حتما كان يجب عليه أن يرتاح ولو لفترة خمس دقائق فقط. الدوران حول العالم أرهق قدميه وكبده، وهن قلبه، ما عاد قادرا على ضخ الدم في أوصاله، الموت الآن يعتبر راحة أبدية بعيدة المنال، لكن الركض الاضطراري في شوارع القاهرة المزدحمة التي غٌصت بالمتسكعين، والغاضبين، والمتشردين، والفقراء الذين أحرقتهم شمس أغسطس الملتهبة يبدو أيضا حتميا وخارج عن نطاق السيطرة. كان النهار في منتصفه، وكانت عيناه حمراوان، غائرتين تحت جفنين ملكهما السواد المدقع تمسحان الشوارع والناس، وتتلهفان بشغف للقاء شخص ما مايزال القلب الواهن داخل الصدر العليل يترنم باسمه. وكانت قدماه تركض في عجالة تطارد اوهاما كثيرة تمكنت من رأسه في رقعة تتزايد اتساعا في الجهات الأربعة الأصلية لعله يهتدي الى شخص ما، أو شيء ما يعينه على إخماد تلك النيران التي تستعر بشدة داخل رأسه، وفي صدره، وداخل قلبه الواهن أيضا. بدا كمن يبحث في فضاء السماء السابعة عن مخرج لأزمته المزمنة مع أيامه وكل من حوله. طرف بعينه في اتجاه السيارات التي تعوي في الشارع، وترسل عادمها الفاسد الى السماء. في خضم الشارع المزدحم بالاغبرة الترابية، ورائحة العرق والتبغ واشباح من دون ملامح تشقق حذاؤه الأسود البالي وتفككت اوصاله، مثلما تفككت اوصال قلبه وكبده. دارت السماء فوقه سبع دورات مجنونة، مرعبة، لكنها كانت حزينة، صمتت مع صمته، سقطت مع سقوطه حينما أراد ان يميل جهة اليمين في اتجاه معشوقته. تجمع الناس، تحلقوا حوله، قلبوه يمينا ويسارا، مازالت عيناه تطالعان السماء في صفاء، وراحة، ووجه مثل الحليب الرائق، وملامح ذهبية تخبر العالم إنه قد إرتاح الآن وليس بمقدور احد ان يزعجه.