هل كان مطرا سريا هطل رذاذا كموسيقى كونية، أم احتراق الفراشات تلذذا باللهب؟ أم لعمري حلما متتاليا متواترا متقاطعا مع يقظة ؟ سِفْر تكوين أم تراتيل قدسية من وحي المطلق؟ لا تملك وأنت تهرول هاربا من هذا المطر محتميا به لائذا إليه إلا الانصياع لطفولة الأشياء. فأنت تتوقع أن هذا المطر وإن كان سريا سيبلل حواسك كلها فتشم رائحة التراب في المعنى وتتذوق سحر البدايات وترى الصورة إثر أختها في البوم من الأحلام وتسمع خرير الوديان التي فاضت على ضفتي الحلم اللامنتهي. الحلم المتلاحق الأنفاس الهارب من وحشة الليل إلى أنس القصيدة المتخلقة على شفتي شاعر متبتل في خلوة تجانست فيها الحبيبة مع الأنا فيه، فامتزجت أنثاه الكامنة بحلمه وتفلتت متحررة من واقعيته إلى مطلقه ، ومن تماهيه إلى أرضيته . لا فصل بين ما نتخيله وما نتوق أن نعايشه وما نحياه حقا، وكأن انصهارا كونيا في ذوات الشاعر المتعددة المتأصلة الواحدة المتوحدة في الكل المجزأ المركب ، قد تداخلت لتعطي لنا تصورا صوفيا حسيا روحيا لكل ما ينشده الإنسان في آخره ولكل ما يتوق اليه فيه. مطر سري ملأني شغفا بالصورة وباستحداث لغة أخرى محلقة بعيدة عن التكلف تلقائية ومنسجمة مع كلها . إنها الأحلام المشرعة على مطلقها الواهبة أجمل ما فيها لزر الورد المتفتح على آخره منتظرا تكور حبات الندى قُبَل لا تنتهي ووصال أبدي بين سماء وأرض . مطر سري ديوان شعري للشاعر الفلسطيني زهير أبو شايب في 143 صفحة من القطع المتوسط صادر عن دار الأهلية للنشر والتوزيع / عمان.