كثيراً ما أصادف شابات وشباب يتميزون بالحيوية ويمتلكون حس الإبداع والرغبة في إطلاق مشاريعهم الخاصة، ولكن كل ذلك أحياناً ما يعترضه سؤال محير ومهم وهو- متى أدخل عالم ريادة الأعمال ومتى أبدأ مشروعي الخاص؟ إن حيرتهم هذه لا تنبع من ضعف عزيمتهم أو قلة شغفهم بفكرة ريادة الأعمال، بقدر ما تنبع من قلة الدعم الاجتماعي وهاجس الخوف من المجهول، أو بعبارة أخرى "الفشل"، وهذا ما يدفعنا ويحفزنا كمسؤولين لتقديم كافة أشكال الدعم لهؤلاء الشباب الذين يحاولون دوماً الإجابة على ذلك السؤال المصيري. إن بدء مشروع تجاري أو تأسيس شركة ليس بتلك الخطوة الهينة أبداً، وخاصةً عند مقارنتها بالفرص الممكنة والمتاحة في الحصول على وظيفة أكثر راحةً وأماناً، سواءً كانت في القطاع الحكومي أو القطاع الخاص، بالإضافة إلى عدم تقبل الكثير منا فكرة الفشل، مما يزيد الأمر تعقيداً لدى العديد من الشباب الطامحين لبدأ رحلتهم في عالم ريادة الأعمال والانطلاق نحو تأسيس مشروعاتهم الخاصة. فعندما يفكر حديثو التخرج بالعمل، يتأرجح العديد منهم من أصحاب العقول التجارية والأفكار النيرة بين الرغبة القوية في الإبحار في عالم المشاريع الخاصة بمفردهم من جهة، والخوف الشديد من احتمال الفشل كرواد أعمال من جهة أخرى. بيد أن هناك البعض الذين اختاروا أن يتغلبوا على جزء من مخاوفهم من خلال المحافظة على وظائفهم الأساسية وبدء مشاريعهم الخاصة كعمل مسائي إضافي. وفي الحين الذي نبارك ونشجع فيه مثل هذه الخطوة إلا أن ذلك لا ينفي أن هؤلاء الشابات والشباب مازالوا يعانون من مخاوف حقيقية من تكريس وقتهم بشكل كامل لإنجاح مشروعاتهم الخاصة والمساهمة في تنشيط الدورة الاقتصادية لبلادهم. وهنا أود أن أشير لأهم درس استفدته من تجربتي الشخصية في ريادة الأعمال، وهو أن الإحباط والفشل، وخصوصاً في مرحلة البداية، هو جزء مهم في رحلة السعي إلى نجاح المشاريع التجارية وريادة الأعمال، وأن الفشل إذا حدث في البداية فهو أمر إيجابي لأننا نتعلم أهم الدروس خلال هذه الفترة، ونستفيد منها في المراحل القادمة لمسيرتنا في ريادة الأعمال، وعليه فالفشل في مرحلة البداية لا يجب أن يقلل من شعورك بالتفاؤل بما ينتظرك في المستقبل. بل نستطيع القول بأن الفشل قد يكون الخطوة الأولى نحو النجاح ولكَم في قصص الكثير من المشاهير العالميين عبرة في ذلك. والدرس الآخر، وهو الأهم للشباب الطامحين للقيادة، هو أنه لا يوجد ما يسمى بالوقت المثالي لبدء مشروعك. فاليوم هو أفضل وقت للانطلاق في ريادة الأعمال، ويمكنك اتخاذ الخطوة الأولى، على سبيل المثال، بكتابة أفكارك وتلخيصها ووضعها كخطة أولية، فهذا سيمنحك الثقة والعزيمة للخطوة التالية، وبعدها سوف تأتي الخطوات الأخرى سريعاً، وستتعلم وتستفيد من أخطائك وتصححها بينما تواصل مسيرتك نحو ريادة الأعمال. إن العمل في وظيفة حكومية شرف وواجب، فخدمة وطننا هو أسمى ما نقدمه له. ولكننا ندرك أن الحكومة وحدها لا تستطيع توفير هذا العدد الهائل من فرص العمل المطلوبة لاستيعاب جميع شبابنا، وبإلقاء نظرة سريعة على أقوى اقتصادات العالم، سنجد أن قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة تشكل فيها نسباً تتجاوز 90% من حجم قوتها الاقتصادية، ولذلك فإن تأسيس مشروعك الخاص وتحويل أفكارك التجارية الإبداعية لمشروعات على أرض الواقع هي خدمة سامية للوطن، تماماً كالعمل في الوظيفة الحكومية. إنني على ثقة، ولا يراودني أدنى شك بأن قطاع ريادة الأعمال في إمارة الشارقة، ودولة الإمارات العربية المتحدة، يزخر بإمكانيات هائلة لتوفير فرص عمل مختلفة ومتنوعة وللمساهمة في تنشيط الاقتصاد ودعم توجه الدولة نحو تنويع مصادر الدخل بعيدا عن الموارد الطبيعية، ومن أجل تحقيق ذلك، على شبابنا أن يقتنع بأهمية وجدوى ريادة الأعمال كاختيار مهني أكثر جاذبية من الوظائف والمهن التقليدية المتعارف عليها وأن يكونوا على يقين أننا معهم داعمين ومشجعين على اتخاذ هذه الخطوة المهمة، وأننا سوف نقف معهم في بدايتهم ومسيرتهم. لقد نجح العديد من رواد الأعمال في دولة الإمارات العربية المتحدة في أن يسطروا بما قدموه من ابتكارات وإبداعات وإنجازات قصص نجاح عظيمة، حتى باتوا يمثلون إلهاماً كبيراً لبلدنا وللعالم بأسره، وأصبحت شركاتهم مصدراً للفخر، وأصبحت مسيرة حياتهم نموذجاً يحتذي به الآخرون، وتحولت قصصهم وأفكارهم إلى مصادر ثمينة للمعرفة لا تقدر بمال. من الأمثلة المشرقة في دولة الإمارات قصة رائد الأعمال خليفة الجزيري ومشواره نحو الريادة، فبعد تخرجه كمهندس معماري، وانتهائه من درجة الماجستير في التخطيط العمراني من الجامعة الأمريكية في الشارقة، قام خليفة بتأسيس شركة لنظم إدارة المنازل عن طريق الانترنت في عام 2003، لتصبح اليوم واحدة من أوائل شركات إدارة المنازل عن طريق الانترنت في دول مجلس التعاون الخليجي. وهناك تجربة ناجحة وملهمة أخرى وهي تجربة جنجر دوسيه، الأستاذة السابقة في الجامعة الأمريكية في الشارقة، وهي مخترعة أخذت على عاتقها مهمة تطوير طوب من مكونات طبيعية وصديقة للبيئة ، فبدأت في التفكير والتخطيط لإطلاق شركتها، "بايو ماسون" والتي تمكنت من خلالها من صنع طوب من الماء صالح للاستخدام في البناء، ومن دون الاستخدام المكثف للطاقة. وما أن نجحت أولى خطواتها في تأسيس الشركة، حتى قامت بافتتاح فروع عدة لبايو ماسون في مناطق أخرى من العالم، وها هي تقوم حالياً بالتفاوض مع وكالة ناسا من أجل تطوير طوب بناء يمكن استخدامه على كوكب المريخ. اعتقد أنه لو انتظر كل منهما ما يسميه البعض بالوقت المثالي لبدء مشروعه، ربما لما سمعنا عن خليفة أو جنجر حتى الآن، لذا فإن قدرة كل منهما على المخاطرة الشخصية والمالية وثقته الكبيرة في نفسه وأفكاره، تعتبر مثالاً طيباً يجب سرده للجيل الجديد من الشباب من أصحاب الإرادة والطموح الراغبين في صناعة أنفسهم والانطلاق نحو المستقبل عبر ريادة الأعمال، لاسيما وأن هؤلاء هم المجددون الذين سوف يرسمون مستقبل دولة الإمارات العربية المتحدة والعالم. من المؤكد أننا، كأفراد وكدولة، نستطيع تقديم المزيد لتبديد مخاوف رواد الأعمال الصاعدين، وتشجيع المزيد من"المجددين"، وهذا يتطلب وضع سياسات تساعد على تمكين هذه المشاريع وأصحابها من النجاح، كنشر ثقافة تتبنى وتحتضن المخاطرة في مجال ريادة الأعمال، والعمل على تسهيل حصول رواد الأعمال على تمويلات للمشروعات الجديدة وتوفير الأسواق الملائمة للمشروعات ومنتجاتها، وتحسين أساليب دعم المؤسسات والبنية التحتية لرواد الأعمال، إذ تلعب السياسات والمؤسسات دوراً هاماً وجوهرياً في بناء نظم داعمة لريادة الأعمال، وهذا هو السبب الذي أطلقنا من أجله مركز الشارقة لريادة الأعمال (شراع). لقد تأسس مركز الشارقة لريادة الأعمال، "شراع"، بهدف تسهيل وتمكين مسيرة رواد الأعمال في إمارة الشارقة والإمارات العربية المتحدة، ولهذا يضم شراع نخبة من صناع السياسات وشباب رواد الأعمال ومؤسسات التعليم العالي والقطاع الخاص، ويهدف لبناء نظام شامل يشجع التنافسية والابتكار ويدعم ريادة الأعمال، ويساعد شباب رواد الأعمال على التغلب على مختلف التحديات التي قد تواجههم. من المتوقع أن تكون التحديات عديدة، وقد تبدو المعوقات أحياناً صعبة، وربما يراود شباب رواد الأعمال الإحساس بأنهم مرشحون لوضع أفضل في حال اختيارهم وظيفة تقليدية. من أجلهم ومن أجل وطننا، ولكن نبقى في أمس الحاجة لشباب على قدر التحدي مستعدون لاتخاذ الخطوة الأولى في تأسيس مشاريعهم وهم على يقين من أننا مستعدون لدعمهم على طول الطريق، وفي مختلف الظروف ونحن، بكل تأكيد، لن ندخر جهداً، في تشجعيهم على مواصلة خوض غمار التحديات، لثقتنا الكاملة في قدراتهم على تجاوزها بنجاح واقتدار والوصول بأفكارهم إلى بر الأمان.