بقيامة المسيح تتجلّى المعرفة الكاملة للإنسان، فتتبدّل كلّ المفاهيم، وتتحوّل المفردات وتتمنطق بفكر المسيح الحيّ. وإذا كان رجاؤنا في المسيح لا يتعدّى هذه الحياة، أي إذا كنّا ما زلنا نبحث عن مخلّص لظروفنا الحياتيّة، ومشاكلنا اليوميّة، والمشقّات الّتي نواجهها بسبب الاضّطهادات وحسب، فنحن أشقى النّاس. وإذا كنّا نرجو حياة هانئة بالمسيح خالية من الصّعوبات، فنحن ما برحنا نغرق في عبوديّة العقل الفرّيسيّ الّذي ما زال ينتظر مخلّصاً يؤازره للسّيطرة على العالم. بيد أنّ المسيح منحنا بقيامته الغلبة على العالم وذلك بإخراجنا منه وإن ما زلنا فيه، ووهبنا أن نرتفع فوق رغباته ومغرياته، لننطلق نحو الحرّيّة الكاملة. الحياة هي الحياة بطبيعتها النّاقصة وبكلّ ما تحمل من أفراح وأحزان، ويسر وعسر، ومحن وابتهاج، وقلق وطمأنينة. وكلّ هذه الظّروف تؤسّس لخبرتنا الشّخصيّة وتصقل كياننا الإنساني وتهيّئه لملكوت السّماوات. فهدف وجودنا في العالم هو بلوغ قلب الله عن استحقاق وفهم ومعرفة وإيمان. والاستحقاق يفترض سعياً جدّيّاً وجهاداً فكريّاً وروحيّاً بغية الانصهار بالمعرفة والمحبّة الإلهيّة. والمعرفة إذا ما فاضت من فكر المسيح وانسكبت في عقولنا وترسّخت في أذهاننا، صبت إلى ما هو فوق، وما عادت الأرضيّات تغويها، واستنارت بالحكمة وأغدقتها على العالم. والإيمان إذا ما استحوذ على قلوبنا عاينّا المسيح الحيّ. يرافقنا المسيح في كلّ أوقات حياتنا، ولا بدّ أنّه يساعدنا على تخطّي المحن، إلّا أنّه علينا أن نرتقي بحياتنا إلى مستوى مشروع الله، فنجعل من كلّ أمر هدفاً للخير الّذي يريده الله. " كلّ ما عملتم بقول أو فعل، فاعملوا الكلّ باسم الرب يسوع، شاكرين الله والآب به" ( كولوسي 17:3). والشّكر هنا غير مرتبط بتحقيق طلباتنا أو عدم تحقيقها، وإنّما مرتبط بصلاح الله. ما يعني أنّ كلّ لحظة من حياتنا تسمو إلى مستوى الخير الّذي يريده الرّبّ. " الّذي يهتمّ باليوم، فللرّبّ يهتمّ. والّذي لا يهتمّ باليوم، فللرّب لا يهتمّ. والّذي يأكل، فللرّب يأكل لأنّه يشكر الله. والّذي لا يأكل فللرّب لا يأكل ويشكر الله، لأنّ ليس أحد منّا يعيش لذاته، ولا أحد يموت لذاته. لأنّنا إن عشنا فللرّب نعيش، وإن متنا فللرّب نموت. فإن عشنا وإن متنا فللرّب نحن" ( رومة 8،7،6:14). ولمّا كنّا قد متنا مع المسيح وقمنا معه، فكياننا كلّه تجدّد به، وبات يعمل ويجتهد ليحقّق مجد الله في العالم. " مع المسيح صلبت، فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيّ. فما أحياه الآن في الجسد، فإنّما أحياه في الإيمان، إيمان ابن الله، الذي أحبّني وأسلم نفسه لأجلي." ( غلاطية 20:2).