كنت جالسة في عقر ذاك المكان، أحتسي من الوقت فنجان، حين طرق هدوئي عنوان، فهبّ انتباهي يطلب استبيان، أ له علاقة بالزمان، هل هو بالحياة و الموت ريّان، أيتغذى من رحيق الوجدان، كيف هي ذاكرته في ضيافة النسيان، كيف هو وصاله بالجَنان، فإذ بهدهدة حرف تقطف لي البيان، أنا لهذا المرقم الربّان، عماده كلمات رزان ، وعمقه تجارب إنسان. هكذا كان لقائي به، قلم نحت بالحبر الورق، ليجيد التشكيل بإحساس صدق، أحداث تحاكي ما هو آت و ما قد سبق، بوح على جناح صمت انعتق، روح تبحث عن جسد بالأزل التحق، أنفاس أمل تأبى أن تحترق، نبض حلم بالإرادة نطق، عاطفة عن هويتها لن تفترق. إنه فينا و لن يفارق، إنه بنا الرجوع و الهروب، إنه رحيق عُرّف"بالطارق"، من ورود الشاعر اللبناني "مكرم غصوب". أوراق ليست كالأوراق، قلم يحكي أطوار العلاقة بين و بين، حبر يتكلم على إطراق الحرف الحاضن لذاك الإحساس. من هنا، البداية، نتذوّق دقّات خلجاتك، و دونما الحاجة للإفصاح، تأخذنا لكل زمكان. مع أول انسياب، نستطعم ذاك الانطلاق، إلى اللانهاية، إلى القيود المنكسرة على قارعة الإرادة، إلى الروح المكتملة، بين "الطارق" و "مكرم غصوب". برفقتك، نبسط الكفوف، فتجني لنا تلك الابتسامة، و تدنو الذوات، متخذة الطريق إلى تلك المسافات، إلى زمن الحياة، إلى رحيق الممات، إلى البقاء، إلى الفناء، إلى الوصال، إلى الانفصال، إلى الجواب، إلى السؤال، إلى الإنسان. كيف أنت، و كل الأنفاس تتلاشى في أعماقك؟ متى أنت، و أي فراغ يمتلأ من شرايينك؟ لماذا أنت، و ما من عبثية أمام نبضك؟ أضرم فينا بوحك الصمت، لتسرقنا صرخات الاستفهام، و تتحسس من خطواتك علامات العبور، ليجني الثمر المنثور على جبينك أيها "الطارق". ما عدنا نردّد الألفاظ، بل أصبحت الكلمات تهوى وشوشتنا، هذه، بملمس الرحيل، و تلك، بعبق الرجوع، هنالك، نغم التلاقي بتقاسم العدم، و هنا، نشيد مازال يبحث عن الأبد. صارت المقاصد تجهل فينا شمائلها، ليركضنا الوعي بين الأمس و اليوم، لتؤكدّ: "صغيرا، كنت أرسم الشمس بعينين و ضحكة، حين كبرت، أدركت أنها بلا عينين"، إنه تشابك يتضاحك ليكتشف، أن الشفاه لا تحمل الابتسامات، و أن الإفترار من وحي الهوس، أهذا أنت أيها الطارق؟ حذوك، تأخذنا الأريجة إلى المسارات المعبّئة باللاشيء و بكل شيء، أين تزهر خطواتنا كل الظنون. معك أيها "الطارق"، نبحر كي نغرق، ثم نُحمل على أكتاف الطوق نحو اللانجاة، تدعونا لنجرّب وشاح الغوص في أعماقك، ليرتدينا غموضك و وضوحك. منك يركض فينا الزمن، ليلملم الشتات النائم على جفون الوجدان، و تتفتّح الروح على حياة بطعم الحلم و الواقع، بإرادة تتحدى البتر بين الإيناس و الارتباك. بين أحضانك، أيها "الطارق"، يعطّرنا الوصول إلى اللامكان، لنعود إلى اللابداية، فإلى أي مدى أنت، و قد حصدت منا الرمز و المثل؟ الطريق عبر أقدامك يزرع فينا الأثر، لنستنشق من إحساسك و نتشارك النزف بين الفهم و اللاادراك. كل مرة نمتطي فيها صهيلك، يضرب لنا الحرف بحوافره، لينشق معنى البوح في عمق سكونك، و يعبرنا نحو الأزل. تخاطبها هي، لتخبأ الظاهر، و تظهر ما تلعثمت أوتاره بين دندنة الحبر، لنستمع، فتهمس فينا الاكتمال دون الكمال، الاشتياق دون الأشواق، الرغبة دون الاشتهاء، لكنك تصر أن تضرم "الأنا" في "النحن"، لتكون لوحة بإطار راحل و لون في عنفوان النضوج. هل أنا أهذي روحك، أيها "الطارق"، أم أنك خلود الجسد؟ امتلأنا بخرير أغنياتك، ليُفرغ منا اللحن، كل خفقاتك تهمس في شراييننا، فنتأبّط السلام و نصبح الذاكرة بزهزقة مازال يطوّقها البحث من هناك… أفشيت لنا السر، ليبقى ارتباكنا مضمار صُهالك، تؤكّد لنا اليقين، لنستنبط أهمية الشك، فتخبّؤنا في دوائرك ليؤانسنا الانعتاق. أيقظت في دواخلنا حتمية الصلة المولودة من ظهر اللاميلاد، لتقف بنا على خصائص ذاك الفصل الباحث في منشئك. أوصيتنا أن نحدّق في أنفسنا حتى اللاابصار، لنتواجد في اللاوجود، و نغرف حفنة احتلام من نبض عينيك، فماذا أنت أيها "الطارق"، و من خلجاتك تورق المعاني المفقودة فينا؟ مازلنا نرافق تشعّب خطواتك، ليواصل فكرك اجتياحنا بأنفاس أفقه و شوارد محيطه، فيختلس منا أجوبة مسجّلة حاجتها لأسئلة تعبرنا نحوك، نحو الحياة، نحو الإله، نحو المكان و الزمان، فإلى كم من إحساس أنت أيها "الطارق"؟