«حماة الوطن» يختتم مشاورات اختيار مرشحيه لخوض انتخابات مجلس النواب 2025    الجالية المصرية في فرنسا: المصريون بالخارج متمسكون بهويتهم ويفتخرون بوطنهم    قطع مياه الشرب عن عدة مناطق في أسوان (الموعد والسبب)    «الإقليمي للدراسات»: قوات «اليونيفيل» شاهد دولي ويجب استمرار وجودها في الجنوب اللبناني    «إنكار المجاعة أبشع تعبير عن نزع الإنسانية».. «أونروا»: الوضع في غزة جحيم بكل أشكاله    نجم مارسيليا يعود إلى اهتمامات إيه سي ميلان    ميدو بعد أزمة والد زيزو: في لاعب جاب أمه وخالته عشان يتفاوضوا له    مروان حامد ضيف شرف الدورة الثانية من مهرجان «بردية» السينمائي المهدى لروح والده    أحبها عن بُعد 10 سنين و«عزة النفس» أخّرت التعارف.. قصة علاقة وطيدة تجمع أنغام ب محمود سعد    برج الحوت.. مبدع وحالم لكنه سهل الانكسار    القائد العام للقوات المسلحة ورئيس الأركان يلتقيان رئيس هيئة الأركان للقوات المسلحة الأردنية    وزير الدفاع الإسرائيلي: الحوثيون سيدفعون ثمنًا مضاعفًا مقابل كل صاروخ    بحوث الصحراء يُنظم دورة تدريبية بسيوة لتحسين جودة التمور    «شلاتين» تستهدف رفع إنتاج الذهب إلى 6 أطنان خلال 5 سنوات    الصدارة في لندن.. ترتيب الدوري الإنجليزي بعد تعادل مانشستر يونايتد أمام فولهام    النيابة العامة تُخلي سبيل المستأجر والمنقذين في حادث شاطئ أبو تلات    خبز مسموم.. حين قتلت الغيرة أسرة بأكملها في دير مواس    إطلاق منظومة مصرية للكشف المبكر عن سرطان الثدى باستخدام الذكاء الاصطناعى    جامعة حلوان تكرّم خريجي BIS بتنظيم رفيع المستوى من شركة دعم الخدمات التعليمية    المصريون بفرنسا ينظمون وقفة أمام القنصلية في مارسيليا| صور    انطلاق البرنامج التدريبي في علوم الصيانة والترميم بالمتحف القومي للحضارة    وزير المالية: مصر تمتلك الأدوات والقدرات لتعزيز صادراتها الطبية    الحكومة تدرس إقامة منطقة صناعية للجلود في برج العرب أو العلمين الجديدة    فيريرا: نعالج الأخطاء فى الزمالك.. وانتظروا تطور الصفقات الجديدة    هيفاء وهبي تشعل مسرح فوروم دي بيروت بحفل كامل العدد | صور    "طالعة قمر".. نادين الراسي تخطف الأنظار بإطلالة جريئة    مراسل "الساعة 6": المتحدة تهتم بأذواق الشباب فى حفلات مهرجان العلمين    أفضل أدعية تعجيل الزواج.. أمل القلوب في الاستقرار    رمضان عبدالمعز: الاحتفال بالمولد النبوي يكمن في محبة النبي والاقتداء بأخلاقه    الساحل الشمالى بين الترف والجدل    حالة الطقس غدا الإثنين 25- 8- 2025 في محافظة الفيوم    النيابة العامة تطالب المواطنين الإبلاغ الفوري عن أي وقائع للتعدي على الحيوانات    الغائبة الحاضرة.. CNN: ميلانيا ترامب بعيدة عن الأنظار رغم تأثيرها الواضح    المكتب الإعلامي الحكومي بغزة: محافظات الجنوب غير قادرة على استيعاب 1.3 مليون مُهجر قسريا    السكة الحديد تشغل القطار السابع لعودة الأشقاء السودانيين إلى وطنهم.. صور    «ماس في فيشة».. حريق في فيلا الفنان محمد صبحي والحماية المدنية تسيطر عليه (تفاصيل)    ما هي شركة المحمول الأفضل في مصر؟.. تقرير رسمي يكشف جودة الخدمات    النادي لم يتمكن من تسجيله.. جوهرة برشلونة يرفض الرحيل في الصيف    محافظ بني سويف يكرم مُسعفًا وسائقًا أعادا مليون ونصف لأسرة مصابة في حادث    الكشف على 665 مواطن خلال قافلة طبية مجانية بقرية الفالوجا بالبحيرة    أيمن يونس يهاجم شيكابالا بسبب تصريح "الشيشة"    الجوازات تنهي إجراءات المرضى وكبار السن في دقائق.. صور    الاحتلال يستهدف منتظري المساعدات والطواقم الطبية    وزير الدفاع يلتقي عددًا من مقاتلي المنطقة الغربية العسكرية    وزير الصحة يبحث خطط شركة "أكديما" للتوسع في الصناعات الدوائية والتصدير    وظائف بنك القاهرة 2025.. اعرف التخصصات المطلوبة وأهم الشروط    أجندة قصور الثقافة هذا الأسبوع.. انطلاق ملتقى دهب واستمرار مهرجان مسرح الطفل وأوركسترا مصر الوطني يصل شرق الدلتا    رئيس حزب الإصلاح والنهضة يكشف تفاصيل مخطط الجماعة الإرهابية لاستهداف سفارات مصر    عائشة تحقق حلم الطب.. نهاية سعيدة لقصة تلاعب إلكتروني كادت تسرق المستقبل    وزارة الصحة تعلن قرارا مهما بشأن صندوق التعويض عن مخاطر المهن الطبية    التنكيل بالضفة... حملات اعتقالات واقتحامات إسرائيلية واسعة فى الضفة الغربية    "مباراة عادية".. المصري هيثم حسن يتحدث عن مواجهة ريال مدريد في الدوري الإسباني    "4 ملايين ريال".. الأهلي يُكافيء لاعبيه على السوبر السعودي    يسري جبر: هذا جزاء من يتقن عمله    إطلاق مبادرة "سلامة تهمنا" في الإسكندرية لنشر ثقافة السلامة والصحة المهنية    تراجع أسعار الدواجن والطيور الحية اليوم الأحد فى أسواق الإسماعيلية    "سيد الثقلين".. سر اللقب الشريف للرسول صلى الله عليه وسلم في ذكرى مولده    دعاء الفجر | اللهم يسّر أمورنا واشرح صدورنا وارزقنا القبول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وجوه الشر!
نشر في شموس يوم 02 - 02 - 2017

الشر لا تحكمه إلا قناعاته، يمارس الجذب والإبهار، ويهاجم ويداهم ويتجاوز كل المعلوم، قد يأتى مبرمجًا مبطنًا أو محجوبًا، لكن رهانه أن يتحاشى العقل ويناوره ولا يحاوره، ويطرح تزييفًا لأوهام واعتقادات للسيطرة على الاستحقاقات، التى ينظمها ويحميها المنطق والأخلاق؛ بل يتبدى الشر عنفًا ليفصل بين المعرفة والواقع، ليمنع عدالة الاستحقاق،
حيث تغطى وجوه الشر أقنعة متعددة لمواجهة كل إقصاء، ليظل ماثلاً فاعلاً، تحميه ألاعيب المحرفين التى تمارس إعفاء الشر من مسئولياته كافة. صحيح أن انحسار مسئولية المواطن عن الشر الناتج من تقصيره وتجاهله له، ينفى عنه استحقاق المواطنة؛ بل كل اكتساب غيره، بوصف المواطنة نظامًا للعيش المشترك للأفراد والجماعات تكافلاً وتضامنًا، والصحيح كذلك أن ممارسة المواطن لمبادرات الحرية الإيجابية، دفاعًا عن استحقاقات الآخرين، هى ما يعزز المجتمع فى مواجهة الشر؛ إذ يمارس الشر وسائل تعجيز متعددة، تمسك بمفاتيح الاستحقاقات فى أشكالها المختلفة، ليسلب أصحابها اقتدارهم، حيث بالتعمية والتضليل يسلب الشر من ضحاياه حريتهم الحقيقية فى ممارسة حق الفهم، وبالتجويع ينهى الرغبة فى المعرفة، وباستبداد الجهل تموت فكرة المضاهاة بين البشر التى ترسخ مبدأ المساواة، ليصبح الطابع الإرغامى للشر هو الخيار الوحيد للبشر؛ لذا غدا الشر سائحًا بينهم. ترى كيف نواجهه؟ تأتى فعالية ممارسات المواطنين الشرفاء للمبادرات الإيجابية الحرة دفاعًا عن استحقاقات الآخرين المهانين، لتؤسس لهم إمكانية امتلاك قدرات ذاتية تمثل نقلة معرفية، فتضع حدًا للمعوقات، حتى يتخطى المهانون بوعيهم تاريخ امتهانهم، ويعد الكاتب الروسى ليف تولستوى ( 1830 -1910 ) نموذجًا لهؤلاء المواطنين الشرفاء الذين واجهوا بفعالية الشر دفاعًا عن الحق الإنساني؛ إذ كان مسكونًا بتغيير واقعه ومحيطه اجتماعيًا وفكريًا وأخلاقيًا، خلاصًا من متعارضات الواقع، فقد انتقلت إلى «تولستوي» ملكية أراض شاسعة وافرة الإنتاج، ومعها أيضًا عبيد من الفلاحين الذين يكدحون، كى يزداد هو ثراءً وليظلوا هم عبيدًا، لا يحصلون على ثمن مقابل عملهم وطاعتهم.
لم يكتف «تولستوي» بقدرة الإبداع على الإشعاع بدلالته النهضوية، كمساحة لاشتغاله، حيث حالة الاستعصاء التى تبدت فى انتشار الجهل بالقراءة والكتابة والمعرفة لدى العبيد من حوله، شكلت ضغطًا إلى حد الاختناق الطوعى والإكراهى فحرمت العبيد من تغيير واقعهم، فوزًا بحرياتهم والتمتع بحقوقهم، فراح يبحث عن تحقيق جنة الاستحقاقات الإنسانية لهؤلاء العبيد، فمارس استنهاض مجتمعه من حصونه وجزره واعتقاداته العازلة، بنشر مقالاته الداعية إلى المساواة بين الناس لتنمية قابلية المتقبل لعدالة الاستحقاقات الإنسانية، لكن لأن حوامل تلك الاستحقاقات تتبدى فى تواصل أجيال متراكضة، من المستحقين المسلحين بالمعرفة والوعي، ويقين المقاومة العنيدة لأهدافهم، وليس تجليات الثرثرة؛ لذا وضع زتولستويس برنامجًا عقلانيًا، دون ربطه بتوجه المجتمع المتحقق بالفعل، متمثلاً فى العون الفكري، والأخلاقي، والتربوى للعبيد الفلاحين الأميين أصحاب الاستحقاقات الضائعة، فأسس فى البداية بمنزله مدرسة لتعليم الفلاحين العبيد وأولادهم، الذين يعملون فى ضيعته، ثم تبعها مدارس أخرى متعددة خارج منزله، إذ شهدت حياة زتولستويس سنوات طويلة من الانهماك تركيزًا على صناعة الظروف التى تحقق ضالته فى تعليم العبيد، وحراسة مكتسباتهم خارج المطروح الراهن فى مجتمعه الذى يحاصر المواطنة بالعبودية، ويعجز أمام تحديه الأعظم فى مواجهة عقلنة فكرة شراء البشر وامتلاكهم. انفتح «تولستوي» على التجوال الرحب خارج روسيا، لاستكشاف ما لم يبد له بعد فى طرق التعليم والتربية، فسافر إلى باريس، ولندن، وبرلين، ودريسدن، وانخرط فى زيارات إلى مدارس عامة متعددة، مطلعًا على مناهجها، ثم عاد بعتاد من الكتب عن التربية بلغات مختلفة، مستعينًا بها فى مشروعه. صحيح أنه فى عام 1861، كان أول وأهم الإصلاحات فى روسيا، تحرير العبيد البالغ عددهم 23 مليون روسي، حيث حصلوا على حريتهم ومواطنتهم كاملتين، والصحيح كذلك أن «تولستوى» كان قد أتم مشروع مدرسته الجديدة لتعليم الأطفال، التى جوهرها تعليم «المساواة والحرية». لقد استمر الرجل مهمومًا بمشروعه بإحلال ما ليس واقعًا بعد، فأصدر مجلة تابع فيها نشر المقالات عن المشكلات التربوية، ثم أصدر «كتب القراءة الأربعة» المخصصة للأطفال التى أوصت وزارة التعليم العام بإقرارها على المدارس الابتدائية، إذ من خلال أجناس أدبية متنوعة، تتغنى حكاياتها بقيم فورية الحق، وآمرية الواجب، وأمن العقل، وإدراك المسئولية عن الجسد، وغيرها من القيم.
ولأنها تجيب عن سؤالنا المطروح سابقًا، فقد انتقينا من «الكتب الأربعة للقراءة» إحدى الصياغات التخيلية الأسطورية التى تدور بين بشر وحيوانات، عنوانها زمن أين يأتى الشر؟ إذ حسم حجب الشر لا يتأتى إلا بمعرفة من أين يأتي؟ فهى تحكى عن ناسك كان يعيش وحيدًا مع الحيوانات، خارج لعبة العنف، وباقتدار التفاهم، وبينما كان الناسك نائمًا، اجتمع غراب، وحمامة، وأيل، وأفعى وانخرطوا فى تساؤل: لم وجد الشر فى العالم؟ فقد أكد «الغراب» أن الشر ناجم عن الجوع، فيصف بهجته عندما يشبع، وعندما الجوع يحضر يقصيه عن العالم كله، ويلتهم طعامًا ممجوجًا سبق أن رفضه، ومن يحاول انتزاعه منه لن يقوي. فما أكثر من ماتوا جوعًا، إن الشر كل الشر ناجم عن الجوع. أقرت زالحمامةس أن الشر كله ناجم عن الحب، إذ المأساة فى العيش زوجين، حيث يحب الزوج زوجه، ولأنه لا راحة مع الحب، نرى الزوج دائمًا قلقًا عليها، وإن فارقته يهاجمه الوهم أنها اختطفت؛ فينطلق بحثًا عنها، وإن أصابها مكروه فبعدها لن يحلو بعينيه العيش، وإن لم تعد يعيش حياته بحثًا عنها والبكاء عليها. إذن فالشر ناجم عن الحب. أما «الأفعي» فترى أن الشر ناجم عن الخبث الجماعى الذى ينتج عنه تعتيم الحقائق، ومواراتها، وطمسها، فيتولد الخصام والغضب، والدفع إلى الثأر، عندئذ يبدأ الزحف إلى الضحية، والاستعداد للعض ولا يهدأ الهياج إلا إذا قاد إلى الهلاك؛ لذا فإن كل ما فى العالم من شر ناجم عن الخبث. ويأتى دور «الأيل» ليؤكد أن الشر ناجم عن الخوف؛ الذى إذا استولى على ضحية تظل تركض لا تعرف إلى أين، وقد تندفع فتسقط وتتحطم، وإذا نامت فبعين واحدة، والأذن تظل منتصبة يحركها الخوف، فلا راحة إذن؛ لذا فكل الشر ناجم عن الخوف. وينتهى الحكى بما يقوله الناس: إن كل الشر الموجود فى العالم ناجم عن الجسد، فعنه ينجم الجوع، والحب، والخبث، والخوف.
هل لأن الجسد هو الحامل لأعماق الإنسان، أى لذاته التى قد تجرفه بأطماعها إلى عواصف السلوك، عندما يضع ذاته دائمًا على حدة ممن حوله، ليطلق عليهم شروره المستترة أو المعلنة؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.