحققة للتجريدية في النص. و لفهم العامل التجريدي فاننا يمكن القول و ببساطة ان العامل التجريدي هو تجل اكبر للعامل التعبيري والذي هو تعظيم الثفل الاحساسي الشعوري للكلمة في النص و تقليل الثقل التوصيلي المعنوي لها فيه. فما يحصل في الكلام التعبيري هو الاعتماد على البعد الشعوري الاحساسي للكلمة في النص و عدم الاعتماد على البعد المعنوي له، و العامل التجريدي هو تجل اكبر و غاية للعامل التعبيري حيث تبلغ التعبيرية في العمل التجريدي غايتها القصوى، و بمعنى اخر ان التجريدية هي الغاية القصوى للتعبيرية في النص.
و من هنا و بعبارة مختصرة فالتعبيرية التجريدية مع انضباط شرطها و صفتها و عاملها المشترك في النصوص الا ان صورها و مظاهرها و اسليبها واشتغالاتها النصية لا حدود لها، و لكل كاتب اسلوبه و طريقته في تحقيق ذلك العامل و الشرط التجريدي. و بعبارة لغوية منطقية ان العامل التجريدي هو من سنخ الجنس العام، و ان الاسلوب التجريدي الشخصي للكاتب في تحقيق ذلك العامل بل و اسلوبه المعين في نص معين له هو من سنخ الافراد و المصاديق لذلك العامل المشترك العام. فلكل كاتب مبدع ان يتفنن في تحقيق اسلوبه التعبيري التجريدي لكن المهم هو تحقيق العامل التجريدي وهو تجلي البعد الشعوري للكلمات في النص و تلاشيء البعد المعنوي و الذي هو الغاية القصوى و الدرجة العليا من التعبيرية التي هي تعاظم البعد الشعوري للكلمات في النص و تضاؤل بعدها المعنوي التوصيلي ، الى ان تصل الى تجلي و طغيان البعد الشعوري و تلاشي و انعدام البعد التوصيلي. وهذه الحالة قد تبعث على التصور ان الكلام التجريدي هو رمزي مغلق او هذياني او بلا معنى وهذه كلها اباطيل بل التجريدية تُحمَل و تصل الى المتلقي بكلام واضح و سلس وعذب الا ان الرسالة الجوهرية و الحقيقية للكلام لا تعتمد على المعنى و انما تعتمد على البعد الشعوري و الاحساسي للكلام، فحينما نقول ان التعبيرية اعتماد على الشعورية و الاحساسية الكلامية و تقليل الاعتماد على المعنوية و التوصيلية لا يعني ذلك ان الكلام التعبيري التجريدي بلا معنى و انما يعني ان الرسالة التي يراد ايصالها الى المتلقي ليست متجلية بمعنوية و توصيلية الكلام و انما متجلية بثقله الشعوري و الاحساسي الذي يصل الى المتلقي بغض النظر عن المعنى و مفارقا له وان كان مصاحبا و مقترنا معه. فالتعبيرية التجريدية هي ايصال الرسالة و الفكرة و الافكار بالاحساس و الشعور و ليس بالمعنى في كلام واضح المعنى، و لا ريب ان هذا الاستعمال للغة متطور جدا و عالي المستوى حيث يتصف بامرين مهمين غير عاديين اولا ان الكلام يحمل رسالتين الرسالة الجوهرية الاصلية التي تصل بالاحسايس و المشاعر و الرسالة الثانوية المعنوية و ثانيا مفارقة الرسالة الاصلية للمعنى وهذا استعمال جديد جدا في منظومة الوعي اللغوي البشري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.