يصدر قريبا ديوان النثر الاول للكتابة والشاعرة الفلسطينية منال دراغمة"محطات لاذعة" والذي يجمع 30 نصا نثريا تعتبر كلها محطات مميزة تتحدث فيها الكاتبة عن الارض والوطن والام والحب والحنين والرومانسية وشهقات الفقد والحزن.. محطات لاذعة هو المنجز الاول لدراغمة تمت طباعته في جمهورية مصر العربية مع دار نجيب محفوظ الثقافية ويقع ب105 صفحات من الحجم المتوسط .. يحمل بصمات إبداعية للعديد من القامات حيث وضع مقدمة الكتاب الناقد والأديب العراقي القدير د. عواد الغزي . وتم تصميم الغلاف بمهارة عالية جمعت فكرة الشاعرة الاردنية وفاء ابو عفيفة وروعات المصمم العالمي احمد البهنساوي. هذا ويضم الكتاب عدة لوحات فريدة بريشة الفنانة التشكيلية القديرة البروفيسور خيرة المباركي منها لوحة الغلاف. وقريبا جدا سيشارك الديوان في كبرى المعارض العربية والأوروبية وسيعرض ايضا في كبرى المكتبات المعروفة عربيا ودوليا. المقدمة الفريدة التي وضعها الاديب والناقد العراقي القدير د. عواد الغزي في ديواني الاول "محطات لاذعة" ترويض المرايا واستنطاق الأسئلة الأستاذ الدكتور عواد كاظم الغزي / العراق لم يكن الشعر العربي المعاصر مفارقا سمة التجريب وهو يستقصي الوجود في دلالاته النصية ، إذ انعتق بعض الشعراء من ربقة التأسي بالبنية الشعرية العربية وحاموا حول تخوم الوجودية الجديدة مبشرين برؤية جديجدة تتجاوز ألفنة الواقع ، وتتحاور مع تخوم الفاجعة ، محاولين تفكيك أيقونة الوجود في وجهة نظر فلسفية تستوجب الإنقلاب بماهية النصوص إلى دلالة الرفض والتمرد ، فتداخلت النصوص الشعرية مع نصوص أخرى تماهت بها ، وخلقت موتيفا جديدا يشقق عن رؤية جديدة تستنزل يوتوبيا الأحلام إلى الواقع ، وتعيد تشكيله من جديد . وقد استثمرت الشاعرة منال دراغمة ثنائية الرفض والتمرد في عديد نصوصها ، فكانت سمة التقابل بين الرفض والتمرد واللارفض واللاتمرد تتمظر في حوارية المرايا الشعرية ، وتجسد مجموعة ( محطات لاذعة ) تمظهرات رؤية الشاعرة ، إذ يشي استقراء نصوص المجموعة بأن الشاعرة تحاول تحطيم المألوف ، وترويض الأفكار ، فتدور بوجهها عن اليوتوبيا ، وتستنطق أسئلة تتجلى في مرايا شعرية تتمحور حول تقابلية ثلاثية يتقاسمها عنوان المجموعة في المرآة الأولى ، وعنوان النص في المرآة الثانية ، والنص المتداخل بهيئة رسم في المرآة الثالثة ، فتطفوا على سطح النص رغوة الحوارية بين مرايا العنوان ، ومرايا النص ، ومرايا الصورة المتداخلة مع النص ببنية أسلوبية تواشج بين المرايا . وتحيل أول دلالات البنية الأسلوبية في بنية نصوص محطات لاذعة على ترابط دلالي بين ثيم صور المريا الثلاث ، فالعنوان الرئيس يحيل على العنوان الفرعي للنص ، ومن ثم يتماهى العنوانان لخلق دلالتهما في الصورة المتداخلة فقد استوعب العنوان الرئيس بوصفه مرآة أولى العنوان الفرعي وغدا جزءا منه ، وتقديما له إذ يبدو كل عنوان فرعي مضافا إلى العنوان الرئيس ( محطات لاذعة ) فتتشكل المرايا الأولى من ثيمتين متضايفين في سياق واحد ، مضمر بعضه ، ومعلن بعضه الآخر ( محطات لاذعة = محطة سر الوسادة اللاذعة ) ، ويطرد هذا في الأعم الأغلب من عنوانات المجموعة ، ومن ثم تأتي الصورة لتكثف مضمون المآتين الأوليتين في أسئلتهما ، فتغدو التقابلية الثلاثية مرايا مروضة لاستنطاق أسئلة تدور في خلد الشاعرة خارج فضاء اليوتوبيا يتقاسمها الأنا والآخر . وتتحذ الشاعرة أساليب مختلفة في استنطاق أسئلة المرايا ، فتعدد صورها ، وتستدعي مرآة الليل ، ومرآة الحلم ، ومرآة الحوار ، ومرآة الاستفهام ، ومرآة الإخبار ، ومرآة الآخر ، ومرآة الوطن ، ومرآة التراث، ومرآة الذات ، وتحدث الشاعرة تحولات أسلوبية في تلك المرايا من أجل خلق تواصلية دلالية بين تقابلية المرايا الثلاث تتجلى في حركية النص بين الماضي والاستذكار تارة ، والتراث تارة أخرى فتوظف اللغة بوصفها أداة أسلوبية تواصلية تتكفل الطوفان بالمتلقي عند تخوم أفقه الماضي ، أو أن تحقق كسر أفقه بوساطة المفارقة البنائية ، فتعيد انتاج اللغة في شعرية دالة ، فيكون لفظ الحلم هو البنية القارة في النص ( حلم / حلم يقظة / ألف حلم / ……) ، أو أن تكون اللغة اليومية المحكية مكلفة باستنطاق الأسئلة ، فتشكل بنية ضابطة لموضعة الصورة في المرآة ، فكانت ألفاظ ( دولاب / ثكنات / دهاليز / هلوسات / مساحيق / المكتظ / النازحة / العاثر / قنوات / معسكرات / ……..) هي بؤرة الصورة في المرآة . وقد تستدعي الشاعرة اللغة التراثية والمقدسة في تأطير صورة المرآة ، فكانت ألفاظ ( الكاهن / فاطمة / عائشة / مريم / الكوثر / برجيت / تيريزا / ………) اشعاعا دلاليا في وهج صورة المرآة ، وقد توظف الشاعرة اللغة العرفانية في نصوصها ، فتأتي ألفاظ ( النوراني / خطيئة / ثغر / الطهر / ابتهالات / سجادة / الأبد / يروي / الوحدة / الوجد / الفقد / العشق / الجنة / الأم / اسرار / ناسكة / …….) لتضفي على صورة المرآة وضوحا من زهد دلالاتها . ومابين تقرير الصورة ، وضبط موضعتها ، والإلماح إلى بؤرتها ووضوحها ، وبعدها العرفاني ، تتخذ النصوص سمة السوريالية الموضوعية في مراياها ، وكلما بدت السوريالية متحققة للشاعرة في النص استغنت عن الصورة المتداخلة مع النص ، واما إذا بدا لها أن اللغة قد مارست عنفها على النص استدعت الصورة المتداخلة في أول النص التي تحيل على دلالة الماضي بوساطة رمزية البكاء في أغلبها لتشكل عتبة رابطة بين عنوان النص ومتنه ، وبنية تحقق انسيابية في جريان الصورة إلى مرآتها . إن التجريب الذي تحاول الشاعرة ممارسته على النص أوجب عليها الالتزام بالتقابلية الثلاثية للمرايا ، وأن تكون تلك المرايا متقابلة في انعكاساتها تتحول فيها الصورة من المرآة الأولى إلى المرآة الثانية إلى المرآة الثالثة ، وفي كل تحول تكتسب الصورة بعدا جديدا ، مما جعل من الانزياح في اللغة مهيمنا واضحا في نصوص المجموعة يؤدي وظيفة الخلق في السياق ( تقف الوحدة / طحالب الصمت / غبار العجز / هشيم عشق / حنجرة الوقت / الأسرار الحارة / طقوس الاهتداء / جدران أيامي / عارية الجفون / …….) ، وقد يؤدي وظيفة سوسيولوجية تساهم في خلق السياق ( ال بزغت ) ، ويتجه التجريب إلى وضع هامش لنصوص المجموعة يتجسد في التحولات التي تحاول الفصل بين الأنا والذات ، والآخر والأنت ، والوطن واللاوطن ، والوجود والعدم ، مما خلق لغة ثانية في النص تمثلت في لغة البياض والنثيث وعلامات الترقيم والتكثيف ، وتتآزر تلك العناصر في نصوص المجموعة لترويض الصور في المرايا ، وتستنطق أسئلة مؤجلة تتحقق إجاباتها بتأويل المسكوت عنه . ولما كانت النصوص الشعرية المعاصرة هي نصوص ألفنة الخراب ، وعقلنة الوجود بعيدا عن اليوتوبيا ، فلا شك في أن الثنائيات النصية هي انعكاس آخر ، ومرآة أكبر يتجلى فيها العالم الأكبر المحيط بالنص والشاعر ، ولاسيما إذا عرفنا أن الشاعرة ولدت في الأردن وانتقلت إلى موطنها الأم فلسطين ، ومن ثم تناوبت بين القرية والمدينة ، وأكملت تعليمها الجامعي ، وتلك الأنساق الثلاثة تتقابل وجوديا في فكرها فتتجسد ثلاثية الوطن والوطن البديل والذات ، فتتحقت سمة الانعكاس بين الذات الشاعرة والنص الشعري ، خاصة بعد أن امتد زمن نصوص المجموعة إلى أكثر من سنتين ونشر بعضها في أماكن مختلفة ، مما يشي باستيعاب النص لمكابدات الذات ورؤية الآخر، وانغماس الشاعرة في نصها التجريبي الذي يحقق الثلاثية الراكزة في فكرها وحياتها .