عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، صدرت المجموعة الشعرية "شرفة تنظر إلى الداخل" للشاعر محمود شرف، وهي السادسة في مسيرة "شرف" الشعرية، منذ ديوانه الأول "هوات طبيعية" الذي كان قد صدر في العام 1997. أربعة أجزاء احتوتها المجموعة؛ هي: "صباح جديد لك، قهوة أخرى لي". و"مدى تفترش سمائي"، و "كما يعشق..كما يكون"، و"كلما فر.. أعادته أوجاعه". و تتميز قصائد الجزء الأول فقط بالطول النسبي، عن بقية الأجزاء الثلاثة، التي تتسم قصائدها بالقصر الشديد؛ ما يجعلها تنتمي لما يمكن تسميته بالإبجرامات، أو قصائد الهايكو، بينما لا تحمل قصائد تلك الأجزاء عناوين منفصلة، بعكس قصائد الجزء الأول. يحاول محمود شرف في تلك المجموعة الجديدة، من خلال التكثيف الشديد، أن يجترح آفاقا أخرى في تجربته الشعرية، تعتمد على الصورة الشعرية شديدة التركيز، التي تقترب في كثير من مناطقها من حدود الفلسفة، والتصوف أحيانا، إلى جوار أناقة اللغة ورشاقتها، وعمقها في نفس الوقت، متخلصا من ترهلات النص الحديث المعتادة. وفيما تقف تلك اللغة على حافة التقعر في بعض المناطق؛ تبدو سلسة، سهلة المنال في مناطق أخرى، وهي في كل أحوالها معبّرة، قادرة على حمل الصورة بشكل متناسق، وإن شكّل هذا التباين نتوءا في جغرافيا الديوان، الذي يبدو أنه لم يحمل قصائده متجاورة إلا لسبب قربها الزمني في الكتابة، أكثر من كونها تنتمي إلى نفس الخط الجمالي. ورغم هذا؛ فإن ذلك الأمر لا يتبدى سوى في مجموعة قليلة من قصائد الديوان. وبعيدا عن التقنيات الفنية التي يعتمدها "شرف" في ديوانه؛ فإنه يقترب في "شرفته" من مناطق الضعف الإنساني الذي يكون عليه الشاعر بوصفه إنسانا، في كثير من المواضع : " لِمَاذَا يُحِيطُ بِي التُّعَسَاءُ .. وَ أَبْقَى أَعْزِفُ أَنَاشِيدَ الْأَمَلِ لَهُمْ كَعَازِفٍ جَائِلٍ يَلْعَبُ عَلَى الْبِيَانُولَّا وَ يَحْمِلُ عَلَى ظَهْرِهِ صُنْدُوقَ الدُّنْيَا لَكِنْ أَيُّ دُنْيَا أُرِيهِمْ أَنَا الَّذِي يَسْكُنُهُ الْوَجَعُ أَنَا الَّذِي لَمْ يَرَ فِي عَتْمَةِ رُوحِهِ" يصل إلى حد اليأس، أحيانا: "لَا مَيْدَانَ يَقْبَلُنِي وَلَا ذَاكِرَةَ، يَبْقَى الْجُرْحُ غَائِرًا وَالْأَسْمَاءُ مُبْهَمَةٌ" ويرتقي فيما يشبه التصوف إلى حدود التماهي، والتناسخ، في مساحات أخرى: " أَنَا نَبِيٌّ .. فِي حَيَاةٍ أُخْرَى، تَلَكَّأَ عَلَى عَتَبَاتِ قَاتِلِهِ.. ثُمَّ أَسْدَلَ مُوسِيقَاهُ، وَ أَغْمَضَ عَيْنَيْهِ .. لِيَمُرَّ جِبْرِيلُ مِنْ بَيْنِ خُصْلَاتِ شَعْرِهِ….." كما يحمل الجزء الثالث من الديوان "كما يعشق.. كما يكون"، حسا رومانسيا غير معتاد لدى شعراء قصيدة النثر؛ ما يشير إلى أن الشاعر غير معني كثيرا بالتصنيفات السائدة. محمود شرف شاعر ولد في عام 1975، ويعمل مذيعا بقناة النيل الثقافية، كما أنه مؤسس ومدير مهرجان طنطا الدولي للشعر، الذي انطلقت أولى دوراته العام المنقضي، وقد سبق له أن شارك في عدة مهرجانات شعرية عربية وعالمية، وترجمت قصائده إلى عدة لغات، منها: الإنجليزية، الفرنسية، الإيطالية، الإسبانية.